شكراً لميشال أبو نجم على هذه الدراسة القيّمة للتعاطي الإعلامي مع قضية “نهر البارد”. وقد نُشِرَت في “قضايا النهار”، تحت عنوان “هل من صورة مفتقدة للجيش؟”.
وأفضل ما فيها التشريح الدقيق لتغطية إثنتين من أوسع صحف لبنان إنتشاراً، أي “الأخبار” (يملكها الحزب الشيوعي الذي “أجّرها” للحزب الإلهي)، و”السفير”. “السفير” تبدو أكثر “رصانة” (أو “براعة”) في التعبير عن الخط السوري-الحزب اللهي من “الأخبار” التي تحوّلت إلى جريدة حزبية بالكاد تخفي عداءها للجيش وتمنّيها بفشله في القضاء على عصابة “فتح الإسلام”، وكل ذلك تحت غطاء “الحرص على الجيش” أو “الحرص على المدنيين الفلسطينيين.!
*
خلف مشهد الإحتضان الشعبي والمدني الشامل للجيش في معركته مع إرهابيي نهر البارد، كان الإعلام السلاح الآخر الممتشق في هذه الحرب، كما في أي حربٍ أخرى. وطرحت المتابعة اليومية لوقائع الإشتباكات وتداعياتها وترجمتها على أثير التلفزيونات والإذاعات وعلى صفحات الجرائد سؤالاً بالغ الأهمية عن كيفية مقاربة الإعلام اللبناني للمعارك، ومدى مساندة هذا الإعلام للجيش من خلال تغطياته
ومواقفه، أو وضع العراقيل أمام تقدمه تحت عناوين شتى.
فقد برزت الإشكالات بين الجيش وبعض التعاطي الإعلامي منذ اليوم الأول للمعارك، من خلال دفق بيانات قيادة الجيش وبلاغاتها التي كانت تصحح فيها أو توضح معلومات تمَّ بثها أو نشرها، ولم تتردد في إنذار بعض الصحافيين باللجوء إلى القضاء لإجراء المقتضى القانوني بعدما اعتبرت أن بعض المقالات تسيئ إلى المعنويات العسكرية باستنادها إلى معلومات من المسلحين أو شخصيات أصولية قريبة منهم.
فالجميع يذكر ردود الفعل السلبية التي أثارتها فضائية “الجزيرة” التي بثت بياناً قرأه زعيم “فتح الإسلام” شاكر العبسي أضيفت إليه صور ل”أسود” الفاتحين وهم ينفذون تدريبات عسكرية. وإذ فتحت القناة القطرية المثيرة للجدل هواءها للقاطنين في مخيم نهر البارد والمشاهدين في الدول العربية طالبين وقف النار من دون تمييز بين المعتدي والمُعتدى عليه ومركزين على المعاناة الإنسانية للمدنيين الفلسطينيين، التصقت بحيادية مبالغ فيها بين طرفي الصراع مشككة ضمناً ببلاغات الجيش، فوضعت في سياق تغطيتها لأحداث نهر البارد في أسفل الشاشة شريطاً إخبارياً يحوي عبارة “الجيش يقصف ما يقول إنها مواقع لفتح الإسلام”. فليس ما يعلنه الجيش صحيحاً في المبدأ بحسب “الجزيرة”، بل يُنسب إليه، وتالياً فمن المنطقي أن يستهدف في سياق قصفه المدنيين غير مكترثٍ بهم. من جهةٍ أخرى أقدمت وحدات الجيش على اعتقال مراسل “العربية” الفلسطيني وائل عصام الأربعاء 6 حزيران الماضي ومصورها اللبناني محمد محفوظ بسبب التقاطهم صور مواقع يطلق منها الجيش النار.
تتشعب معالجة إشكالية التعاطي الإعلامي مع حرب نهر البارد لأنها تتخطى المشهد الأمني، وتطاول النتائج السياسية لما سيرسو عليه الواقع العسكري في بلد منقسم بحدة بين معسكرين، كل منهما ينتظر كبوات المعسكر الثاني. ولا يرمي هذا المقال إلى دراسة معمقة ودقيقة لهذه الإشكالية، فالحرب لم تنته فصولاً والوقت لا يزال مبكراً لدراسة أكاديمية رصينة لمقدمات نشرات الأخبار التلفزيونية والإذاعية والتقارير الإخبارية والمقالات والتحقيقات وتحليل مضمونها، لكن قد يكون بالإمكان تقديم انطباعات سريعة للمعالجة الإعلامية لمعمودية النار الأولى للجيش بعد العام 1990.
وهذه الإنطباعات استندنا فيها إلى مراقبة نماذج من الإعلام خصوصاً المكتوب ومقارنة هذه النماذج علّنا نستخلص ملاحظاتٍ واضحة عن مدى الدعم الذي ناله الجيش، وتأثير الإعلام، إيجاباً أو سلباً، على المعنويات العسكرية، فضلاً عن إظهارها التجاذب السياسي الداخلي الحاد. وتم اختيار ثلاثة صحف تمثل البيئات السياسية اللبنانية المختلفة هي “الأخبار” و”السفير” و”النهار”، يمكن الإرتكاز على كتاباتها للنفاذ إلى خلاصات عن التعاطي الإعلامي مع أزمة البارد.
“الأخبار”
صحيفة “الأخبار” أضاءت في تعاطيها مع أزمة نهر البارد من موقعها كصحيفة معارضة على مسؤولية الحكومة في ما جرى وتحميلها الجيش أخطاءها السياسية، كذلك أفردت مساحة كبيرة من عناوينها والصور في الصفحة الأولى للمدنيين الفلسطينيين النازحين، على حساب الجيش اللبناني الذي لم يظهر في صورة تبرز قوة هجومه أو حجم التضحيات التي بذلها سوى مرة واحدة من 21 أيار حتى 22 حزيران إثر إعلان وزير الدفاع الياس المر انتصار الجيش.
في عناوين اليوم التالي لاندلاع المعارك في 21 أيار كتبت “الأخبار” مركزة على فرع المعلومات المحسوب على الأكثرية: “التوتر ينفجر في جسد الجيش. خلل أمني في فرع المعلومات حول حجم المسلّحين وعدم التنسيق مع الجيش…”. وفي اليوم التالي تابعت في عنوانها الرئيسي: “اشتباكات الشمال تتواصل والجيش ضحية المأزق السياسي والعجز العسكري”. وبدءاً من الأربعاء 23 أيار، راحت “الأخبار” تنشر في الصفحة الأولى صوراً مؤثرة للاجئين الفلسطينيين. فتحت عنوانٍ رئيسي في 23 أيار كتبت: “الموت يجري في نهر البارد” ونشرت صورة للاجئة فلسطينية وطفليها بعد نزوحهم من المخيم، وفي اليوم التالي ظهرت صورة إمرأة مع أطفال في باص متجهين إلى البداوي، في حين كان العنوان الرئيسي دالاً على التنسيق بين حليفين للولايات المتحدة في المنطقة: “قريطم ورام الله: الحسم عسكرياً”.
أما في عدد الجمعة 25 أيار فقد وضعت الصحيفة صورة لبطاقة طفل فلسطيني، ومن الجمعة إلى الإثنين 28 أيار استمر الجيش اللبناني غائباً عن الصفحة الأولى، حيث ظهر أطفال فلسطينيون وهم يرسمون في عدد الإثنين تحت عنوان: “أزمة نهر البارد جرح مفتوح”. وإذا قفزنا إلى السبت 2 حزيران بسبب التركيز في الأيام الفاصلة بين التاريخين على الأزمة السياسية والتحركات الداخلية، فإننا نرى عنواناً يظهر في شقّه الأول حزم الجيش: “الجيش يقترب من الحسم”. لكن العناوين الأخرى تعيد إبراز مأساة المدنيين: “واشنطن تدعم عملية البارد والمدنيون يستغيثون”، أما كلام الصورة التي بدا فيها الدخان يتصاعد من المخيم فأظهر حياديةً بين طرفي الصراع بوصف المباني التي يتصاعد منها دخان القصف بـ”السكنية”. وإذا تابعنا افتتاحية السبت فإننا نجد ظلالاً كثيفة ترسمها حول تقدم الجيش، من دون أدنى إشارة إلى مسؤولية الإرهابيين عن دمار المخيم: “تفجرت أمس اشتباكات عنيفة… بدا أن ضحيتها الأولى ستكون المدنيين الفلسطينيين الذين لا يزال الآلاف منهم داخل المخيّم عالقين بين نارين، وسط ظروف إنسانية صعبة تطرح أكثر من علامة استفهام عن إمكان الاستمرار في العملية العسكرية…”.
وإلى الإثنين 4 حزيران يتواصل غياب الجيش في العناوين، ويتتابع طرح علامات الإستفهام وإبراز الإعتراضات: “هل دخل الجيش معركة استنزاف طويلة” عطفاً على صورة ناشطين لبنانيين مستلقين قرب مدخل نهر البارد في تحرك رمزي اعتراضاً على الحرب الدائرة. في اليوم التالي أيضاً عنوان عن مسارعة الجيش إلى طلب النجدة: “الجيش يطلب دعم فتح لحسمٍ سريع”، أما الصورة فليست لجنود شاكين السلاح، بل لفتيات فلسطينيات نازحات من عين الحلوة. وكان على اللبنانيين أن ينتظروا حتى الإثنين 11 حزيران لتظهر “الأخبار” حجم المأساة التي يخلفها سقوط عشرات الجنود الشهداء في صورة مؤثرة بدت فيها شقيقة الجندي الشهيد حنا فاهمة وهي تحمل صورته، وخلفها الجنود يحملون نعشه.
وفي حصيلة سريعة إذا استثنينا عدد 21 أيار غداة بدء الإشتباكات والذي أبرزت فيه الصحيفة صورة لجنود في هذه المواقع، فإن من أصل ثمانية عشر عدداً من “الأخبار” بين بدء الإشتباكات وإعلان وزير الدفاع انتصار الجيش ليل 21 حزيران ظهرت 7 صور عن معاناة الفلسطنيين في مقابل صورة واحدة تشير إلى حجم التضحيات التي تكبدتها المؤسسة العسكرية.
في “الأخبار” أيضاً شكلت مقالات فداء عيتاني وتحقيقاته نموذجاً لإشاعة أخبار ومعلومات نقلاً عن قادة المجموعة الإرهابية، ما فردت قيادة الجيش على هذه التحقيقات بحزم في 8 حزيران محتفظةً لنفسها بحق “ملاحقة الصحيفة وكاتب التحقيقين (المنشورين في 4 و5 حزيران) أمام القضاء”، معتبرةً أن ما ذكره عيتاني ينطوي على “ترويج مبطن ومباشر لمزاعم هذه العصابة الإرهابية المجرمة”.
في مقاله المعنوَن “مطالب متبادلة مستحيلة والموت أولى من الإستسلام” (الجملة الأخيرة لزعيم “فتح الإسلام” شاكر العبسي) في 28 أيار تحدث عيتاني عن وساطة بين الجيش و”فتح الإسلام” أورد فيها أن “الوسيط لم يُخفِ على قيادة الجيش ومديرية المخابرات مشاهداته، ونصحهم بوضع استراتيجية للتعامل مع التنظيم ليس بالضرورة عبر العنف، مشدداًَ على ضرورة إيجاد صيغة جدية وواقعية للتعامل مع تنظيم ناشئ وقوي”… في 30 أيار يرسم عيتاني في مقالٍ آخر صورةً للمشهد العسكري بدا فيها الجيش وكأنه يتوسل الحل السلمي فيما “فتح الإسلام” تنام على حرير صمودها: “الجيش المُستنزَف ينتظر الحل وفتح الإسلام جاهزة لحربٍ طويلة”.
في مقال آخر له في 2 حزيران يؤكد عيتاني “أن الجيش يصل إلى نقطة اللاعودة”، وفي 4 حزيران يكتب أن “الجيش يقوم للمرّة الأولى بتاريخ الجيوش بحسب هذا الإعلام الفضائي بدك مواقعه نفسها بمدافع الميدان”. وفي اليوم التالي (5 حزيران) وتحت عنوان “إغراق الجيش وقائده في مستنقع المخيمات”، ينقل عن سليم أبو طه “أن معنويات الجيش اللبناني في الحضيض وقتلاه بالعشرات”. وكان هذا المقال القشة التي قصمت ظهر هدوء الجيش فرد في بيان توضيحي في 8 حزيران.
لكن “الأخبار” لم تخلُ من مقالات متعاطفة بشكل واضح لا لبس فيه مع الجيش، فكتب غسان سعود في 6 حزيران والحادي عشر منه عن المشاهد المؤلمة في مراسم وداع الشهداء العسكريين على امتداد الوطن، بلغة تميزت بوجدانيتها واستعمال كلمات من نوع: “أحباء، أبطال، أعراس حزن، أصحاب الزنود السمر…”.
“السفير”
“السفير” ركزت من جهتها على البعد السياسي للأزمة وتعقيداتها، وحاولت إيجاد نوعٍ من التوازن بين تغطية أخبار الجيش والنازحين الفلسطينيين الذين أولتهم عنايةً خاصة في تغطيتها، من حيث المساحة التي خصصت لأخبارهم ومعاناتهم الإنسانية.
في العدد الأول بعد الإشتباكات في (21-5) طرحت “السفير” السؤال عن “المسؤول عن مذبحة الجيش في كمين فتح الإسلام؟”، وفي عدد 22 أيار وصفت في أحد عناوينها الرئيسة “فتح الإسلام” بـ”المشروع الإنتحاري” (السفير تنشر رواية كاملة لأحداث طرابلس: فتح الإسلام مشروع انتحاري)، مع صورة للقصف، أما في الصفحة 7 فقد أبرزت تضحيات الجيش ناشرةً خبراً عن تشييع شهداء للجيش وصور 16 شهيداً، إضافةً إلى موضوع في أسفل الصفحة تحدثت فيه زوجة الرقيب الأول الشهيد مازن الأعور.
لكن هذه الأخبار توازنت مع تلك التي أبرزت المعاناة الإنسانية للاجئين الفلسطينيين مع عناوين تنتقد ضمناً قصف الجيش. ففي عنوانيَ تحقيق رشا الأطرش عن النازحين نلاحظ أن النداء توجه إلى الجيش: “نداءات من داخل مخيم البارد: أوقفوا القصف المباشر… نرجوكم!”. في عدد اليوم التالي (23-5) بدأت صور النازحين الفلسطينيين تحتل الصفحة الأولى في “السفير”، حيث نُشرت صورة لنازحين يتوزعون على المدارس في مخيم البداوي. في الصفحة السادسة مساحة كبيرة لمعاناة النازحين (3 مواضيع) مع استخدام عناوين مؤثرة عاطفياً: “عندما يصبح عويل النساء وصراخ الأطفال أقوى من أزيز الرصاص- 15 دقيقة في جحيم البارد…، مصاب يعتب على الجيش… لكنه يكره فتح الإسلام”، والعنوان الأخير تصدر مقال حسناء سعاده التي نقلت انتقاد الجيش عن جريح فلسطيني وأبرزته: “… عتب كبير وكلام كثير سمعناه… ولكن كلمة ذلك الجريح… رنّت أكثر من غيرها: يمكن الجيش مفكر إنو ما في بشر بالمخيم؟”. أما في الخبر الثالث عن اعتصامات النازحين في البداوي فبرز فيه عنوان يظهر تضامن اللاجئين مع الجيش: “الجيش اللبناني ضمانة والإعتداء عليه خط أحمر”.
في عدد 24-5 استمر إظهار المعاناة الإنسانية على الصفحة الأولى: صورة لفلسطينية تبكي، وفي الصفحة 7 ثلاثة مقالات عن أوضاع اللاجئين.
في عدد 25-5: نلاحظ صورة لأطفال ونساء نازحين مع عنوان يشير إلى الموقف السياسي للجريدة من التدخل الأميركي والتركيز عليه وكأن هناك استهدافاً لرمزية المخيم: “الإرهاب يتحول ذريعةً للتدخل الأميركي بالسلاح: حمولة ست طائرات… لتوسيع الحرب على البارد”. وفي الصفحات الداخلية أيضاً 3 مواضيع عن الحالة الإنسانية تتضمن أحاديث للنازحين.
نتجاوز عددين لنراقب عدد 28-5 الذي أعاد إظهار الموقف السياسي لما يجري في العنوان الرئيسي: “حتى لا يسقط لبنان في الكمين”. وفي الصفحات الداخلية ثلاثة مواضيع (ص 6 و7) عن النازحين مع عناوين وصفية لواقع الحال: “عُجّز ينتظرون من ينقلهم ونقص في كل شيئ…”. وفي عدد الثلثاء يُبرز احد العناوين الرئيسة مأزق التردد: “السلطة والفصائل تخاف الغرق في البارد… والجيش ينتظر”، وفي الصفحة 5 نلاحظ المساحة الواسعة التي اعطيت للنازحين، فقد كان عنوان خبر الإشتباكات: “الوضع الإنساني والصحي لسكان البارد يزداد سوءاً- أبو سليم طه للسفير: تسليم أشخاص من الحركة غير وارد”، يليه خبر عن المخاطر الصحية في البداوي. اما اللافت فالإشارة في يسار هذه الصفحة إلى تقرير اعدته المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان “شاهد” عن الخسائر المدنية تحت عنوان: ” شاهد تنشر تقريراً عن الخسائر في البارد- 18 شهيداً مدنياً بالأسماء والأضرار جسيمة”.
عدد 30-5 يلقي مسؤولية التصعيد على الإرهابيين في عنوانه الرئيسي: “محاور البارد تلتهب والمخارج تصطدم بتعنت فتح الإسلام”، وتمتع اللاجئون بمزيد من المساحة في الصفحة 5 (ثلاثة أخبار).
“السفير” لم تنسَ إبراز حسن نية الجيش في عدد 2 حزيران في العنوان الرئيسي: “الجيش للحسم بالنار… من دون اقتحام البارد”، مرفقاً بصورة لآليات الجيش في اتجاه المخيم. وفي الصفحة 6 موضوعان عن المدنيين تحت عناوين تسعى إلى التأثير وإبراز صوت اللاجئين، من بينها: “من البارد مباشرةً على الهواء لم نعد قادرين على التحمل”، أما العنوان الأول للخبر الأمني فأشار: “الوضع الإنساني يهدد بكارثة في الساعات المقبلة”.
خطوات الجيش المتقدمة أبرزتها “السفير” في عدد 6-6: “الجيش يثبت مواقعه الجديدة حول البارد”، مع صورة جوية تظهر خريطة المعركة، وفي الصفحات الداخلية مواضيع عن النازحين وبورتريه لإمرأة فلسطينية تمكنت من الخروج من المخيم. في 11-6 برز أيضاً الدعم للجيش من خلال نشر صورة لتشييع أحد الشهداء العسكريين، ونشر في الصفحة 5 خبر عن الإحتفالات التضامنية مع الجيش إضافةً إلى تحقيق في الصفحة 6 عن مساندة الأهالي في عكار للجيش ووسائلها، بالتزامن مع نشر تحقيقين في الصفحة 6 عن النازحين أحدهما يتضمن بورتريه لبائعة فول فلسطينية.
تابعت “السفير” توازنها بين تحرك الجيش وأوضاع اللاجئين الفلسطينين، ففي عدد 18-6 نلاحظ في العناوين الرئيسة استخدام كلمة “تطهير”: “الجيش يطهر البارد الجديد… وألفا مدني فلسطيني ينتقلون إلى المربع الآمن”، مع صورة لقائد الجيش يراقب عبر المنظار. وفي الصفحة 7 يستمر التوازن في الأخبار أيضاً، إذ نُشرت اخبار تشييع الشهداء وإضاءة شموع في صور تضامناً مع المؤسسة العسكرية، إضافةً إلى تحقيق عن أطفال البارد، فيما نجد في الخبر الأمني تركيزاً على مأساة المخيم، إذ ذكّر العنوان بحوادث مختلف عليها بين الفلسطينيين واللبنانيين ومثيرة للحساسية: “التفاهم على بقاء المخيم كيلا يصبح تل زعتر جديداً…”. اما عدد 19-6 فقد تماثل مع عدد “النهار” في اليوم عينه لجهة نشره صورة العسكريين وهم يرفعون العلم اللبناني لدى غروب الشمس على أحد المواقع الساقطة وإن كانت الصورة أصغر وملتقطة من زواية أخرى.
“النهار”
“النهار” عالجت الأزمة من زاوية التركيز على الحسم العسكري والخطوات التي تبذلها الحكومة في سبيل ذلك وإظهار تردد بعض المعارضة في تأييد قرار الحسم.
بدأت “النهار” عناوينها الداعمة صراحةً للجيش في 21/5، ففي أحد عناوين هذا العدد الرئيسة يبرز الآتي: “الجيش يواجه أشرس هجوم إرهابي شمالاً”، وفي اليوم التالي 22 أيار أبرزت موقف الحكومة مما تعتبره استهدافاً لها وللبنان واستكملت رسم صورة الدعم للجيش: “الحكومة ترد على الهجوم بقرار ثابت لإنهاء فتح الإسلام… الجيش يحكم الطوق على مخيم البارد…”، أما في الصفحة 8 فقد عنونت خبر الإشتباكات على الشكل الآتي محملة مسؤولية خرق الهدنة لمجموعة العبسي: “الجيش استكمل الطوق وفتح الإسلام خرقت هدنة إنسانية”. في 23 أيار نشرت “النهار” ثلاث صور لنازحين فلسطينيين، لكن جاء في عناوينها الرئيسة إشارتان إلى دعم الجيش: “سولانا واثق من قدرة المؤسسة العسكرية…- الجيش يحرز تقدماً…”. ونقرأ في عنوان خبر بسيط في الصفحة 7: “علماء طرابلس طالبوا بوقف النار وبيانهم خلا من أي دعمٍ للجيش”، فلا يوجد حيادية بل لفت نظر إلى عدم دعم الجيش. أما في 24 أيار فقد حصرت “النهار” في أحد عناوينها الرئيسة الخيارات أمام الإرهابيين بالإستسلام أو الحسم: “الهدنة تمهد للإستسلام أو الحسم”. لكن في الصفحة 6 نلاحظ أن الصحيفة نقلت حديثاً لأبو سليم طه أحد الناطقين باسم “فتح الاسلام” أجرته الزميلة ريتا صفير، التي وإن أظهرت وجهة نظر “فتح الإسلام” دون تعبير عن مواقف شخصية. اما في الخبر الأمني فقد توجهت أصابع الإتهام في العنوان إلى المسلحين بخرق الهدنة: “صمود الهدنة الإنسانية… رغم استمرار خروق مسلحي فتح الإسلام”.
وفي ملحق “نهار الشباب” الأسبوعي في 24 أيار احتل مغاوير الجيش برشاشاتهم وخوذهم المموهة الغلاف في صورةٍ كبيرة تحت عنوان معبر: “تسلم يا عسكر لبنان”، أما في المقالات في الصفحات الداخلية فقد نال الجيش حصة كبيرة في تحقيقين واضحين في خيارهما الداعم له: الأول لابرهيم دسوقي تحت عنوان حاسم: “شباب لبنان يدعمون الجيش ضد المعتدي”. واقترن العنوان بصورة للمغاوير بلباسهم الأسود ووقفتهم الهجومية وبنادقهم المتطورة السريعة الطلقات فيما وجوههم مموهة. أما التحقيق الثاني فلمنال شعيا من أرض المعركة وصفت في عنوانها الجيش بـ”الصامد” الذي “تروي أرض المعركة بطولاته”. وفي يوم الجمعة 25 أيار نلاحظ في “النهار” المزيد من العناوين التي تنقل الرسائل الدولية الداعمة: “تعزيزات عسكرية كثيفة حول مخيم نهر البارد- كوشنير نقل تعهدات لاستمرار الدعم الفرنسي”، مع صورة لناقلات جند على متنها عسكريون. الأحد 27 أيار متابعة لإبراز الدعم الدولي للمؤسسة العسكرية: المساعدات تتدفق والجيش يؤكد…”. وفي اليوم التالي في 28 أيار برز التأكيد على الحسم في أحد العناوين في الصفحة الأولى: “انقسام فلسطيني ولا مهلة حكومية أو عسكرية”. ونلاحظ في الصفحة 7 في العدد نفسه نشر خبر عن معاناة النازحين الفلسطينيين وجولة لمسؤولي “الأونروا” عن مراكزهم مع صور لأطفال وامرآة تشكي حالها، غير أن هذا الخبر لم يكن فيه استصراح اللاجئين ونشر انتقاداتهم للجيش والعملية العسكرية، كذلك يكاد يوازي من حيث الحجم خبر الإشتباكات الأمنية.
تتابع نقل الرسائل الإعلامية الداعمة في 29 أيار، فنقرأ في أحد العناوين الرئيسة: “تعبئة (التي تشير إلى حجم الإستنفار والجهود المبذولة) ديبلوماسية عربية وأجنبية في المواجهة- السنيورة: نتائج بالغة الخطورة لكل خيار بديل من الحسم”. في 30 أيار نال الحسم موقعاً في العناوين الرئيسة على رغم طغيان موضوعين سياسيين هما زيارة رئيس الجمهورية لبكركي وإقرار المحكمة الدولية: “… وساطة فلسطينية تسابق حسم الجيش”.
الخبر المنشور في الصفحة 6 من العدد نفسه نموذج عن التدخل التحريري لاظهار ضعف حجة الفصائل الفلسطينية التي طالبت بأمور قبل إنهاء الظاهرة الإرهابية” فالعناون التالي: “ثماني فصائل فلسطينية تطالب بتثبيت الهدنة وإعادة النازحين” أضيفت في ختامه علامة تعجب. وفي مضمون الخبر أيضاً موقف من تحرك الفصائل، إذ كتب نجيب اسكندر: “تتحرك الفصائل… لتطالب قبل حل مشكلة المسلحين… بإعادة النازحين…”. نقفز عن عدد الخميس الذي خصصت عناوينه لحدث إقرار المحكمة إلى الجمعة 1 حزيران لنلاحظ التالي: “الجيش يتقدم… وسليمان يتعهد توقيف القتلة”.
العناوين الرئيسية لليوم التالي 2 حزيران أظهرت مقارنة ايجابية لمصلحة الجيش بينه وبين الإرهابيين: “الجيش بدأ معركة الحسم وفتح الإسلام تشارف الإنهيار”، واقترنت هذه العناوين بصورتين في سياق منطق دعم الجيش نفسه: الأولى للهب نار منبعث من مدفع وهو يقصف والأخرى لملالات الجيش. أما في الصفحة السادسة فاحتل خبر تقدم الجيش ستة أعمدة على كامل الصفحة مع خمس صور كبيرة لقصف الجيش وصورتين صغيرتين، وفي المقابل نالت الإعتصامات في المخيمات للمطالبة بوقف النار خبراً بسيطاً وصغيراً على عمودين مع عنوانٍ خبري بحت في أسفل الصفحة. في 3 حزيران نقرأ عنواناً رئيساً آخر: “الجيش يحكم الطوق ويطرح الإستسلام”، وفي عدد الإثنين 4 حزيران ارتفع العلم اللبناني برمزيته في إحدى الصورتين عن الإشتباكات، مع نقل تحذير الجيش “من تحويل المخيمات مصدراً للفتنة” في أحد العناوين، كذلك في 5 حزيران تتدخل “النهار” في عنوانها الأول لتشرح سبب تأخر الجيش في اقتحام مربع الإرهابيين: “… خشية تفخيخ مبان مأهولة بالمدنيين”، مع صورة للعسكر في محيط مخيم البارد.
وعلى رغم تركيزها في 6 حزيران في عناوينها على الملف السياسي فإن الحدث الأمني حضر من خلال إظهار بداية الإنهيار في “فتح الإسلام”: “بداية استسلام داخل البارد…”، معطوفاً على أحد عناوين الخبر الأمني في الصفحة 6: “حالات إعياء وانهيار في صفوف “فتح الإسلام”. في عدد 7 حزيران لم تتطرق “النهار” إلى الوضع الميداني، لكن برز في صفحاتها الداخلية مقال تحليلي لهيام القصيفي نقلت فيه رؤية مصدر عسكري موثوق به تحت عنوان واضح في دعمه الجيش: “الجيش لن يقبل بأي صفقة على حساب دماء الشهداء”.
عدد الجمعة 9 حزيران أبرز في عنوان رئيس النجاح العسكري: “تقدم كبير للجيش…”، وإلى جانب الخبر الأمني في الصفحات الداخلية برز تحقيق لمنال شعيا نقلت فيه مآسي عائلات الشهداء واجواءهم الحزينة مستصرحةً عدداً كبيراً منهم، مع صورتين لأقرباء الشهداء.
إضافة لإبراز دعم بكركي للجيش في العناوين الرئيسية لعدد 10 حزيران فإن كلمات لافتة سجلت في الخبر الأمني: “الجيش يواصل ضغطه على مخيم نهر البارد لتطهيره”.
لم تتوقف “النهار” عن إبراز الدعم للجيش والحسم في الأعداد التالية باستثناء محطات طغت كاستشهاد النائب وليد عيدو، ونختار من الأعداد المتبقية عدد 16 حزيران حيث بانت الأعلام اللبنانية واعلام الجيش مرتفعة على مواقع سابقة للإرهابيين في صورة في الصفحة الرئيسة، مع أحد العناوين الذي يشير إلى أن “الجيش يطارد فتح الإسلام”، وتوجت “النهار” موقفها الحازم إلى جانب الجيش بنشر صورة كبيرة على كل اعمدة الصفحة الأولى من عدد 19 حزيران، فوسط مشهد سوريالي من الدمار والحجارة المبعثرة والشمس المختبئة خلف الغيوم، يرتفع العلم اللبناني محمولاً من جندي لبناني وهو يركض لرفعه على موقع “صامد” الذي بات في عهدة المؤسسة العسكرية.
صدقة: الوقوف المطلق إلى جانب الجيش لم يكن دائماً موجوداً
الدكتور جورج صدقة الذي يدرّس مادة “الإعلام والأزمات” في شهادة الماستر في الفرع الثاني لكلية الإعلام وصاحب كتاب “وسائل الإعلام والحروب والمجتمع” الصادر بالفرنسية أكد أنَّ الإعلام في الحرب سلاح يوازي قوة المدفع وأن تأثيره على الجيش غير مباشر لكنه قوي من خلال خلق الرأي العام، فهو قد يتخذ خيارات جريئة عندما يلمس أن الرأي العام مؤيد له في حين أنه قد يتردد حين يتم التحدث عن خطوط حمر تُرسم له. وأشار إلى أن ليس المهم في المطلق البيانات العسكرية التي تصدرها قيادة الجيش بل أن يكون هدفها التأثير على الرأي العام وضرب الخصم، مشدداً في هذا المجال على أن بيانات الجيش خلال المعارك لم تحمل البعد النفسي المطلوب، فيما كانت شفافة وصادقة، وهذا الصدق في نقل الأخبار ليس دور الجيش بل الإعلام الإستقصائي، لأن كل معلومة يعطيها الجيش يجب أن تهدف إلى التأثير على سير المعركة. في المقابل لعبت المنظمة الإرهابية على الوتر النفسي والطائفي وسعت بما أمكنها من وسائل إلى شرح مواقفها للرأي العام والتأثير عليها. وبحسب صدقة فإن عدداً من التغطيات الإخبارية تم بناء على الخلفية السياسية ولم يكن هناك شعور بالوقوف المطلق إلى جانب الجيش وإظهار قضيته كأنها قضية محقة دائماً.
ويسأل رداً على المطالبة بالموضوعية: هل الموضوعية تعني المساواة بين المجرم والضحية؟
لكنه في المقابل يؤكد على ضرورة إعطاء الكلام للتنظيمات الإرهابية وعلى حق النقد لكن بعد انتهاء المعركة. غير أن هذا المعطى يجب أن يقترن بتدخل الصحافي كي لا يلتقط الجمهور المعلومة الصادرة عن الإرهابيين وكأنها حقيقة أو صادرة عن شخصيات محترمة، فالصحافي ليس آلة تسجيل لنقل الوقائع، بل له رأيه وأقل واجباته أن يلتزم قضايا بلاده. ويشير صدقة إلى أن من خصائص الإعلام الحربي عدم إفشاء أسرار تمس الأمن القومي وتجنب ضرب معنويات الجيش، وهنا تبرز مهارة الصحافي في التوفيق بين هذه القواعد وجلب المعلومات وبثها.
صدقة ينتقد أيضاً غياب ناطق عسكري يوصل المعلومات في مؤتمرات صحافية يومية عن سير المعارك ويكون في تصرف الصحافيين كما في كل جيوش العالم، ما سمح بفتح الباب أمام البعض لبث معلومات تساوي بين المُعتدي والمعتدى عليه.
(قضايا النهار)
التعاطي الإعلامي مع أحداث نهر البارد: “الجزيرة” و”الأخبار” و”السفير” و”النهار”
الهم ابعد الاسلام والفكر الاسلامي الارهابي عن البلاد العربية والاسلامية يا رب العالمين الحقيقي لكي يتنور العرب ليلحقوا بركب الحضارة وخاصة نحن في القرن الواحد والعشرين …
ابن السبيل