في الشهر الماضي، تطرّق نائب الرئيس الإيراني السابق، في مدوّنته، التي ينشر “الشفّاف” رابطاً لها على صفحته الإنكليزية، إلى موضوع “الإيرانيين السنّة، ومشكلاتهم، والعالم الإسلامي”. وقد كتب تعليقه قبل أن يشنّ الشيخ القرضاوي هجومه على “التشيّع”، وباللهجة الديبلوماسية وبلغة التلميح التي يفرضها تناول موضوع يعتبره النظام الإيراني أحد مواضيع “الأمن القومي”.
كتب “السيّد” محمد علي أبطحي في مدوّنته: “إن واقع أن ملايين السنّة يعيشون مع أغلبية شيعية في إيران قد تحوّل إلى قضية خطيرة وحسّاسة. إن الجهل، والإهانات من جانب وسائل الإعلام، والتعليقات الرسمية الصادرة عن السلطات، والضغوط على المجتمع السنّي، يمكن، وبموجب أي عذر من الأعذار، أن تعرّض إيران لخطرٍ عظيم، وأن تخلق إمكانية أن يتعرّض الشيعة في البلدان ذات الأغلبية السنّية إلى أخطار مماثلة“.
وقد رغبنا في نشر كلام السيد محمد علي أبطحي كتقديم للموضوع التالي الذي وردنا من الصديق علي أل غراش، حتى لا يظلّ النقاش ضمن إطار “من البادئ بالعدوان”. فسواءً في المقلب العربي الخليجي، أو في المقلب الإيراني، يبدو أنه “لا فضل لعربي على أعجمي..” و”لا فضل لسنّي على شيعي..”!! وفي الجانبين، فإن موضوع الإعتقاد الديني الشخصي هو أحد مواضيع “الأمن القومي”!
وحده “الحل العلماني” هو الذي ينقل يُخرِج المعتقد الديني من ميدان “الأمن القومي” إلى مجال الخصوصية الشخصية. سواءً في السعودية، أو الكويت، أو إيران، أو البحرين أو..
“الشفاف”
**
منطقتنا تمر بمرحلة خطيرة جدا، تنذر بنشوب نار ـ الفتنة ـ تحرق كل ما حولها بدون تمييز، والكل فيها خاسر، وفي طليعتهم من يصرون على إثارة القضايا الدينية والمذهبية والفكرية والقبلية والمناطقية بطريقة بغيضة تشحن النفوس وتأجج المشاعر لتجعلها قنابل قابلة للتفجير في أي وقت.
من المؤسف أن يقود هذه الفتنة شخصيات دينية وإعلامية ورسمية..!، وإذا كان ذلك تصرف كبار العلماء والعقلاء.. فماذا تركوا للجهلاء والمتعصبين والمتطرفين في الأمة؟
وما حملات التخريب والتدمير للمواقع الالكترونية وغيرها.. إلا رد ونتيجة طبيعية لما صنعته عقول وأيدي تلك الشخصيات، والقادم أكثر !
من المهم جدا في هذه المرحلة الخطيرة أن يتدخل أصحاب الضمائر الحية والواعية في الوطن والأمة والعالم، والتحرك بمسؤولية وتعقل لإيقاف هذا التدهور الخطير إشعال نار الفتنة، الذي يهدد الأمن والامان والاستقرار والسلام والفكر والدين والحرية والتعددية.
حكاية مع التبشير المذهبي
بمناسبة حملة إثارة ما يسمى بالتبشير والغزو التي تشهدها المنطقة، علق أحد المواطنين مستغربا مما يحدث من تضخيم، إذ إن التبشير التكفيري المتشدد يقتحم خصوصيته منذ سنوات طويلة، بدون إستئذان ومراعاة لمشاعره واحترام معتقده وفكره وحريته،.. يقول المواطن: منذ خلقت وأنا أعيش في وطني الحبيب وطن وارض أجدادي قبل تقسيم الأرض إلى دويلات وسيطرة الحكومات المتعاقبة، (وإلى هذا اليوم الأرض لم تتغير، وها أنا هنا فوقها بعدما أصبح أجدادي تحت ترابها، ولم يتخل طرف عن الأخر، ولم يتنازل ابن الأرض عن معتقده وفكره رغم الضغوطات) في وطني الحبيب الغالي ( الذي تشرف بإطلاق “بلاغ مكة” الاعتراف بالمذاهب الإسلامية الثمانية فقط ـ واستثناء مذاهب منها مذهب منتشر في المنطقة وهو الاسماعيلي! ـ وذلك أثناء عقد قمة الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي عام 2006م)، استخدمت المؤسسات الدينية جميع الأساليب (الترهيب والترغيب) للتأثير وتغيير مذهبي. ادرس في مدارس الحكومة التي تدرسني بالإجبار مناهج تكفر وتسيء لمعتقدي ومذهبي باني كافر ومشرك، ومطلوب مني أحفظ واكرر الإساءة لمذهبي للمعلم لكي احصل على شهادة النجاح،. في وطني يمنع إدخال أو بيع الكتب الدينية الفكرية والثقافية التي تتعلق بمذهبي، وإذا وجد عندي في الحدود يصادر، وأعقاب على ذلك. في وطني ممنوع بناء دور العبادة لأبناء طائفتي في الاحياء التي يتواجدون فيها، ولا يتم بناء البعض إلا بعد توسل لأكبر مسؤول في الدولة، ويمنع الصلاة جماعة في البيوت كبديل للمساجد الممنوعة. في وطني يتم توزيع الكتب التي تسيء إلى معتقدي وفكري مجانا ومنها ما يتم طباعته من قبل مؤوسسات حكومية، في وطني تجد على رفوف المكتبات الدينية المنتشرة في صالات الانتظار في الدوائر الحكومية والخاصة نشرات وكتيبات تجرح وتذم مذهبي وشخصي، في وطني وعبر الوسائل الإعلامية الحكومية: التلفاز ،والمذياع ،والصحف … يتم الإساءة لمذهبي وأتباعه، ولم تسلم خطب الجمعة في المساجد والجوامع المنتشرة في بلادي من الإساءة والتضخيم وتشويه سمعة مذهبي والتشكيك بوطنيتي وولائي.
ويتساءل المواطن: أنا ابن الأرض والوطن، احمل هوية وطنية وجواز سفر؛ أليس من حقي ان أكون محترما في وطني، وان تدافع الحكومة عني لأنها مسؤولة عني ، وان تحاسب كل من يسيء لي ويشكك بولائي ووطني وفكري، إذ إن الإساءة لي إساءة لوطني؟!.
وينهي حديثه قائلا: كل ذلك يحدث من عشرات السنين، وأنا وأبناء مذهبي صابرون نحتسب إلى الله، كل تلك الأعوام ولم نستخدم الإعلام والإثارة لنقول إننا نعاني من التبشير حسب المدرسة الدينية الحكومية، ولم نصرخ أنقذونا ياعالم،…, والسبب أننا نؤمن بعقيدتنا ونثق بفكرنا, ونؤمن بالحرية والتعددية المذهبية والفكرية والتعايش السلمي!!.
تساؤلات حول الحقوق
أين هولاء الدعاة والساسة والكتاب والإعلاميين الذين ركبوا موجة الإثارة والتحذير من خطورة انتشار مذهب إسلامي أصيل بين أفراد الأمة الإسلامية، من قضايا الأمة ـ المشتتة ـ الكبرى، وقضايا شعوبها الذين يبحثون عن حقوقهم المسلوبة: لقمة العيش، والكرامة، والحرية. وما مواقفهم من أعداء الأمة الواضحين؟ وأين هم من أخوانهم المسلمين الشيعة وكذلك من بقية المذهبية السنية ، والمدارس الفكرية والثقافية والسياسية في بلدانهم العربية المحرومين من ممارسة حقهم التعبدي والفكري طوال عشرات الأعوام السابقة، الذين يتعرضون لتبشير ديني متشدد حسب مذهب وأفكار المؤوسسة الدينية الرسمية؟
أليس لهولاء الحق في ممارسة حقوقهم كما نص عليها بلاغ مكة بالاعتراف بالمذاهب الإسلامية الثمانية، لماذا دور العبادة ممنوعة إلا..، لماذا كتبهم ممنوعة، لماذا يجبرون على دراسة مذهب وفكر يكفرهم ويسيء إليهم، لماذا ليس لهم الحق بالخروج على إعلام دولتهم، لماذا لا يتم تغطية الأخبار للفعالية والمناسبات المتعلقة بهم، بل لماذا الإعلام يحارب مناسباتهم وفعاليتهم؟.
أليس من باب الأولوية للمسلم وخاصة الداعية أن يعمل على رفع الأذى عن أخيه المسلم، والأفضل كلمة حق لأنصاف المظلوم؟.
بل أين الأخوة في الوطن والعروبة والديانة والإنسانية من أخوانهم المسلمين الشيعة المهمشين والمغيبين طوال الأعوام الماضية، واخوانهم الذين يحملون أفكارا إصلاحية مختلفة التوجهات، لماذا لم يفكروا بهم وبأحوالهم قبل إسقاط الصنم في بغداد، بل إن البعض استغرب من وجود شيعة في وطنه، وأين حقوق أتباع المذاهب السنية والحركات السياسية والإصلاحية المغيبة في ظل سيطرة مذهب وفكر خاص رسمي!!.
ما المشكلة عندما يتحدث أتباع المدرسة الشيعية ـ أو أتباع المذاهب السنية المهمشة ـ عن مذهبهم وأفكارهم عبر وسائلهم الإعلامية القليلة العدد والمتواضعة الإمكانات وقليلة الخبرة، مقابل ما لدى المؤوسسات الدينية الحكومية السنية الذين يملكون كل الإمكانات لأنها دول، ويدعون لمذهب الدولة عبر وسائل إعلام الدول لمدة عقود من الزمن ولم يتحدث احد بان ذلك تبشير بالمذهب السني الرسمي!؟
خلوها مستورة يا جماعة؛ فالحقيقة إننا نحن جميعا ـ الشعوب العربية ـ نتعرض لتبشير وغزو ديني وفكري وثقافي واقتصادي… مركز من قبل المؤوسسات الحكومية..، ومن يريد معرفة النتائج فلينظر للوضع العربي الحالي المخزي!!!
أهالي المنطقة بحاجة إلى تبشير لينقذهم مما هم فيه(..)؛ تبشير حقيقي بالعدالة والحرية والمساواة والتعددية… يارب سترك!
alislman2@gmail.com
* السعودية