مع كل يوم جديد يتضح ان سياسة اوباما تجاه ايران تزداد اختلافا عن من سبقه وتزداد بنفس الوقت وضوحا. لم تعد ادارة الرئيس الجديد اوباما تبحث عن تغير في النظام الايراني، وهذا بالتحديد شكل الهاجس الاكبر بالنسبة للنظام في ايران على مدى السنوات منذ انتصار الثورة عام ١٩٧٩. اضافة الى هذا فالادارة الامريكية لم تعد ملتزمة بما التزمت به الادارة السابقة في مواجهة ايران وسوريا وحزب الله وحماس. هناك تغير في الادارة الامريكية يجد له انعكاسات بين جميع الاطراف المعارضة للولايات المتحدة.
ولكن المشكلة ليست في سياسة الولايات المتحدة لوحدها، فهناك عوامل اقليمية مستقلة عن السياسة الامريكية وتوجهاتها. اذ يبقى السؤال قائما: ماذا تريد ايران في منطقة الشرق الاوسط والعالم العربي؟ هل تريد ان تحقق لنفسها مصالح دائمة وثابته في العراق و في لبنان وفي فلسطين وسوريا والتحكم ببعض ما يقع في بلاد العرب. فمن الواضح ان ايران اصبحت الان صاحبة نفوذ فعال ومؤثر في جميع الاوضاع العربية الاساسيه، اذ يكفي تأثيرها في االعراق ونفوذها وسط كل الاحزاب والتيارات العراقية لنعرف مدى القوة الذي وصلته ايران في وضعها الاقليمي.
ولكن هذا النجاح الايراني في السياسة الخارجية وفي لعبة الكبار لا يعني ان ايران ناجحة مثل تركيا في الوضع الداخلي. ايران الناجحة اقليميا تواجه تحديات داخلية عديدة وهذا ما يجب ان تلتفت اليه لو ارادت تعظيم مكاسبها والتحول لقوة مؤثرة تمتع بتأييد شعبها. فالكثير من الايرانيين يشعرون باختناق سياسي ناتج عن محدودية الحرية في ايران والتي تذكر بالنظام الاشتراكي. فهناك في ايران اشكالية تطبيق نظام اسلامي وفق التفسير المتشدد للشريعة الاسلامية في عصر العولمة، وهذا اشكالية لن تتعايش مع الواقع والوقت. فحجم الممنوعات والمحرمات والتطبيقات الشرعية كبير ومشكلات الشباب والمرأة والحريات الفردية تجعل قطاعات كبيرة من المجتمع تشعر بالغربة تجاه النظام.. بل ان قطاع كبير من المجتمع الايراني انسحب بالكامل من الحياة السياسية ويعيش حرياته بعيدا عن النظام السياسي وبمعزل عنه. هذه الازدواجية تزداد عمقا في ايران بين مجتمع يزداد علمانية ونظام يزداد التزاما بالطقوس الدينية.
لكن الحالة الايرانية ليست فريدة، ففي التاريخ الحديث توفرت حالات شبييهة بايران، فالاتحاد السوفياتي في السابق شكل نموذجا كبيرا لهذه المدرسة التي تمتلك شعبية كبيره في الخارج وشعبية ضعيفة في الداخل. والصين في زمن الثورة الثقافية في السبعينات من القرن الماضي لم تكن بعيدة عن هذه المعادلة، اذ وصل نفوذها لكل مناطق جنوب شرق اسيا بينما اقتصادها يتدهور ويتراجع ومؤسساتها هي الاخرى تزداد تفككا، ولم ينقذ الصين الا عبقرية دينغ هسياو بينغ الاصلاحي في اوائل الثمانينات من القرن الماضي.
هذا المشهد المبني على تناقضات بين الداخل والخارج بامكانه ان يستمر في ايران، ولكنه بنفس الوقت لن يصل بأيران الى النجاح الداخلي والخارجي المطلوب. فنجاح ايران المتكامل يتطلب توفر مشروع علم وتكنولوجيا وثقافة ونهضة ومشاركة كل الشعب في النهضة. وهذا بطبيعة الحال غير متوفر في اير ان الان، وسوف يبقى احد اهم نقاط ضعفها بغض النظر عن تغير الموقف الامريكي تجاه ايران.
ان المساومة الامريكية مع ايران ستشعر ايران بأن سيف المواجهة العسكرية اصبح اقل فأقل رغم بقاء الامر النووي ومخاطر المواجهة بين اسرائيل وايران.. ان المخاوف الخارجية لن تختفي بالكامل، ولكن الداخلية سوف ترتفع، فهي مخاوف ناتجه عن التأخر الاقتصادي والاجتماعي والثقافي اضافة الي تكلفة البرنامج النووي واسعار للنفط غير مؤاتية. لا يوجد نهاية للتاريخ. ايران نظام قوي في منطقتنا، ولكنه نظام يحكم بواسطة ايديولوجية اسلامية هي الاخرى تعاني من تناقضات كثيرة مع مجتمعها. هذا ما حصل في كل مجتمع وقع فيه التناقض بين الايديولوجية الحاكمة من جهة والحريات من جهة اخري.
استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت