حين امتدت الأيدي الآثمة إلى الرسالات الإلهية بالتحريف والتحوير والزيادة والنقصان والتدليس، لم يكن ذلك بغية توضيح وتفسير الرسالات الإلهية للذين لا يعلمون من الناس، بل كان ذلك اعتداء آثما من نفوس آثمة مجرمة مغرضة نفعية، وجدت في الرسالات الإلهية صيدا ثمينا للتسلط على الناس وعلى عقولهم ونفوسهم وأرزاقهم وحياتهم، بحجة أنهم رجال دين ورجال الله ووكلاء لله على عباده، فقد قام أولئك الأشرار من رجال الدين في كل الديانات، باختلاق كتب أضفوا عليها الشرعية الإلهية، وهي من وحي عقولهم، حتى يوجدوا لأنفسهم شرعية في السطو على البسطاء من الناس الذين لا يعلمون، ويوهموهم أن ما قالوه وما كتبوه وما خطوه هو من عند الله، وتبدأ جريمتهم الآثمة تلك بإيهام الناس أن الله قد منع على الناس أي طريق لفهم رسالته إلا من خلالهم هم.
فصدقهم البسطاء من الناس الذين لا يعلمون، ووافقوهم دون وعي منهم، وضعفا منهم، وخوفا من الله، وبمرور الوقت أصبح ما كتبه وما خطه رجال الدين، هو ورسالة الله سواء بسواء، بل تم استبدال الرسالة الإلهية الأصلية الحقيقية بما كتبه وخطه رجال الدين، بل أصبح ما كتبه وما خطه رجال الدين هو المرجع الإلهي للرسالة الإلهية الحقيقية، بل أصبح الأتباع فيما بعد يلوون عنق النصوص الدينية الإلهية الأصلية لتتوافق مع النصوص التي اختلقها رجال الدين، وذلك عن طريق القص واللصق والنسخ والترقيع والتدليس والاعتذار والتبرير والتزوير، حتى أمست الرسالات الإلهية الأصلية، عبارة عن نصوص معفاة من الفهم والتدبر والتعقل من قبل الغالبية العظمى من جماهير الأتباع.
وانتهى أمر نصوص جميع الرسالات الإلهية الأصلية المخطوطة منها والشفهية إلى إزاحتها جانبا، بعيدا عن التناول العقلي والتدبر الفكري من عامة الناس وخاصتهم، وقام كهنة الأديان وسدنتها بوضع إشارات التحذير والمنع وعدم الاقتراب أو التصوير أو حتى الوقوف، لأن الطريق إلى نصوص هذه الرسالات هي طريق موقوفة على كبار الكهنة ورجال الدين، وذلك لأن الاقتراب من النصوص الأولى للرسالات الإلهية سوف يكشف للناس مدى الزيف والتحايل الذي صنعه الكهنة والسدنة من رجال الدين بالرسالات الإلهية.
ولنأخذ مثالا بسيطا من الديانة الإسلامية، حيث نلحظ أن القرآن الكريم الرسالة الأصلية الوحيدة التي تحوي نصوص الرسالة الحقيقية، قد تم تحييده تماما من واقع الناس، ومن حياتهم، وتم وضعه جانبا، حيث قامت منذ قرون طويلة عملية خبيثة ماكرة، لجعل كتاب الله مجرد تعاويذ ورقى وتمائم، لعلاج المرضى والمسحورين والمربوطين والذي أصابهم مس من الجان أو الشياطين، وأصبح كتاب الله مجرد كلمات يتغنى بها القراء في صلواتهم وأذكارهم وطقوسهم الدينية ومؤتمراتهم وأفراحهم ومآتمهم، وتم ذلك عبر عملية منظمة وواعية، قام بها بعض الأشرار في بدايات القرون الإسلامية الأولى، حيث قاموا بوضع البديل لكتاب الله والمتمثل في عدة مصادر من صنع البشر ككتب ما يسمى بالسنن والأحاديث، وكتب ما يسمى بالفقه والاجتهادات وآراء الناس وقياساتهم.
وبمرور الزمن اكتسبت تلك الكتب صبغة إلهية مقدسة، متعالية عن النقد أو التناول، وقد تم كل ذلك حتى لا يتدخل كتاب الله في فض اختلافات الناس الدينية والتشريعية والقيمية والأخلاقية والحكمية، وحتى لا يتم كشف زيف رجال الدين واختلاقاتهم وكذبهم على الله وعلى الناس. وحتى لا يتم سحب البساط من تحت أقدامهم، فيظلوا هم الطبقة العليا المطهرة والراعي الوحيد لقطيع الجماهير الذين لا يعلمون ولا يجيدون مهنة سوى أن يكونوا قطيعا وحسب. وهكذا ظل الرعاة الدينيين إما قابضين على السلطة السياسية ليغنموا ويحيوا ويميتوا، أو تقبض علي رقابهم السلطة السياسية، فيحظوا بموائدها الدسمة ودرجاتها العالية ورواتبها الباهظة، فيمرروا لها أطماعها وتجاوزاتها ضد القطيع بتأشيرة مرور إلهية مقدسة حتى يتلقى القطيع ما يقع عليه من ذل وهوان كعبادة لله ودين يدينون به.
وإذا كانت هذه الحال هي ما حدث مع النصوص الأصلية للديانة الإسلامية، فهي أيضا نفس الحال التي حدثت في كل الرسالات الإلهية في كل بقاع الأرض، وليس أدل على ذلك من أن يطالع المرء أي عقيدة من عقائد جميع ديانات الأرض، ليجد بها العجب العجاب، من السفه والتصورات البدائية الوثنية حول تصور ماهية الإله، ثم بالرجوع للنصوص الأولى الأصلية الحقيقية لأية ديانة، لن نجد أية إشارة أو برهان منصوص في تلك النصوص يشير إلى تلك العقائد المنحرفة، وليس على المرء حتى يتثبت من ذلك، سوى أن يطالع ما كتبه رجال الدين من كتب عقائدية على مر العصور في أية ديانة من ديانات الأرض، ليجد فيها من المصطلحات والتقسيمات والتفسيرات والتصورات والاشتراطات والتفصيلات والتأويلات والتناقضات والمآزق العقلية حول ذات الله وتصورها، ما يعجز أقل عقول البشرية بدائية عن استساغتها أو تصورها أو إمكان قبولها، إلا أن كهنة الأديان أمروا قطعانهم من الأتباع أن يتبعوا قولهم وينحوا عقولكم جانبا، حتى لا يضلوا ويشقوا.
إن أية رسالة دينية يتم حجبها عن العقل، أو منع العقل من تناولها وتدبرها وتفكيكها والوقوف على حقيقتها، هي ليست برسالة دينية إلهية، بل هي عورة دينية مختلقة كاذبة مشوهة، يخشى أتباعها أن تطلع عليها الجماهير، فينفضوا عنها، وإن أية رسالة دينية يقوم أتباعها بوضع الحواجز والأسلاك الشائكة وهالات القداسة المخيفة والمرعبة حولها، لترهيب الناس عن الاقتراب منها والتفكر فيها وتدبرها وطرح الأسئلة عليها، هي ليست برسالة إلهية، وإنما هي عبارة عن نزوات دنيئة وأطماع عفنة وعصبية مقيتة لإخضاع الناس لسدنتها وأحبارها ورهبانها وعمائمها، حتى يظلوا هم الأعلون وهم الوكلاء الوحيدين والوسطاء المباشرين بين الله وبين عباده.
ومن هنا أقول لا شرعية لأية رسالة دينية، حتى يكون العقل هو شاهدها الأول، ومؤيدها الأول، ويكون العقل هو صاحب السلطة المطلقة عليها، فما فسدت الأديان وفسدت رسائلها، إلا حين حال سدنتها بينها وبين العقل، فلن تنل أية رسالة دينية مشروعيتها الطبيعية حتى يكون العقل هو جواز مرورها الأول، وحتى يتم إزالة الأصنام والأوثان من رجال الدين ورسالاتهم المزورة التي كتبوها بأيديهم ثم قالوا للناس هذه من عند الله، وحتى يتم إفساح الطريق أمام الجماهير ليتعقلوا الرسالات الدينية بعقولهم هم، وبشروط الرسالات نفسها.
# كتب ورسالات الديانات الشرقية القديمة :
لقد سبق وأن بينا في مقالين سابقين الأول بعنوان: (الأنبياء والرسل مخيرون وليسوا مسيرين)، والآخر بعنوان: (أنواع الرسالات الإلهية)، وذكرنا فيهما أن الرسالات الإلهية الواردة قصصها في القرآن الكريم، كانت مختلفة من حيث مادة الرسالة ومضمونها ومهمتها وتوقيتها، وقمنا بشرح ذلك وتفصيله وفق نصوص القرآن الكريم، والسؤال هنا: ماذا عن أنواع الرسالات الإلهية الشرقية القديمة (البرهمية، البوذية، الكنفوشيوسة، الزرادشتية)، هل ينطبق عليها نفس أنواع الرسالات الإلهية الواردة في القرآن الكريم؟.
وللإجابة على هذا السؤال أقول: نعم تختلف رسالات الديانات الشرقية القديمة: (البرهمية، البوذية، الكونفوشيوسية، الزرادشتية) من حيث مضمونها، ومن حيث أهدافها، ومن حيث طبيعتها، ومن حيث توقيتها، إلا أن جميعها تتفق في أصولها العقدية على التوحيد والانقياد لله خالق الكون، كما سنرى في حديثنا عن أصول عقائد هذه الديانات لاحقا في مقال مستقل، وجميعها تتفق أيضا على الارتقاء بالإنسان من عبودية المخلوقات والنفس والهوى والشهوة، إلى عبودية الله الخالق، وتتفق أيضا في أن جميعها أتت بالحكمة التي هي مجموعة السلوكيات والأخلاقيات والتي ترقى بسلوك الإنسان إلى قمم السلوك الإنساني القويم.
إن رسالات الديانات الشرقية القديمة قد أصابها ما أصاب رسالات الديانات الشرق أوسطية: (الإبراهيمية، اليهودية، المسيحية، الإسلامية)، فقد قام رجال الدين في الديانات الشرقية القديمة، بعزل النصوص الأولى الأصلية لتلك الرسالات جانبا، ووضعوا هم كتبا أخرى كتبوها هم بأيديهم وصبغوها بالصبغة الإلهية المقدسة، وقاموا بترويجها بين الناس على أنها نصوص إلهية مقدسة، فقدسها الناس وهابوها، فضاعت على إثر ذلك النصوص الأولى الحقيقية ولم يبقى منها إلا النذر اليسير، ضاعت بين نصوص كتبهم المختلقة التي كتبوها بأيديهم، حتى يصعب على الباحث أن يميز بين النص الأصلي الحقيقي، وبين النص المختلق المزعوم.
لكن رغم الضياع ورغم الإضافات التي أضيفت إلى أصول كتب ورسالات تلك الديانات، ورغم الاختلاط والتحريف الذي اقترفه الأتباع فيما بعد، ورغم ضياع الكثير من النصوص الأصلية الأولى، رغم كل ذلك، إلا أن التاريخ قد حفظ لنا بعض النصوص الأولى البسيطة، والتي من خلالها يمكن استقراء حقيقة النصوص الأولى لتلك الأديان، وحقيقة عقائدها وشرائعها. فقد توصلت من خلال تلك النصوص الأولى والبسيطة إلى الوقوف على عقيدة التوحيد الخالص لأصول تلك الديانات، وتوصلت أيضا إلى أن أتباع تلك الديانات من الكهنة والسدنة قد انحدروا فيما بعد من التوحيد الخالص لله إلى الوثنية المحضة، كما جرى لكل رسالات الله الوارد ذكرها في القرآن الكريم كما سنرى فيما بعد.
ومن المآخذ التي أخذتها على الباحثين والمؤرخين في هذا الأمر، أن معظم الباحثين إن لم يكن جميعهم، قد وصفوا هذا الانحدار الوثني وصفه بـ(التطور)، رغم وضوح الكثير من النصوص الأولى التي تم العثور عليها والتي تنطق بالتوحيد الصرف الخالص، ونبذ العبودية والألوهية لغير الله، وهذا ما يدعوا المرء للدهشة من آراء كثير من الباحثين الغربيين والعرب على السواء، حيث أن معظم الباحثين يصفون ما وصلت إليه تلك الديانات من تغير على مدار التاريخ بالتطور، ولا أدري هل التطور في التوحيد أم في التعدد؟؟!!.
بل إن كثيرا من الباحثين ما يعنونون فصول كتبهم وأبحاثهم في الديانات الشرقية القديمة، بالعنوان التالي: (نشأة الأديان الشرقية وتطورها)، مع أن الجميع متفق على التطور لا يكون إلا في التوحيد، أما الانحدار والتخلف والتقهقر لا يكون إلا في التعدد والوثنية، وسوف نفصل هذا الأمر حين نتكلم في مقال مستقل عند حديثنا عن أصول عقائد الديانات الشرقية.
# الرسالات الهندية العامة المركزية الكبرى :
وفق الدراسة السابقة والتي كانت بعنوان: (أنواع الرسالات الإلهية) يمكننا أن نستقرئ أنواع الرسالات الشرقية القديمة، فقد سبق وأن أوضحنا أن الرسالات الإلهية كما وردت في القرآن الكريم، جاءت على نوعين لا ثالث لهما، رسالات عامة مفصلة مركزية كبرى، ورسالات فرعية تجديدية، وعلمنا أن الرسالات العامة الكبرى، تكون في كتاب عام شامل يحوي عدة موضوعات كالعلم بالغيبيات والعقائد الإلهية والوجود والبعث والحساب والجزاء، وأيضا يحتوي على الحكمة وهي قائمة بالسلوكيات والأخلاقيات وبعض الأوامر والنواهي، ويحتوي أيضا على الحكم وهو مجموعة التشريعات والأحكام الخاصة بتنظيم العلاقات بين الناس.
وباستقراء الدراسات والأبحاث التاريخية ودراسات مقارنة الأديان، ومقارنتها بنصوص القرآن الكريم، نرى أن الهند قد كان لها رسالة مخطوطة مركزية كبرى، تعد هي أم الديانات الهندية جميعها، وهي كتاب (الويدا) أو (الفيدا)، فهو أقدم الكتب المخطوطة، وأقدم ديانات الهند القديمة، حيث أرجع كثير من الباحثين تاريخها إلى عشرين قرنا قبل الميلاد، ولم تكن الهند هي المهد الأول لتلك الديانة، وإنما جاء بها الآريين حين قاموا بغزو الهند وتغلبوا على السكان الأصليين واستأثروا هم بتنظيم المجتمع.
(إن الويدا أو الفيدا الذي جمع العقائد والعادات والقوانين بين دفتيه ليس له واضع معين, ويعتقد الهندوس أنه أزلي لا بداية له وملهم به قديم قدم الملهم, ويرى الباحثون من الغربيين والمحققين من الهندوس أنه قد نشأ في قرون عديدة متوالية لا تقل عن عشرين قرنا, بدأت قبل الميلاد بزمن طويل وقد أنشأته أجيال من الشعراء والزعماء الدينيين والحكماء الصوفيين عقبا بعد عقب وفق تطورات الظروف وتقلبات الشئون وينسب (Berry) كتابة الفيدا إلى الآريين. (د. أحمد شلبي, ص39: 41).
# معنى كلمة (ويدا) أو (فيدا) ومراحل تدوينه :
كلمة ويدا أو فيدا كلمة سنسكريتية معناها: الحكمة والمعرفة ولذلك يطلق على واضعيها كلمة (الريشيون) أو الحكماء أو العارفون. أما عن مرحلة جمع وتدوين (الويدا)، فقد قام بجمعه جماعة من أهل العلم والنظر يسموا بالبراهمة، وسمي هذا التفسير والشرح (البراهمانات)، وتبدأ مرحلة الجمع والتأويل هذه من حوالي القرن الثامن قبل الميلاد . فقد ظهر في هذا العصر جماعة من أهل العلم والنظر, اهتموا بالشئون الدينية وفكروا في عقائدهم فأدى التفكير بهم أو ببعضهم إلى آراء مغايرة للعقائد الموروثة تكوّن مذهبا هو البرهمية . ويرى (Rene Sedillot) أن البراهمة قاموا بهذا التأويل لمصلحتهم وليجعلوا امتيازاتهم مقدسة، ثم إنهم لاحظوا أن الاتصال بدأ يتم ويتعمق بين جنسهم وبين السكان الأصليين فأرادوا أن يضعوا نظام الطبقات ليحول بين تمام الامتزاج, وبهذه المرحلة تبدأ الهندوسية التي لا تزال موجودة. (أحمد شلبي, ص35).
إذن، فكما حدث مع كل الرسالات الإلهية الواردة في القرآن الكريم، حدث كذلك مع كتاب الويدا أو الفيدا، فقد قام جماعة البراهمة، بوضع كتب بديلة وضعوها هم بأيديهم وأوهموا الناس بأنها كتب إلهية مقدسة، في عملية تزوير واضحة، ثم اختلقوا نظام الطبقات، ذلك النظام العنصري الذي يفرق بين طوائف الشعب الهندي. حيث يجعل من طبقة رجال الدين البراهمة طبقة إلهية مقدسة، قد خلقهم الله من أقدس وأعلى جزء فيه، أما عوام الشعب الهندوسي فقد خلقهم الله من أسفل جزء منه من قدميه، وهذا النظام مازال معمولا به حتى يومنا هذا بين أتباع الديانة الهندوسية.
(غير أنه لا بد أن يكون مفهوما أنه رغم قدم نصوص الفيدا فإنها ليست تعبيرات صادرة عن شعب بدائي, فالأفكار المعبر عنها في نصوص الفيدا والأوبانيشاد تجمع بين العمق والصقل وهي نتيجة لقرون من الفكر التأملي فيما يتعلق بأعمال أسرار الحياة وهي تقدم استبصارات حول مسار الحياة, تشكل شهادة تتجاوز كل الأزمان على الحكمة الإنسانية الأمر الذي مكن هذه النصوص من أن تلهم الثقافة الهندية وتغذيها حتى العصر الحالي). (جون كولر, ص44).
# المراحل التاريخية لتلخيص وشرح الويدا :
تبدأ مرحلة تلخيص الويدا في أسفار مقدسة تسمى الأوبانيشادات وهي مرحلة من القرن السادس قبل الميلاد, وتستمر إلى ما بعد الميلاد بعدة قرون. أما مرحلة عصر الإلحاد (في رأي أتباع الويدا) وفيه ظهرت الديانة الجينية والديانة البوذية وضعفت الديانة الويدية ابتداء من القرن السادس قبل الميلاد. أما العصر الويدي الثاني, وهو عصر عودة النصر للويدا وانتصارها على ديني الإلحاد. (د. أحمد شلبي, ص36).
وهي الأسفار المنسوبة للإله براهما ، وهو عند معتنقي هذه الديانة اسم الإله الخالق . ولا صحة لما ذكره الشهرستاني في الملل والنحل من أنها تنسب إلى رجل عظيم منهم يقال له براهم. ومن أسفار ” الفيدا ” استمدت ” قوانين مانو ” التي تنسب لمشرع هندي قديم أسمه مانو أو مانافا وهي تفصيل وشرح وبيان لما اشتملت عليه أسفار الفيدا من قصص ديني وعقائد وعبادات وشرائع وأخلاق. وينزل البرهميون هذه القوانين منزلة التقديس كذلك ، حتى لقد اعتقدوا أن مؤلفها أحد الآلهة المنبثقين عن الإله الخالق “براهما”. (د. علي عبد الواحد وافي، ص156) ).
# أقدم نصوص كتاب الفيدا:
أقدم صيغ ونصوص الفيدا هي ما يسمى فيدا التجهيز أو الإعداد والتي يرجع تاريخها إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد ومعظمها تراتيل للآلهة الفيدية (إندرا) المحاربة و(آجني) إله النار و(سوريا) إله الشمس و(فارونا) رافع السماء والأرض . والكتب اللاحقة للفيدا هي (ياجورفيدا) وهي قواعد للقربان , وساما فيدا (ترانيم الكهنة) و(إثرفا فيدا) التي تقال للتفاؤل بالخير والتساؤل عن الإنسان والعالم .
وقد كتبت ملاحق نثرية عديدة للفيدا قبل الميلاد, فأولا كانت البراهمانا أي تفسيرات الكهنة للمذهب, والأرانيكا أي (بحوث الغابة) والتي تناقش وظيفة وغرض طقوس القربان وتتأمل في العلاقة بين الإنسان والعالم . والنصوص اللاحقة بعد هذه والمسماة الأبانيشاد أي (التعاليم الروحية) تكمل هذا البحث في طبيعة الحياة . وتعد هذه التعاليم أعمالا عظيمة في الفكر الروحي والفلسفي. (الموسوعة العربية العالمية, ص185).
# أسفار الفيدا :
يعتقد البرهميون أن أسفار الفيدا موحى بها من الإله براهما نفسه ، وأنه قد جمعها حكيم من حكمائهم اشتهر باسم “فيدا فياسا” أي جامع الفيدا. وهي أربعة مجموعات من الأسفار، تنقسم كل مجموعة منها قسمين: قسم للأدعية والصلوات وتسمى “منترا” وقسم للتعاليم المتعلقة بالعبادات والشرائع وما إلى ذلك ويسمى “براهمانا”. وهذه المجموعات الأربع هي:
1- “ريج فيدا ” أو ” ريتش فيدا ” ( ومعناها الفيدا النارية أي المنسوبة للنار). وهي قسمان : يتمثل أحدهما في أدعية وصلوات وأوراد منظومة تتلى في بعض المناسبات ( منترا ) ، ويشتمل الآخر على تعاليم تتعلق بالعبادات والواجبات الدينية ( براهمانا ) .
2- “ياجور فيدا” أو”ياجوش فيدا” (ومعناها الفيدا الهوائية أي المنسوبة للهواء) وهي مجموعتان: يطلق على إحداهما اسم “باجور– فيدا البيضاء”، وعلى الأخرى اسم “باجور– فيدا السوداء”. وكل مجموعة منهما تنقسم قسمين. يتمثل أحدهما على تعاليم تتعلق بالواجبات الدينية (براهمانا).
3- “سامان فيدا” أو”ساما فيدا” (ومعناها الفيدا الشمسية أي المنسوبة للشمس)، وهي قسمان كذلك: يتمثل أحدهما في مزامير دينية يتغنى بها في بعض المناسبات (منترا)، ويشتمل الآخر على تعليم متعلقة بالعبادات والواجبات الدينية (براهمانا).
4- “أتارفانا فيدا” (لعلها نسبة لحكيم من حكماء الهند يدعى “أتارفانا”، وهي كذلك تنقسم قسمين: يتمثل أحدهما في أوراد وأدعية للاستغفار والرقى ضد السحر وضد الأرواح المدمرة الخبيثة (منترا)، ويشتمل الآخر على طائفة من شرائع الديانة البرهمية (براهمانا) وبخاصة ما يتعلق منها بالتفرقة العنصرية بين الطبقات، وهو النظام الذي تقوم عليه أهم العلاقات الاجتماعية بين طبقات الناس والذي يحدد مركز كل طبقة ووظائفها عند البرهميين .
هذا، وقد ظهر للمحققين من المشتغلين بالدراسات الهندية ، وعلى رأسهم العلامة وليم جونس أن الكتب الثلاثة الأولى هي أقدم هذه الكتب جميعاً في تاريخ تأليفها، وأن أقدمها هو الريج فيدا الذي يصعد تاريخ تأليفه، في نظر بعضهم، إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد ، وأن السفر الرابع هو أحدثها جميعاً . بل إن المشرع الهندي الشهير “مانو” وغيره من قدامى المشرعين الهنود ، حينما يتكلمون على الفيدا لا يكادون يذكرون إلا الأسفار الثلاثة الأولى ، وقلما يرد للسفر الرابع ذكر في كلامهم ، فلم يرد له ذكر في قوانين “مانو” إلا مرة واحدة فحسب، وحينما يشيرون إليه لا يذكرونه على أنه جزء من ” الفيدا ” أي لا يضيفون إليه كلمة “فيدا”. ويمكن أن يستنتج من هذا أنه لم يكن في الأصل من الكتب المقدسة، وأنه قد أقحم عليها فيما بعد ، وأنه أحدث منها كثيراً في تاريخ تأليفه. ولكن العلامة (كولبروك) وهو من ثقات الباحثين في أسفار البرهميين يذهب إلى أن قسماً غير يسير من “الأترفانا” يرجع تاريخه إلى العصر نفسه الذي ألفت فيه الأسفار الثلاثة السابقة. وقد اكتسبت أسفار الفيدا بتقادم العهد قداسة عند الهنود، واعتقدوا أنها من وحي منزل من الإله براهما، وحرصوا أيما حرص على صيانتها. ولذلك سلمت من الأحداث. (د. علي عبد الواحد وافي، ص157: 159).
هذا، ويضيف بعضهم إلى هذه الكتب الأربعة كتاباً خامساً يتألف من قسمين، وهما “الإيتيهازا” ويسمونه “الفيدا الخامس”. ولكن الصحيح أن هذين السفرين وأسفاراً أخرى مثل “السوترا” والبرهمانا واليوبانيشاد هي شروح وتعليقات على الفيدا، وليست من أسفار الفيدا نفسها، وأنها قد ألفت في عصور متأخرة عن العصور التي ظهرت فيها أسفار الفيدا الأصلية. وقد كتبت أسفار الفيدا في الأصل بإحدى اللهجات السنسيكريتية القديمة. وقد أنقرضت هذه اللهجة منذ أمد بعيد من لغة الكتابة ولغة التخاطب ، وأصبحت غير مفهومة إلا لطائفة من كبار رجال الدين. وكانت عقائدهم تحرم عليهم أن يعلموا هذه الأسفار أو يبوحوا بحقائقها لغير أهل ملتهم. (د. علي عبد الواحد وافي، ص159، 160).
وفي منتصف القرن السابع عشر الميلادي استطاع أحد علماء الفرس وهو داراشيكو أن يحصل على بعض أجزاء من الفيدا ، واستطاع كذلك ، بفضل إتقانه للغة السنسيكريتية المدونة بها أسفار الفيدا ، أن يترجم هذه الأجزاء إلى اللغة الفارسية ، وظهرت هذه الترجمة سنة 1067 هـ الموافقة لسمو 1657 الميلادية . ثم أتيح بعد ذلك في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر لكثير من العلماء الأوروبيين المشتغلين بدراسة الثقافة الهندية أن يعثروا في المكتبات الهندية القديمة على نسخ مخطوطة لأسفار الفيدا ، وأتيح لهم كذلك بفضل دراساتهم اللغوية وتمكنهم من معرفة اللغة المؤلفة بها هذه الأسفار ، بعد أن اهتدوا إلى حل جميع رموزها ، أن يترجموها إلى اللغات الأوربية الحديثة . ويرجع أكبر قسط من الفضل في هذا الصدد إلى عالمين إنجليزيين وهما: (سير وليم جونس، وكولبروك). (د. علي عبد الواحد وافي، ص161).
# الرسالات الفرعية التجديدية في الهند :
فكما سبق وأن رأينا أن أسفار (الفيدا) هي أقدم وأكبر الكتب المقدسة لكل الديانات الهندية القديمة، بل إن جميع الديانات الهندية القديمة: الهندوسية، الجينية، المانية، البوذية) لم تأت بأي كتاب جديد مركزي عام شامل مفصل على غرار كتاب الفيدا الأول، وإنما تعتبر كل تلك الديانات الهندية ما هي إلا تجديدا للفيدا وتكميلا لها، ولا ننسى أن جميع تلك الديانات قد امتدت إليها الأيادي بالزيادة والنقصان والتحريف والشرح والتأويل، مما جعل من الصعب على الباحثين الوقوف على النصوص الأصلية الحقيقية لأصول تلك الديانات، ومن بين تلك الديانات وأكبرها انتشارا ليس في الهند وحدها بل في الهند والصين والباكستان واليابان، وغيرها من بلدان شرق آسيا كانت الديانة البوذية، فالانتشار الكبير لتلك الديانة ووجود عددا من كتبها بين أيدي البوذيين إلى الآن استطاع المؤرخون وعلماء الأديان والفلاسفة، أن يبحثوا تلك الديانة ويفحصوا نصوصها للتعرف على خلفيتها الفكرية، ومعرفة مصدر هذه الخلفية، هل هي خلفية إنسانية؟، أم خلفية دينية إلهية؟، فلذلك سوف نستعرض في هذه الدراسة كتب الديانة البوذية باعتبارها، رسالة فرعية تجديدية إصلاحية لما أصاب الديانة الفيدية الكبرى من تحريف وضياع للتعاليم الأصلية للديانة الويدية أو الفيدية، ونعرض ذلك على النحو التالي:
# الكتب البوذية :
لم يخط (بوذا) أي كتب بيده، ولم يأمر أحدا من أتباعه بخط أي نصوص من أقواله أو حكمته أو وصاياه، وقد أجمع الباحثون والمؤرخون على أن التعاليم البوذية كانت تعاليم شفهية، وظلت هكذا حتى القرن الأول قبل الميلاد، ثم قرر أتباعه أن يجمعوها ويخطوها في كتب بعد موت بوذا بسنوات طويلة، وتلك الكتب التي جمعها الأتباع بعد بوذا، هي: (عبارات منسوبة إلى بوذا أو حكاية لأفعاله أو نقل لما أقره من أعمال أتباعه ونصوص تلك الكتب مختلفة بسبب انقسام البوذيين في مذاهبهم. فبوذيو الشمال لديهم نصوص ليست عند أهل الجنوب, وأكثرها قد اشتمل على أوهام كثيرة تتعلق ببوذا أو حلول الإله فيه ونصوص بوذيي الجنوب هي الأصح نسبيا والأصدق قولا والأبعد عن الأوهام وهي التي نعتمد على بيانها.
وتنقسم تلك الكتب إلى ثلاثة أنواع:
(أولها): يشتمل على مجموعة قوانين البوذية ومسالكها وقد جمعت تلك المجموعة سنة 350 ق.م وهي تنقسم إلى ثلاثة أقسام, قسم يحوي العقوبة المفروضة على ما يقع من البوذي من ذنوب ومخالفات, ويحوي نحو سبع ومائة فقرة, وقسم يحوي التعاليم التي يجب اتباعها لتربية النفس على ما يدعو إليه البوذيون وفيه قرارات المجالس البوذية التي انعقدت بين سنتي 380 و 320 ق.م وفيه أيضا بيان بما يتبع لقبول طالبي البوذية واجتماعات البوذية وتفاصيل حياة البوذي, وقسم فيه خلاصة القسمين الماضيين ليكون في متناول الجماهير وفيه خلاصة للسلوك القويم الذي يدعو إليه البوذيون .
(ثانيها): مجموعة الخطب التي ألقاها بوذا ووصاياه وهي مجموعات مختلفة تضم كل مجموعة طائفة من المسائل المتقاربة في الفكر وفي هذه الخطب وصايا بوذا ودعواته التي وجهها إلى الناس وكثير من الأحكام التي تتصل بالبوذية مما يجب على البوذي سلوكه وكل هذه الخطب والوصايا تنسب لبوذا .
( ثالثها): الكتاب الذي يحوي بيان أصل المذهب والفكرة التي نبع منا وبعبارة أدق فيه الفلسفة التي قامت عليها الديانة البوذية والأصل الذي استنبطت منه تعاليمها وفيه بحوث تدور حول الخير والشر واللذة والألم . وفي الجملة نرى في كتب البوذية كلاما خصبا قيما فيه بيان للأخلاق والسلوك القويم وقد ترجمت إلى اللغات الحية وكانت مادة لدراسات فلسفية خلقية). (محمد أبو زهرة، ص 108).
# الرسالة الصينية العامة المركزية المفصلة الكبرى :
أجمع المؤرخون على أن حركة كونفوشيوس الفكرية الإصلاحية، ومبادئه الأخلاقية التي دعا إليها، لم تكن شيئا جديدا لم يسبقه أحد إليه، بل أجمعت الأبحاث والدراسات التي تناولت الفكر الكونفوشيوسي على أنه قد سبق كونفوشيوس بعدة قرون فكر ديني أخلاقي تشريعي عام كامل مفصل شامل، وقد كان هذا الفكر عبارة عن عدة كتب مخطوطة ورثها الشعب الصيني عن أسلافه الذين سبقوا، وقد جمعت تلك الكتب العديد من الأحكام والتشريعات والأخلاقيات والسلوكيات والطقوس والشعائر الدينية، أما كونفوشيوس فقد عمل على تجديد هذا الفكر القديم وإصلاح ما علق به من شوائب اختلقها الناس وأضافوها عليه.
إذن، لم يأت كونفوشيوس بفكر جديد يلغي فكر الماضي وينقضه، بل جاء لتجديد الماضي وإحيائه، وإصلاح ما علق به من خرافات اختلقها الناس في الحكم والسلوكيات والشعائر الدينية، وإعادة إصلاح المجتمع على أسس وأخلاقيات وتشريعات وشعائر الماضي، وقد اعتمد كونفوشيوس في ذلك على الكتب الخمسة التي كانت مخطوطة قبل عصره بعدة قرون، (وهي الكتب التي قام كونفوشيوس ذاته بنقلها عن كتب الأقدمين وهي:
1-كتاب الأغاني أو الشعر: فيه 350 أغنية إلى جانب ستة تواشيح دينية تغني بمصاحبة الموسيقى.
2-كتاب التاريخ: فيه وثائق تاريخية تعود إلى التاريخ الصيني السحيق.
3-كتاب التغييرات: فيه فلسفة تطور الحوادث الإِنسانية، وقد حوّله كونفوشيوس إلى كتاب علمي لدراسة السلوك الإِنساني.
4-كتاب الربيع والخريف: كتاب تاريخ يؤرخ للفترة الواقعة بين 722 – 481 ق.م.
5-كتاب الطقوس: فيه وصف للطقوس الدينية الصينية القديمة مع معالجة النظام الأساسي لأسرة “تشو” تلك الأسرة التي لعبت دوراً هاماً في التاريخ الصيني البعيد.) (دراسة: الفكر الكونفوشيوسي، مكتبة السيد محمد حسنين فضل الله).
# رسالة كونفوشيوس الفرعية التجديدية :
لقد سبق كونفوشيوس رسل ورسالة مركزية عامة مفصلة كبرى وقد جاء بهذه الرسالة العامة المفصلة شخصين الأول اسمه (ياو) والآخر اسمه (شون) فقد اشتهرا هذان الشخصان بالصلاح والحكمة والعدل والفضيلة، وقد سار كونفوشيوس على آثارهما واتبع طريقهما وأصلح رسالتهما مما علق بهما من تحريف وزيادة ونقصان، ويعرض الدكتور فؤاد محمد شبل لمصادر فكر كونفوشيوس وملامحه على النحو التالي:
(لقد اختار كونفوشيوس شخصيتي الملكين الحكيمين (ياو) و(شون) وغيرهما من حكام الصين الصالحين, وجعل منهم مثلا عليا في تدبير سياسة الملك الصالح والحكم العادل . ذلك لأنه قد آمن بأن هؤلاء الحكام مستودع الفضيلة الكاملة التي يذود عنها في كتاباته وتمثّل أفعالهم وأيام حكمهم كل ما هو سديد وصالح في التاريخ والمجتمع الصينيين .
ولقد ارتد كونفوشيوس بذهنه – خاصة – إلى عصر عم خلاله الصين الأمن والرخاء في بداية حكم أسرة (تشو) الذي بدأ حوالي القرن الحادي عشر قبل الميلاد وقتما شيد مؤسسو الأسرة العظام نظم الحكم واستنوا الطقوس والشرائع وأقاموا للقائمين على الحكم الإقطاعي درجات ومراتب, وأبدعوا الفنون للترفيه عن الزعماء والشعب – من ناحية – ولبث الحكمة والفضيلة في نفوس الناس جميعا من الناحية الأخرى. وعزا كونفوشيوس شرور عصره وعلله إلى تنكب زعماء المجتمع السبل والشعائر القويمة وتغافلهم عنها, وإلى أنهم يمارسونها خطأ أو يغتصبون لأنفسهم السنن والشعائر التي لا يستحقونها .
إن إغراق كونفوشيوس في تمجيد الشعائر, لا بد أن يوحي إلى أذهاننا بفكرة مغالاة الكونفوشيوسية في النزعة المحافظة ومبالغتها في الحفاظ على الصيغ والرسوم الظاهرية وهذا ما التزمته فعلا إبان أيامها المتخلفة. لكن يضم هذا الرأي بين طياته إضفاء صفة الكمالية والمثالية المطلقة على الماضي, وتنصيبه – بالتالي – أنموذجا للحاضر, فيصبح حافزا للتقويم والاصطلاح, لا المحافظة على الوضع الحاضر.
وإن سيرة كونفوشيوس – نفسه – لدليل ملموس على نزعته الإصلاحية : إذ قد نشد الاحتفاظ بما هو صالح, وتغيير ما هو سيئ ولم تنصب دعوته لالتماس الحكمة من الماضي – أساسا – على أشكال نظم للدولة والحكومة بل لقد اتجهت – فوق كل شيء آخر – إلى القيم والمعاني الخلقية. ولقد عاش كونفوشيوس في ظل مجتمع إقطاعي فكان أن تأثر تصوره للمجتمع الفاضل بالأوضاع التي سادت الصين القديمة ومدارها تولي الحكام قيادة رعاياهم والعناية بهم وتثقيفهم وتهيئة أسباب العيش الكريم لهم . ولكن يجب أن يلزموا مكانهم في آخر طبقات السلم الاجتماعي وإلا سادت الفوضى واضطراب النظام . (فؤاد محمد شبل، ص73، 74).
# الكتب الكونفوشيوسية :
يقول كونفوشيوس عن نفسه إنه (ناقل وليس مبدعا) وفي الحق تتبلور مساهمة كونفوشيوس في الحضارة الصينية في إخضاع السنن والشرائع الصينية لأحكام العقل والمنطق والواقع يعتبر مبدعا عن طريق النقل . فبفضل إعماله الفكر في التراث الصيني أنشأ مدرسة فكرية أنجبت أعلاما عظاما ما برحوا يؤثرون في الفكر الصيني حتى اليوم. فكتاب (التغيرات) قد وجد قبل كونفوشيوس لكن أسبغت عليه الحواشي التي وضعها كونفوشيوس ومريدوه الأهمية الفكرية التي أصبح عليها بعد ذلك والمثل يقال عن ينابيع الفكر الصيني الأخرى مثل : كتاب الأشعار الغنائية وكتاب آداب السلوك وكتاب الطقوس … الخ . (فؤاد محمد شبل، ص81).
ولقد عني تلامذة كونفوشيوس بسرد تفاصيل حياته وأقواله ومناحي نشاطه في مؤلفات أهمها (المختارات). ويحتوي هذا المؤلف على عشرين فصلا و497 بيتا مختارا من الشعر. ولا تزيد طائفة من عبارات الكتاب عن حكيم مأثورة موجزة للغاية. وما برح هذا الكتاب يؤثر تأثيرا قويا في تفكير سكان آسيا الشرقية ومنه نستمد معلوماتنا عن كونفوشيوس وتعاليمه. (فؤاد محمد شبل, ص85).
# الكتب الأربعة :
وهي الكتب التي ألّفها كونفوشيوس وأتباعه مدوِّنين فيها أقوال أستاذهم مع بعض التفسيرات أو التعليقات وهي تمثل فلسفة كونفوشيوس نفسه وهي:
1-كتاب الأخلاق والسياسة.
2-كتاب الانسجام المركزي.
3-كتاب المنتخبات ويطلق عليه اسم إنجيل كونفوشيوس.
4-كتاب منسيوس: وهو يتألف من سبعة كتب، ومن المحتمل أن يكون مؤلفها منسيوس نفسه. (دراسة: الفكر الكونفوشيوسي، من مكتبة السيد محمد حسنين فضل الله).
# الرسالة الإيرانية العامة المفصلة المركزية الكبرى :
تعد الديانة الزرادشتية هي رسالة مركزية عامة مفصلة كبرى، قد جاء بها زرادشت لأهل إيران، وقد حوت هذه الديانة التشريعات والأحكام والأخلاق والطقوس والشعائر الدينية والنسك وقد كان لها كتاب مخطوط في عهد زرادشت، (ويعتبر الأوستا أو الأبستاق كتاب الزردشتيين الديني نسبة إلى زرادشت من أهم الكتب الدينية الفارسية القديمة). (د. أحمد أمين سليم, ص73). ويطلق على الأسفار المقدسة للديانة الزرادشتية اسم “الأبستاق” وهو تعريب لكلمة “الأفستا” (ومعناها الأساس أو الأصل أو المتن أو السند). والمقرر في هذه الديانة أن الأبستاق موحى به من الإله المسمى عندهم “أهورا مزدا” وليس من وضع زرادشت. وكان الأبستاق يشتمل على واحد وعشرين سفراً ، وكان مجموع الفصول التي تشتمل عليها هذه الأسفار ألف فصل . ويحوي تفصيلاً لعقائد الديانة الزرادشتية وعباداتها وشرائعها وتاريخها وما اجتازته من مراحل وتاريخ نبيها زرادشت من قبل رسالته ومن بعدها. (د. علي عبد الواحد وافي، ص135).
# كتاب الأبستاق وأسفاره :
يتجه بعض الباحثين إلى الاعتقاد بأن الموجود بين أيدينا من الأوستا القديمة أو ما يعادل ربعها فقط وأن الباقي مفقود, وطبقا لما ورد في كتاب (دينكرت) – أحد الكتب البهلوية المشهورة – فإن الأوستا التي كانت موجودة في العصر الهخامنشي قد احترقت عندما أشعل الإسكندر المقدوني النيران في قصر الحكم, وحصل اليونان على نسخة أخرى لها وترجموا أقسامها العلمية الخاصة بالطب والنجوم إلى اللغة اليونانية وألقوها بعد ذلك في النار, وفي العصر الساساني تم جمع ما حذف من الأوستا من علم الطب والنجوم والفلسفة والجغرافيا من اليونان والهند وأضيف إليها وتم الاعتراف بهذه الأوستا رسميا في عهد سابور الكبير 310-379 م واعتبرت قانونا للدولة.
وتتكون الأوستا أو الأبستاق حاليا من خمسة أجزاء هي :
1- يستا: وهي من أهم الأجزاء ومعناها (العبادة والتسبيح والصلاة والعيد) وهي تتكون من 72 فصلا .
2- ويسبرد: ومعناها (كل السراة) وهو ليس كتابا مستقلا بذاته بل يمكن القول أنه من ملحقات اليستا .
3- ونديداد: ومعناه (قانون ضد الشياطين) وهو يتكون من 22 فصلا, الفصل الأول منه في خلق الأرض والأقاليم .
4- يشتها: جمع كلمة (يشت) ومعناها (العبادة والتسبيح) فهي تسابيح للخالق وملائكته وفيها العديد من الفقرات التي تشير إلى بعض الأحداث التاريخية التي صيغت في قالب أسطوري.
5- خردة أوستا: أي الأبستاق الصغير أو مختصر الأبستاق وهو كتاب للصلاة والأدعية الخاصة بكل وقت من اليوم, والأيام المباركة من الشهر والأعياد الدينية في العام وغيرها, وفصول هذا الكتاب وأدعيته مستخرجة من الأبستاق الكبير مع إدخال تعديل في أول وآخر كل منها يلائم الصلاة والدعاء في كل مناسبة. (د. أحمد أمين سليم, ص74، 75).
# فقدان نسخ الأبستاق :
وقد فقدت جميع نسخ الأبستاق بعد غزو الإسكندر لفارس سنة 330 قبل الميلاد وفقدت معها تفاسيره والمؤلفات التي كانت تشتمل على شيء من أجزائه. والراجح أن اليونانيين قد تعمدوا إعدامها لما عرف عنهم من الاعتزاز بحضارتهم وعدائهم لحضارة الفرس وثقافتهم ، ولما طبعوا عليه من ميل للانتقام من الإيرانيين ومجازاتهم على ما فعلوا بالآثار اليونانية. وظلت بعد ذلك نصوص الأبستاق أو بعضها في حوافظ الموايذة (كبار رجال الدين عند الفرس) والفقهاء يتناقلونها ويتناقلها الناس عنهم مشافهة . فلابد أن يكون حظ كبير منها قد عدت عليه عادية النسيان. وفي النصف الأخير من القرن الأول الميلادي (51 – 87 ) شرع فولوجيسس الأول ( بلاش الأول ) ملك فارس من الأسرة البارثية في تدوين ما بقي من حوافظ الناس من الأبستاق . وأكمل عمله هذا في القرن الثالث الميلادي الملك أردشير مؤسس الدولة الساسانية. وبلغ ما تم تدوينه في هذين العهدين واحداً وعشرين سفراً تشتمل على 348 ثلاثمائة وأربعين فصول من فصول الأبستاق التي كانت تبلغ ألف فصل كما قدمنا ، إنه قد فقد منه نحو الثلثين ،هذا إلى ما اعتور الفصول المدونة من نقص وزيادة وتحريف وتغيير عن أصولها نتيجة لتقادم العهد بها وتناقلها مدة طويلة عن طريق المشافهة.
وكما فقد الأبستاق القديم الأصلي، فقد كذلك هذا الأبستاق الذي دون من حوافظ الناس في عهد البارثيين والساسانيين. وجاء في أثناء ذلك الإسلام واعتنقه معظم الإيرانيين، ولم يبق على الزرادشتية إلا أقليات ضئيلة لا يؤبه لها. وكان من جراء ذلك أن نسى الإيرانيون معظم ما يتصل بالأبستاق، ولم يبق منه في ذكرياتهم إلا رواسب قليلة يتناقلها الخلف عن السلف. ومن هذه الرواسب دون المؤرخون في هذه العصور، ومنهم القدامى من مؤرخي العرب، جميع ما كتبوه عن الديانة الزرادشتية. وفي أواخر القرن الثامن عشر الميلادي عثر أحد علماء الآثار الفرنسيين وهو العلامة دوبرون وفي أثناء بحثه في مكتبة بودليان بمدينة أكسفورد على قسم من الأبستاق الذي دون في عهد البارثيين والساسانيين، فقام بنشره وترجمته، وترجم بعد ذلك إلى كثير من اللغات الحية. وهذا القسم هو كل ما وصل إلينا وما نعرفه عن الأبستاق. وهو يشتمل عن خمسة أسفار لا تكاد تتجاوز في مجموع فصولها ربع الأبستاق الذي دون في عهد البارثيين والساسانيين. (د. علي عبد الواحد وافي. ص136، 137).
وللحديث بقية.
nehro_basem@hotmail.com
# قائمة بالمراجع :
1 – الموسوعة العربية العالمية, مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر والتوزيع, المملكة العربية السعودية, 1996.
2 – جون كولر, الفكر الشرقي القديم, ترجمة: كامل يوسف حسين, مراجعة: د. إمام عبد الفتاح إمام, المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب, الكويت، 1995.
3 – د. أحمد أمين سليم, دراسات في تاريخ إيران القديم وحضارتها: إيران من أقد العصور حتى أواسط الألف الثالث قبل الميلاد, دار النهضة العربية, بيروت, 1988.
4 – د. أحمد شلبي, مقارنة الأديان, أديان الهند الكبرى, الهندوسية – الجينية – البوذية, الطبعة الخامسة, مكتبة النهضة المصرية 1979.
5 – محمد أبو زهرة، مقارنات بين الأديان “الديانات القديمة”، دار الفكر العربي، القاهرة.
6 – د. فؤاد محمد شبل, حكمة الصين: دراسة تحليلية لمعالم الفكر الصيني منذ أقدم العصور, الجزء الأول, دار المعارف بمصر.
# قائمة بمراجع دراسة مكتبة السيد محمد حسنين فضل الله :
1 – بارندر، جفري، المعتقدات الدينية لدى الشعوب، ترجمة د.إمام عبد الفتاح إمام، مراجعة د.عبد الغفار مكاوي، الكويت، عالم المعرفة، العدد:173، أيار/مايو 1993.
2 – حميد، فوزي محمد، عالم الأديان بين الأسطورة والحقيقة، ليبيا، جمعية الدعوة الإسلامية العالمية، سنة 1991.
3 – ديورانت، ول، قصة الحضارة، ج5، م1، ترجمة د.زكي نجيب محمود، بيروت، دار الجيل.
4 – رايشاور، أدوين، اليابانيون، ترجمة ليلى الجبالي، مراجعة شوقي جلال، الكويت، عالم المعرفة، الرقم 136، نيسان/أبريل 1989.
5 – شبانة، عبد الفتاح محمد، اليابان: العادات والتقاليد وإدمان التفوق، القاهرة، مكتبة مدبولي، سنة 1996.
6 – كوجيكي (وقائع الأشياء القديمة)، ترجمة وتقديم محمد عضيمة، بيروت، دار الكنوز الأدبية، ط1، سنة1999.
7 – كولر، جون، الفكر الشرقي القديم، ترجمة كامل يوسف حسين، مراجعة، د.إمام عبد الفتاح إمام، الكويت، عالم المعرفة، تموز/يوليو 1995.
8 – هنتجتون، صامويل، صدام الحضارات، ترجمة طلعت الشايب، تقديم د.صلاح قنصوه، القاهرة، سنة 1998.
9 – الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة، الرياض، الندوة العالمية للشباب الإسلامي، ط2، سنة 1409هـ ـ 1989م.
10 – السحمراني، أسعد، من قاموس الأديان، الشنتوية، الكونفوشية، دار النفائس، بيروت، الطبعة الأولى، 1420هـ، 1999م.
البوذية ديانة سماوية الكتب والرسالات
هاضه الصفحه جميله