شاركت في أحد أفراح الطبقة المُتوسطة المصرية، بمدينة المنصورة مساء السبت 25/12/2010. ورغم أن ذلك اليوم يتزامن مع عيد الميلاد (الكريسماس) الذي أحتفل به مع زوجتي الأمريكية ـ المصرية، إلا أننا حرصنا على تلبية دعوة أسرة العروس نيّرة فوزي شهاب الدين، والعريس الكيميائي محمد عبد المُعتصم علام.
وبسبب فراقي لمصر، خلال السنوات الأربع الماضية، كان هذا العُرس مُناسبة لرؤية معظم أفراد الأسرة المُمتدة، والأهل والأصدقاء من قريتي (بدين)، ومن مديني (المنصورة). ولأن الحفل أقيم في نادي الشرطة، على شاطئ النيل (فرع دمياط)، فقد كان المشهد رومانسياً للغاية. وضاعف من هذه الرومانسية، بعض المؤثرات الصوتية ـ الضوئية، “الهوليودية”… والتي لم أشاهدها حتى في الأفراح الأمريكية، على كثرة ما حضرت منها خلال العقود الأربعة الأخيرة.
وللأمانة، كانت هناك لمسة تُراثية ـ دينية، بدأ بها الحفل الساهر، في التاسعة مساء، وهو إنشاد بأسماء الله الحُسنى، التسعة والتسعون، ثم دخول طابورين من حملة المشاعل، بملابس الفرسان من “العصور الإسلامية الوسطى” (لست مُتأكداً من أي قرن) ذات الألوان الزاهية، والنقوش الذهبية المُزركشة. وكان هذا إيذان بقرب وصول العروسين. وبدى لي أن جمهور المدعوين قد أصبح مُدرباً على هذه الطقوس، فقد نهض كل من كان يجلس على نفس مائدتي، وكل الموائد الأخرى، استعداداً لدخول زفة العروسين التي استغرقت حوالي نصف ساعة، منذ دخول القاعة، حتى الوصول إلى “العرش”، حيث يجلس العروسان على كُرسيين مُزركشين، على منصة مُرتفعة حوالي متر ونصف، بحيث يراهما كل من في القاعة الكُبرى للأفراح في نادي الشرطة.
لفت انتباهي أن تلك القاعة كانت قسمين مُتساويين، وأن أحدهما للمدعوين من أهل العروس، والقسم الآخر للمدعوين من أهل العريس. ولم يكن مُنظمو الحفل يترددون في سؤال كل مدعو عند الدخول، عما إذا كان من أهل أو أصدقاء العروس أو العريس، حتى يوجهونه إلى مقعد أو مائدة في القسم الذي يخص كل منهما.
ومن عدد الموائد، وعدد الجالسين حول كل مائدة، خلُصت زوجتي، وهي عالمة اجتماع أيضاً، إلى أن هناك حوالي أربعمائة مدعو، نصفهم على الأقل من الإناث. وأنها كانت الوحيدة، بلا غطاء رأس أو حجاب. وقارنت هي بين هذا المشهد، وأول عُرس حضرته في مصر، منذ أربعين عاماً، حيث لم تكن فيه أنثى واحدة “مُحجبة” وتساءلت، “هل معنى ذلك أن المصريات قد أصبحن أكثر تديناً، ومُحافظة، واحتشاماً؟
ولم أتطوع أنا بالإجابة… ولكن الإجابة جاءت عالية… واضحة… وسريعة الإيقاع، بعد دقائق من توجيه السؤال. فبمجرد بدء الموسيقى الشعبية الراقصة، ودعوة أحد المُطربين للجمهور أن ينزلوا إلى ساحة الرقص التي كانت تتوسط القاعة، حتى نزل حوالي ثلاثين شاباً… وبعد دقائق، وبتشجيع من المُطرب، انضمت إليهم عشرات المدعوات من كل الأعمار تقريباً… وكلهن “مُحجبات”.
وبين الحين والآخر، حينما تُظهر إحداهن مهارة في الرقص، فقد كان من يرقصون بالقرب منها، يتوقفون عن الرقص قليلاً، ويُفسحون دائرة خاصة لها، ويقومون بتشجيعها، بتصفيقات إيقاعية، تُضاعف من حماسها، وتُغري أخريات، بالنزول إلى الساحة، والتنافس معها.
ورغم أن الرجال كانوا هم المُبادرون بالرقص، إلا أن النساء كانوا الأكثر مُثابرة، والأطول باعاً وإبداعاً… ولاحظت زوجتي، أنه كلما كان “حجابهن”، أكثر اكتمالاً، كلما كُن الأكثر حركية، وتحركاً، وإبداعاً. وكان تفسير زوجتي لذلك، أنهن الأكثر “مُحافظة” أو “كبتاً” في حياتهن اليومية العامة. ولذلك فإنه بمجرد إتاحة “فرصة شرعية” لهن، فإنهن يستغلنها إلى أقصى درجة. وأنهن في ذلك مثلهن مثل الرجال في حلقات “الذِكر” الصوفية، حيث يتوحد الصوفي الراقص مع “الملكوت” من حوله، أو هكذا يتوهم! وكذا نساء الطبقات الشعبية الدُنيا، حيث يؤدي لهن “الزار”، نفس الوظيفة التنفيسية.
وهكذا، استطاعت الطبقة المتوسطة المصرية، صياغة نماذج مُبتكرة، هي خليط من “الأصالة التُراثية” و”المُعاصرة الغربية.
من ذلك أيضاً، أن العروس الجامعية التي تبنت الحجاب، هي لأم لم تتحجب، لا أثناء دراستها الجامعية بالإسكندرية، ولا خلال معظم حياتها المهنية. ولكنها فعلت ذلك بعد أن تقاعدت، وبعد أن تحجّبت اثنتان من بناتها الثلاث. وحول ذلك، أبدت زوجتي مُلاحظة أخرى ثاقبة، فحواها أنه خلافاً لما يُردده عُلماء الاجتماع في الغرب عن دور الوالدين في تنشئة الأجيال الجديدة، على صورتهما، وعلى نمط حياتهما، فإن هذه الأجيال المصرية الجديدة، هي التي تُعيد تنشئة الوالدين على صورتهم وعلى نمط حياتهم.
فما الذي يعنيه ذلك بالنسبة للمشهد المُجتمعي الأكبر؟
إنه يعني في أحد تجلياته أنه رغم الحصار والتضييق على “الإسلام السياسي”، مُمثلاً بالإخوان المسلمين، الذي تُصرّ وسائل الإعلام الرسمية على وصفه “بالجماعة المحظورة”، فإن “الإسلام الثقافي”، وجد طُرقاً وسُبلاً بديلة، للوصول إلى قطاع مُتزايد من المصريين والمصريات، في الطبقة الوسطى، وبعض شرائح محدودة من الطبقة الأعلى، ومن الطبقة الأدنى.
وكان على المائدة التي أجلس عليها في ذلك العُرس، لواء شرطة سابق، ومهندس مُتقاعد، ومُحاسب مُتقاعد، وكلهم من الأقارب، الذين حضرت أفراحهم، منذ عدة عقود. ورغم أنها كانت أكثر تواضعاً، حيث تم مُعظمها في منازل ذويهم، أو في صوان تم إقامته على سطح المنزل، أو في الشارع أمام منزل أحد العروسين، لم يكن للتراث الديني، لا نصيب رمزي أو فعلي في الاحتفال نفسه، اللهم إذا عُقد القران في نفس يوم أو ليلة الزفاف، وهو الأمر الذي لم يكن يستغرق إلا دقائق، لا تتجاوز العشر، ويتلو فيها المأذون آية قرآنية عن فريضة الزواج وشرعية النكاح.
سمعنا أن المهر في ذلك العُرس، كان سبعين ألف جنيه، غير الشبكة التي تُقدر بخمسين ألف جنيه على الأقل. فبادرت زوجتي لتحكي حكايتها المُفضلة، كلما سمعت هذه الأرقام، وهو أنني خدعتها، بخاتم لم يتجاوز ثمنه خمسين دولار (أي ما قيمته ثلاثمائة جنيه مصري) ومهر (صداق) قيمته عشرة دولارات. ولم يُصدق مُعظم من استمعوا إلى روايتها، إلا بعد أن أقررت بصدقها. فتطوع أحد الأقارب الخُبثاء، بإخبارها عن حق الزوجة في خلع زوجها، شريطة أن تدفع له قيمة ما أنفقه عليها من شبكة ومهر!
ومنذ ليلة ذلك العُرس، على شاطئ نيل المنصورة، وزوجتي كأي باحثة اجتماعية، تستقصى المزيد من المعلومات عن “الخُلع”. ثم فاجأتني بإنذار، مفاده، أنني إن لم أنضبط، وأكف عن استثارة واستعداء النظام، أو إذا أدى سلوكي إلى دخول السجن مرة رابعة، فإنها ستقوم بمُمارسة حقها الشرعي في “الخُلع”، وسترد إليّ قيمة الشبكة والمهر، حتى بالأسعار الجارية!
فإذا لاحظ القرّاء أي تغيير إلى الأهدأ، في مضمون أو لهجة ما أكتبه، فليعلموا أن السبب المُباشر لذلك، ليس الخوف من سطوة النظام الحاكم في مصر، ولكنه بسبب سُلطة منزلية أكثر التصاقاً، وسطوة، ودواماً.
والله على ما أقول شهيد
semibrahim@gmail.com
الجديد في أفراح الطبقة الوسطى المصرية، وإنذار بالخُلع
masri Copti — gelkess@hotmail.com
Then stop writing all together, better for you and us, at least you keep our respect to you.
الجديد في أفراح الطبقة الوسطى المصرية، وإنذار بالخُلع
Dani — Dani_961@yahoo.fr
Excellent article, il refléte la réalité dans la majorité des fêtes,soirées et mariages dans nos pays Arabo-musulmans