يمنعني ديني والكتب ودواوين الشعر التي اقرأها والمقالات التي اكتبها والندوات التي احضرها او احاضر فيها، والحوار الذي اعيش فيه واحيا عليه. والتزامي الخيار الثقافي نهائيا، مع الاحتفاظ بحقي السياسي كمواطن يصر على المواطنية والبقاﺀ في صفوف المواطنين… ويمنعني حبي لاهلي الاقربين في قريتي… وفي الجنوب عموما ان انتهز الفرص لآكل من بعض ما يتشظى من لحم “حزب الله” بيده وشحم “حركة امــل”، في الانتخابات البلدية، بعدما شاهدنا الورم يتفشى في الانتخابات النيابية.
من الاساس ومع احترامي النزوع الى الاصطفاف في طائفتي وفي غيرها، محتفظا بمودتي للجميع ونقدي للجميع ولرهطي الشيعي اكثر من غيره، لاني تعرفت عن كثب الى المخاطر التي تحدق بالشيعة جــراﺀ استشعارهم الزائد بضرورة وصواب استخدام القوة المتأتية من العدد واختزال الجماعة والمال والسلاح والــولاﺀ والوصف غير الواقعي اوالتعبوي للمخاطر المحدقة بالطائفة! ! ! والمقاومة والتحالفات القريبة والبعيدة… ما عبرت عنه اكثر مــن مــرة بالخوف على الشيعة من الشيعة اكثر من الخوف عليهم من غيرهم واكثر من الخوف منهم على غيرهم.
وكنت صريحا وواضحا عندما قلت وكتبت اكثر مــن مــرة، مــا بين حرب تموز واتفاق الدوحة، باني اعاند في ان اعـــارض السائد الشيعي ببديل شيعي مستقل او تابع… وان خياري هو البديل الوطني الجامع في مقابل هذا الاستشراﺀ لمرض الوعي الخطر بالهويات الفرعية، مايهدد، لا الوحدة الوطنية فقط، بل وحــدة كل طائفة بــذاتــهــا، مــن حــيــث كــونــهــا متحدا اجتماعيا قابلا للتطور من خلال سياق وطني حــضــاري وقانوني وسياسي يوضع فيه، على اساس المحافظة على حيوية التعدد وضمانات الــوحدة …
وقلت وكتبت بأنه لا داعي ولا ضمانة في النجاح لاي تحرك نحوخيار شيعي مختلف مع السائد الشيعي او عنه، سواﺀ في اطار شيعي، او في اطار وطني، يظهر عليه ان باعثه الاساس هو معارضة ذلك السائد الشيعي.. لان سعيا كهذا سوف يستفز القوى الشيعية المسيطرة اصالة اوتبعا، ليدخل الشيعة في فتنة لن يستفيدمنهاالآخرون من طائفيين ووطنيين… بل سوف تستغل العوامل المختلفة لاحداث فتن داخل الطوائف، كانت ولا تزال العلاقات التي تدل على امكان حصولهااوافتعالهاقائمة، وقد تــؤدي الفتن المتنقلة في لحظة ما، الى عودة كل طائفة متناحرة داخليا الى وعي ذاتها والعودة الى وحدتها على اساس نقل الصراع الى سياقه مع الطوائف الاخرى.
ثم ان اي حراك لا بد له من ناظم وان لقاﺀ بين متعددين مختلفين على السلبية من طرف آخر، لا يكفي لجمعهما في مشروع او على مشروع، لان جمع الامزجة المتنافرة يؤدي الى زيادة احتمالات المناحرة.. وقد حدث ذلك اكثر من مرة، ووضع حدالبدايات مترددة واحيانا خجولة في السياق الشيعي خصوصا وفي غيره عموما…
وعليه فلا يكفي ان نتفق على ما لا نريد هذا اذا كنا متفقين، بل لا بد ان نتفق على ما نريد.. وهو امر بعيد..
كان بعيدا.. وقد يكون الآن قد اصبح اقل بعدا… ولكن لم يصبح قريبا.. فلا بد من التروي وعوداعلى بدﺀ اكرر اني قلت وكتبت ان دوام الحال من المحال واني انتظر تطورات درامية او ميلودرامية وتــفــاعــلات واســتــحــقــاقــات وتــراكــم سلبيات معينة، ســوف تـــؤدي الى ارتخاﺀ في القبضات الطائفية وتفتح ثغرات في السياج الطائفي الذي كلما ازداد احكاما و صلابة، ازدادت امكانيات تصدعه وحــدوث الخروقات الواسعة في بنيانه… مايعني انه قد يتوفر جو يلزم الاطراف الطائفية القابضة على طوائفها بالقبول المر بوجود الرأي الآخر وبعدم جدوى القمع والمنع والتخوين واخراج المعترض من جماعته والقائه على عاتق جماعة اخرى، مع ان اي جماعة طائفية لا تقوى على هضم اي مناصر لها من طائفة اخرى، الا اذا تنصل من طائفته بالكامل، ليعود وحيدا مكتئبا مقروحا، معزولا بعدما تكون التسوية بين الطوائف قد استحقت او فرضت من قبل اطراف اقليمية او دولية… وعليه فلا داعي لمطاولة القوي في لحظة قوته واستنفاره… ولا بدمن الانتظار.
وحصلت احداث ووقائع كان اكثرها مؤشرا على ان السائد الشيعي في طريقه الى فقدشيﺀ من وهجه وقدرته على المصادرة والاختزال.. ولا يهمنا هنا ان ننكأ جراحا عايناها وعاينها الجميع، ولكن مجد المقاومة الذي يلزمنا من قبل ان يولد حزب الله… اما ان تصل الاهــتــزازات الى مستواها السياسي اليومي المؤسسي.. البلديات… فان السكوت يصبح خيانةللوطن والطائفة…
مع العلم ان الاهتزاز المشهودقدطال طوائف عدة وبنسب مختلفة.. ولعل اعلى نسب الاهتزاز كانت في المجال الشيعي… فماذانفعل؟
لا ادعونفسي ولا غيري الى التسرع في اغتنام الفرص.. وادعوكل الطامحين والطامعين مــن الشيعة خصوصا، ان يدعوا هذه المرة الناس يذهبون الــى حيث يــشــاؤون، فــي حركتهم واختياراتهم والتعبير عن رأيهم.. على ان ما ابداه الناس من حزبيين وانصار ومذعنين طوعا او كرها لمنطق القوة والتعبئة الطائفية، لم يكن فيه فضل الا في حدود القليل والنادر لحركة او حركات المعارضة الضعيفة والمشتتة والخجولة، والجادة في بعض نماذجها والحكيمة في بعضها ولكنها لاتتعاون وان تعاونت فقدلا تكفي.
هذه المرة يجب ان ننتظر النهاية، بخاصة وانــه يمكن ان يكون السائد الشيعي المهيمن قــد اطلق ســراح الموالين له الخائبين اولا… وفي طريقته في تقديم الــولاﺀ مع الجهل وســوﺀ النية والسلوك على الكفاﺀة والنزاهة…
وان الــســائــد يــراهــن على قدرته الاقتصادية والعسكرية والتنظيمية، ليعيد المبتعدين او المعترضين الى الانتظام ومحض، الولاﺀ بالترهيب من الخطر الــذي يتهددهم من الداخل والخارج او الترغيب بالمصالح والمكاسب، بخاصة وان الزبائنية السياسية قد استطاعت تحويل الطائفة الى طائفة ريعية، تنتظر المعاش وتغض نظرها عن الفساد والهدر، وتضاعف الانتاج والعمل الحرفي والمهني والعلمي والزراعي والصناعي. وترتبط بمعيلها المركزي الــذي تغضب عليه ولكنها سرعان ماتعود الى بيت الطاعة ومصدر النعمة اواللقمة.
لقد قلنا اكثر من مرة لحزب الله بأن عقله وحده لا يكفيه مهما يكن كبيرا..
وان هناك في الشيعة عقولا لا تعاديه ولكنهات ظن انه يعاديها و لديهاادلة على ذلك… ولا بأس من ازالة الالتباسات وســمــاع النصيحة لا الاستلحاق ولا الاستعداﺀ ولا الاستغناﺀ.
ومعروف ان الغني يكون اكثر حرصا على الربح من الفقير… الى ذلك فلا بد من توسيع رقعة المشاركة في العقول الى خارج الشيعة ولكن لا على اساس اخذ حزمة او قطعة من هذه الطائفة على حساب قسم آخر منها… ولابأس ان يكون التفاهم هنا اقوى من التفاهم هناك على الايبد والتفاهم وكأنه كيد للطائفة الاخرى او استتباع لجزﺀ منها مع تباين لا يلبث ان ينكشف، بين الظاهر والباطن، كماحدث في انتخابات قضاﺀ جبيل.
ختاما… كلما طمع الاب في المزيد من التحكم بولده البار المطيع كلما ازدادت احتمالات خروج الولدعلى طاعة والده؟
لقد اطاعتهم قرانا وعوائلنا و اجيالنا بما فيه الكفاية ولكنهم لم يكونوا حكماﺀ او متواضعين، او واقعيين بمافيه الكفاية، اللهم لا شماتة… واناشخصيا كنت اقول لمن يعتبرون ان حزب الله مشكلة بــأنــه لا يــجــوز حــل المشكلة بمشكلة اكبر… ان المرشحين للبلديات الشيعية من الاحــزاب المتحالفة ومن غيرها… اولادنــا… لا نريد لهم ولا نحب ولا نرغب بالانشقاق ولا ننصح احدا بأن يحول الاعتراض الى انشقاق.. وننصح كل الحكماﺀ الا يقصروا في احتضان ظاهرة الاحتجاج الشيعية بهدوﺀ وروية وامانة وتقوى ومن دون استعجال اونية ثأرية… لاننا نكون بذلك قد مهدنا لفتنة شيعية لنيكون المعترضون اقوى فيها من غيرهم… بل سرعان مايعضون على اصابعهم ندما.. عندما يفرق جمعهم ويساعدون على اعادة تأسيس الخطأ وتجديد الهيمنة الى الابد…
هذا مع ترجيحي وتمسكي بضرورة التفكير الــهــادئ فــي اغتنام فرصة الرخاوة بدم بارد وعقل بارد وخطاب بارد وحــراك مــدروس يقوم على المشاركة وتجنب الشبهات، وان نقرأ نهج البلاغة بعمق ومنه “من وثق بماﺀ لم يظمأ” ومنه “ومجتني الثمرة لغير وقت ايناعها كالزارع في غير ارضه” ومنه في عثمان وقتلته “استأثر فأساﺀ الأثرة وجزعتم فأسأتم الجزع”.
ختاما… تحية الى انصار المقاومة الــذيــن شكلوا لوائحهم او ترشحوا منفردين والــذيــن ســوف يقاطعون انتخاب اللوائح الناجحة طبعا…
ومستقبل افضل باذن الله للقرى التي فقدت رغبتها بالحرية.
ملاحظة: طبعا انا لا افتي، ولست في مقام الفتوى، وقد لا يكون لاحد ان يفتي في مثل هذه الامور لقوة “ولاية الامة على نفسها” ولكني لا امنع احدا من ان يبادر وقد تكون تحفظاتي مبالغا فيها والمهم اني اشارك في رصد متحول لم يفاجئني.
• عضوالهيئة الشرعية في المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى
نشر في “مسار الأخبار”