في مطلع شهرها السابع، ينحو قياد الثورة السورية لأن يقع في يد “الطبيعة”. وقد يكون هذا الملمح عنوان مرحلة ثانية في الثورة، لا يبعد أن نراها يوما بدأت في شهر رمضان، وإن كان يتعذر تقدير مساراتها ومآلاتها الآن.
المقصود بالطبيعة في هذا السياق ما يتعارض مع التدبر والحساب، ومع “الثقافة” و”السياسة”، وما يحركه الدفاع الحيوي عن النفس والاستماتة وغريزة البقاء، أكثر من التقدير المتروي الذي يستدخل حتما اعتبارات مجردة تحيل إلى النطاق الوطني العام، وإلى المصلحة العامة، وأكثر أيضا إلى مطالب الديمقراطية. “الوضع الطبيعي” الذي قد تنزلق إليه الثورة السورية يجمع بين التفتت (تعدد البيئات) ورد الفعل المباشر، والغريزية، سمة مجتمع يفقد السيطرة على نفسه أو التصرف بصورة موحدة. ليس الوضع الطبيعي واقعا محققا لكنه ميل عام، يحيل إلى ضرب من سياسة كفاف، مدارها هو البقاء والاحتماء. وبقدر ما يستحكم منطق الكفاف والبقاء، ستبدو المقتضيات الأكثر تجريدا للديمقراطية والوطنية كماليات وإفراطا في التطلب. وبينما كانت الثورة تتعرف في البداية بأهدافها العامة، فإنها تكاد تتعرف اليوم أكثر بالعملية الصراعية المستميتة التي تخوضها في مواجهة نظام متوحش.
[1
هذا يظهر بصيغ مختلفة
أولها نزوع بازغ إلى الدفاع المباشر عن النفس ومواجهة السلاح بالسلاح، مرشح لأن يشكل بعدا من أبعاد المشهد السوري المتحول، وإن لا يزال بعيدا عن أن يطغى على أداة الثورة الرئيسية حتى اليوم، المظاهرة السلمية. وإن لا يزال كذلك محليا ومتناثرا وغير عام. لكن يظهر في أوساط المرتبطين بالثورة ضيق متزايد من التأكيد على السلمية، وما يتجاوز تسويغ المواجهة المسلحة أحيانا إلى الترحيب بها.
وثاني صيغ “الوضع الطبيعي” هي درجة أكبر من تديين الاحتجاجات. الدين أقرب إلى الطبيعة في كل المجتمعات، ويكاد يكون “طبيعة ثانية” في مجتمعاتنا، وحضوره أقوى في أوقات الأزمات الكبرى، حيث تنزع الجماعات إلى تعريف نفسها بعقائدها. كانت الثورة في بدايتها أكثر دنيوية ومدنية واستيعابية، وحرص المتظاهرون، ودون تأثير مباشر يذكر للمعارضة التقليدية، على نفي أي طابع ديني أو مذهبي عنها في شعاراتهم المعلنة بالذات (لا سلفية ولا إخوان/ ثورتنا ثورة حرية! ثورة سلمية لا سلفية! لا سلفية ولا إرهاب/ ثورتنا ثورة شباب! مع تحيات للأطياف الدينية والمذهبية والإثنية المكونة للمجتمع السوري). بعد حين، شهرين تقريبا، ومع اشتداد القمع وازدياد عدد الشهداء، دخل التكبير وهتاف عالجنة رايحين/ شهداء بالملايين! وسار الأمر تدريجيا باتجاه هتاف هو في الوقت نفسه نداء استغاثة: يا ألله/ ما إلنا غيرك يا ألله! المسار العام لهذا التطور اتسم بشعور محتد بالافتقار إلى الحماية والسند في مواجهة تنكيل النظام. الطابع العام للانتفاضة ظل مدنيا وتحرريا وإنسانيا، وبقيت قاعدتها الاجتماعية عابرة للطوائف مبدئيا، وتحظى بدعم يبلغ حدود التماهي التام من منحدرين من مختلف الأطياف السورية، لكن وجهها العام أخذ يستعير مفرداته ولغته أكثر من اللغة الدينية الإسلامية.
في المقام الثالث، وبعد موجة الاستئصال الشامل التي زامنت شهر رمضان، حيث كان التظاهر يوميا والقتل يوميا أيضا (لم يمر يوم واحد في رمضان، وأيام العيد الثلاثة، وكل ما تلا دون وقوع شهداء)، بدأت ترتفع أصوات تطلب “الحماية الدولية”، وصولا إلى تسمية يوم الجمعة 9/9 بجمعة الحماية الدولية. ويختلف تصور الحماية الدولية ما بين مراقبين دوليين ومنظمات حقوقية ووسائل إعلام مستقلة يراقبون الوضع السوري وممارسات النظام، وما بين توقع حظر طيران ومناطق آمنة، وصولا إلى التدخل العسكري الدولي. والواقع أن اختيار الحماية الدولية اسما ليوم جمعة هو بمثابة إحلال ما هو مجادل فيه سياسيا في موقع ما يفترض أن يكون رمزا يحظى بالإجماع، وهذا مؤشر بين مؤشرات تتكاثر على بعض سمات الوضع الطبيعي: تفتت في القرار، منطق رد الفعل، كفاف في التفكير والتقدير. لكن ينبغي القول إن منطق السيادة الوطنية الذي تصدمه هذه التسمية هو منطق كمالي في الوضع الطبيعي الذي يضغط على قطاعات أوسع من المجتمع السوري.
والملحوظ، رابعا، ميل متزايد إلى الإعلاء من شأن الأنشطة الميدانية للانتفاضة على حساب أية أنشطة أخرى، والتشكك في هذه الأنشطة الأخرى، السياسية والثقافية بخاصة، والانفعال المتزايد في الكتابة والكلام. نتصرف أكثر وأكثر بانفعال وغضب، أقل وأقل بروية وتأن. ويحتد باطراد مقتنا للنظام والقطيعة النفسية معه ومع رجاله. في بدايات الانتفاضة لم يكد يسمع شعار: الشعب يريد إسقاط النظام! بعد حين صار هو الشعار المركزي. اليوم الشعار الأبرز: الشعب يريد إعدام الرئيس! ومعه كثير من الهتافات التي “تشخصن” ما تثور ضده الانتفاضة في فرد وأسرة. الكره ينجذب إلى الأشخاص، ويشخصن. التفكير بالأوضاع والعلاقات والعمليات كمالي.
هذه التحولات تسير نحو التصادم مع ضمير الانتفاضة السورية أو “نفسها اللوامة”، هذه التي تبلورت في وقت مبكر من تفجر الانتفاضة في صيغة لاءات ثلاثة: لا للعنف، لا للطائفية، لا للتدخل العسكري الدولي. مع نعم كبرى مضمرة لتحول ديموقراطي استيعابي، قائم على المواطنة، يضمن الحرية والمساواة والكرامة لعموم السوريين، ويفتح أبواب الصراع السياسي السلمي بينهم.
[2
قبل النظر في ما قد يترتب على هذا التحول الطبيعي للانتفاضة السورية، يلزم أن ننظر في أسبابه وأصوله. في أصل أصول هذه “السياسة الطبيعية” التنكيل المهول الذي يوقعه النظام بشعبه المنكود. مفردات هذا العدوان معروفة عالميا بفضل التغطية الذاتية للانتفاضة. منها، على كل حال، قلع الأظافر وسلخ الجلد وكهربة الأعضاء التناسلية، وقطعها بأدوات حادة أو بالليزر، واقتلاع العيون، وقطع الحناجر، فضلا عن أشكال التعذيب التقليدية (الفلقة والكهرباء والشبح والتعليق والحرمان من النوم…)، فضلا أيضا عن تعرية السجناء والإهانات الشخصية والجمعية. ومنها أيضا إهانة النساء والأطفال. ومنها بالتأكيد فوق الأرقام المعلنة التي تتكلم على ثلاثة آلاف شهيد، وأضعاف هذا الرقم من الجرحى، وعشرات ألوف المعتقلين. هذا فوق نهب المنازل والأملاك الخاصة، وتدمير كثير مما لا مجال لنهبه، وفوق إذلال متعمد واسع النطاق، رأى جميع الناس أمثلة متكررة عنه تدل على مبدأ ونهج. فضلا أيضا عن تطييف متعدد الأشكال لمواجهة الانتفاضة، بلغ شكله الأقصى في قصف مآذن والاعتداء على مساجد، وتأليه بشار وأخيه، ومحاولة إثارة فتن طائفية في اللاذقية وجبلة وحمص وغيرها. وإلى هذا كله يجري باطراد تحويل القمع إلى بزنس: اعتقالات عشوائية كي تضطر أسر المعتقلين إلى افتدائهم بمبالغ من المال، تصل إلى مئات ألوف الليرات (سبق أن ازدهر هذا البزنس، بالمناسبة، في ثمانينات القرن العشرين، وتكونت منه ثروات لضباط في المخابرات ورؤساء سجون…).
وهذا كله مشحون بكثير من الكراهية والحقد، وبخلو كامل من التجريد أو العمومية أو الانضباط بقواعد ثابتة مطردة. القامع يتصرّف بكل شخصه وكيانه وروابطه، وليس كموظف عمومي ينضبط عمله بقواعد قارة، وهو يعامل المقموع كشخص كامل التعيينات، يحضر أصله وفصله ومدينته ودينه، فضلا عن أبيه وأمه وإخوته وذوي قرباه. “عمل التجريد السياسي” (أحمد بيضون)، الذي لا يستبقي من تعيينات المتعامل مع جهة حكومية غير كونه مواطنا، هذا العمل الغائب في الأوقات العادية يمعن في الغياب اليوم. ولعله، عبر ارتباطه بالطائفية، في جذر انشقاقات متواتر في الجيش
ومحصلة كل ذلك، وخلال ستة أشهر، تكفي وتزيد للقول إن النظام يمارس حرب إبادة سياسية ورمزية على السوريين المنتفضين، ويعمل جاهدا على الإبادة الفيزيائية للمشاركين فيها أو تحطيمهم بالكامل.
وهذه، بعدُ، تجارب حية لمئات الألوف فعلا. ليست شيئا سمعوا به أو قرؤوا عنه. لقد خبروه مباشرة وطوال شهور، وما يزالون.
الشرط السوري اليوم هو شرط استماتة في مواجهة قوة مميتة، ونفس المستميت ترتد إلى “القوة الغضبية”.
وفي مواجهة هذا العدوان الاستعماري، يشعر مئات ألوف السوريين أنهم بلا سند، تنكل بهم قوة عمياء متعصبة، لا ينضبط سلوكها بمبدأ إنساني أو وطني أو قانوني. فإلى متى يحكّمون الضمير في سياستهم بدل الغريزة، وأعلى مبادئ هذه هو حفظ الحياة وحماية النفس؟ وإذا كان النظام وكالة عنف لا حدود له، فهل يمكن الاستمرار في الكلام على السلمية إلى ما لا نهاية؟ وإذا قتل النظام ابنك ونهب بيتك وأهان أسرتك، فمن يلومك إن حملت السلاح ضده؟ وحين تكون منكشفا، غير آمن على نفسك وأحبابك، وفاقدا للسند والحماية، فكيف لا يكون الله هو سندك؟ وهو سند من لا سند لهم؟ وأمام طغمة لا تؤمن بغير القوة، ولم تتوقف عن القتل طوال نصف عام، هل تثابر على رفض الحماية ممن هو أقوى منها؟
ما المشترك بين التسلح والتديين وطلب الحماية الدولية؟ نازع الاحتماء: الاحتماء الذاتي أو الدفاع الذاتي مرة، والاحتماء بالقدير الجبار مرة، والاحتماء بالأقوى مرة.
… ومن الأصول الفرعية لهذا التحول ضعف تأثير المعارضة التقليدية وضعف كيانها، والطابع الشعبي والمحلي فعلا للانتفاضة السورية. وكذلك تعذر التلاقي بين الفاعلية الميدانية المباشرة للثورة في بؤرها الكثيرة وبين السياسيين والمثقفين الذين قد ينضبط تفكيرهم وسلوكهم بمبادئ عامة أكثر تجريدا واستقلالا عن الظرفي والمحسوس والمباشر والانفعالي، والذين يحولون التجارب إلى خبرات وأفكار وبرامج.
وأكثر من ذلك تعرض القادة الشباب الأكثر نضجا والأوسع أفقا للاعتقال، وقتل بعضهم تحت التعذيب، واغتيل بعضهم، وهو ما أخلى المجال لمن هم أضيق أفقا وأكثر محلية وعضلية. وأقرب إلى الطبيعة.
[3
ليس بلوغ الوضع الطبيعي محتوما، لكن إذا بلغناه فستحكمنا حتمية خلدونية، تؤول بالبلد إلى الخراب العام. الفاعل الأساسي المسؤول عن هذا التطور هو النظام، ولا يبدو أنه يمكن توقع أي تغيير في سياسته. وهذه سياسة طبيعية إلى أقصى حد، تسير بمقتضى الغرض والشهوة، وتعتمد العنف والعصبية، وتنخرط في شبكة روابط إقليمية ودولية تجني منها عائدات أمنية وسياسية، بينما تترك محكوميها منكشفين تماما، لا أمن لهم، ولا يسيطرون على شيء من مصيرهم.
لا يمكن لوم المحكومين المبتَلين مهما فعلوا. ليس هناك مفهوم للعدالة يستند إليه للومهم. المهددون في حياتهم لا يتوقع منهم أن يبقوا جميعا مسالمين ودعاة سلم. ومن لا سند له لا وجه لانتظار أن يفكر بمنطق علماني، هو كمالي من وجهة نظر منطق الاستماتة ودواعي البقاء. والضعيف المبتلى بعدو قوي معدوم الضمير لن يصمد على مبادئ سياسية خاصة بالدولة الوطنية المستقلة، حين لا أثر آخر لهذه الدولة الوطنية المستقلة في جوانب حياته، وموته، الأخرى.
لكن من شأن سير الأمور بمنطق العنف المادي والنفسي، والبحث عن سند خارجي (متعال أو…”دولي”)، أن يدفعها في اتجاهات يتعذر على أي كان أن يتحكم بها أو يسيطر عليها. المسألة ليست اللوم ولا العدالة، بل محاولة تجنب الشرور العظيمة.
لدينا إذا الوضع المركب التالي: نظام طغموي يقتل محكوميه ويَكرَههم ويُخوِّنهم ويرفع نفسه فوقهم درجات، رغم أنه جامع لأصول الوضاعة كلها. وجمهور متنوع أخذ ينهج في الدفاع عن نفسه منهج المستميت الذي يوجّه تصرفه رد غائلة الموت عن حياته، وليكن ما يكون. القوي المهاجم بلا ضمير، والضعيف المدافع لن يقبل بضوابط كمالية تنال من قدرته على حماية نفسه. الضمير كمالي. الثقافة أيضا. والسياسة كذلك.
هذا وضع قدري. والخراب مآله.
[4
لا تزال التطورات الموصوفة في بداياتها، والمؤشرات عليها ليست حاسمة حتى اليوم. طوال نصف عام ظهر المجتمع السوري في صورة فاجأت بإيجابيتها ليس من لا يحترمونه وحدهم، وإنما بعض من يحترمونه احتراما مبدئيا كذلك. وليس ثمة ما يمنع توقع مفاجآت أخرى طيبة في ثورة لم يتوقعها، ولم يتوقع استمرارها، أحد.
لكن هذا شيء لا يركن إليه في مجتمع تتعرض قطاعات واسعة منه للإبادة السياسية والرمزية، ويدفع بوحشية لا تكل إلى الوضع الطبيعي. وهنا يمكن لما يفعله المعارضون السياسيون ونشطاء الانتفاضة أن يحدث فرقا.
من المهم قيام إطار سياسي يحظى بقدر معقول من الإجماع والثقة، ويتولى القيام بمبادرات سياسية، ويحاول التأثير على سير الانتفاضة باتجاهات تتوافق مع “الضمير” المشار إليه أعلاه. تعذَّر تشكل هذا الإطار خلال شهور، ولعله سيتعذر قيام إطار جامع، لكن كلما تشكلت مظلة أوسع تمثيلا حازت قدرا أكبر من الشرعية، وقدرة على القيادة والمبادرة.
وهذا ما سيمكنها من احتكار أوسع للعلاقات مع القوى الخارجية بدل التناثر الحالي.
ويمكنها أيضا من تقديم مبادرات سياسية تحاصر النظام، فتسهم في إحكام عزلته وفي المزيد من تجريمه محليا وعالميا، أو في فرض تفاوض من مواقع أقوى عليه.
ومن شأن ذلك أن يطلق مسارا صاعدا من اكتساب الشرعية، ومن التأثير الأقوى على سير الانتفاضة باتجاه التوافق مع مصلحتها العامة والحد من الانزلاق إلى “الوضع الطبيعي”، وربما عكس المسار باتجاه السياسة والثقافة، والخير العام.
ولعله لن يكون من الصعب الشروع في بلورة تصورات أكثر تفصيلا عن سورية المستقبل، وصوغ برنامج للتحول الديمقراطي إثر السقوط المأمول للنظام.
المشكلة الأكبر التي سيواجهها جهد كهذا هو تفرق الطيف السوري المعارض وانقساماته المتنوعة، السياسية والإيديولوجية. وهذه بدورها تحيل إلى انقسامات اجتماعية، يتقاطع فيها الطبقي بالطائفي بالجهوي بالثقافي (بالمعنى الاكتسابي للكلمة). لقد حكم النظام سورية، وأطال، عبر صنع الانقسامات ورعاية أزمة ثقة دائمة بين الأطراف، فإن تعذر تجاوز الانقسامات، منح ذلك النظام رخصة حكم غير مستحقة وغير عادلة، ضربا من شرعية تحصيلية ناتجة عن غياب “البديل”.
[ 5
ماذا إن لم يحصل ذلك، واستمرت آلة القتل النظامية تحصد أرواح السوريين بالمعدل الحالي، أو تتفوق على نفسها فتتوسع في القتل؟
ندخل حتما في وضع طبيعي، تحركه الحتمية. نعرف نظائر له في العراق وفي وقت سابق، في لبنان. الوضع الطبيعي هو الحرب الأهلية، الطائفية، التي يجر القتل فيها القتل، والعصبية العصبية، والحماية الحماية. شيء قريب من حالة الطبيعة التي هي حرب الجميع ضد الجميع في مذهب توماس هوبس. حالة الطبيعة ليست حالة طبيعية. إنها احتمال تاريخي.
ومن أخص خصائص هذا الوضع أنه لا يمكن فعل شيء حياله ما دام الفاعل الأساسي يتصرف بمنطق الغريزة، أي الشوكة والهوى والعصبية. والجنون.
وما دام يتعثر، وقد يتعذر، تشكل فاعل منظَّم مضاد.
الأصل في المحنة السورية المتمادية أن الشيء الذي نسميه “النظام” غير عاقل وبالغ العدوانية. وأنه ربما يدفع خصومه إلى التصرف كغير عاقلين.
لا مكان للسياسة والتدبر في أوضاع خلدونية كهذه. وغاية ما قد يستطيعه الفرد العاقل هو كشف الحتميات التي تقودنا. إنه يقصى إلى وضع مراقب، لا تأثير له على الأحداث وسيرها.
الانتفاضة السورية بدأت جهدا لتعقيل النظام. أن تكون له ضوابط: لا يجوز أن يعتقل النظام أطفالا ويعذبهم ويقتلع أظافرهم, وليس لجلاوزته أن يبيحوا لأنفسهم التعدي على حرمة المحكومين، لا لشيء إلا لأنهم متمتعون بحصانة كاملة، أي بإعفاء تام من المسؤولية السياسية والقانونية والأخلاقية. الثورة السورية (والثورات العربية) هي ثورات ضد الإفراط وتجاوز الحد قبل كل شيء. أي ضد اللاعقل واللاحد واللاقانون، واللاضمير.
وستكون الثورة حققت أهدافها إن وضعت حدودا على الحاكمين وفرضت ضوابط وحرمات. ضميرا. لا حكم أبديا، لا سلطة مطلقة، لا لشرعة الهوى، لا للملك الطبيعي. إذ لا سياسة في الأبد والمطلق والهوية والطبيعة. السياسة ممكنة حين ثمة ضوابط وحدود، أي حيث تكون جرت تربية “الحاكم” وتهذيبه، رفعه فوق مستوى البهيمية والغريزة والطبيعة.
الثورة السورية وخطر “الوضع الطبيعي”
النظام السوري نظام يهودي مكار..يعمل دائما على إضعاف عدوه بتشتيته وتفريقه قبل أن ينقض عليه..هو يريد الإيقاع بين الشعب السوري و حلفائه من أتراك و أكراد وعرب وعجم ولا يتوانى عن الإساءه وتلويث سمعة المعارضه واتهامها بالعمالة والضعف وبث الفرقه بين أطيافها…لذلك يا اخوتي وجب التحذير والتنبيه لعدم الانجرار الى ما يصبو إليه النظام والبقاء يدا واحده مع بعضنا ومع جميع الحلفاء في وجه هذا النظام الغادر..؟؟