الحرب في عقل وسلوك نخب المركز المقدس
ان قضية، ومسألة، السلاح، والعنف، والحرب، والتغلب بالحرب، جميعها مفردات، ومفاهيم، لها اصل مادي، وسياسي، واجتماعي، وثقافي، في وعي مجتمع مجتمع القبيلة المسلحة في عموم مناطق شمال الشمال، وحتى شمال الشرق.. السلاح والحرب، كمصدر للقوة، والمكانة، واثبات الوجود للقبيلة، وهو الاساس في استمرار القبيلة، والظاهرة القبلية، حاضرة وفاعلة، ومؤثرة في محيطها الداخلي القريب، والبعيد، ولمواجهة القبيلة “القبائل” الاخرى، غزوها والحرب عليها، (غنيمتها) حتى احتلال مضاربها، وتشريدها عنها، بقوة غلبة سلاح جيش القبيلة، حيث استحال السلاح أداة لكسب الرزق، و”قوة عمل، واداة انتاج”. وكما يقول ابن خلدون عن القبيلة المسلحة “ارزاقهم على اسنة رماحهم” ومع مجيئ الامامة الهادوية (يحيى بن الحسين القاسم الرسي) إلى صعدة في المرة الاولى وعودته خائبا، حتى عودته الثانية إلى صعدة، محاربا ومجاهدا ومكفرا، عبر سلسلة حروب متواصلة مع، وضد، قبائل المنطقة، حتى استقراره النهائي فيها بقوة السلاح، وضمن توافقات سياسية وقبلية، مع شيوخ القبايل، وتنصيبة اماما على صعدة، إلى حيث تمتد وتصل اليه حدود قوته وفرض نفوذه العسكري، باعتباره اماما وحاكما باسم المذهب، حيث مثل بوجودة السياسي، الغطاء الديني الروحي (العقيدي/ الايماني) لابناء المنطقة، في الوقت الذي مثلت القبيلة المسلحة، في صورة رموزها المشيخية، وشبه الاقطاعية، ذراعه العسكري (الحربي) الحارس، والحامي لكرسي الامامة “الزيدية الهادوية”.
لقد انتجت الطبيعة الجيوفيزيقية المعقدة للمنطقة، اضافة الى هيمنة ايديولوجية وضع القوة فوق الحق، “البقاء للأقوى” وتحول السلاح، والحرب الى فيصل في فض المنازعات في الغالب الاعم على قاعدة مبدأ الخروج على الامام، الى انتاج حالة سياسية موضوعية واقعية وحدت وجمعت تاريخيا بين الامامة، والقبيلة، في صورة ما اسميه “ثنائية الامامة، والقبيلة” عبر رمزها السياسي، المشيخة القبلية، ورموز شبه الاقطاع في المنطقة، على قاعدة مصالح، وولاءات متبادلة، ومتحولة، في ما بينها، وهي صيغة حكم كرست سيرة حكم الامامة التاريخية للمنطقة الشمالية كلها، والتي كانت تمتد في فترات مختلفة بقوة الحرب، والغزو، الى غيرها من المناطق، وهنا صارت القوة، والحرب، أداة رزق، وعمل ووسيلة انتاج في جلب “المصلحة” الرزق، كما هي أداة تغلب وهيمنة، وسيطرة سياسية، فضلا عن كونها قوة حامية، وحافظة وحارسة للإمامة، عبر القبيلة، ولا معنى للاستقرار أو لحضور الدولة، في مجتمع كهذا، دون هيمنة صوت صليل السيوف، وقوة الغلبة بالسلاح، والحرب، من خلال الحروب المتواصلة التي لم تتوقف هنا، إلا لتبدأ وتستمر هناك، لفرض منطق القوة، والحرب على الجميع، ان الحرب (الحروب) بمختلف مسمياتها، ومستوياتها، كان اداة، ووسيلة، دولة المركز السياسي التاريخي، في ادامة واطالة عمر حكم الفردية/ والعصبية، رغماً عن ارادة الناس، والمجتمع، فأول نتائج الحرب في الواقع، هو تمزيق وحدة المجتمع، وتعميق انقساماته، واعداده وتجهيزه للتفكك والشقاق الداخلي الدائم، وهي الالية التي كان وما يزال يستقوي بها النظام على المجتمع والشعب، في قمع تمرداته، وانتفاضاته، وهو ما كان يحصل في كل تاريخ علاقة حكم الامامة بالمجتمع، وليس ما يجري اليوم سوى تنويع على الاصل السياسي التاريخي القديم/ الجديد.
ومن هنا عدم الاستقرار السياسي، وضعف التراكم الثقافي، والاجتماعي التاريخي، وضعف وهشاشة حضور الدولة في مجتمع الامامة، وتعدد حضور دويلاتها في الزمن الواحد، (ادعاءات الامامة المختلفة)، وبالنتيجة ضعف تبلور وحضور معنى وفكرة الحق، والعدل حتى بالمعنى الديني الاسلامي، حيث حكم الطاغوت هو الغالب على حكم الشرع، فالسلاح، والحرب، قيمتان عليتان، مهيمنتان على الوعي الاعتيادي، والاجتماعي العام، فالتمنطق بالسلاح قيمة اجتماعية، وسياسية، بل واخلاقية، وحتى دينية، – والحديث حول ذلك متشعب – ولذلك ليس غريبا، ان يقول، ويؤكد رمز النظام السابق علي صالح، والشيخ عبدالله بن حسين الاحمر – رمز القبيلة المسلحة – وغيرهما، وفي جميع المناسبات، ان السلاح رمز للشخصية اليمنية، وللوطنية اليمنية، وان كرامة اليمني وعزته في تمنطقه السلاح، وهي موضوعيا، وتاريخيا، صيغة ذهنية، ثقافية، ايديولوجية، صارت سلوك عملي، وثقافة عامة، اكثر منه تفكير نظري مجرد – اي ليس فولكلور. ومن هنا التقليل من مكانة ابناء المناطق منزوعة السلاح، بل واحتقارهم، حيث السلاح رمز للشخصية اليمنية، ولا معنى للوطنية اليمنية بدونه، بل ان السلاح هو عنوان “الرجولة” واحد مقوماتها. فالسلاح والحرب، هي الطريق الوحيد للوصول الى ما نريد وفرض ما نريد، والقوة هنا بالنتيجة، فوق الحق وهي من تحدد مفهومنا للعدل، وفقا للمبادئ والقيم السائدة في مجتمع القبيلة المحاربة “المجاهدة” لا معنى وجودي فاعل في الواقع لغير حامل السلاح، رجال الحروب، وتجارها في كل حين، بالحق احيانا، وبالباطل غالبا. من هنا كانت الامامة السياسية تاريخيا، وورثة الامامة الجدد في التاريخ المعاصر، من بعد قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م، وتحديدا من بعد انقلاب الخامس من نوفمبر 1967م، هما مصدر ومركز تصدير الحروب الى كافة مناطق اليمن (شمالا وجنوبا)، قبل الثورتين اليمنيتين، وبعدهما. فهما من يسنّان، الحرب، (الحروب) ويوزعانها، الى جميع مناطق اليمن المختلفة، منذ الهادي الى الحق، الى بيت شرف الدين، الى الحمزات، الى المتوكل على الله اسماعيل، الى بيت الناصر لدين الله محمد، ويحيى، واحمد حميد الدين، الى علي عبدالله صالح، وحتى تحالفه الحربي الحاصل اليوم مع الحوثي. ولا ارى في حرب الحوثي/ صالح الجارية، سوى أخر محاولة للتحايل على الضرورة السياسية، والتاريخية، للاصلاح، والتغيير، بعد ان آن آوان غروب شمس قبضة دولة المركز السياسي المقدس. فطيلة نيف وثلاثة عقود من حكم صالح وعائلته، وحاشيته، كانت آخر فرصة لاصلاح نظام المركزية، والعصبية، من داخله، اما بعد كل ما حصل، وما يحصل اليوم منذ حرب 1994م، حتى اليوم، فانني استطيع القول أن النظام السياسي القديم/ الجديد، انتهى وفقد جميع شروط استمراره في الواقع، ولم يعد قائماً الا كوسيلة، واداة حرب، ونهب، في معاندة لحركة التقدم التاريخي، وهنا تكمن مشكلته “ازمته” الخاصة.
وإذا تتبعنا خيط سبب الحروب، وذريعتها، سنجد البعد السياسي السلطوي في الاستئثار بالسلطة والثروة، ومعه الى جانبه تفسيرة الايديولوجي الديني/ المذهبي “الجهاد” والنفير، لمجاهدة “كفار التأويل”، وهو ذات الخطاب يتكرر عنواناً ومقدمة لكل حروبهم على اليمنيين (في الشمال، والجنوب)، وليس “الخطاط” و”والتنافيذ”و”عسكري البقاء” و”الصبرة” و”البواقي”، وصولا الى “حق الحفاظة” و”اجرة الطقم”، وغيرها، سوى عناوين، واسماء لحروب قديمة/ جديدة، مستمرة تطال حياة الناس المادية، والمعيشية، وحتى الجسدية، – كما هي في تحالف الحرب الجارية. كان جيش “العكفة” و”الجيش البراني” و”جيش الخابطي” والجيش الطائفي الميليشياوي الراهن، هي ادواتهم في حروبهم السافرة، والخفية، على معظم أبناء مناطق اليمن المختلفة، خارج الهضبة الشمالية “المركز السياسي المقدس” وليس ادارة الصراع بالازمات، والحروب، وتمويل جميع اطراف الحروب القبلية، باموال الدولة من الحاكم حاليا مع علي صالح، والاغتيالات، والفساد، ونهب المال العام الممنهج، والمنظم، سوى تنويع بسيط على الاصل القديم/ الجديد للحروب، ولإطالة أمد عمر دولة المركز العصبوية، على حساب تفكيك وتشظي بنية المجتمع اكثر فاكثر، ليسهل السيطرة عليه، وحتى لا يقوى على مقاومة وقهر عنف حروب دولة المركز العصبوية. واستطيع القول دون ادنى مجازفة بلاغية، او لغوية انشائية، انها الحرب (اقصد الحرب الجارية) التي فجرت شقاقات وانشقاقات، لا حدود لها، ومن انها قسمت بنية المجتمع، رأسيا، وافقيا، بصورة غير مسبوقة في كل التاريخ اليمني القديم، والاسلامي، والوسيط، والحديث، والمعاصر، ومن ان تاريخنا الوطني، والاجتماعي، يهوي الى قعر الفجيعة والكارثة، وما نراه بالعين المجردة لا يحتاج الى تفكيك أو تفسير، هو صورة واقعية لمنطق إدارة الاختلاف، والصراع، بالحروب، وتحويل الحرب إلى خيار وحيد للحفاظ على ما يتداعى من النظام القديم، وعلى ما تبقى من دولة المركز السياسي التاريخي.
فالحروب بقدر ما تعكس مضمون سياسي، واجتماعي، طبقي، واقتصادي، ووطني، في العديد من الحالات، فانها – الحرب – بمختلف اشكالها، ومستوياتها، هي اقصى اشكال العنف، تعبير عن وصول التناقضات السياسية والاجتماعية الى ذروتها، وهي قد تكون بين طبقات وفئات، وشرائح ابناء المجتمع الواحد، وقد تكون في مواجهة الخارج، والحدود بينهما واضحة، كما ان الحروب ليست ظاهرة حتميه، ولا هي سلوك بشري فطري، فهي يمكن تجنبها، وتجنيب المجتمع ويلاتها، مثل الحرب الدائرة في بلادنا اليوم، باعتبار الجميع شركاء في بناء الوطن، وفي حق التمتع بالسلطة والثروة وفقا للقوانين والقواعد الناظمة لذلك، شراكة في صناعة القرار السياسي، وفي تحديد المصير العام لكيفية بناء الدولة، والحفاظ على التوازنات في بناء بنية المجتمع، بعيدا عن خيار وضع القوة فوق الحق، والاستمرار في تكريس خيار الحرب وإعادة انتاجها دوريا.
ان الحرب الجارية في بلادنا اليوم تتخذ ابعاد عديدة، سياسية، واجتماعية، ودينية/ مذهبية، وطائفية، وجهوية، وما يجهله البعض او مايتعمد تجاهله، انها كذلك تتخذ صورة حرب ثقافية بامتياز، (ايديولوجية). ذلك ان الفصل الحدي بين الثقافي، والفكري، والايديولوجي، أمر متعذر، الا في القراءات السيكولائيى(المدرسية)، التعليمية، الايضاحية، أو في الدراسات المتخصصة العليا، ومن يتابع العديد من مفردات الخطاب السائد في قلب الحرب الجارية، سيجد الثقافي، والفكري، والايديولوجي، حاضرين بقوة، سواء اتخذ صورته في تدبيج النصوص الدينية، والمذهبية، أو الاصول المذهبية، الفقهية، في غطائها الطائفي، او بالعودة للحفر في انثروبولوجيا الانسا ب، واصولها، الثقافية، والاجتماعية، والاثنية، (العرقية)، أو بالعودة للقراءات الفقهية الاصولية، لاكتشاف الحق الديني/ والسياسي في الحاكم والسلطة والرئاسة (الامامة)، وليس طقس عاشوراء، وكربلاء،وخطاب السقيفة، وولاية الفقية، (الشيعية)، والمقابلة التناقضية الصراعية بين: الجامع، والحوزة، وبين المسجد والحسينية، “نواصب” “روافض” “سني، اثناعشري” وخطاب “المسيرة القرآنية” و”الجهاد” و”كفار التأويل” وصولا للقاعدة، والدواعش، وجميعها مفردات، ومصطلحات لها حمولة ثقافية، واجتماعية، سلبية في الاتجاهين، وتحمل ايماءات، ودلالات، نفسية، وسيكيولوجية واقعية، وثقافية تاريخية عدائية، تعلن عن نفسها في قلب هذه الحرب، او الصراع، وان شئتم، يتعمد ويتقصد البعض سحبها قسرا إلى قلب هذا الصراع (الحرب) كسلاح في المواجهة السياسية، والعسكرية الجارية، ومن المهم، بل ومن الضروري ان نقف جميعا بعقل نقدي نهضوي، تنويري لبحث طرائق دحض محاولة تحويل ذلك الى حقائق، وظواهر، تجري محاولة استنباتها، وتثبيتها قسرآ في واقعنا، وهي ظواهر، ووقائع مناقضة لتاريخنا الثقافي، والوطني (شمال البلاد، ناهيك عن جنوبه)، والخطورة هنا ان تتجاوز بعض الطقوس الاجتماعية/ المذهبية، حدود طابعها الشعبي الاعتيادي “الفلكلوري” لتتحول الى طقس سياسي (حزبي) ايديولوجي، جديد على المجتمع اليمني في شمال البلاد خاصة، ومن هنا حديث البعض زورا عن صراع، سني، شيعي، اثناعشري في اليمن.
تقديري الشخصي ان ما نعيشه اليوم من صراع سياسي (حرب) هو امر عارض، شأنه شأن حروب سياسية عديدة مرت بها البلاد في تاريخها، ومن غير الجائز ولا المفيد وطنيا تحميل ما يجري من صراع سياسي/ سلطوي، هذا الكم الضخم والفاجع من الحمولات الثقافية، والايديولوجية، والدينية التاريخية، هي في الواقع والاصل ليست من صلب بنية المجتمع، والشعب، ولا هي من تاريخه العميق والاصيل، الذي يجب ان يتحرك صوب المستقبل،..، هي محاولة لحرف الصراع السياسي، عن مساره الموضوعي، والطبيعي، ومحاولة للانقضاض على منجزات ومكتسبات الشعب، الثقافية، والاجتماعية، والوطنية، والاخطر تفكيك وحدة تاريخه الكفاحي المشترك.
ان خطورة نقل الصراع الى الحقل الثقافي أمر مريب، وكارثي، في صورة تمادي البعض في صناعة وهم عداء ثقافي بين اليمنيين، ومحاولتهم تكريسه في خطاب، ونصوص ثقافية/ ادبية، (شعر، قصة، زوامل، اغاني، موسيقى، حكايات ادبية) تسير باتجاه تعميم، وتعميق الشرخ السياسي، والاجتماعي، الذي انتجته الحرب الجارية، ورفعه الى مستواه الثقافي، والسيكيولوجي، ليكتمل صورة الانقسام الحدي (الافقي، والرأسي) في بنية المجتمع، الذي يؤسس له خطاب، وسلوك، وممارسات البعض، وهو ابشع واقسى اشكال الثورة المضادة على كل تاريخنا الوطني.
ويمكنني هنا القول ان احد ابرز الاهداف السياسية لتحالف الحرب الجارية بين صالح/الحوثي، هو محاولتهما الانقلاب على مسار العمليه السياسيه السلمية وادانة المسار السياسي لثوره فبراير2011 والمبادره الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني الشامل، بالقول ان معادلة التوافق السياسي فشلت وبالنتيجه العودة من جديد لاعاده انتاج النظام السياسي القديم الجديد ضمن قسمة ضيزه فيما بين ذات النخب السياسيه التقليدية ضمن تسويه تضمن حقهما في الاستمرار في معادلة الحكم بالطريقه القديمة وهنا تكمن الخطورة السياسية لما كان يريدان تحقيقه في تحالف حربهما على كل البلاد.
وفي تقديري الشخصي يجب ان تنتهي استراتيجية تكريس دولة سلطنة المركز العصبوي المقدس التي مع الاسف- جاء انقلاب الخامس من نوفمبر 1967 ليعيد الدماء الى جذرها السياسي الايدلوجي بعد ان ازالت ثورة 26 سبتمبر حكم السلاله،لتستبدله سلطة 5 نوفمبر بحكم الجمهوريه المشيخيه القبلية العسكريه الجهويه، باعتبارهما ورثة الامام الجدد والملفت ان خطاي نقض هذه الايدلوجيه السياسيه اللاوطنيه لم نر له اثرآ في خطاب وعقل النخب السياسيه والثقافيه من ابناء مناطق دولة المركز المقدس وكأنه توافق ضمني مع استمرار هذه المعادله السياسيه اللاوطنيه في قمة الحكم.
والمطلوب اليوم نقض استمرار هذه المعادلة لانها منافيه للحقيقة السياسية الوطنية الجامعة التي جاءت ثورة26سبتمبر 1962 وثوره 14اكتوبر1963 لنقضها جذريآ.
ان التاريخ يعلمنا ان ليس هناك حربا بلا نهاية. فجميع الحروب داخلية (اهلية) وخارجية (وطنية)، (قومية) مآلها وخاتمة المطاف لها، العودة للسياسة، والى مائدة الحوار ، أو التفاوض، والتسويات، وتبقى الحروب الثقافية المصبوغة بصبغة، دينية/ مذهبية/ طائفية، عصية على العودة السريعة، إلى مائدة التفاوض، والقبول بالتسويات السياسية التوافقية الواقعية، ذلك انها حروب تؤسس نفسها ومعناها على الثقافة، والايديولوجيات المقدسة، اي انها حروب تنطلق من مقدمات وخلفيات ذهنية وسيكيولوجية حدية (مطلقات) لا مكان فيها للتسويات، حروب عابرة للسياسة، وترفض المقاربات السياسية لوضع نهاية للحرب، ومن هنا طولها، والاخطر تركتها النفسيه والروحيه او ما تخلفه من آثار جارحة، وندوب عميقة دامية في قلب بنية المجتمع، وهو ما يفسر ترجيحها دائما للخيار العسكري، كخيار استراتيجي وحيد، اي انها في الغالب حروب تحسمها – مع الاسف – موازين القوى العسكرية على ساحة المعارك، وهي في الغالب حروب قادرة على اعادة انتاج نفسها دوريا، تتوالد اوتوماتيكيا، ما لم تجد قضايا وتحديات ما بعد الحرب، معالجات سياسية، واجتماعية، وثقافية، ووطنية حقيقية، على قاعدة العدالة الاجتماعية، والحرية، والديمقراطية، والمواطنة للجميع، بعيدا عن عقلية المنتصر، والمهزوم، وهو ما يجب ان يدركه ويستوعبه جيدا من يتوهم النصر في الحرب الداخلية (الاهلية) حتى لا يعيد كرة ثانية انتاج الحرب دوريا، وينشط خلايا ذاكرة الحرب في المجتمع، وبالنتيجة في ما سيأتي من قادم الأيام.
وهنا تكون جنايتنا على المستقبل.