واصل الجيش اللبناني أمس تطهير المواقع التي تقدم نحوها في مخيم نهر البارد، لمحاصرة مقاتلي تنظيم «فتح – الإسلام» المتشدد، وتوجيه نيران مدفعيته الى المواقع التي تراجع اليها هؤلاء الذين حاولوا شن هجوم مضاد على مواقعه صدها مساء أمس بقصف مدفعي كثيف من عيار 155 و120 ملم على المواقع التي تحصن فيها السلحون وتبين أنها تحوي خنادق وأنفاقاً.
وإذ دخل هجوم الجيش على مواقع «فتح – الإسلام» يومه الثاني لتطويق ومحاصرة مقاتلي التنظيم، استشهد منه ستة جنود آخرهم فجر أمس بعدما سقط خمسة أول من أمس، إضافة الى عشرات الجرحى. وبقيت الأرقام عن عدد قتلى المسلحين من التنظيم مجهولة على رغم الأنباء عن أن جثث كثيرين منهم ما زالت في بعض شوارع المخيم، وفخخ رفاقهم بعضها لتنفجر بعناصر الجيش في حال اقتربوا منها عند تقدمهم داخل المخيم.
وفيما أشارت المعلومات الرسمية الى أن مقاتلي «فتح – الإسلام» فخخوا أبنية في الجهة الشمالية من المخيم، ما دفع الجيش الى تفجير أحدها تفادياً لانفجارها بالجنود اللبنانيين، قالت مصادر أخرى ان الجيش اضطر الى هدم هذا البناء نظراً الى أن المسلحين يستخدمونه لإطلاق النار والقذائف على مواقع الجيش أثناء تقدم وحداته من تخوم المخيم الى داخله.
ومشط الجيش مواقع «فتح – الإسلام» بالمدفعية، خصوصاً في الجهة الجنوبية الغربية للمخيم التي تراجع اليها مقاتلو التنظيم من أجل مزيد من التطويق والمحاصرة لهؤلاء ولشل حركتهم، بعدما سيطر بالنيران على الجزء الشمالي من المخيم حيث تصاعد الدخان والحرائق بكثافة.
وأعلن رئيس الحكومة فؤاد السنيورة أن «أمام العصابة الإرهابية خياراً واحداً هو الاستسلام الى العدالة وتسليم أسلحتها»، فيما قال الناطق باسم «فتح – الإسلام» إن المسلحين لن يستسلموا ولن يسلّموا أسلحتهم، ونفى أن يكون تنظيمه فقد السيطرة على مواقع رئيسية. وقال: «لا نزال في مواقعنا». ونفى في اتصال مع «الحياة» إصابة المسؤول العسكري شهاب القدور (أبو هريرة)، مؤكداً أن قائد التنظيم شاكر العبسي لم يصب بل ما زال موجوداً.
وحلّقت مروحية من طراز «غازيل» تابعة للجيش ظهر أمس فوق الجهة الشرقية للمخيم، قالت مصادر إعلامية أنها أطلقت النار على مواقع للمسلحين من الجو، فيما أفادت معلومات أخرى أن المروحية اكتفت بالاستكشاف.
وذكرت مصادر أمنية أن عمليات الجيش تتم ببطء ولكن بثبات، وتمكنت من السيطرة بالنيران على الجهة الشمالية الأكثر تحصيناً لتنظيم «فتح – الإسلام». وتابعت أن الوحدات المدفعية للجيش شددت هجومها على المناطق الشرقية والجنوبية الغربية للمخيم، من أجل حصر المسلحين وشل حركتهم بعد تطويقهم.
وجاء في بيان للجيش أن «فتح – الإسلام» اتخذ المساجد وبعض المؤسسات الإنسانية داخل المخيم منطلقاً لشن الهجمات وتخزين الأسلحة داخلها وتفخيخها والتعرض للمدنيين واستخدامهم دروعاً بشرية لاستثارة الرأي العام. وأكد الجيش أنه «لا يستهدف سوى مراكز المسلحين». وناشد في بيان ثانٍ المدنيين «التحلي بالصبر وطرد المسلحين من بينكم». وطلب من اللبنانيين والفلسطينيين المنتمين الى «فتح – الإسلام» العودة الى «صوابهم وعدم توجيه سلاحهم باتجاه حُماة الوطن»… وتسليم أنفسهم للجيش.
وفي المعارك الطاحنة التي دارت عصر أمس، بعدما دخل مغاوير الجيش (النخبة) الأبنية التي سيطرت عليها قواته وخاضوا اشتباكات من شقة الى أخرى بعض الأحيان، أفادت معلومات من منطقة الشمال أنه تم أسر اثنين من مقاتلي «فتح – الإسلام» كانا ضمن مجموعة سعت الى التسلل نحو مواقع الجيش. لكن مصادر الجيش لم تؤكد النبأ.
وأفاد مندوب الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية أن اشتباكات عنيفة بدأت بعد السادسة والنصف من شارع الى شارع في نهر البارد، لا سيما في محيط «التعاونية» المعقل المهم لعناصر «فتح – الإسلام» والذي يوجد فيه مخبأ تحت الأرض.
وأشارت معلومات الى أن مسلحين فروا الى المنطقة الجنوبية للمخيم، ومَوهوا أنفسهم بأغصان الأشجار والقصب.
كما أفادت الوكالة الوطنية الرسمية بأن معارك عنيفة جداً والتحاماً مباشراً بين عناصر وحدات الجيش ومقاتلي «فتح – الإسلام» حصلت السابعة والنصف مساء، في محيط مركز «صامد» و «بيت المقدس» وعملت مدفعية الجيش الثقيلة والبعيدة المدى على دك هذه المواقع لتأمين تغطية نارية للهجوم الذي بدأته الوحدات العسكرية.
وقال السنيورة في حديث الى قناة «العربية» أن عدد مقاتلي «فتح – الإسلام» 250 عنصراً، مؤكداً أنه لا يمكن أن يصار الى صلح أو محاولة هدنة أو تسوية «بعدما تعاملت الحكومة بحكمة وتبصر وإعطاء الفرصة للاتصالات للتوصل الى استسلامهم».
ولم يشأ السنيورة تحديد وقت لانتهاء العمليات العسكرية. وقال: «وضعنا أهدافاً واضحة ونحن في كل لحظة على استعداد لأن نقبل بأن يسلم عناصر هذه الجماعة الإرهابية أنفسهم الى العدالة، أما الإجراءات العسكرية فتترك للعسكريين». وجدد التأكيد ان الفصائل الفلسطينية كلها تنصلت من هذه الجماعة بما فيها حركة «حماس»، ونفى الكلام عن أن الحكومة والجيش وأطرافاً سنية شجعت «فتح – الإسلام» على المجيء الى لبنان، وقال: «الغالبية الساحقة من السنّة ترفض هذا الأمر لأنه يتنافى مع الإسلام».
وأضاف السنيورة: «هناك جماعات استقدمت هؤلاء الى لبنان ومعروف كيف أتوا ومن هو شاكر العبسي وأين كان مسجوناً وكيف تُرك ومن أي طريق أتى وكيف دخل مخيم البداوي… فحصل تبرؤ منهم.
ورداً على سؤال قال السنيورة: «هم متورطون مع بعض أجهزة الاستخبارات في سورية ولا نريد أن نلقي الكلام جزافاً سيتبين من خلال التحقيق الجاري»، لكنه أوضح انه من خلال ما يرشح من تحقيقات مع الموقوفين من «فتح – الإسلام»، «كانت هناك فعلاً محاولات للقيام بعمليات تفجير واغتيال».
وأكد «ان الأخوة الفلسطينيين الذين تركوا منازلهم في مخيم نهر البارد خروجهم موقت وإعادتهم مؤكدة وإعمار المخيم محتم». وأوضح أن اختيار «فتح – الإسلام» منطقة الشمال يعود الى أنه المكان الوحيد الذي يمكن أن يحدث فيه ما يسمى بفتنة سنّية. وأضاف: «كنت أتمنى من (الأمين العام لـ «حزب الله») السيد حسن نصر الله أن يبذل جهده لإقناع المجموعة بتسليم اعضائها وأن لديه إمكانية لذلك بمئة طريقة، ولدفعهم في اتجاه آخر غير هذه المواجهة»، مشيراً الى اتصالات حصلت من قائد الجيش بموفدين من نصر الله و «حزب الله» لهذا الغرض.
ونفى السنيورة أن يكون الحل لمنع تهريب السلاح على الحدود اللبنانية – السورية بوجود قوات دولية.
وعن مطالبة رئيس المجلس النيابي نبيه بري باستقالته رداً على دعوة رئيس تيار «المستقبل» النائب سعد الحريري الى الحوار قال السنيورة: «حين تنتفي ثقة مجلس النواب تستقيل الحكومة»، وأضاف: «نتحاور حول شكل الحكومة الجديدة وسياستها، ثم تستقيل الحكومة وغير ذلك يكون قفزاً في المجهول».
وأكد انه ما من أحد إلا وأطلق النار على مبادرة الرئيس إميل لحود لتشكيل حكومة سداسية وهي غير مناسبة من ناحية العدد. وأوضح ان الحكومة مكان للقرار وليست مكاناً للحوار الذي يجري في مجلس النواب معرباً عن اعتقاده أنه سيكون هناك رئيس جديد للجمهورية في لبنان معتبراً أن انتخاب رئيس توافقي أفضل بكثير.
(الحياة)