في 24 شباط/فبراير 2011، أُلقي القبض على زعيمَي حركة المعارضة الإيرانية المعروفة بـ “الحركة الخضراء”، مير حسين موسوي ومهدي كروبي، وتم اقتيادهما في البداية إلى سجن حشمتيه في طهران. وفي الوقت نفسه، حاول المتشددون داخل الدائرة الحاكمة للجمهورية الإسلامية تعزيز موقفهم. ويحدث تطور آخر هو على الأقل بنفس أهمية العزلة والمضايقات التي تمارس ضد قادة “الحركة الخضراء” ومناصريهم، وهو موقف النظام ضد أحد شخصياته البارزة، أكبر هاشمي رفسنجاني.
وسوف يكون هذا الصراع على السلطة داخل النخبة السياسية الإيرانية ظاهراً للعيان خلال الاجتماع نصف السنوي لـ “مجلس الخبراء”– الهيئة المكلفة باختيار المرشد الأعلى للبلاد — الذي سيعقد في 8 – 9 آذار/مارس. وفيما يتعلق بالاجتماع الوشيك سينتخب المجلس رئيساً له للعام القادم. ويرأس المجلس الآن رفسنجاني نفسه الذي لعب الدور الرئيسي في اختيار علي خامنئي ليخلف روح الله الخميني كمرشد أعلى للبلاد قبل اثنتين وعشرين عاماً. وخلال الأزمة الحالية، يحاول الرئيس محمود أحمدي نجاد ومتشددون آخرون منع رفسنجاني من الاحتفاظ بزعامته للمجلس. غير أن إزاحته ستؤدي إلى تضييق مجال النخبة الإيرانية السياسية والدينية التي تدعم خامنئي.
لماذا رفسنجاني مهم؟
يعتبر رفسنجاني أحد المؤسسين والمدبرين وراء إقامة الجمهورية الإسلامية، وكانت تربطه علاقة وثيقة بآية الله الخميني، وعاش الاثنان في منزلين متجاورين، وقضيا الكثير من الوقت معاً خلال فترتي ولاية رفسنجاني التي استمرت كل منهما أربعة أعوام كمتحدث باسم «المجلس» (البرلمان الإيراني). وقد شغل رفسنجاني أيضاً منصب “القائد الأعلى للقوات المسلحة” بصورة فعالة خلال الأعوام الأخيرة من الحرب بين إيران والعراق، حيث عمل بمثابة نائب للخميني. وثمة عنصر محرك آخر في تلك الحكومة المسبقة شمل الدور الذي قام به مرشد إيران الأعلى حالياً، خامنئي، الذي كان آنذاك رئيساً دون سلطة تنفيذية وخصماً لدوداً لموسوي — رئيس الوزراء آنذاك (وأحد معتقلي “الحركة الخضراء” حالياً) — الذي كان يسيطر على الجهاز الإداري للحكومة. ومع كون خامنئي وموسوي في حالة خصام، يمكن القول أن رفسنجاني كان أهم شخصية إدارية [في إقرار] سياسة البلاد الداخلية والخارجية.
وفي 1989، وهو العام الذي توفي فيه الخميني، عمل رفسنجاني على مراجعة الدستور لإلغاء منصب رئيس الوزراء مع نقل سلطات المنصب السابق إلى الرئاسة، وهو المنصب الذي انتقل إليه رفسنجاني فيما بعد. وقد قدّر رفسنجاني أنه بذلك سيمسك بزمام السلطة الفعلية بدلاً من المرشد الأعلى الجديد خامنئي، لافتقار هذا الأخير للمؤهلات الدينية والسياسية، فضلاً عن شخصية آية الله الخميني المؤثرة والمقنعة.
وعندما أصبح خامنئي المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، سرعان ما حدد قاعدة سلطته داخل “فيلق الحرس الثوري الإسلامي” والسلطة العسكرية الأوسع بدلاً من مؤسسة رجال الدين أو النخبة السياسية. ومن خلال تمكين “فيلق الحرس الثوري الإسلامي” لكي يصبح مشاركاً في الإقتصاد والسياسة الإيرانية، قوَّى خامنئي موقفه، وفي المقابل أحبط خطط رفسنجاني لتعزيز نفوذه السياسي.
ورداً على ذلك، قام رفسنجاني بمساعدة الإصلاحي محمد خاتمي للفوز في الانتخابات ليصبح خلفاً له، وهي الخطوة التي تحدت طموحات خامنئي السياسية. وقد رد خامنئي باستغلاله “فيلق الحرس الثوري الإسلامي”، ووزارة الاستخبارات، والسلطة القضائية لإضعاف خاتمي بصورة قوية، وغلق أبواب الحكومة أمام الإصلاحيين في نهاية المطاف. وفي عام 2005، اتحدت جميع هذه القوى لإنزال هزيمة نكراء برفسنجاني في محاولته لاستعادة الرئاسة ضد خصمه وناقده أحمدي نجاد. وكان رفسنجاني — الذي رأس آنذاك “مجلس تشخيص مصلحة النظام” (المكلف بحل النزاعات بين البرلمان و”مجلس صيانة الدستور”) — قد صُدم من دعم خامنئي الواضح لأحمدي نجاد الذي اتهم رفسنجاني علانية بالتورط في فساد اقتصادي.
ولننتقل بسرعة إلى حزيران/يونيو 2009، عندما كتب رفسنجاني رسالة احتجاج إلى خامنئي محذراً من التزوير في الانتخابات المقبلة. وقد جاءت تلك الرسالة الرسمية في أعقاب عدد كبير من الردود الحاسمة، بما في ذلك الاتهام الموجه من قبل أحمدي نجاد — أثناء مناظرته التلفزيونية مع موسوي — بأن رفسنجاني قد تورط في فساد آخر. وقد انضم مؤيدو أحمدي نجاد [لتعزيز آمال مرشحهم] بإلقائهم تهم أخرى على رفسنجاني الذي احتج ضد تلك الاتهامات العلنية بينما لاذ خامنئي بالصمت.
وبعد الانتخابات المزورة، وخلال خطبة شوهدت على نطاق واسع، أعلن خامنئي أن آراءه الشخصية كانت أقرب إلى آراء أحمدي نجاد منها إلى رفسنجاني. ومنذ ذلك الحين، تم السماح لرفسنجاني بإمامة صلاة الجمعة مرة واحدة فقط، وهو تغير شكل صدمة مقارنة بالدور الذي مارسه طويلاً كإمام للصلاة مرة كل شهر. وفي تلك الخطبة اليتيمة، طلب رفسنجاني من الحكومة إطلاق سراح السجناء السياسيين، وتحقيق المصالحة مع المحتجين.
وفي الأشهر الأخيرة وصف خامنئي رفسنجاني بأنه عضو النخبة الجاهل بسبب رفض الأخير إدانة قادة المعارضة والاحتجاجات التي أعقبت الانتخابات. كما أن أفراد أسرة رفسنجاني تعرضوا هم أيضاً للهجوم. فابنه مهدي هاشمي الذي غادر إيران بعد الانتخابات، قد استُدعي إلى المحكمة بسبب “تورطه في الفتنة”. ويعيش هاشمي الآن في لندن ويخشى العودة إلى إيران. وفي صفعة أخرى ضد عائلة رفسنجاني، نُشر الأسبوع الماضي مقطع فيديو على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” ومواقع أخرى يُظهر فايزة هاشمي ابنة رفسنجاني الشجاعة والنسوية وأفراد آخرين من عائلتها وهم يتعرضون للهجوم من قبل ميليشيا “الباسيج”، ويواجهون إهانات خبيثة مُذلة. كما أظهر تلفزيون الدولة اجتماعاً للمتشددين هتف فيه المشاركون بـ “الموت لهاشمي.”
ماذا يريد خامنئي والمعارضة من رفسنجاني؟
عندما تحدث خامنئي في أيلول/سبتمبر الماضي في “جمعية قم للمدرسين والباحثين في الحوزة العلمية” (وهي هيئة حكومية داخل مؤسسة الملالي)، طمأن رجال الدين بأن أحمدي نجاد كان يعمل بصورة تامة تحت سيطرته. وقد أوضح أن البلاد موحدة اليوم بينما كانت السيطرة في ظل قيادة رفسنجاني وخاتمي ممزقة. وقد يؤخذ هذا التصريح بأنه يعني أن رفسنجاني وخاتمي لم يرضخا لخامنئي، بينما أحمدي نجاد — الذي يخيف أحياناً رجال الدين بتصريحات مروعة ومعادية للملالي — يبدو أنه يتبع أجندة خامنئي.
ورغم ادعاء المرشد الأعلى، يقال أن رفسنجاني يتمتع بدعم أوسع وأعمق من خامنئي بين قطاعات كبيرة من النخبة السياسية والدينية القديمة. ولهذا السبب لم يشأ خامنئي أن يبالغ في الهجوم على رفسنجاني، مفضلاً أن يكون الأخير فقط في موقف ضعيف، بتمتعه القليل من الاستقلال.
وأما فيما يتعلق بالمعارضة، فهي تريد الحصول على دعم رفسنجاني، لكنه يتردد في التماهي معها حيث لعب دور الوسيط الموفِّق على مدى العقود الثلاثة الماضية. غير أن سوء العلاقات مع المرشد الأعلى والرئيس جعلت من المستحيل الحفاظ على دوره السابق. ولم يعقد خامنئي ورفسنجاني اجتماعاتهما الأسبوعية الشخصية المعتادة لما يزيد عن العام. ومنذ حزيران/يونيو 2009، لم يحضر أحمدي نجاد جلسات “مجلس تشخيص مصلحة النظام”.
الأهمية الرمزية لـ “مجلس الخبراء”
يتكون “مجلس الخبراء” من تسعة وثمانين [من رجال الدين المجتهدين بدرجة] آية الله، يُفترض أن مهمتهم هي الإشراف على فترة حكم المرشد الأعلى، وتعيين مرشد جديد في حال موته أو فشله في الوفاء بواجباته. وبينما يتم انتخاب هؤلاء الأعضاء من الناحية النظرية، إلا أنه من الناحية العملية يتم تعيينهم من قبل المرشد الأعلى نفسه، وبالتالي تنقصهم سلطة الإشراف على أنشطته.
وبما أن المؤسسة نفسها رمزية، وتعمل على إضفاء الشرعية على المرشد الأعلى، يلعب رئيسها أيضاً دوراً رمزياً. وإذا ما ذهب اللقب في الفترة القادمة إلى شخص آخر غير رفسنجاني، سوف يشير ذلك إلى: 1- أن خامنئي يشعر أنه لم يعد يحتاج إلى رفسنجاني. 2- أنه لا يخشى من انضمام رفسنجاني إلى المعارضة، التي يُفترض أنه سيراها عاجزة عن تشكيل تهديد خطير على هيمنته.
وقد قام المتشددون بحملة لدعم محمد رضا مهدوي كني، ليحل محل رفسنجاني، لكن المرشد الأعلى لم يرسل رسالة واضحة بأنه يريد رحيل رفسنجاني. ومن ناحية رفسنجاني، فقد تعهد بالمضي قدماً في ترشحه حيث يرى إعادة انتخابه كرئيس لـ “مجلس الخبراء” واجباً شخصياً. وفي النهاية، فإن قرار خامنئي سيكون له أكبر تأثير على من سيتم اختياره في نهاية المطاف.
الانشقاقات بين النخبة ستزداد فقط …
سوف تكون الصراعات داخل النخبة السياسية الإيرانية ظاهرة للعِيان في سلسلة من “اللحظات” القادمة. وبادئ ذي بدء، هي فترة ولاية “مجلس تشخيص مصلحة النظام” الحالي التي أمدها خمس سنوات، وهو الهيئة التي يرأسها رفسنجاني (كما ذُكر) وتم إضعافها بصورة كبيرة، وأحد أعضاؤها هو موسوي. وسوف تنتهي فترة ولاية هذا “المجلس” في شباط 2012، مما سيتطلب من المرشد الأعلى تعيين أعضاء جدد. كما أن أحمدي نجاد، العضو الآخر في “المجلس” قد توقف كلية عن حضور الاجتماعات. وفي آذار/مارس من العام نفسه، ستُعقد انتخابات برلمانية مما يفرض تحدياً على المتشددين. ومن الناحية التاريخية، شملت هذه الانتخابات منافسات حقيقية داخل دوائر النخبة الضيقة، كما سيكون من الصعب احتواء العلاقات، التي هي غير ودية بصورة متزايدة، بين مختلف الفصائل المتشددة. وعلاوة على ذلك، سيكون من الصعب استخلاص مشاركة تصويتية من الجمهور الذي يشكك بأن الانتخابات تشكل فرقاً له قيمة بالمرة.
مهدي خلجي زميل أقدم في معهد واشنطن يركز على نظام الحكم في إيران والجماعات الشيعية في الشرق الأوسط.