كلمة لا بد منها:
الكتابة ابدا مرتبطة بالهم الحياتي، والانساني العام، وهي بذلك مرتبطة بالمعرفة، وتنمية الفكرة، وتطوير واغناء دور الكلمة في الواقع. فالكتابة هم رسالي، ورسولي، هي رسالة ذات اهداف مرجوة من الكتابة: متجسدا في الهدف المعرفي الفكري الانساني الخالص اظهار الحقيقة، وتعزيز مواقع الحق في حياة الناس، كما هناك الهدف المادي، والسياسي، الاجتماعي في الدفاع عن القيم والمبادئ الانسانية الكبرى، وكذا تكريس مصالح اوسع فئات، وشرائح، وطبقات المجتمع، صاحبة المصلحة في التغيير، (تنمية معرفية، فكرية، مصالح مادية وسياسية، تغيير واقع للأفضل) وعلى هوامش ذلك قد تدور معارك مفتعلة هدفها نقل الصراع للمكان الخطأ، وحرفه الى مسارات ذاتية لا معنى لها، ولا تضيف شيئا الى حياة الناس.
ومن المهم تجنب ذلك الجدل العقيم غير المنتج، حتى لا نقع في مسارب الذاتية، والشخصنة، ونبتعد عن جدل الواقع الحي.
ان المشهد السياسي، والعسكري الدامي، والجارح، الذي يفقأ الروح، ويسلب العين طمأنينتها، وهدوءها لا يشجع سوى على التعالي الذاتي العابر، الرامي صناعة امجاد شخصية لا تساهم موضوعيا سوى في حرف معنى الصراع عن مداره الواقعي، وهو ما قد يفتح الباب امام شهية الاقلام المتنطعة، والجاهزة للشغل على ما لا يفيد، ويمكث في الارض، وينفع الناس.
الثورة والثورة المضادة.. المفهوم والواقع
ان اصطلاح او مفهوم الثورة المضادة ليس حصرا مفهوما سياسيا، يمكن اختصاره في حدود القراءة، السياسية، او التحليل السياسي، وانما هو اصطلاح، ومفهوم اوسع، واشمل، واعمق، من حدود القراءة السياسية، مفهوم يمكننا وضعه، وقراءته، وتحليله في اطار البحث والدراسة السيسيولوجية العامة والشاملة، (الصراع السياسي، والاجتماعي، والطبقي، والاقتصادي والوطني). وهي ليست حالة واحدة بل اوضاع متغيرة وفقا لمراحل الصراع المختلفة. فالثورة المضادة، مرتبطة بالثورة، وهي انقلاب سياسي مضاد للثورة، قهقري نحو الماضي، بقدر ما تكون وتمثل الثورة صعود نحو المستقبل، وهكذا.
الثورة قد تنجز اهدافها، وحين تنكسر وتنتكس، تكون الثورة المضادة. وهي كذلك قد تتقهقر سريعا امام عودة قوى الثورة وانتصارها لنفسها، ولكن في العديد من الحالات قد تستمر الثورة المضادة لعقود طويلة، كما جرى مع بعض الثورات الكبرى في التاريخ العالمي (الفرنسية والالمانية) وكما جرى مع ثورة 26 سبتمبر 1962م، وتحديدا في بعد انقلاب الخامس من نوفمبر 1967م والذي استمر اكثر من نيف واربعة عقود، حتى فبراير 2011م -مع بعض الفواصل الموسيقية الوطنية والثورية- وما يزال ما تبقى من قوى الثورة المضادة تقاوم حتى اللحظة -فبراير 2016م- لاستعادة مُلكٍ عضوض (المركز السياسي التاريخي المقدس) في صورة الحرب الجارية اليوم.
وفي تقديري، من المهم هنا الاشارة الى ان اصطلاح او مفهوم الثورة، والثورة المضادة، كان ميلاده ونشأته في اوروبا، (المانيا، وفرنسا، وبريطانيا، وايطاليا في زمن الانتفاضات الثورية وانكسارها)، وتحديدا المانيا التي تقدم فيها الفكر النظري والفلسفي الثوري، وتأخرت او تراجعت الثورة السياسية فيها، على عكس فرنسا التي تقدمت بل وانجزت فيها قيام الثورة السياسية الجماهيرية الواسعة، مترافقة مع فكر ثوري كفاحي عملي. ومن قلب هاتين الثورتين في التاريخ العالمي، بزغ وانتشر مفهوم الثورة، والثورة المضادة، مع صعود نضال البرجوازية ضد الاقطاع، وبقايا القنانة، حيث كان العالم يشهد صعود الرأسمالية، والطبقة البرجوازية الثورية كقوى منتجة – قبل تحولها الكامل الى امبريالية واستعمار – في مواجهة الاقطاع، وبقايا العالم القديم، وكان الصراع السياسي واضح المعالم الطبقية، والاقتصادية، طبقة صاعدة مع حلفائها من الفلاحين، وفي مواجهة طبقة آفلة مع بقايا العالم القديم. وهنا كانت الثورة والثورة المضادة محددتين وواضحتي الابعاد السياسية، والطبقية والايديولوجية، وحتى السيكيولولجية، فيما بينهما. ويكفي هنا القول ان الثورات الاوربية، بما فيه الثورة الامريكية، ارتكزت على قاعدتين وخصوصا الاوربية – قاعدة اقتصادية/ انتاجية، علمية، صناعية، وقاعدة، معرفية، فلسفية، اي انها ثورات كانت لها مقدماتها الفلسفية، والفكرية، الذي تمثل، في العقد الاجتماعي، وفي عصر الانوار (التجديد الديني) بعد حروب دينية وحشية طويلة، كما كانت خلفيتها فكر تنويري، ارتكز على الفردية، والعقلانية النقدية، لكل شيء، من نقد الدين، الى السياسة، نقد الثيوقراطية، والاوتوقراطية. كان العقل فيها مركز الكون، والانسان محوره.
وشهدت الثورات والانتفاضات في كل من: المانيا، وفرنسا، وبريطانيا، وايطاليا، عملية، تقدم، وتقهقر، صعود، وانكسار وانتكاس، وارتداد عن الثورة، والجمهورية، في اكثر من محطة من اواخر القرن الثامن عشر، وحتى التاسع عشر، والذي تمثل في عودة الامبراطورية، والملكية للحكم لفترات متفاوتة، حتى انتصرت الثورة في سياق عملية ثورية تاريخية عالمية كبرى، تعبير عن حدة الصراع السياسي، والطبقي، والاقتصادي، في قلب هذه المجتمعات، تجسيد، وتعبير عن حدة الاستقطاب الطبقي فيما بين طبقتي الصراع الاساسيتين، تحديدا، (برجوازية صاعدة، اقطاع آفل) وكذا هو تعبير موضوعي، وذاتي، عن واقع الفرز السياسي، والايديولوجي، لصورة لا التباس فيها، ومن هنا كتاب فريدريك انجلز “المانيا: الثورة والثورة المضادة” (مجموعة مقالات أو دراسات) وكذلك ابحاث ودراسات ماركس حول الثورة والثورة المضادة في فرنسا، وكذا كتابه حول الثورة المضادة المعنون “الثامن عشر من برومير لويس بونابرت” وصولا الى الستينات مع كتاب هربرت ماركيوز “الثورة والثورة المضادة” لمناقشة خصوصية وضع اليسار في الثورة المضادة الراهنة كما يراها. الى كتاب غالي شكري “الثورة، والثورة المضادة في مصر، العام 1978م، والذي قدم فيه تحليلا موضوعيا، وواقعيا، يختصر ويلخص، مفهوما خاصا لمعنى الثورة المضادة في منطقتنا العربية، انطلاقا من مصرالسادات. ومن هنا أهمية وخصوصية التفريق بين واقع ومفهوم الثورة، والثورة المضادة في الغرب (اوروبا) وبين تجليات تعبير هذا المفهوم أو الاصطلاح عن نفسه كما ظهر وتجسد في الحالة العربية واليمنية – العالم الثالث – ومن هنا دعوتي اولا للتفريق بين المسارين التاريخيين المختلفين الغربي/ والعالم الثالث، في قراءة وتحليل مفهوم الثورة، والثورة المضادة، للدخول الى خصوصية تجلي الاصطلاح او المفهوم في واقع الممارسة كما يعبر عن نفسه في منطقتنا، وفي بلادنا تحديدا، وهو ما سأحاول الإشارة العابرة اليه، واترك القراءة البحثية المعمقة حول ذلك للباحثين المختصين لتقديم اسهاماتهم حول ذلك في ابحاث مستقلة. وثانيا، حتى لا تتحول المصطلحات والمفاهيم، الى حالة ادمان أو هواية في جمعها، في جمل قد تبدو مفيدة، وادراجها أو ادماجها في سياقات وضع تاريخي لا صلة للمفهوم به، بعد فصله عن سياقه، ومضامينه، ومقاصده وتحويله الى كلمة بلا معنى تحتمل كل شيء الا ان تكون ذاتها في الواقع، كأن نقرر أن هذا الطرف يمثل ثورة مضادة على كل التاريخ السياسي والاجتماعي الوطني للثورة، وفي الوقت ذاته نصر على أنه احد “طرفي الحرب” او “اطراف الحرب”، إن الثورة المضادة وفق اي تعريف أو قراءة، أو مفهوم، هي فعل مضاد لحركة التقدم التاريخي، ومن يصمت عن فعل الثورة المضادة، ولا يراها إلا احد طرفي الحرب، او احد اطرافه، فإنه بوعي او بدون وعي يلتحق بدرب التواطؤ مع الثورة المضادة، في زمن لا يحتمل فيه حديث الاستقلالية، والحياد، والطريق الثالث. وباختصار مكثف، في واقع أي ثورة مضادة، لم يعد احد يمتلك رفاهية الوقوف على الحياد، أو يقول انه طرف مستقل، او طرف ثالث، إما ان تكون مع الثورة المضادة او ضدها ليس أمامك خيار.
ان الثورة، والثورة المضادة في منطقتنا العربية، وفي بلادنا – اليمن – لها خصوصية، وعمومية، خصوصية ذاتية وموضوعية كما لها خصوصية سياسية وطبقية واقتصادية، وتاريخية، تجتمع وتتوحد في اطار تشكيلة اقتصادية/ اجتماعية، انتاجية، متداخلة، تجتمع في نطاقها – داخلها – اكثر من نمط اقتصادي/انتاجي، اجتماعي، وفيها اكثر من شكل لعلاقات الانتاج (شكل الملكية) وقوى انتاج تجمع بين قوى الانتاج الرأسمالي، بمختلف مستوياته: برجوازية كبيرة (وطنية، تجارية، صناعية)، برجوازية كمبرادوية، وطفيلية، وبرجوازية صغيرة واسعة منتشرة، وبرجوازية وسطى او كما تسمى (طبقة وسطى) وهي حاملة مشعل الاصلاح، والتنوير، والثورة، والتغيير، الى جانب شبه اقطاع اقتصادي زراعي، وشبه اقطاع سياسي، واقتصادي وعسكري، حاضر في قلب كل ذلك وفاعل ومؤثر، في السياسة، بقدر تأثيره في الاقتصاد، وبالنتيجة تكوين طبقي او حالة طبقية غير متبلورة، ولا محددة الفواصل والحدود فيما بين الطبقات بصورة حدية وواضحة، ومن التداخلات الاجتماعية، والسياسية، والايديولوجية، وهي في تقديري واحدة من إشكالات الواقع المعقد لبحث حالة الثورة، والثورة المضادة، في منطقتنا العربية، وهو وضع كما أكدت حقائق، ووقائع مسار تجربة الثورة في منطقتنا العربية – والعالم الثالث – صعوبة او عدم امكانية قيام طبقة محددة واحدة بالثورة، باعتبارها القائد السياسي، والطبقي للثورة، وفقا للمسار، وللتعريف الكلاسيكي الاوربي للثورة، ومن هنا صعود التحالف السياسي، الاجتماعي، الطبقي الواسع، للقيام بهذه المهمة السياسية التاريخية، ومن هنا كذلك نقرأ ونفهم معنى تحول الثورة، الى انقلاب عسكري في منطقتنا العربية، انقلاب يتحول في سياق عملية ثورية كفاحية، وسياسية ووطنية الى ثورة، لغياب الطبقة السياسية المركزية القائدة المنظمة للفعل الثوري، بعد ان حل الجيش الوطني ممثلا في رموزه الوطنية الثورية الصاعدة إلى بديلا للطبقة السياسية الاجتماعية، باعتبار الجيش هو المؤسسة المنظمة، والقوية، والوحيد القادر كتنظيم على المساعدة والمساهمة في انجاز ثورات الشعوب فيمنطقتنا، وباعتباره ك ذلك صاحب مصلحة في الاصلاح والتغيير، والثورة، والنماذج واضحة جلية في كثير من الحالات في منطقتنا، (مصر، سوريا، الجزائر، اليمن بشطريه، ليبيا، السودان) على خصوصية كل حالة من الحالات، في كفاحها ضد الاستبداد، او في مقاومة الاستعمار الاجنبي، وفي كل حالة من حالات الثورة، والثورة المضادة في منطقتنا هناك خصوصية، ذاتية، وموضوعية، كما هناك خصوصية اقتصادية، طبقية، وتاريخية، لها دورها الفاعل والمؤثر في كل تجربة من التجارب على حدة.
إن التشريح الاقتصادي/ الاجتماعي، والسياسي، الطبقي، لتركيبة المجتمع في منطقتنا، تظهر الى أي مدى حالة التداخل، والتصاهر، بل والتزاوج، بين التكوينات الاجتماعية/ الطبقية، التي يصعب معها احيانا، وفي ظروف معينة، تحديد الحدود الفاصلة بين الشرائح، والفئات، والطبقات، داخل بنية تكوينات هذه المجتمعات، وخصوصية قراءة الفرز الطبقي، والسياسي، والايديولوجي، بسهولة، ويسر (انتقالات سهلة وسريعة من النقيض الى النقيض، ومن اليسار الى اليمين، والى اقصى اليمين الديني/ والمذهبي)
نتيجة حالة الانتقالات في ما بين هذه الشرائح، والفئات، والطبقات، وتبدلات المواقع الاقتصادية، فيما بينها، وبالنتيجة تحولات المواقف السياسية، والايديولوجية، وليس غريبا أو مفاجئا لنا تقبل قيادات الاحزاب، بمختلف اسمائها (يسارية/ اشتراكية، قومية تقدمية، دينية) وصمت اعضائها وكوادرها، لظاهرة تنقلات اعضاء احزابهم بين الاحزاب، بل واعتبار ذلك مكسبا حزبيا، وسياسيا، – مع الاسف – يضيف الى رصيد الحزب الكمي، على حساب النوعية، والكيف، وهو ما يحتاج الى بحث مستقل.
ويلعب واقع عدم الفصل الواضح، والدقيق والمؤسسي، بين السلطة والدولة، في منطقتنا وبلادنا على وجه الخصوص، دورا اساسيا في ذلك، حيث الدولة باعتبارهاكيان كلي متعالي تجسد مصالح الأمة/ الشعب، تتحول الى رديف للحكم، والحاكم، ملحقة بالسلطة، وبرمزها (الرئيس/ الملك) والقائد الرمز، والقائد لضرورة، أي هيمنة السلطة على الدولة، او ابتلاعها، ونتيجة واقع اختلال واضطراب علاقة السلطة بالدولة، تاريخيا في منطقتنا وبلادنا، وعدم اصلاح وتغيير هذا الاختلال، فإننا نشهد اختلال ثان هو الأخطر، والمتمثل في ثنائية قاتلة بين السلطة، والثروة، حيث الثروة، وهي الملكية الاجتماعية العامة للشعب، تصبح رديفة وملحقة بالسلطة، ورمزها (الملك/ الرئيس) وليس هناك أي حرمة، أو قدسية للملكية العامة، بل وحتى للملكية الخاصة، تفقد معه الملكية (الثروة) استقلاليتها، عن سلطة الحاكم الذي التهم وابتلع قبلا الدولة، ووضعها في جب السلطة، التي صارت عنوانا لحكمه (ملكه) وشيئا مرتبطا باسمه، وبعائلته، ومن هنا واقع توريث الجمهورية في الأبناء، أو العائلة، أو ذوي القرابة (الزبونية) (اليمن، سوريا، مصر، تونس) وهو ما يفسر كذلك الحالة المتكررة والدائمة لانتقالات أعضاء الاحزاب، اقترابا، وانتسابا، للحزب الحاكم، أو القريب من الحكم، أو المتحالف مع الحكم، سعيا للسلطة، والجاه والمال.
إن هذا الوضع، السياسي، والاجتماعي، والطبقي المعقد، المتشابك، والمتداخل في ما بين تكوينات المجتمع، (شرائحه، وفئاته، وطبقاته) هو الذي يفسر – الى جانب ما سبقت الاشارة اليه – حالة التداخل الذاتية والموضوعية، بين واقع قوى الثورة، والثورة المضادة في جميع حالات الانقلابات/ الثورات، التي شهدتها المنطقة العربية – بدرجات متفاوتة من الحدة والخفوت (من مصر، الى العراق، الى سوريا، الى الجزائر، الى اليمن بشطريه، السودان، ليبيا، تونس،…الخ) حيث عدم التجانس والتماسك بين قوى الثورة من لحظات انطلاقتها الاولى، هو الذي يفسر ذلك،ويلعب التخلف الاجتماعي، والثقافي، وغياب التقاليد الديمقراطية، والحزبية، (الثقافة الديمقراطية) دورا في رفع وتيرة التعارضات وتحويلها سريعا الى تناقضات صراعية حادة، والتجارب الثورية العربية، تقول ذلك بوضوح، ودون الاستطراد بالدخول الى التفاصيل العديدة التي قد تخرجنا عن صلب قراءتنا المحددة، والمتواضعة، سنحاول قدر الامكان التركيز المكثف والموجز في تتبع الخيط العام في تفصيل الثورة، والثورة المضادة في بلادنا، منذ قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م – لمحة عامة سريعة – إلى صورة ومضمون الصراع والحرب الجارية في بلادنا اليوم باعتبارها واحدة من تجليات الثورة المضادة.
وعلينا ان لا يركبنا وهم ان إسقاط الانقلاب السياسي والعسكري (الثورة المضادة الجارية)، يعني انتصارا نهائيا وحاسما للثورة المنشودة والمرجوة، بل هو ازاحة عقبة كبرى وفتح طريق جديد امام مسيرة، وصيرورة ثورة، وثورة مضادة، بعناوين واسماء جديدة، لان جزء من الثورة المضادة القديمة، ما تزال بقاياها عالقة، وحاضرة في قلب الثورة المنتصرة على الانقلاب لأسباب ذاتية وموضوعية خاصة بها، وهي خطوة رحلة الالف ميل، باتجاه استكمال المشروع السياسي التاريخي للثورة اليمنية، والتي ستبقى، رحلة بحث عن الذات في قلب الكفاح السياسي الاجتماعي، الطبقي الحاصل في بنية المجتمع، ومن هنا تأكيدنا الدائم على ضرورة إدراك ان كافة الحروب مهما تلونت واختلفت اسمائها، ومراحل تجليها في تعبيرها عن نفسها، لها اسباب سياسية، اجتماعية، اقتصادية، طبقية، وسيكون لبعض اطراف القوى السياسية الاجتماعية المستمرة في قلب قوى الثورة المنتصرة، اعتراضاتها على مضمون قضية بناء الدولة المدنية “الوطنية” الديمقراطية الحديثة، وتحلم بإعادة بنائها، وإعادة انتاجها وفقا لشروطها السياسية والذاتية، القديمة/الجديدة، كما لن تتوقف ملاحظاتها الجذرية على قضية العدالة الاجتماعية، وافق مضمون هذه العدالة، وعلى قضية الديمقراطية، والمواطنة المتساوية وحدودها، وعلى علاقة الدين، بالسياسة، والسلطة، واعتراضاتها على قضية التنمية الاجتماعية/ الاقتصادية، ومفهوم العلاقة بالسوق الاقتصادية العالمية، وشراكة المجتمع في السلطة والثروة، ومستوى حدود هذه الشراكة، وحين نتحدث عن أن مضمون الصراع الجاري، سياسي، اجتماعي، ومن أن وصوله حد أقصى أشكال العنف، والحرب، ليس سوى تأكيد من انه صراع سياسي يدور بين، وحول مشروعين سياسيين، تاريخيين، لبناء الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة، وحول الحرية، والعدالة الاجتماعية، والكرامة والانسانية، وبذلك فإننا لم نكن نجانب الصواب، قدر محاولتنا الاقتراب من جذر الحقيقة السياسية، الاجتماعية، والوطنية التاريخية، في قراءتنا لجدل الثورة، والثورة المضادة، في السياق السياسي، والاجتماعي، التاريخي، وهو ما تحاوله هذه الورقة، بفقراتها المختلفة.