– صحيفة الموندو الإسبانية
في ربيع 2011، عندما احتل المواطنون السوريون الشوارع للمطالبة بالحريات والحقوق، انتقلت سـوريا من كونها ثقباً إعلامياً أسود إلى الأزمة الأكثر تغطية إعلامية في التاريخ. سيل لا يتوقف من المحتويات يُغرق منذئذ قنوات الانترنت المختلفة، وقد أُنتجت غالبيتُها من قِبَل المواطنين أنفسهم، المتطلعين إلى إيصال احتياجاتهم التعبيرية المقموعة خلال عقود. هذه السردية الأصلية، التي تصطدم مع عرض عالمي للأزمة تحتكره قراءات جيوبوليتيكية وعسكرية وهوياتية، هي اليوم أكثر أهمية من أي وقت مضى من أجل توجيهنا في خضم تعقيدات هذا البلد.
إن سرديات كتلك الخاصة ببلدة كفرنبل الصغيرة، بلافتاتها الساخرة التي يتم تشاركها على الفيسبوك وتويتر وعدد لا حصر له من المدونات والمساحات الرقمية، تقدم رؤية جماعية للأعوام الثلاثة الأخيرة في سوريا، مع موضوعات أساسية تختلف عن تلك التي تحتل العناوين الرئيسية في وسائل الإعلام العالمية. فبينما يشكل الإعلان عن تدخل أمريكي في صيف عام 2013، والهجمات بالأسلحة الكيميائية، وتفجر تنظيم الدولة الإسلامية في المنطقة بعضَ المعالم البارزة في الرواية العالمية، تُظْهِرُ الأصلية عمليةَ بناء ذاكرة جماعية سورية، كانت مقموعة خلال عقود. فهول الأعوام الماضية يتردد صداه في المأساة الحالية للمعتقلين، في التكتيكات الدعائية، في عمليات التعذيب في سجون النظام، وفي الإصرار على شرعية مطالبات السكان المدنيين، الذين تخلى العالم عنهم.
في هذه الرواية الجماعية، هامة هي، كما الأهوال المنطلقة من عقالها في البلد، الردود الشعبية على تلك الأهوال والتعبيرات المختلفة عن المعارضة والمقاومة اليومية الموجهة سواء ضد ديكتاتورية الأسـد أو ضد تلك الأشكال الجديدة من الطغيان التي تمثلها القاعدة وانشقاقاتها. عظيمة هي، كإخضاع النساء الذي تسعى إليه مجموعات متطرفة، أصوات كصوت “نصيرة الرقة”، سعاد نوفل، التي واجهت بلافتاتها النظام أولاً وتنظيم الدولة الإسلامية لاحقاً. هامة هي، كتهديد التنوع العرقي والديني، حملات التضامن الشعبية التي تحتضن هذا التنوع. لافتة جداً، كتدمير البلد، هي إعادة البناء التي تنفذها، على المستوى المحلي والأصغر منه، مجموعات من الناشطين على الأرض مثل كش ملك، التي أطلقت هذا الأسبوع حملة “Chance4Change” “فرصة للتغيير”، من أجل جمع التبرعات لتمويل خمسة عشر مدرسة في المناطق المحررة للعام الدراسي القادم.
إن بناء هذه الذاكرة الجماعية يأتي مترافقاً مع ازدهار فني وإبداعي يتخلل الانتفاضة السورية كما بقية الانتفاضات في المنطقة. بعد سنوات من الرعب والصمت، يتجسم التوق إلى التعبير في رسوم جدارية تزين الجدران المتداعية، في لوحات وتصميمات كتلك الخاصة بمنيف عجاج، ياسر أبو حامد، أو يارا نجم، في أغاني المقاومة التي تبدأ من النوتات الموسيقية الأكثر كلاسيكية لمالك جندلي إلى الهيب- هوب المقاتل لفرقة Syrian-Palestinian refugees of Rap أو فرقة الموسيقا Anarchadia. في أعمال وثائقية كالتي أنجزها الراحل باسل شحادة وفي الأعمال التلفزيونية الجديدة المُعَدَّة ليوتيوب التي تسعى إلى الحلول محل الرواية الرسمية التي صُدِّرَت خلال عقود إلى جميع البلدان الناطقة بالعربية. أيضاً في التظاهرات التي تجوب البلد كل أيام الجمع، في أعمال الفنانين التقليديين مثل أكرم أبو الفوز، الذي يصنع قطعاً فنية من بقايا الصواريخ والقذائف. سِجِلّ لكل هذه المبادرات يمكن العثور عليه في بوابة SyriaUntold، التي تسعى إلى المساهمة في تسجيل الذاكرة التاريخية السورية.
في ذلك الوعي بتاريخها الخاص، وفي التعبيرات الفنية والإبداعية التي لا تعد ولا تحصى، تكمن قيمة السردية الشعبية للبلد. ينبغي الإصغاء إليها بانتباه من أجل الاسترشاد بها، كما البوصلة، في حالة الفوضى التي آلت إليها سـوريا.
ترجمة: الحدرامي الأميني
http://www.elmundo.es/internacional/2014/08/22/53f7801eca4741c4568b458e.html