(يقترح “الشفّاف” على جماعة “14 آذار” في لبنان أن يدرجوا موضوع المثقّفين السوريين الذين اعتقلوا في الأشهر الاخيرة، مثل أنور البنّي وميشال كيلو ورفاقهم، ضمن “الحوار” الجاري مع “المعارضة”! فلا يجهل أحد أن اعتقال المثقّفين السوريين كان بسبب تدخّلهم في “الملفّ اللبناني” (لصاحبه محمد ناصيف) وتمهيداً لحرب حزب الله في تمّوز ثم لمحاولته الإنقلابية في بيروت، المستمرة منذ 3 أشهر. ومن الواضح أنه لن يتمّ الإفراج عن معتقلي سجن عدرا حتى يفكّ حزب الله حصاره للسراي في بيروت.. مثقّفو سوريا أيضاً ينتمون إلى “14 أذار”.)
*
هل يوجد في سوريا حقاً عملية انتخابية يستطيع من خلالها المواطن اختيار ممثله أو المرشح الأكثر كفاءة ليعبر عن مطالبه وتطلعاته ومصالحه إن كان لرئاسة الجمهورية أو لمجلس الشعب، أو حتى الإدارة المحلية ؟.
من الناحية القانونية لا ينتخب رئيس الجمهورية فقد نص الدستور على أن تسمية رئيس الجمهورية تتم من قبل القيادة القطرية لحزب البعث ويعرض هذا الاسم على الشعب باستفتاء “نعم أو لا ” وفي حالة الرفض يتم تسمية مرشح جديد واستفتاء جديد حتى يتم قبوله وذلك تنفيذاً للمادة 8 من الدستور التي تنص على أن حزب البعث هو قائد الدولة والمجتمع .
أما بالنسبة لأعضاء مجلس الشعب فهناك القانون رقم /26 / لعام 1973 الذي نظم العملية الانتخابية لمجلس الشعب وقد صمم القانون المذكور وفصل على مقاس ” قائد الدولة والمجتمع ” ليغطي عملية تعيين وتسمية أعضاء مجلس الشعب من قبل السلطات المختصة ( أمنية – حزبية – مراكز قوى – مراكز نفوذ).
إن حجري الأساس لأي عملية انتخابية حقيقية هما أولاً تحديد الناخب ” هويته –أهليته –عدده – مكانه ” وثانياً الرقابة ومرجعية الطعن في الانتخابات مفقودان في القانون . مما ينسف ويقوض أية إمكانية لانتخابات حقيقية ويكون الناخب صاحب دور ثانوي في عملية تعيين أعضاء مجلس الشعب .
فأولاً لم ينص القانون على وجوب تنظيم لوائح شطب اسمية في المراكز والدوائر الانتخابية بل أعطى الحق لكل ناخب تجاوز الثامنة عشر بالإدلاء بصوته في أي مركز يختاره دون التقيد بمكان الميلاد أو الإقامة أو العمل وهذا يفقد المرشحين وممثليهم مراقبة أو إحصاء مسبق لاعداد الناخبين في كل مركز وأهليتهم / الوفيات – فاقدي حق الانتخابات – حقيقيون أم وهميوون – إمكانية الناخب الإدلاء بأكثر من صوت بأكثر من مركز مع إمكانية الحصول على أكثر من بطاقة انتخابية واحدة أو عدم وضع الختم على البطاقة عند التصويت / مما يعطي مجالاً واسعاً للسلطات المسيطرة على العملية الانتخابية بالتحكم بعدد الأصوات واتجاهها بكل مركز والتحرك لنقل ثقلها وعملها إلى المراكز التي تشعر فيها بتهديد من ” مستقلين ” أو من غير القائمة المعينة أو غير مرغوب فيهم لتعيد التوازن وبذلك تفشل أي عملية جمع أصوات حقيقية ومؤثرة لأي مرشح مستقل .
وحجر الأساس الثاني لأي عملية انتخابات هي الرقابة والمرجعية القانونية للطعن بها فلا يوجد في قانون الانتخابات أي دور لرقابة مستقلة أو مرجعية مستقلة للطعن والمراجعة والتواجد الوحيد للقضاء وهو في وجود عضو يسميه وزير العدل في لجنة الانتخابات في المحافظة، ولاتعقد صلاحية القضاء سوى النظر بالجرائم العادية التي ترتكب أثناء الانتخابات ولا تصل إلى النظر بالجرائم الانتخابية مثل التزوير والمخالفات وحجة الصناديق وعدد الأصوات وجميعها تختص بالنظر فيها لجنة الانتخابات بالمحافظة والمعينة أصلا من قبل السلطات . والمرجعية العليا للطعن بنتائج الانتخابات هي المحكمة الدستورية العليا ، المشكوك في صحة تمثيلها لأن أعضائها يعينون تعييناً من قبل رئاسة الجمهورية أربع سنوات قابلة للتجديد مما يسمح له كرئيس للجمهورية وأمين عام لحزب البعث ورئيس السلطة التنفيذية بتعيين أعضاء المحكمة من التابعين المخلصين مضموني الولاء والطاعة ، مع ذلك فأن صلاحية هذه المحكمة لا تصل إلا مستوى أبطال الانتخابات أو نتائجها ولو لعضو واحد ، وإنما تنحصر صلاحياتها بالتحقيق بالشكاوى واعطاء قرار بالواقعة إن كان هناك تزوير أو جرائم انتخابية واقتراح بإلغاء الانتخابات إذا ثبت لها التزوير والتجاوزات والقرار المتخذ لا قيمة قانونية له فقبل أن ينفذ يجب أن يعرض على ” مجلس الشعب ” الجديد المطعون بشرعية انتخابه أصلاً وهو صاحب القرار النهائي بأبطال نتائج الانتخابات حتى لو تضمن التقرير تزويراً في الانتخابات ، وطبعاً لم يصدف أن حصل قط أن صوت مجلس الشعب على عدم صحة أي انتخابات رغم صدور عدة مرات قرارات عن المحكمة الدستورية العليا أيام المرحوم الدكتور نصرت منلا حيدر بوجود تزوير وتجاوزات في الانتخابات وتأجل تمثيل ” نواب مجلس الشعب ” المثبت تزوير انتخابهم لكامل الدورة وربما لدورات لاحقة .
بفقدان حجري الأساس القانونيين السابقي الذكر لم يعد من الممكن إطلاق اسم انتخابات على ما يجري ويفتح المجال واسعاً لسيطرة السلطات التنفيذية على مجمل العملية وآلياتها منذ بدئها وحتى صدور النتائج حاملة أسماء من تم تعيينه مسبقاً ” نائباً في مجلس الشعب ” رغم ذلك ومنعاً لأي خروج عن السيطرة أو انقلاب غير محسوب يمكن إن يؤدي ” لاسمح الله ” لتسرب أعضاء غير مرغوب فيهم أو سقوط مرشحين مسيحيين مسبقاً فقد تم دعم القانون بعدة مواد تحسباً لآي طارئ واعطاء مساحة أوسع للحركة . فقد حدد القانون الدائرة الانتخابية بالمحافظة وهي دائرة انتخابية كبيرة جداً مساحة وعدداً وبغياب وجود أحزاب سياسية شرعية مستقلة وقمع أحزاب المعارضة غير الشرعية وعدم وجود البرامج الانتخابية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فقد قطع هذا التقسيم الطريق على أي صلة بين الناخب والمرشح، وبغياب الإعلام المستقل والرقابة والحصار غير الخاضع لأي مراجعة على بيانات المرشح ودعايته الانتخابية وحصر الإعلام الرسمي المقروء والمسموع والمرئي بالقوائم المعينة مسبقاً تصبح صورة المرشح بابتسامته ووسامته المعلقة في الشوارع هي جواز السفر الوحيد المسموح للمرشح باستخدامه ليعرفه الناخب، كما حدد القانون تشكيل اللجنة الانتخابية لكل محافظة بالمحافظ وقاضي يسميه وزير العدل وأحد أعضاء مجلس المدينة . وهذه اللجنة هي التي تصدر قائمة المرشحين وقبول الترشيح وتراقب الإعلانات والدعاية الانتخابية وعدد المراكز وتسمي لجان المراكز وتشرف على ” الانتخابات في المحافظة ” والمرجعية للطعن بأي إشكال انتخابي أو مخالفة وقراراتها قطعية لا تقبل أي طعن . وطبعاً هذه اللجنة هي لجنة حزبية غير حيادية بامتياز بحسب تركيبها وأشخاصها والصلاحيات الواسعة الممنوحة لها وخاصة تسمية لجان المراكز الانتخابية الذين يتم تعيينهم من الموظفين الحزبيين الموالين منفذي الأوامر والتعليمات.
وتأتي بعد ذلك كله الإجراءات التنفيذية على الأرض التي ترك القانون أمر معالجتها لواقع السيطرة والهيمنة السياسية والأمنية . وهي اولاً الصناديق الجوالة غير الثابتة وغير المراقبة تحت حجة ” البدو الرحل – قطعات الجيش … وغيرها وهي صناديق احتياطية جاهزة يتم زجها بالأصوات المطلوبة والأعداد اللازمة في المراكز لتشكيل فرقاً نوعياً لمصلحة المعينين مسبقاً أو لإسقاط مرشحين لحساب آخرين..
وثانياً عدم تسمية يوم الانتخابات عطلة رسمية مما يجعل العاملين وعناصر الجيش والشرطة والأمن وهم كتلة أساسية كبيرة جداً في الانتخابات تحت وصاية وإشراف رؤسائهم ومسئولي الرقابة والأمن والتوجيه المعنوي وغيرهم من أجهزة الوصاية ويجبرهم على إعطاء أصواتهم لمصلحة القائمة مهمة رسمية للعامل يثاب عليها أو يعاقب.
وثالثاً تأتي عملية تسخير كل أجهزة الدولة والحزب والأمن بإمكانياتهم وآلياتهم وأموالهم وأشخاصهم لدعم القائمة الجاهزة فتصرف المكافئات وتقام المهرجانات والإعلانات والمسيرات والضيافات على حساب الشعب وامواله دون حسيب أو رقيب ويسخر الإعلام كله بكل إمكانياته لمصلحة القائمة الجاهزة في انتهاك واضح للأموال العامة وحقوق بقية المرشحين .
وجاء مؤخراً التعديل الأخير على قانون الانتخابات بتحديد الإنفاق الانتخابي بمبلغ ثلاثة ملايين ليرة سورية ليحكم حلقة الحصار تماماً على أي إمكانية خروج عن السيطرة ويسد ثغرة ظهرت مؤخراً ولم تكن موجودة في أوائل السبعينيات حينما صمم القانون خاصة بعد حصول تسرب لاصحاب رؤوس أموال طفيلية أو وطنية في الدورات الأخيرة أدت الى اشكالات سياسية أو اقتصادية وظهور رموز يمكن أن تنافس الرمز الأوحد ولو بالإعلام فجاء التعديل ليغلق الباب أمام هؤلاء ويسمح بالتحكم بدخول عناصر أما لحمايتهم أو بتدفيعهم ثمن الدخول إلى المجلس الذي يجب أن يطعم ببعض ” المستقلين ” من صناعيين أو تجار أو طفيليين أو رموز فساد ويحدثونك بعد ذلك كله عن ” الانتخابات ” …. عن أي انتخابات تتحدثون؟
أن جذر أي إصلاح هو الإصلاح السياسي الذي يوفر لكل فئات المجتمع المشاركة في القرار السياسي بكل ما للكلمة من معنى غير ممثليها المنتخبين بأحزابها السياسية ومنظماتها الأهلية وهيئاتها الاقتصادية وهذا يتطلب أولاً قانون انتخابات حقيقي وعصري يعتمد على المعايير المتعارف عليها عالمياً وقانونياً لتوفير عملية ديمقراطية تحارب بحرية وشفافية وتتجاوز كل ما ذكرناه سابقاً عن القانون الحالي وقانون أحزاب وحياة سياسية توفر للقوى والفئات السياسية والاقتصادية والاجتماعية أن تعبر عن نفسها وعن برامجها بحرية وشفافية ويتم تنظيم الانتخابات عبر دوائر انتخابية صغيرة ” الأحياء ” بشكل أولي بما يحقق حجة التمثيل النسبي على صعيد الوطن كله بعد ترسخ العملية الديمقراطية ونشوء الأحزاب واعادة الحياة السياسية وبناء ثقافة ممارسة الديمقراطية .
ويجب أن يترافق ذلك مع إطلاق حرية الإعلام والصحافة والتعبير واعتبار الإعلام الرسمي وليس لحزب أو فئة واحدة تحتكره لنفسها وأفكارها وأشخاصها.
كما يتوجب إعادة بناء سلطة قضائية مستقلة واعطائها الدور الكامل لتنفيذ العملية الانتخابية إن كل ذلك يشكل الخطوة الأولى للبدء بالإصلاح الحقيقي، يتبعه تعديل صلاحيات مجلس الشعب بحيث يتحول إلى مجلس نواب له الدور الكامل بالرقابة وتحديد عمل السلطة التنفيذية وبرنامجها والحاق أجهزة الرقابة والمحاسبة والتفتيش به وحصر حق التشريع وإصدار القوانين به وحده وإعطاء قراراته الصفة الإلزامية للتنفيذ ويكون المرجع الأساسي والوحيد للشعب ورفع الهيمنة والسيطرة عن السلطة القضائية وإعطائها استقلالها الكامل لتكون حامية الحريات والحقوق.
إن مداخل الإصلاح معروفة وطرقه وآلياته واضحة وأي محاولة للتعمية عليها بترقيعها أو تزيينها بتزيينات وهمية أو شكلية لن يكون لها إلا تأثير سلبي جديد على الوطن والمواطن كما أن التأخير والتسويف والمماطلة بأجراء هذه الإصلاحات يزيد من الاحتقانات بالمجتمع ويضيع عليه زمناً نحن بأمس الحاجة إليه لردم الهوة مع العالم، وكما أن التأخير سيزيد كلفة الإصلاح على وطن دفع الكثير الكثير ثمناً لشعارات وطنطنات دمرت بنيته الأخلاقية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية .
سجن عدرا 25– آذار- 2007 المحامي أنور البني
رئيس المركز السوري للأبحاث والدراسات القانونية