اسئلة المستقبل السوري تفرض نفسها بقوة كلما برزت وقائع تراجع وضعف النظام السوري. اسئلة يفرضها ايقاع المواجهات العسكرية التي بدأت تضيق حول خناق النظام السوري، من دون ان يظهر ما يؤشر على ان الحاضنة العلوية للنظام بدأت بالتفكك، وهي حقيقة تؤكدها الوقائع المتداولة بين اوساط المعارضين السوريين في الداخل والخارج، ولدى مؤيدي النظام في الداخل والخارج ايضا.
ويمكن القول، استنادا الى مصادر في التنسيقيات المعارضة، في تواصلها مع “صدى البلد”، انه لم يعد في برنامج المقاتلين على الارض اهتمام ببذل اي جهد لحصول انشقاقات سياسية او عسكرية في بنية النظام العلوية. لا بل ثمة اعتراضات يعبر عنها هؤلاء على كل من يرحب بالمنشقين او يلمح لامكانية اسناد ادوار لهم في المرحلة المقبلة.
هذا الموقف الذي ينتشر ويترسخ في اوساط المجموعات المقاتلة على امتداد ساحات المواجهات، الى حد لم يتجرأ احد رموز هذه التنسيقيات على تلبية طلب المندوب الدولي والعربي الاخضر الابراهيمي الجلوس مع مسؤولين روس. والسبب ان الحوار وحتى الجلوس مع مفاوضين روس بات مدخلا لحرق سياسي من قبل المقاتلين الممسكين بزمام الميدان لاي شخصية معارضة مهما عظم شأنها.
الشرخ الفعلي، الذي يزداد اليوم في سورية كما يقول متأسفا المصدر نفسه استنادا الى دوره الميداني بين المنسقيات، ليس مع المسيحيين او الدروز ولا الاسماعيليين بل مع العلويين. ويعتبر ان هذا الشرخ يستدرج المزيد من التعميق، ويدفع في الاتجاهين نحو مواجهة حتمية اذا لم تحصل تطورات سياسية نوعية تلجمه. ويضيف: ليس لدى المعارضة ما تقدمه للعلويين ما دام التطابق قائما بين اكثرية العلويين وآل الاسد، يعمق هذا المأزق ايضا عدم مبادرة علويي المعارضه الى تشكيل كيان يعبر عنهم داخل المعارضة، في موزاة تقصير المعارضة السورية في تقديم مشروع سياسي فعلي للعلوين المنشقين او الذين يرغبون بالانشقاق.
يرحب المصدر المعارض بمبادرة المرجع السيد علي السيستاني في النجف بدعم اللاجئين السوريين في العراق بنصف مليون دولار امريكي، كما رحب بموقف المرجعين الشيعيين اللبنانيين المناصرين للثورة السورية السيد محمد حسن الامين والسيد هاني فحص، الى مبادرة ٧٥ ناشط شيعي دعما للثورة السورية في وثيقة عنوانها “شيعة عرب مع الحرية” وغيرها من المواقف المتناثرة. لكنه يعتقد ان الشعب السوري يحتاج اليوم الى مبادرات تساهم في وقف عملية تعميق الشرخ المذهبي تمهيدا لردمه، ولتثبيت نظام سياسي يحمي التعدد في المجتمع. وتشير مصادر شيعية موثوقة في هذا السياق الى اجتماعات جرت في اسطنبول بين قيادات من المجلس الوطني و مبعوث من قبل رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي واستجاب وقتها لطلب اعادة فتح الحدود امام النازحين السوريين الا ان اللقاء لم يتكرر وتوقفت الاتصالات.
لكن في المقابل لم تنقطع الاتصالات بين بعض الشخصيات الشيعية وتحديدا بين ممثلين للمرجعية الشيعية في النجف وقيادات معارضة، رغم فشل ترتيب زيارة من قبل المعارضة السورية في الخارج وتحديدا من وفد يمثل تنظيم الاخوان المسلمين السوريين الى النجف، تستمر اللقاءات غير مباشرة عبر ممثلين للمرجعية في اكثر من دولة عربية. موقف المعارضة السورية على هذا الصعيد هو : لم نطالب من المرجعية في النجف موقفا رسميا من الثورة لتفهم المعارضة عدم رغبة المرجعية بالتدخل المباشر بالسياسة، الا ان اوساطا ميدانية تلوم المرجعية على عدم ادانتها العنف الممارس من قبل النظام ، وتاخرها باصدار موقف اكثر وضوحا من شانه ان يساعد علي تخفيف من حدة التشنج المذهبي خصوصا في هذه المرحلة التي لم يعد يميز احد في سورية بين الشيعي و العلوي نظرا لموقف ايران و حزب الله الداعمين للنظامين.
في المقابل تعتبر اوساط قريبة من المرجعية انها ليست معنية باتخاذ مواقف سياسية مباشرة، وان كانت تتضامن مع تطلعات الشعب السوري نحو التغيير، وتدين كل الانتهاكات التي ترتكب بحق السوريين ايا كان انتماءهم الديني او السياسي. لافتة الى ان هذه المرجعية الشيعية هي نفسها لم تعلن اي موقف حيال ما جرى ويجري في البحرين.
كلما بدا ان النظام السوري يتجه نحو السقوط، زادت لدى المعارضين السوريين نزعة التشدد في المطالب، وتسللت الى نفوس بعضهم روحية الانتقام الذي يتخذ مع الاسف بعدا مذهبيا، ويجري تحميل اوزار النظام طيلة اربعين عاما الى داعميه اليوم او من يشتبه بأنه داعم لبقائه. في كل الاحوال ثمة شعور بالقوة المنتفخة مذهبيا يزداد لدى الطرفين. شعور لا يبدو ان شروط ضبطه وتهذيبه متوافرة حتى الآن.
الثورة التي بدأت ترى نفسها منتصرة اصبحت تبتعد عن منطق الحوار، لأن الحوار يكون بين متكافئين وليس بين مهزوم ومنتصر.
alyalamine@gmail.com
كاتب لبناني
البلد