الانتقام أم عدم الانتقام: حسابات «حزب الله» بعد ضرب إيران

1

“يمكن أن يستند رد «حزب الله» على عمل عسكري ضد إيران إلى تحليل عقلي مبني على حساب التكاليف والفوائد أو إلى تصوّر الحزب بأن لديه التزاماً روحياً بوجوب الدفاع عن راعيه الشيعي في طهران، أو بكليهما معاً.”

إن العواقب المحتملة لضربة استباقية أمريكية أو إسرائيلية ضد مواقع الأسلحة النووية الإيرانية هائلة. فعلى سبيل المثال ربما تطلق طهران صواريخ كرَد انتقامي أو تشن هجمات إرهابية أو تحاول تعطيل تدفق النفط عبر الخليج الفارسي. وحتى وقت قريب كان المتعارف عليه أيضاً أن «حزب الله» – الميليشيا الشيعية اللبنانية المدعومة من قبل إيران – سوف تطلق صواريخها على إسرائيل رداً على مثل هذا الهجوم على إيران. غير أنه على الرغم من المزاعم المستمرة من قبل كبار مسؤولي «حزب الله» بأن الهجوم على الجمهورية الإسلامية “يعني أن المنطقة بأجمعها ستشتعل” إلا أن تصريحات أخرى من قبل الأمين العام للمنظمة حسن نصر الله قد أثارت الشكوك حول ما إذا كانت الميليشيا سترد بالفعل أم لا.

الخلفية

تأسس «حزب الله» في لبنان بدعم إيراني سياسي ومالي في أوائل ثمانينيات القرن الماضي. وأثناء الغزو الإسرائيلي في عام 1982 أرسلت طهران 1500 من أعضاء “الحرس الثوري” إلى وادي البقاع للمساعدة على تنظيم قوة مقاومة.

واليوم وبخلاف أغلبية السكان الشيعة اللبنانيين ذوي الاتجاه التاريخي نحو العراق، يُطلب من أعضاء «حزب الله» اعتناق مبدأ ولاية الفقيه التي تضع مُلا إيرانياً على قمة السياسات والأمور الدينية الشيعية. ويشير النقاد إلى ذلك، ومعه هدف المنظمة المعلن في أوائل الثمانينيات وهو تحويل لبنان إلى دولة إسلامية، كدليل على أن «حزب الله» هو عميل لإيران.

تلقي الأوامر؟

يعتقد الكثيرون في إسرائيل وأولئك الذين هم بين الموالين للغرب في لبنان و”ائتلاف 14 آذار/مارس” المعادي لسوريا أن «حزب الله» يتلقى توجيهات استراتيجية – إن لم تكن أوامر مباشرة – من طهران. وتقليدياً لم يناقش مسؤولو «حزب الله» مسألة تسلسل القيادة. ورغم ذلك ففي أوائل شباط/ فبراير، بعد أن كسر المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي تابوهاً لطالما كان محظوراً وتحدث علناً عن دعم نظامه لـ «حزب الله»، علّق نصر الله على علاقة المنظمة بطهران. وفي مناقشة ما إذا كان «حزب الله» سيهاجم إسرائيل رداً على ضرب منشآت إيران النووية قال إن طهران لم تقدم مثل هذا الطلب و “لن تطلب أي شيء من «حزب الله».” وقال إنه لو طلب خامنئي ذلك فإن قادة «حزب الله» سوف “يجلسون ويفكرون ويقررون ما ينبغي فعله.”

ويبدو تصريح نصر الله وكأنه يؤكد أن العقول الأكثر هدوءاً يمكن أن تسود في أعقاب شن هجوم على إيران. ورغم ذلك وكما ذكرت مقالة في صحيفة “السفير” اليومية اللبنانية الصديقة لـ «حزب الله» الأسبوع الماضي فإن السؤال الأساسي ليس هو ما عسى تطلبه طهران من التنظيم وإنما ما هو “واجب” أعضاء الجماعة باعتبارهم “مقاومين في هذه المعركة.” والجواب هو أن هناك التزامات روحية هائلة من جانب «حزب الله» تجاه إيران والمرشد الأعلى. وكما كتب ذات مرة نائب نصر الله نعيم قاسم “الأمر النهائي في هذا الطريق الإسلامي ينبع من علماء الدين الفقهاء” ويقصد خامنئي. ومع ذلك، وفي سبيل تقرير كيفية الرد على هجوم ضد رعاتها الإيرانيين سوف تنظر الميليشيا إلى ما هو أبعد من العوامل الروحية.

التكاليف المادية

على مدى العقود الثلاثة الماضية اكتسب «حزب الله» أصولاً مادية هائلة في لبنان من بينها ترسانة ضخمة وأميال من أنفاق معقدة وأنظمة مخابئ محصنة تحت الأرض. ويمكن أن تتعرض هذه الأصول للاستنزاف أو التدمير لو فتحت الجماعة صراعاً جديداً مع إسرائيل. وفي حرب الأربعة وثلاثين يوماً ضد إسرائيل في عام 2006 – التي أشعلتها الجماعة في تموز/ يوليو بعملية اختطاف عبر الحدود – استخدم «حزب الله» ترسانته وبنيته التحتية وخسر الكثير منها، الأمر الذي يتطلب سنوات لإعادة بنائها.

وعلى الرغم أنه من الواضح أن الميليشيا تفخر بأدائها في حرب 2006 والتي اشُتهر وصفها كـ”نصر إلهي” إلا أن نصر الله عبر أيضاً عن ندمه على التصعيد حيث قال في آب/ أغسطس من ذلك العام “لو كنت أعرف… أن هذه العملية سوف تؤدي إلى مثل هذه الحرب فهل كنت سأفعلها؟ أقول لا، لا مطلقاً.” ومثل هذه المشاعر تعكس الجوانب السلبية ذات العلاقة بهذا “النصر.” فقد كانت الحرب مكلفة جداً حيث بلغت الأضرار المادية للبنان وحدها ما يزيد عن ستة مليارات دولارات، تعرضت فيها المناطق الشيعية إلى أضرار أكبر من غيرها. وبالإضافة إلى عدم تحقيق مكسب استراتيجي لـ «حزب الله» انتهى القتال باستنفاد معظم مخزونات المنظمة وتدمير نظام أنفاقها التي من الصعب جداً إعادة بناؤها نظراً لوجود متزايد لقوات الأمم المتحدة بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1701.

وبدعم إيراني وسوري أعاد «حزب الله» البناء والتخندق حيث تملك الجماعة الآن كميات غير مسبوقة من المعدات الأكثر تطوراً التي يمكن أن تحملها معها لعدة جولات أخرى من الصراع مع إسرائيل. غير أن المنظمة على وعي أيضاً بأن إعادة التسلح في المستقبل يمكن أن تكون صعبة خاصة لو تمت الإطاحة بنظام بشار الأسد المحاصر في سوريا. وفي دمشق كان النظام العلوي العلماني من الناحية الإسمية فقط، حليفاً استراتيجياً لإيران الثيوقراطية لأكثر من ثلاثين عاماً، لكنه لو سقط، فسيحل محله بلا شك نظام سني غير ودي للقيادة الشيعية في طهران و «حزب الله». إن فقدان دمشق كممول ومحور لشحن ونقل الأسلحة الإيرانية يمكن على الأرجح أن يجبر «حزب الله» على إعادة التسلح عن طريق البحر وهو المسعى المحفوف بالمخاطر والأكثر استهلاكا للوقت. ومما يعقد الأمور أكثر هو أن سقوط الأسد ربما يقوي من جديد تطبيق عنصر الحظر البحري القائم في القرار رقم 1701.

تكاليف رمزية

لسنوات عدة رسَّخ «حزب الله» بحرص صورته كمدافع عن لبنان وكقائد “المقاومة” الإقليمية ضد إسرائيل. وبعد حرب 2006 أصبح نصر الله – الشيعي – الزعيم الأكثر شعبية في العالم العربي ذي الأغلبية السنية. ومع هذا فمنذ ذلك الحين قوضت سلسلة من الأخطاء صورة الجماعة في المنطقة.

لقد كان الخطأ الأول هو الاستيلاء المسلح على بيروت في عام 2008 والذي حوّل فيه «حزب الله» أسلحته ضد الشعب اللبناني. ثم تورطت الجماعة في عام 2005 باغتيال رئيس الوزراء اللبناني وزعيم الطائفة السنية في البلاد رفيق الحريري. وفي الآونة الأخيرة، كان دفاع نصر الله المتحمس والمتكرر نيابة عن نظام الأسد الذي يرتكب الفظائع قد دمر ما تبقى من شعبية المنظمة في الخارج.

ورغم ضعف فرصة ما يستطيع «حزب الله» فعله لإنقاذ مكانته المتضائلة في المنطقة إلا أن الميليشيا تتطلب دعماً متواصلاً في الداخل. ورغم الادعاء الذي يستشهد به نصر الله مراراُ وتكراراً بـ “أننا سنفوز لأن (الإسرائيليين) يحبون الحياة ونحن نحب الموت” إلا أن معظم عناصره لا تريد الموت. ولننظر مثلاً ما حدث في أعقاب اغتيال القائد العسكري لـ «حزب الله» عماد مغنية في عام 2008 في دمشق، فبعدها ببضعة أيام خرج نصر الله بخطاب ناري مقتضب هدد فيه بالهجوم على الإسرائيليين في الداخل والخارج. ولاحقاً أوقف الشيعة في جنوب لبنان، المنهكين من الحرب والمتضجرين منها، إعادة بناء منازلهم التي تهدمت بسبب حرب 2006 واندفعوا أفواجاً إلى مكتب جوازات السفر في صور استعداداً للقيام بهجرة جماعية أخرى.

ويدرك معظم اللبنانيين أيضاً أن الاشتباك التالي مع إسرائيل سيكون أكثر تكلفة من السابق. فقد كان لكلا الجانبين وقتاً متسعاً للتخطيط والإعداد، وقد تعهدت إسرائيل مراراً وتكراراً بترسيخ “مبدأ الضحية” في أي صراع مستقبلي حيث لن تستهدف فقط أصول «حزب الله» بل أيضاً مجمل البنية التحتية المدنية اللبنانية. ورغم أن هناك قلة من اللبنانيين التي يمكن أن تقر بأن عمليات إسرائيل في عام 2006 كانت محدودة إلا أن أي حرب مستقبلية تنذر بأن تكون أكثر تدميراً. ولو قام «حزب الله» – المنظمة التي تحاول باستماتة تأكيد هويتها اللبنانية – بالانتقام فإنه سيخاطر بأن يكون هو المسؤول عن شن حرب أخرى مع إسرائيل نيابة عن إيران.

الخلاصة

من الصعب تقييم كيفية تقدير «حزب الله» لكل من هذه العوامل عند صناعة قراره. فطهران بلا شك تأمل أن التهديد الذي تفرضه الميليشيا سوف يردع الهجوم الإسرائيلي أو الأمريكي لكن حالما يتم الشروع في مثل هذه الضربة فإن قيمة إمطار إسرائيل بصواريخ ستكون رمزية أكثر منها استراتيجية. ووفقاً لرئيس الموساد السابق مئير داغان سوف يكون لانتقام «حزب الله» “تأثير مدمر” على الحياة اليومية في جميع أنحاء إسرائيل، لكن التدمير المادي الفعلي للبنان سوف يقنع كلاً من طهران و «حزب الله» بأن التكلفة التي ستتحملها قدرات الميليشيا ومكانتها المحلية ستكون باهظة جداً.

وعلى الرغم من الآثار المحتملة للانتقام إلا أن «حزب الله» يمكن أن يجد نفسه غير قادر على البقاء على الحياد تماماً. وبدلاً من الانخراط كلية في الصراع يمكن أن تحاول الميليشيا معايرة ردها لاستثارة انتقام إسرائيلي أكثر تناسبية. فعلى سبيل المثال بدلاً من استهداف وزارة الدفاع الإسرائيلية في تل أبيب بصواريخ طويلة المدى يمكنها أن تمطر شمال إسرائيل بصواريخ كاتيوشا مما سيحث إسرائيل على تصعيد الصراع. وبعد إساءة الحسابات في عام 2006 فربما يرغب نصر الله في جس النبض مرة أخرى أو لا يرغب في ذلك. وعلى أية حال يمكن لإسرائيل أن تساعد على تجنب هذا الحراك من خلال الإشارة علناً إلى عواقب أي انتقام من جانب «حزب الله».

وحيث يوشك الأسد على التداعي يواجه «حزب الله» قيوداً وضغوطاً غير مسبوقة من شأنها أن تزداد شدة إذا تمت الإطاحة بالرئيس السوري. ومن منظور حساب التكاليف والفوائد يمكن للميليشيا عندئذ أن تقرر أن مهاجمة إسرائيل رداً على توجيه ضربة لإيران يمكن أن تأتي بنتائج عكسية. ومع ذلك، فإن القرار في النهاية ربما لا يرتكز على العقلانية ولكن على الوجوب المتصور في عقل الهيئة العليا لـ «حزب الله» بالدفاع عن راعيها الديني الرئيسي في طهران.

ديفيد شينكر هو زميل أوفزين ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن.

1 تعليق
Newest
Oldest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
شهاب
شهاب
12 سنوات

الانتقام أم عدم الانتقام: حسابات «حزب الله» بعد ضرب إيران
ايران لن تضرب والحزب لن يضطر للانتقام فقد خرب لبنان بالحد الذي يريد وقد اتضحت مدى التفاهمات الايرانية السورية الاسرائلية الأمريكية ..بوركت الثورة التي نزعت الأقنعة!

Share.

اكتشاف المزيد من Middle East Transparent

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading