لازال العالم العربي، يحاول جاهدا ان يقول لنفسه و للعالم بأن الاسلام دين حرية واستسلام لله. لكن الكثير من المظاهر التي يمارسها مسلمون عرب تتناقض وهذه الاطروحة الاسلامية: فسلوكيات التدخل بالحريات الشخصية، وبخصوصيات الناس وحرية المعرفة واللباس يتناقض والسماحة والتسامح. ان دعوات القتل والاعدام والتكفير المستمرة في العالم العربي هي الاخرى تتناقض والسماحة. اننا نعيش في حلقة مفرغة تساهم في صراعات جديدة لا حد لها ولا آخر، وتساهم في الشحن الطائفي والفئوي القاتل الذي لم تعرفه الاجيال السابقة.
أن مواجهة التطرف لا يمكن ان تتحقق في اطار الوضع القائم في معظم البلاد العربية. ورغم محاولات عدة للتعامل مع التطرف من خلال الدعوة للوسطية وانطلاقا من ان الاسلام دين وسط وان التطرف غريب عليه الا ان الوسطية لم تنجح. فالاطروحات الوسطية مالت للتطرف حول المرأة والحجاب والشيعة والسنة والغرب والاختلاف. هكذا اصبح تفسير الاقلية السلفية هو التفسير السائد بينما تم ضرب وازاحة التفسير الاسلامي التقليدي الوسطي الازهري.
ان البديل للتطرف في المجتمعات العربية هو في بناء مساحة حرة للجميع بما في ذلك المعارضة السياسية التي تعيش في المنافي بين لندن وعواصم العالم. يتطلب الامر زيادة كبيرة في مساحة الحرية الثقافية والسياسية والانسانية في المجتمع. ان المساحة العامة في البلاد يجب ان تكون لكل انسان ولكل فرد ولكل زائر للبلاد العربية مهما كان لونه ودينه وايمانه في اطار قانون ينظم هذه المساحة. ان المساحة العامة يجب ان تكون مساحة محايدة لقطاعات المجتمع كافة بحيث يجد كل فرد وانسان عندما يخرج من منزله ان حريته تتساوى وحريات الاخرين. ان بناء المساحة العامة المحايدة تمثل وسيلة لمواجهة التطرف وطريقة لبناء مجتمع حضاري.
لكن لتنجح المجتمعات العربية بالتحديد في تحقيق سلام داخلي لا بد من اعادة النظر بدور الدولة تجاه المجتمع. فالدولة هي الجهة الرئيسية التي بإمكانها تشجيع قيم الحرية والدستورية والديمقراطية والمساواة امام القانون وحقوق الانسان، وهي التي بأمكانها الإنقلاب على الدستور والمساواة والعدالة فتساهم في تعميق التفكك الداخلي والغضب اليومي. الدولة اساسية في مشروع الاتزان والاصلاح في جميع البلاد العربية، وهي المسـؤولة عن التفكك الوطني في كل مكان عندما تتخلى عن مشروع الاصلاح. الدولة، ان ارادت، قامت بمحاربة الثقافة كما تفعل في دول عربية عديدة، وهي التي ان ارادت شجعت ثقافة الحرية. الدولة في معظم الاطر العربية الرسمية تشجع الاصولية على حساب الحريات عبر منع الكتب وممارسة الرقابة وتهميش المجتمع المدني. بإمكان الدولة ان تكون في خدمة التنوير والتقدم، وبإمكانها ان تكون على النقيض.
يبقى السؤال: اي دول سنكون في السنوات القليلة القادمة؟ سيقرر هذا الأمر طبيعة الازمات التي سيواجهها العالم العربي في المدى المنظور.
استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت