“الجزيرة” إلى أين؟: عباس ناصر وخالد داوود حلقتان جديدتان في مسلسل التصفية!

4

لا يفوت المتابع لقناة الجزيرة، وخصوصا اذا كان من الاعلاميين، ملاحظة تغيير كبير طرأ عليها في السنة الاخيرة. فإن لم ينتبه الى تغيير المستوى الذي يتراجع بشكل كبير، فأنه لا بد أن يلتفت الى التغيير الكبير في الوجوه الذي حل. إذ يبدو أن إدارة الجزيرة بدأت بتنفيذ خطة ممنهجة على مراحل لتغيير جلدها والتخلص من كفاءات طالما أشادت هي بها قبل غيرها. اذ لم يسبق أن شهدت أي محطة فضائية عربية أو أجنبية هذا الكم من عمليات الفصل او الاستقالات بين كوادرها في هذه المدة الزمنية القصيرة، وهو أمر أدى الى نتيجتين اثنتين داخل القناة. الاولى: هي زرع موالين للادارة في الاماكن التي يتم إفراغها، ونشر تهديد غير مباشر لدى البقية الباقية مفاده أن المحافظة على الوظيفة أو المكان منوط بالسمع و الطاعة دون نقاش أو جدال، والحرفية والمهنية لا تشفع هنا و تمنح صاحبها حصانة من أي نوع.

فاذا راجعنا قائمة المغادرين لسفينة الجزيرة خلال عام ونصف فأننا نجد :حافظ الميرازي (مدير مكتب واشنطن)، محمد العبدالله (مراسل دبي)، ميشيل الكيك (مدير مكتب باريس)، يوسـف الشـريف (مدير مكتب أنقرة)، مراد هاشم (مدير مكتب اليمن)، حسين عبد الغني (مدير مكتب القاهرة)، جمانه نمور (مذيعة)، نوفر عفلي (مذيعة)، لونه الشبل (مذيعة)، لينا زهر الدين (مذيعة)، عرار الشرع (منتج أول)، إسلام صالح (منتج بقسم المراسلين). وينضم اليهم مؤخرا خالد داود (مراسل نيويورك)، وعلى الطريق عباس ناصر (مراسل مكتب بيروت).

و ان كانت ظروف مغادرة المراسلين و المنتجين مختلفة بين من استقال ومن دُفع الى الاستقالة بطريقة أو بأخرى، فإن الجميع بات على علم بقصة استقالة المذيعات الجماعية احتجاجا على تعامل الادارة معهن. فلم تتردد الادراة في قبول الاستقالات، بل وسارعت الى تعويض اماكنهم بسرعة من اي مكان وكل مكان لقطع الطريق على أي حديث للمصالحة أو المراجعة. و ان لم تنجح الادارة في خلق نجوم جديدة على الشاشة بدلا من تلك التي غادرتها، فإنها لم تكلف نفسها عناء التوقف ولو للحظة لتراجع ما يحدث، ولماذا يحدث، والسبب هو أن ما يحدث مقصود وممنهج. وأكبر دليل على ذلك هو عدم البحث عن كفاءات جديدة محل تلك التي تركت و انما كان الهم هو زرع (مخلصين) للادارة بغض النظر عن مهنيتهم و حرفيتهم.

فكان التوجه الى استقطاب مذيعي الصف الثاني في “بي بي سي” العربية، و قناة “التركية” الناطقة بالعربية غير المشاهدة، كما لم يتسلم الصحفيون ذوو الخبرة في ادارة المكاتب مكان زملائهم الذين غادروا في المكاتب الخارجية (مثل تركيا و اليمن و باريس) وانما كان الحرص على تعيين أصحاب الولاء حتى لو كانوا من غير الصحفيين، او تثبيت وزيادة صلاحيات مدير المكتب في الحالات الاخرى (مكتب بيروت وواشنطن).

ولعل من يطلع على قصص مغادرة بعض هؤلاء يدرك مباشرة حقيقة هذا المخطط للتخلص من اسماء محددة أو معينة.

فالحجة وراء مغادرة عماد الاطرش – مدير مكتب بروكسيل سابقا – وحسين عبدالغني وخالد داود، هي انهم تورطوا في مشادات مع احد زملائهم في المكتب، وهو أمر يمكن وقوعه في أي عمل، لكنه في قناة الجزيرة أدى الى خروج عماد الاطرش ليحل محله شاب طيب صومالي لا يميزه الا علاقة قديمة ببعض عناصر المحاكم الاسلامية في الصومال، فاصبح مديرا لمكتب بروكسيل وعاد الى الدوحة بعد عامين بتقرير يتيم طوال فترة اقامته التي غاب فيها عن الشاشة. و في القاهرة تصبح المشادة سببا قويا لدفع حسين عبد الغني الى ترك العمل، وهو احد مؤسسي قناة الجزيرة وعماد مكتب القاهرة الذي تحمل الكثير من سياسات الجزيرة التحريرية ضد مصر، بل وأحد العناصر القوية التي ساعدت على اقناع محمد حسنين هيكل بالظهور على شاشة الجزيرة.

على ان تفاصيل قضية عباس ناصر تكشف ان الادارة ما عادت تبحث عن ذرائع و حجج، وإنما اصابها من الثقة وربما الغرور ما يدفعها لتنفيذ خططها دون البحث عن ساتر أو غطاء. ومن المؤكد أن المتابع للجزيرة قد افتقد عباس ناصر خلال زيارة الرئيس الايراني الى لبنان. والسر هو أن الادارة أوقفت عباس عن العمل في لبنان انتصارا لمدير المكتب غسان بن جدو الذي تجمعه بالادارة مصالح مشتركة ان لم يكن تأثيره عن صانع القرار أقوى من الادارة نفسها. معلوم لدى القريبين من مكتب بيروت أن الخلافات لم تنقطع بين عباس و مدير المكتب غسان بن جدو الذي يتميز بصلاحيات واسعة ومكانة خاصة داخل الجزيرة. خلافات في وجهة النظر وطريقة المعاملة بين مراسل يريد أن يتميز وأن يستحق عن فعل لقب أفضل مراسل في القناة، وينجح في تحقيق توازن مهني غير مسبوق في أن يكون أهلا للثقة والحظوة عند حزب الله وتيار المستقبل معا، وبين مدير مكتب ذو طموح سياسي وحريص على ان يحتكر لنفسه الاتصالات مع المصادر السياسية ويريد أن يبقى جميع من في المكتب تحت أمره ورعايته. فإن هم نجحوا، فانما ذلك بفضل رعايته وسماحه هو بذلك وبالدرجة التي يريدها. فهذا هو أسلوبه. بل أن كثيرين في الجزيرة يعتقدون أن غسان بن جدو – وربما نقلا عنه هو شخصيا – هو من زكّى وضاح خنفر لدى المسؤولين في قطر كي يصبح مديرا للقناة، وهي شائعة قوية لعلها وصلت وضاح نفسه، ولا ندري هل هي تعبير عن خصلة من إيثار أم إشارة الى قوة النفوذ والتأثير في صنع القرار، أم محاولة لايجاد تبرير لحلم لم يتحقق!!

على أي حال فأن الخلاف بين عباس وغسان والذي بقي مغطى بقشرة من الاحترام من كلا الطرفين من أجل المظهر العام، فجّره غسان في الفترة الاخيرة بعد تألق عباس في تغطية حرب غزة وبشكل لا تخطئه عين القريب من المكتب أو المتابع لاخبار لبنان عبر قناة الجزيرة. اذ لاحظنا ظهورا مفاجئا على شاشة الاخبار بعد غياب من فترة لاخرى لغسان في الاوقات الحرجة والازمات السياسية في لبنان، وهو ظهور بدا وكأنه لتصحيح معلومات أو تحليل يدلي به عباس. وتكرّر هذا على الهواء أكثر من مرة، ولم يكن من اللياقة ابدا أو حتى من العرف في العمل الصحفي داخل قناة محترمة أن يظهر صحفي على الهواء ليكذب اخبارا نقلها زميله مهما كان موقع كل منهما في العمل. لكن يبدو أن حصانة غسان التي يتمتع بها داخل الجزيرة دفعته لكسر هذه القشرة وبعنف.

فكثيرون داخل الجزيرة و ربما خارجها يعلمون – أو يعتقدون – أن غسان أكبر من مدير مكتب، وأنه فوق المساءلة أو المحاسبة. فالجميع يذكر كيف بدأ برنامجه (حوار مفتوح) بشكل متذبذب غير مسبوق في الجزيرة أو الاعلام العربي. فتارة يخرج البرنامج شهريا وتارة اسبوعيا و تارة كل اسبوعين. وحتى في سنين تقشف “الجزيرة” وضبط الميزانية، بقيت موازنة برنامج “حوار مفتوح” خارج النقاش. وعندما خرج عن التقاليد الصحافية لتوطيد علاقته بـ(المقاومة اللبنانية)، وخرج بعيد ميلاد عميد الاسرى اللبنانيين سمير القنطار ليرد بذلك الجميل لمن ضمن له هذا اللقاء حصريا، وتسبب في صداع للجزيرة، اكتفت الادارة بالقول في بيان رسمي أنها ناقشت الامر مع غسان وعملت اللازم، بينما لم يحدث شيء حقيقة على الارض! بل إن احدا في الجزيرة لا يجرؤ على انتقاد ذوق غسان في اللبس و اختيار الالوان. في المقابل فأن عباس ناصر يستند الى حرفيته و سجل أعماله وتقاريره في الجزيرة، وهو المراسل الذي شاهدنا أمير قطر يقبّله حين وصل بيروت بعد حرب 2006. وهو المراسل الوحيد في القناة الذي تدخل الامير لمنعه من ترك العمل قبل سنوات حين بدت بوادر خلاف عباس مع غسان تتضح وقرر عباس حينها أن يقبل عرض “بي بي سي” العربية ومديرها حينها صلاح نجم، وكان في حينه عرضا مغريا ماليا ومعنويا ليكون مدير مكتب القناة في لبنان ابان انطلاقها.

لكن يبدو أن كل شيء قد تغير في الجزيرة، وأن عباس قد فقد هذه الحظوة بشكل ما ولسبب ما، أو بسبب شخص ما!! فالأحداث تتوالى تباعا وبسرعة مذهلة، فيتقدم عباس لادارة الجزيرة بشكوى من تصرفات مديره غسان بن جدو، فيكون رد الادارة بارسال لجنة تحقيق وتدقيق تحقق معه هو! علما بأن نشاط لجان التحقيق والتدقيق في الجزيرة مؤخرا بات بارزا و مثيرا لعلامات الاستفهام. و بدلا من انصاف عباس ولو من باب الحفاظ على ماء وجه قناة يكذّب فيها مراسل خبر زميله على الهواء، فأن لجنة التحقيق رفضت فتح ملف اي من ملفات غسان (وهي كثيرة وأادلة عليها أكثر)، أو مجرد التحقق من شكاوى بتجاوزات ادارية، وركزت تحقيقاتها على مقدِّم الشكوى عباس. و جاءت النتيجة سريعة وصادمة: قرار بتوجيه انذار لعباس ناصر، وسحب الافضلية التي حصل عليها مقابل البقاء في القناة قبل ثلاث سنوات وترك عرض “البي بي سي” العربية و الذي يشمل وضعا ماليا واداريا خاصا في مكتب الجزيرة في بيروت. والاهم، والاغرب، منعه من العمل في مكتب بيروت، والامر بايفاده للعمل في مكان أو بلد ما لم يحدد بعد خارج لبنان وطنه وبلده ومسكنه حيث عائلته وأولاده. يحدث هذا في قناة كانت تتميز بمراسليها و تؤكد على حرفية العمل و التميز المهني.

فما الذي اقترفه عباس وكل من سبقه من اسماء حتى تضحي القناة بهذا المراسل المتميز وتحرم نفسها من جهده في بلد مهم اخباريا مثل لبنان بات يرتبط في ذهن مشاهد القناة بصورة عباس و جمله وأسلوبه؟

هل هي سطوة غسان و نفوذه؟ أم ان الامر ثمرة تعاون بين غسان والإدارة التي يتناقل كثيرون أنه شارك الى حد كبير في تعيينها؟ وهل للامر علاقة بما يشاع عن تورط مسؤولين في القناة في شركات انتاج تعمل مع القناة أو مع قنوات اخرى منافسه سرً – وهو أمر ممنوع قطعا على جميع موظفي الجزيرة – وأن مصلحة هؤلاء هي في العمل معاً ضد أي شخص يكتشف هذا الامر (هناك شائعات عن تورط غسان في شركة انتاج تعمل لصالح القناة التركية الناطقة بالعربية، وأن مدير الجزيرة وضاح خنفر شريك لصهر رئيس الوزراء التركي في مشاريع تنفذ داخل تركيا)؟ مهما كان الامر فهو كما ذكرنا في البداية حلقة جديدة في مسلسل تخلّص “الجزيرة” من مراسليها ومذيعيها المتميزين وزرع جيل جديد على مبدأ “السمع والطاعة” أو المصالح المشتركة!

واضح ان المسلسل مستمر، وواضح أن العمل في الجزيرة بات يخضع لمعايير اخرى بعيدة عن المهنية والحرفية.

و السؤال الآن: على من الدور؟ وإلى أين تسير الجزيرة؟ أو الى أين تأخذها إدارتها وشركاؤهم؟

4 تعليقات
Newest
Oldest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
ضيف
ضيف
13 سنوات

“الجزيرة” إلى أين؟: عباس ناصر وخالد داوود حلقتان جديدتان في مسلسل التصفية!

فاروق عيتاني — farouk_itani@live.com

عباس ناصر او غسان بن جدو او اي اعلامي قريب من 8 اذار و حزب الله، لا اسفا عليه اجاد مهنته ام لم يجيدها سيان

riskability
riskability
13 سنوات

“الجزيرة” إلى أين؟: عباس ناصر وخالد داوود حلقتان جديدتان في مسلسل التصفية!وثيقة تاريخية معاصرة – ربما المرأة “ناقصة عقل ودين” , ولكن كل امرأة تشاهد الجزيرة ((بالتأكيد)) : جارية للبيع في سوق النخاسة تعرض (الشفاف) لاستقالة (عبدالرحمن الراشد) من العربية وملابساتها , ودار حوار هنا وفي مواقع اخرى : وهذا التباين في الآراء هو (الحياة) واستمرارها , فالنفيس من التنافس. فيما يلي ملابسات استقالة (5) عاملات من الجزيرة , ومما يعزز (مصداقية) الوثيقة “نظرة الجزيرة الدونية للمرأة , والتسليعية للانسان بشكل عام : الاستبدادية اللاأخلاقية” , اكتفي بايرادها حرفيا كما نشرتها (القدس العربي) الموالية للجزيرة والمتخندقة معها , باضافة ((..))… قراءة المزيد ..

ضيف
ضيف
13 سنوات

“الجزيرة” إلى أين؟: عباس ناصر وخالد داوود حلقتان جديدتان في مسلسل التصفية!
اليماني — ahmed_sa@yahoo.com

كانت الجزيرة حلما لإعلام مهني حر ومستقل وأنتهى بها الأمر إلى أحضان حماس والبعث والقومجيين وحزب الله

Share.

اكتشاف المزيد من Middle East Transparent

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading