ايران تحتل البئر النفطية رقم 4 الذي حفر في العام 1979 والذي يقع في حقل الفكة ويمثل جزءا من ثلاثة حقول يقدر مخزونها بـ 1,55 مليون برميل. وقد وضعت في جدول التراخيص الذي اعلنته وزارة النفط العراقية في حزيران (يونيو) 2009. علل الايرانيون تصرفهم هذا بالخلاف على ترسيم الحدود مع العراق حيث اختفت علاماته أثناء الحرب التي دارت رحاها فيما بين البلدين في الفترة الممتدة فيما بين الأعوام 1980 و1988، الا أن أساس الموضوع هو أتفاقية الجزائر.
فبعد ان صرح الرئيس جلال الطالباني: ان اتفاقية الجزائر في حكم الملغاة، ودعا القادة الايرانيين الى طاولة الحوار، وجاء رد الايرانيين بان اتفاقية الجزائر لا زالت سارية المفعول، وجاء الرد عبر وزير الخارجية الايراني منوشهر متكي الذي اكد تمسك بلاده باتفاقية الجزائر الموقعة بين العراق وايران عام 1975 لترسيم الحدود بين البلدين، رافضا اعلان الرئيس العراقي جلال طالباني انه يعتبر الاتفاقية ملغاة وقال أن العراق لايمكنه الغاء الاتفاق.
يقول النائب عن الكتلة الكردستانية محمود عثمان عن تلك الاتفاقية انه لا بد من الغاء بنود الاتفاقية التي تتعلق بالأوضاع الأمنية والسياسية لأن العراق وافق في حينه على تلك التنازلات ” من أجل اجهاض الثورة الكردية “وكان واحدا من أهم اسباب اندلاع الحرب العراقية الايرانية الغاء تلك الاتفاقية، حيث أعلن الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في حينها بعيد توليه الرئاسة العراقية الغائه لذلك الاتفاق.
شكلت اتفاقية الجزائر وبالا على العراق والمنطقة كلها، وقد عمد نظام صدام حسين لإبرامها والتنازل عن حقوق العراق في شط العرب في حينها لقاء وقف الدعم الإيراني للثورة الكردية، وبعد إخماد تلك الثورة عاد نظام صدام للمطالبة بتلك الحقوق التي تنازل عنها وهاجم إيران لتشتعل المنطقة ثمانية سنوات عجاف، ونتيجة لتلك الحرب والديون على العراق شن العراق حملته على الكويت وفي خلال ذلك تنازل مرة أخرى عن كافة مكاسبه التي حققها في الحرب لإيران لقاء تجنب الهجوم على العراق أثناء حرب الكويت، ومن المعلوم أن حرب الكويت والحصار الإقتصادي من الأسباب التي أقنعت الإدارة الأميركية بغزو العراق، تنازل النظام البعثي عن حقوق العراق لإيران لمرات عدة لقاء مصالح ومكاسب وقتية هل يعيد التاريخ نفسه؟ ويعيد المالكي نفس الحكاية ليثبت أقدامه في مواجهة الأكراد؟ ما هي اتفاقية الجزائر؟ وما كان الهدف منها؟ ولماذا دعا الرئيس الطالباني الى الغائها ؟
شكلت حدود العراق مع ايران أحد المسائل التي تسببت في اثارة الكثير من النزاعات في تاريخ العراق، ففي العام1837 وعلى أثر الهجوم الذي تعرضت له منطقة المحمرة التي كانت تحت السلطة الرمزية للدولة الايرانية من قبل والي بغداد علي رضا باشا والذي أدى الى تدميرها، طالبت ايران الدولة العثمانية بتعويض الأضرار التي لحقت بالمحمرة وأهالي منطقتها فعقد مؤتمر أرض روم الذي شارك فيه ممثلي الدولتين العثمانية والايرانية بالاضافة الى الحكومتان الروسية والبريطانية واستمر ذلك المؤتمر ثلاثة سنوات تمخض عن اتفاقية ارضروم حيث خصصت فيها المحمرة وعبدان وبعض المناطق الأخرى للدولة الايرانية والحقت مدينة السليمانية ومنطقتها بالدولة العثمانية وذلك طبقا للمادة الثانية من تلك المعاهدة وهكذا تمتع العراق بسيادة مطلقة على شط العرب من الضفة الى الضفة استمر هذا الوضع على ما هو عليه لحين الانقلاب العسكري الذي قاده عبد الكريم قاسم ضد نوري السعيد في تموز العام 1958 حيث كان من تداعيات هذا الانقلاب تزايد التدخل الايراني في الشوؤن الداخلية العراقية حيث دعم الايرانيون الأكراد في صراعهم الداخلي دون أن يتطور ذلك التدخل الى اشتباك مباشر فيما بين الحكومتين العراقية والايرانية، ما أشبه الأمس باليوم في ظل الحرب الباردة وخاصة بعد لأحداث التي أعقبت الحرب لعالمية الثانية وفشل التحركات الرامية الى اسقاط النظام الايراني واشتداد وتيرة الحرب الباردة تسلحت ايران الشاه بأحدث الأعتدة العسكرية وشكل الشاه واحدا من أقوى الجيوش في المنطقة، وصارت ايران تتحدث مع بلدان الجوار من منطق القوة في فرض أجندتها السياسية بالتناغم مع سياسات الدول الغربية، باستلام بعثيي العراق السلطة عقب انقلاب تموز 1968 تطورت علاقات العراق مع الاتحاد السوفياتي من خلال معاهدة تعاون وصداقة ابرمت فيما بين البلدين، ومنح النظام العراقي أكراده حكما ذاتيا في 11 آذار 1970، ازداد انتاج البترول العراقي وارتفعت أسعار البترول في السوق العالمية مما ساعد العراق على تحقيق طفرة غير مسبوقة وظفها في تطوير قدراته الدفاعية، في الذكرى الرابعة لمنح العراق الحكم الذاتي لأكراده تنصل من بعض التزاماته اتجاه الشعب الكردي وازدادت تدخلات الجانبين العراقي والايراني في شؤون بعضهما البعض الداخلية ووصلت الأمور الى حد المواجهة، فدعم النظام العراقي آنذاك بعض الأحزاب المعارضة للنظام الايراني (كالجبهة الشعبية لتحرير الأحواز، الجبهة الشعبية لتحرير بلوشستان الغربية، الحزب الديمقراطي الكردستاني في ايران، فدائيي خلق، والحركة الدينية بالاجمال) بالمقابل قدمت ايران الدعم اللوجيستي والدعم المادي والعسكري للحركة الكردية العراقية وكانت كلا الحركات العسكرية في الجانبين تقوم بشتى الضغوطات السياسية والعسكرية على أنظمتها الأمر الذي أصبح ينذر باندلاع حرب شاملة بين الجانبين في ظل حرب باردة مما كان سيؤدي الى جر أطراف اقليمية ودولية الى المعركة، مما دفع الكثير من هذه الأطراف سواء على الصعيد الاقليمي أو الاسلامي أو الدولي تبحث عن مخرج لهذه الحالة فركزت جهودها نحو جمع شاه ايران والرئيس العراقي الراحل صدام حسين في العاصمة الجزائرية برعاية مصرية ودولية الأمر الذي تمخض عنه اتفاقية الجزائر وهي عبارة عن اتفاقية وقعت في 6 مارس 1975 بين نائب الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين وشاه ايران محمد رضا بهلوي وباشراف رئيس الجزائر آنذاك هواري بومدين ومباركة الرئيس المصري آنذاك أنور السادات بموجب تلك الاتفاقية تخلى العراق عن قسم من مياه شط العرب لقاء تخلي إيران عن مساندة الحركة التحررية الكردية، التي كانت تخوض في تلك الأيام بقيادة الزعيم التاريخي الكردي مصطفى البارزاني كفاحا مسلحا ضد بغداد لنيل حقوق كرد العراق، فكان أن تخلت إيران عن الثورة الكردية وحاصرتها وتسببت في إجهاضها. وتفيد الإحصائيات غير الرسمية أنه بعد إتفاقية الجزائر، وخاصة في الفترة بين سنتي 1977 و1979 تم في إطار عملية تعريب المناطق الكردية هدم أكثر من 600 قرية كردية وترحيل عدد كبير من المواطنين الكرد من مناطقهم الى المناطق الجنوبية. مع أن نطام الحكم الحالي في إيران أطاح بنظام الشاه الذي وقع تلك الاتفاقية، لكنه مازال مصرا على الإعتراف الرسمي بتلك الإتفاقية وتنفيذ مضمونها، من هنا يتبين ان إتفاقية الجزائر كانت واحدة من أكبر الأخطاء في تاريخ العراق، وشكلت مبررا دائما لإيران لتطالب باستمرار بجزء من أرض العراق على أساس تلك الاتفاقية.
وكنتيجة لتلك الاتفاقية استهون نظام صدام حسين استهداف الكرد في ثمانينيات القرن الماضي بعمليات الأنفال وقصف مدينة حلبجة بالصواريخ الكيماوية، مما أدى الى أبادة آلاف المواطنين الكرد، حيث كان النظام العراقي يشعر بأن الكرد لا حول لهم ولا قوة.
التاريخ يعيد نفسه رئيس الوزراء العراقي الحالي المالكي يحاول التنصل من التزاماته تجاه الكرد والكرد يعتصمون بجبالهم محميين بقواهم الذاتية مدعومين من منظومة دولية تمتد من الشرق الأوسط الى أميركا وايران تتدخل في الشؤون العراقية يسارا ويمينا دون أن تجد من يردعها والأكراد يحتفظون بالمعارضة الايرانية من مجاهدي خلق الى الحزب الديمقراطي الكردستاني في ايران وغيرهم من قوى المعارضة اليسارية الايرانية لاستخدامهم في مفاوضاتهم القادمة هل يعيد التاريخ نفسة ونشهد اتفاقية ايرانية عراقية تجهض الفيدرالية الكردستانية العراقية؟
mammassoud@yahoo.com
• كاتب لبناني