عوّدنا الخطاب اليساري التاريخي على تبعية قاصرة تجاه خطاب الخصم. أي أن العقل اليساري القاصر عن البحث في الواقع واستنباط رؤيته الخاصة لتطويره، يغدو اسير نضال مناقضة خطاب الخصم وسياساته.
الظاهرة المرضية:
اعتاد صديق (بحريني) ان يزوّد بريدي بأقاصيص صفراء عن جهاد النكاح و(المناكحة والمجاهدة) التونسي لسوريا. اشعر بأنه يوقف قسما مهما من وقته على التلذّذ الجنسي بما يفعل غير متألم آو متأسف، لا انسانيا ولا وطنيا ولا ثقافيا.
كما نشر من ايام صديق تونسي، كادر جامعي (مؤطر لطلبة وطالبات)، على صفحته شيئا من هذا عن امرأة سورية أحرقت نفسها واربعة من بناتها، في تركيا، بعد اخضاعهن بالقوة لنكاح الجهاد. والصورة المرفقة تقول عكس الكلام، تثبت بالرؤيا انها حالة حرق لفرد واحد يقول “غوغل” انها حدثت في مصر لقبطي.
مواجع المسألة:
أصبح “الفيس بوك” والاعلام الهجين، فضائيات الفساد وصفحات مواقعها، جدرانَ ومقاصلَ صلب، يفيض بهذه الأقاصيص والنوادر الفاجرة عن جهاد النكاح لدرجة ان وزير الداخلية التونسي تبناها في خطاب استعمالي امام المجلس التأسيسي التونسي: عن حاملات قاصرات يَعدن من سوريا بالحَمل السفاح والايدز من جهاد النكاح.
شخصياً، أعرف تونس بصورة مقبولة، منذ أيام الدراسة الجامعية حين كنا نلتقي بطلبة (توانسة: يساريين حقاً) مرورا ببيروت، الى باريس ويمكنني سرد اسماء العشرات من هؤلاء المناضلين. ومنذ سنوات اصبح لي في تونس (البلاد) استعادة صداقات قديمة وبناء علاقات حديثة سياسية وفكرية وشخصية، وصارت معرفة جيدة ببنية المجتمع التونسي، وعلى اطلاع بالإرث البورقيبي والنضال ضد فرنسا وعهد “الباي”، وبخاصة البنية المدنية لجهة حقوق المرأة وشخصيتها والدرجة العالية من الثقافة والعلم التي تحصّلتها المرأة التونسية.
وتونس بلد من أكثر بلدان المغرب العربي على مدى تاريخه منفتح على المؤسسات المدنية وانتشار التعليم والمدرسة والاحتكاك بالعالم الخارجي، تلعب فيه المرأة والفتاة التونسية دورا رياديا لما توفر لها من حقوق متساوية بالرجل وفرص تحصيل علمي ومعرفي بشهادات عالية ومعرفة مهنية لدرجة يحسّ معها الرجل بقصور وغيرة، وأنه (كرجل مسلم عربي) دونَ المرأة في تونس ثقافة ومكانة مجتمعية يحميها قانون الاحوال الشخصية بخاصة.
لذا نجد الرجل يطفح، بغير وعي، بذكورية اقصائية أشبه ما تكون بالانعزالية، تتبدى خاصة في مقاهي المدن غير مركز العاصمة، بمزيج من شعور دوني انتقامي مشوب باستعلاء عضلي تجاه تحصيل المرأة العلمي وحفظها لحقوقها واستقلال لكيانها، بعكس كل الدول العربية التي تبقي قوانيها المرأة تابعة واسيرة وعبدة.
التداعيات السياسية:
نتيجة للانتصار السريع للثورة التونسية ومن ثم المصرية والليبية بدعم خارجي وتداعيات، استطالة “جُلجلة” الثورة السورية. افضت انتخابات المجلس التأسيسي الى هزيمة قوى اليسار المشتتة أمام حركة “النهضة” وانتصارها المدوي الى حدوث نوع من الحرب بالوكالة بين قوى تونسية. فاليسار والقوى العلمانية التي لا مشاريع لديها ولا برامج تستهدي بها، رأت نفسها تخسر فجأة لصالح غائب حضر بقوة تنظيم ومال عربي خليجي وديني. لم يبقَ لها غير معسكر الممانعة والمقاومة وورقة التين الفلسطينية. لان هذه القوى اعتاشت على فتات موائد بن علي وقذافي ونظام الاسد و اليسار الاوربي الفوضوي بقيم الحداثة وحقوق الانسان بغير الانسان، خاصة وان عودة رمز حقوق الانسان “منصف المرزوقي” رئيسا الى تونس في حضن النهضة افقدها هذا الدور ايضا..
أما اليمين الديني العائد من المنفى فقد رأى في القوانين التاريخية والحقوق المدنية التي تحصّلتها المرأة التونسية، فضلا عن وزن الاتحاد العام التونسي للشغل، عقبة اساسية امام سيطرته الكلية على المجتمع والدولة. من جهة لمواجهة قوى الطبقة الوسطى والليبيرالية في تونس التي بدأت تلملم صفوفها، ومن جهة أخرى في مواجهة قوة السلفية الجهادية التي تريد دفع النهضة الى معركة تحرقه في مواجهة الدولة المدنية التونسية وبسرعة، ناهيك عن تدخلات الجوار الجزائري والليبي.
تلاقت مصالح الطرفين: العلماني الممانع الخاسر، والنهضوي الإخواني الطامح في “مجمرة اللهو” الحارقة.
اتقنت اخراجها قناة “الميادين” لغسان بن جدو، وتلقف اللغم مبتهجا، اليسار التونسي العابث على نقيض ما يدّعيه من قيم عن حقوق الانسان وكيانية المرأة واستقلالها، وكأنه ربح بطاقة اليانصيب الكبرى وها هو يقدم لليمين الديني الحجة المثلى، يستخدمها تحقيراً للمرأة التونسية والحق بالمساواة، للانتقام من حجّة التشريعية للقوانين المدنية التي تحميها وتحفظ مكانتها. وها هم الاثنان (اليساري الحداثي العلماني واليمين الديني السلفي) ومعهم كثير من عرب الترف العصري (الاستبدادي) ينهالون بسادية ذكورية على جسد المرأة وعفّتها بالرجم بمقذوفات قصور جنسي وعقلي معا. لقد تناسوا ذهاب جهاديين توانسة وعرب وعجم الى حيث جهاد الموت المجاني وتشويه الثورات للفوز بـ”حور العين” وخمور الجنة وتفجروا قيحا وجراحا في جسد الطفولة الانثى.
طيلة سنوات عقود الفقر والفساد، كانت المرأة في المغرب العربي سلعة سياحية لدى أثرياء الخليج والسياحة الجنسية كمصدر للدخل القومي، ولم يفتح أحد فمه بحرف.
في سني سقوط صدام والاحتلال الامريكي الايراني للعراق، غزت أسواق دمشق وحواريها فتيات بعمر الورد ضاعفت عدد كباريهات ترف سلطة الممانعة والمقاومة ومفسديها وصارت أجساد النساء القاصرات الجائعات بالاستغلال الجنسي هدايا تقدم بين اصدقاء المقاومة المانعة، وبقيت المسألة في حدود الهمّ والغرابة الاجتماعي وفوضى فائض المال الفاسد للدولة العربية الفاسدة.
في الثورة المصرية حدثت محاولات للتشويه بالترويج للتحرش الجنسي سرعان ما خَفَتَ، لكن لماذا تلقى الثورة السورية كل هذه السياط من أبناء الزّنا الفكري والدعوي بحنين العبودية الى مفاسد أنظمة الاستبداد والمال المنهوب والترف الفاحش بالنهب من المال العام وسبي المجتمعات ؟ لماذا هذا الحبور الاعلامي لنخب ثقافية وسياسية ومالية عن افحش جريمة يمن ان يتعرض لها الانسان الاغتصاب بالقهر او الحاجة او غسل للدماغ تتفرغ لها وسائل اعلام ممتهن لإشاعة العبودية والغاء فكرة الحرية والكرامة تتلاقي وشهوات العجز السياسي لقوى تدعي الممانعة واليسار يعملون مجتمعين على اعادة المرأة التونسية مثالا للحرية والاستقلالية الى بيت الطاعة، بسلخ بكارتها بقصورهم الجنسي بحنين العودة الى الخصيان الى حظيرة الأنظمة الفائتة.
bachar_alissa@hotmail.com