البقاع الشرقي من راشيا الوادي وضهر الاحمر الى جرود قوسايا وحشمش، “جبهة نائمة” بين الجيش والتنظيمات الفلسطينية الموالية لسوريا. فكل شيء هادئ عند تخوم تلك المنطقة واعشاب الربيع وزهر الوزال لا تزال نضرة عند سفوح سلسلة جبال لبنان الشرقية، وتوحي أن لا حرب ولا حال توتر في تلك الانحاء، حيث يسرح الرعاة مع قطعانهم وينصرف المزارعون الى حقولهم واصحاب المشاغل الى مهنهم. وفي اختصار، كل سيرة الحياة هناك لا توحي الا بالطمأنينة والسكينة التي يعززها الانتشار الضخم لقوات الجيش في مواجهة مواقع المسلحين الذين يلتزمون صمتا تاما ويقبعون بعيدا عن المدنيين في مواقعهم التي تشبه المعتزلات بعد الحصار المحكم الذي فرضه الجيش عليها.
يعيش اهالي البقاع الشرقي حياتهم بهدوء ابناء القرى والبلدات ولا يتمنون الا ابتعاد الحرب عن ديارهم وخلاص لبنان من محنته، وهم يرفعون الاعلام اللبنانية بكثرة بعدما غابت كل الاعلام الاخرى، وملتزمون موقفا صارما في تأييد الجيش، وكيف لا والمئات لا بل الالاف من شباب تلك الانحاء هم عماد المؤسسة العسكرية وعديدها ويشكلون احد الخزانات البشرية التي تنهل منها المؤسسة العسكرية عناصرها. والاكيد ان الجيش لن يكون وحيدا في اي مواجهة عسكرية بين الجيش والقوى الآتية عبر الحدود، بل سيجد الى جانبه احتياطا ضخما من الاهالي القاطنين على مشارف الحدود السورية – اللبنانية، مما سيحول المعركة مواجهة شعبية حقيقية وخصوصا ان سكان البقاع الشرقي يعرفون جيدا معنى “انهيار الدولة وانعدام الامن” و “عودة الوصاية السورية”، ولا تزال صورة اهالي مجدل عنجر عند نقطة المصنع الحدودية وهم يكسرون الجرة عقب انسحاب آخر جندي سوري ماثلة في الاذهان.
في الرفيد والبيرة وضهر الاحمر والفالوج وبيادر العدس وعيتا الفخار والسلطان يعقوب وغيرها لافتات وملصقات بعضها موقع وكلها تؤيد الجيش وتعلنه “حاميا لعين الوطن” للحزب التقدمي الاشتراكي و”تيار المستقبل” والحزب الشيوعي اللبناني (حركة الانقاذ) وحتى للاهالي، لكن ذلك لا يلغي التدابير الامنية الصارمة التي ينفذها الجيش. فعند مفترق بلدة المحيدثة حاجز ضخم معزز بالدبابات وناقلات الجنود، وعندما يسأل المرء الاهالي عن الموقع الفلسطيني في حلوى يشيرون الى الشرق، حيث يمنع الاقتراب وتقوم المتاريس، ويقولون: “هناك وراء التلال يتحصنون بعيدا عن فلسطين، يوجهون بنادقهم الى لبنان ويديرون ظهرهم الى سوريا التي منها يحصلون على الامدادات العسكرية والتموين والدعم اللوجستي”.
اما الموقع الفلسطيني الآخر في السلطان يعقوب، فيقع داخل الاراضي اللبنانية وفي عمقها بمحاذاة كروم العنب في خراج البلدة، ويشبه هذا الموقع موقع الناعمة، حيث يتحدث الجميع عن شبكة الانفاق والتحصينات البعيدة عن فلسطين لسبب يجهله الجميع، والتي كانت وراء ادراج موضوع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات على طاولة الحوار قديما. ورغم مهابة الموقف الا ان كل شيء هادئ إلا من حركة السنونو التي لا تهدأ، والتدابير الاحترازية التي ينفذها الجيش تتم “بصمت وهدوء وانضباط” رغم ضجيج شاحنات الـ”ريو” العسكرية. علما ان حجم القوات المنتشرة هناك في كامد اللوز وبيادر العدس والسلطان يعقوب ليس قليلا، إن لناحية العدة او العديد على ما يبدو ظاهرا للعيان. لكن الاهم من الجهوزية العسكرية هو ذلك الاحتضان الشعبي الكبير والحماسة للعسكر وهم من فلذات الاكباد، ومجرد طرح سؤال بسيط عن “الحالة” على عامل محطة الوقود يعني استدراج سلسلة من الكلام الجارح ضد المعتدين على الجيش ومن يقف وراءهم ويحركهم ويمدهم بالسلاح والمال.
صعودا الى الشمال في اتجاه قوسايا التي اكتسبت شهرتها من اكبر موقع فلسطيني مسلح على الاراضي اللبنانية والذي يقع في خراجها عند الحدود السورية – اللبنانية، وتحديدا في منطقة المعيصرة او ما يسمونه “فم باب المزراب” على مساحة 12 الف دونم من افضل الاراضي الزراعية والتي تشرف على سهل البقاع بكامله ويوازي ارتفاعها هضاب ضهر البيدر.
ورغم ضخامة المركز الفلسطيني الموالي لسوريا، فإن الاهالي في قوسايا يؤكدون ان عناصره لا يتعاطون مع المدنيين ولا يتعرضون لهم. وهم اعتادوا على الفلسطينيين منذ عام 1982 عندما وصلوا الى هناك من الجنوب عقب الاجتياح الاسرائيلي وانتشروا في كل انحاء البقاع، لكن المفارقة انهم لم يكونوا من عناصر “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة” بل من حركة “فتح”، ثم لاحقا كان الموقع مركزا لانطلاق حركة “فتح – الانتفاضة” قبل ان يصبح لـ “القيادة العامة” التي حولته مركزا للتدريب وحقلا للرماية. واستمرت الامور على ما هي الى حين الانسحاب السوري، اذ تحول المركز الى قلعة حصينة في اعالي السلسلة الشرقية وقام السوريون بشق طريق اليه وادخلت اليه الاسلحة الثقيلة من دبابات وراجمات ليصبح قلعة حصينة تحمي ظهرها بالداخل السوري وتتوجه صوب لبنان. اضافة الى مركز آخر في منطقة حشمش قرب دير الغزال القائم على اراضي تملكها عائلتي مطران وكعدي، ويروي الاهالي انه تحول مدينة تحت الارض بفعل شبكات الانفاق والتحصينات القائمة فيه !
لا شيء غير عادي في خط البلدات الحدودية في كفرزبد وقوسايا ودير الغزال، فالجيش منتشر بكثافة بكل عديده وعتاده في تلال مواجهة للمواقع الفلسطينية، ويقوم بالتدقيق الصارم على حواجزه وينصب الكمائن ليلا دون ان يشعر احد بوجوده ودون اثارة التوتر. والاهالي هناك عاتبون كثيرا على وسائل الاعلام التي تبالغ في نقل اخبار ومعلومات غير دقيقة عن الوضع تؤذي الجيش والاهالي وتتسبب في تصعيد التوتر الذي يلقي بظله الثقيل على الحياة الرتيبة اصلا في تلك الانحاء الجبلية القاسية.
(بيار عطالله- النهار)
البقاع الشرقي “جبهة نائمة” في حرب مستعرة
الله يحميك يا جيش لبنان ويقويك على عملاء النظام البعثي السوري يلي بيخبوا المصاري الايرانية بكياس الزبالة والله لو بقدر لصرت واحد من هل جيش البطل فداء للبنان وشعبوا العظيم