بدت الأشهر القليلة الماضية أنها الأثقل على الكثير ممن تستحوذهم هموم التغيير السياسي في سوريا إذ لاح أن عزلة النظام السوري بدأت تتكسر إثر ما تتابعَ من توصيات وزيارات ولقاءات لأوربيين وأمريكيين بممثلي النظام ورموزه، والترابط بين عزلة النظام الحاكم في سورية أو فكها وبين تأثرنا كسوريين إيجابياً أو سلبياً، أمر بديهي في ظل واقعنا وما نحن عليه من ضعف، فمنا من جهة، وهذا ليس سراً إذ نقوله بالصوت العالي ونكتبه بأنفسنا وبوضوح، من يرتاح لسماع تأزم النظام السوري نتيجة العزلة العالمية أو لأي سبب آخر يُستشف منه ممارسة الضغوط (مهما كان حجمها ونوعها أو رمزيتها) على النظام الحاكم حصراً (لا على شعبنا) والتي نعجز عن ممارستها بأنفسنا بسبب واقعنا وافتقارنا إلى الحد الأدنى من القوة التي تمكننا من أن نكون فاعلين في الأحداث لا منفعلين بها، وهناك من السوريين من جهة أخرى، من بنى آماله، بل معارضته بالكامل، على ما قد تتأتى عنه نتائج التحقيق والمحكمة الدولية بجريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري والتي أثبتت أنها ـ بالرغم ما تم من ذكر للفصل السابع وما يقال…إلخ ـ غير قادرة على الابتعاد عن أطر المصالح السياسية الدولية. في كل الظروف، من الضروري تبويب أن العلاقات الأمريكية ـ كما هو ملحوظ ـ مع النظام السوري لا تتحدد ماهيتها وفقاً لطبيعة تعامل الأخير مع الشعب السوري والتزامه بالمواثيق والمعاهدات الدولية التي وقّع عليها حول احترام حقوق الإنسان بل تبدو أنها تارة تنطلق من التجاذبات السياسية الداخلية الأمريكية (كتلك التي تمخضت عنها زيارة السيدة نانسي بيلوسي لدمشق) وطوراً من الأولويات السياسية الدولية إذ يراد إبعاد دمشق عن طهران في وقت يتسم بالقلق الأمريكي، والعالمي عموماً، حيال برنامج إيران النووي، والنمط عينه يتكرر بالتعاطي الأوربي مع دمشق والذي لا يخرج عن صيغة المصالح السياسية. أياً كانت هي الحال، ومهما يكن من أمر، لا بديل لنا، كسوريين تواقين إلى التغيير، من أن نفتش بأنفسنا ولأنفسنا عن المكان والموقع الذي منه وبه نستطيع أن نكون فاعلين في الأحداث المتعلقة بنا وببلدنا بدلا من أن ننتظر ما تجلبه أو ما تأخذه رياح مالكي القوة والقرار في العالم وأن نتبوأ مركز الحدث المتعلق بسوريا بدلاً من أن نكون على الهامش، وذلك يقتضي منا، على الصعيد الذاتي، مراجعة عامة وشاملة لطرق عملنا والاستفادة من دروس الماضي والحاضر ومحاولة إعادة صياغة جدل أين العالم من قضايا الشعب السوري وأين الشعب السوري من مصالح العالم (وتجنباً لإساءة الفهم أسارع إلى التوضيح أن المقصود بالعبارة الأخيرة هو حض العالم الغربي على إدراك أن مصلحته الاستراتيجية تكمن في تمييز قضايا الشعب السوري وضيمه لا في مراعاة، أو إقرار تكتيكي بأدوار، جلاديه، أياً كانت طبيعة العلاقة).
سيجزم قائل متسائل أن طرحاً كهذا، أي التفكير بالاعتماد على الذات لن يترسم خارج دائرة التفكير الرغبي ولن يخرج إلى النور إذا ما أخذنا بعين الاعتبار التناقض الحاد بين ما هو منشود من قبل السوريين وما هو موجود لهم إذ كيف يمكن توجيه الآمال نحو شعب أنهكه الاستبداد والقمع والقهر وعقود من التفقير والتهميش والتخويف، والخوف، من الأسوأ ويفتقر إلى وجود أحزاب (أو أي أشكال تنظيمية) قادرة على إيجاد السبل البراغماتية للحراك المناسب مقابل نظام يسيطر على إمكانيات بلد بالكامل ويسخرها بكل مران وخبرة للإبقاء على الوضع الراهن الذي يضمن سيطرته التامة على سوريا وشعبها؟ فهذا الشعب ـ ونحن منه ـ يبدو وسط المناخ السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي والنفسي السائد، أعجز من أن يبادر، أو أن يكون طرفاً في مبادرة، لإدارة الدفة والخروج ليس فقط من الوضع المأساوي في سورياً بل أيضاً، وعلى نطاق أضيق، من حالة العقم السياسي العام التي نعيشها. من جانب آخر، يبدو أن التفكير بالاعتماد على “الشعب السوري” وفق المعطيات الملموسة هو دغدغة للخيال أكثر منه محاكاة للواقع إذ يفترض ضمنياً أن الشعب السوري هو كتلة متجانسة التركيب في “الهوية السورية” إلا أن واقع الحال يبين المغاير لهذا الافتراض إذ أن قلة فقط من الشعب السوري هي تلك التي تعطي لهويتها السورية الأفضلية على الهويات والانتماءات الأخرى الأضيق كالدينية والقومية والاجتماعية و السياسية إلخ. لا شك أن التساؤل الآنف الذكر هو عقلاني ومشروع ولكن السؤال الأهم والأجدر بالمناقشة يتمحور حول فيما إذا كان علينا أن نتوقف عند توصيف الواقع وإبراز المصاعب والتسليم بعجزنا عن التغيير به أم أن نتساءل وبجدية: ما العمل؟ ومن أين نبدأ؟ فالقضية، وبصرف النظر عن الصعوبات المحيطة بعملنا، لا تحتمل منا الانكماش والسلبية و الاكتفاء باستعراض ما يجري بحسرة والقول بأننا غير قادرين على فعل شيء ـ في وقت يتطلب منا العمل. وإن كنا ندرك الصعوبات، ولا نتفاءل واهمين ظناً أن الكلام وترجمته على الأرض هما على نفس القدر من السهولة، إلا أن الصورة السياسية والاقتصادية والاجتماعية كئيبة وقاتمة بما فيه الكفاية لدفعنا على الإصرار على العمل وإيجاد السبل المناسبة للحراك خاصة وأننا لا نسعى إلى ما هو غير عادي وبديهي من حق في حياة حرة أسوة بما تعيشه بقية الشعوب على وجه الأرض.
الفئة المتسلطة على البلد والشعب، والتي تنتمي بتفكيرها وممارساتها إلى حقبة بائدة، ترى أن الوضع المناسب حصراً لسوريا هو الذي رتبته على مدى السنين والعقود من حكمها، أي، بموازاة استبعاد الشعب عامة عن السياسة أو استبعاد السياسة من الشعب، تواجد شكلي لـ”حزب البعث” الذي لا عمل له ومزخرف بأشباه مجموعات “تنظيمية” تهلل له وتعترف به قائدها وموجهها في صيغة تحالف ما يسمى بـ”الجبهة الوطنية التقدمية” وأما فعلياً فتوجد تشكيلة مستبدة اقتصادياً وسياسياً، وهي محمية بأجهزتها الاستخباراتية وبأجهزة الدولة الأيديولوجية. هذه الفئة المهيمنة ليست فقط رافضة الإقرار بأن العالم قد تغير وأن التغيير السياسي والاقتصادي في سوريا (على غرار ما حصل في أكثر من مكان وأكثر من نموذج في العالم) أصبح ضرورة ملحة بل، وعلى العكس، مازالت أيضاً تستخدم كل ما هو تحت سيطرتها، بما في ذلك ـ كما أسلفناـ أجهزة الدولة الأيديولوجية، لاتهام، لتخوين، لسجن، لتشريد، لقتل كل من ينادي بالتغيير (والأمثلة، كما هو معروف، ليست شحيحة هنا). باختصار شديد، يمكننا القول أن المجموعة التي تحكم سوريا لاهي مدركة لأهمية التغيير من جهة ـ إذ أن الحس الوطني والتفكير بمستقبل البلد غائب، بل منعدم أساساً، بين صفوفها.. ولا هي، من جهة أخرى، راغبة فيه إذ يركبها هاجس أن الشروع في التغيير يعني بداية نهايتها وسيرها بطريق الانتحار، ناهيك عن توجسها أنها لن تنجو من المحاسبة عن جرائم الماضي والحاضر إن هي أخلت بالشكل القائم للحكم السياسي والاقتصادي (وهذا واضح في أدق تفاصيل تعاملها مع الشعب السوري). انطلاقاً من حقيقة أن السلطة الحاكمة عاصية على التغيير يصبح لزاماً علينا تبيان أن لا وقت، ولا أذن، لدينا لسماع الاسطوانة المشروخة التي تتكرر منذ سنوات، في ما من شأنه خدمة السلطة في اللعب على عامل الزمن وإضاعة الوقت، بالكلام عن وجود نيات لـ “الإصلاح” أو “الإصلاح والتحديث” أو عن فبركات مثل وجود تشعب اتجاهات في السلطة بين حرس جديد وحرس قديم، بين من يريد التغيير ومن لا يريده، خاصة أن يأتي ذلك ممن يسمي نفسه معارضاً أو يريد أن يحتسب نفسه على المعارضة، فهذا الأمر أصبح محسوماً ومن الخطأ تكرار ذلك وسط مناخ وضح فيه مبكراً بشار الأسد احتياجه لعصا سحرية للبدء بما هو أدنى الواجبات عليه (مع الاعتذار من الشعب السوري عن كل شيء في عهد أبيه كما في عهده ـ لو كان وطنياً حقاً) فيلغي قانون الطوارئ ويطلق سراح سجناء الرأي ويعطي ضمانات بعدم التعرض بأذى للمنفيين عند عودتهم إلى سوريا ويسمح بانتخابات حرة ونزيهة بينما لا يحتاج لعصا سحرية ليركع خشوعاً لأي كان خارج سوريا فيما لو طلب منه ذلك إن شعر أن سلطته مهددة.
الجيش والمسألة الطائفية:
لا بأس من التذكير أن النخب السياسية والثقافية السورية تشعر برعب المقاربة من المشهد الدموي العراقي المريع، لكنها بنفس الوقت تبدو إما عاجزة عن الطرح الواعي والمسؤول بخصوص التغيير اعتماداً على الذات أو أنها تخادع نفسها وتفضل الصمت على أن تبحث في السبل العقلانية والممكنة من أجل التغيير وبدون إراقة دماء؛ وإذ يبدو من الصعب جداً الاعتماد على تحرك شعبي ما لم يكن الجميع معنيين ومقتنعين بأن التغيير الذي يقود إلى بر الأمان والحرية ـ وليس أي تغييرـ هو المقصود والمطلوب من الجميع وللجميع، يصبح من الضروري توضيح المواقف وصقلها حول “أي بلد نطمح إليه ونريده؟”.
بحكم وضع سوريا التاريخي والتركيب المتعدد الأوجه للشعب السوري (الاجتماعي، السياسي، الديني، القومي…إلخ)، وبسبب عنف نهاية السبعينات وبداية الثمانينات وما نتج عنه ستبرز دائماً معوقات تحول دون البدء جدياً بالسير في الطريق المناسب ما لم ننظر لفترة العنف بموضوعية وبجدية ونتعامل مع نتائجها بوعي وبعالي المسؤولية. لو استعرضنا تاريخ سوريا ما بعد الاستقلال لوجدنا أنه غالباً ما كان للجيش دور محوري في تغيير شكل الحكم من الأعلى (أي الانقلابات العسكرية) ولكن وضع العسكر في سوريا اليوم هو من التعقيد بدرجة تجعل من الصعب أن يكونوا طرفاً في التغيير إن لم يكن لهم مصلحة حقيقية به، وذلك ليس حباً في الوضع القائم بل تحسباً للمستقبل المجهول…
عندما صاغ نظام الأسد “ميثاق” جبهته “التقدمية” حدد وبدقة أنه يحظر العمل السياسي في صفوف الجيش ـ والطلاب ـ وذلك إدراكاً منه لأهمية دور الجيش والطلاب في الحراك في سوريا ومع ذلك، لدهشة وصدمة حافظ الأسد، الذي انتقم ممن عمل خلاف ذلك لاحقاً شر انتقام، لم يفرغ الجيش حتى فترة نهاية السبعينات وبداية الثمانينات من المهتمين سياسياً من غير البعثيين. من ناحية أخرى، دُفع (بضم الدال) الجيش مرغماً باتجاه أن لا يكون لديه خياراً إلا اللا اكتراث أو بالأحرى الصمت على نظام فاسد مقارنة.. . في الفترة الممتدة لعقود وحتى هذه اللحظة، وفي ظل عدم توفر فرص العمل أو عدم القدرة على متابعة الدراسة بسبب الفقر، أصبح الجيش للكثير من أبناء “الطائفة العلوية” الطريق الأقصر لتأمين لقمة العيش، ولكن هذا الطريق لم يكن بدون ضريبة باهظة، فجثث هؤلاء وبأعلى النسب ملأت التوابيت الناتجة عن حرب 1973 وعن ضربات إسرائيل عام 1982 على الوحدات السورية في لبنان (كما ومنهم من لم يُعثر له على جثة)؛ لكن الضريبة الأكبر كانت من الداخل. عندما مارس الإخوان المسلمون في سوريا عنفهم، بالاغتيالات الفردية التي بدأت في النصف الثاني من السبعينات ومن ثم التصعيد بالمجزرة الجماعية في مدرسة المدفعية، وجد هؤلاء العسكر أنفسهم الهدف الموجه إليه رصاص أبناء جلدتهم من الداخل السوري. في فترة الاغتيالات، وعلى مستوى الشارع السوري لم يكن من الصعب وبأدلة، ليس أضعفها الهوية الدينية للمغدورين، تحديد القتلة إذ كان خطاب “الإخوان” معروفاً، ناهيك عن أنهم كانوا يتسلحون ويتدربون على السلاح في الخارج والداخل، أما نظام حافظ الأسد ـ وخلافاً لما كان يعرفه الشارع ـ فقد لزم الصمت من جانبه حيال ما كان يجري في تلك الفترة من اغتيالات للعسكر ـ وللمدنيين ـ العلويين تحديداً، لا بل كان النظام الحاكم يتبع التضليل حيال ما كان يحدث إذ كانت أجهزة إعلام حافظ الأسد تشير بأصبع الاتهام لبعث العراق أو لمجموعات قومية أخرى كان يخشاها حافظ الأسد عندما يجري اغتيال أو تفجير؛ بل ولم توفر أجهزة حافظ الأسد المخابراتية جهداً في محاولة إيصال الأكاذيب لأسماع الناس عن أن جماعات ماركسية أيضاً وراء العنف، بينما لم يثبت في الواقع أن أحداً من الفئات الأخيرة قد حمل ولو سكيناً أو لوّح بالعنف ضد أحد. الآن وبعد هذه السنين، يبقى السؤال المحير هو عن سبب صمت حافظ الأسد ولمدة سنوات على عنف الإخوان المسلمين المستمر! ولما كنا لا نملك الجواب الدقيق والمحدد عليه فسيبقى كلامنا ضمن أطر التحليل والتخمين، فأحد الاحتمالات هو أن حافظ الأسد كان يتحاشى الصدام مع الإسلاميين إذ لم ير بهم أعداء له من قبل: فهم من ذبح له الخراف والجمال (كما قال الأسد نفسه مستغرباً في أحد خطاباته في ذلك الحين) وهم من تناغم معه منذ بداية انقلابه وهم من كتب له على مدخل الجامع الأموي بدمشق: “طلبنا من الله المدد فأرسل لنا حافظ الأسد”… بينما فشل حافظ الأسد، في الواقع، حينها باستقطاب العلويين أو بجعلهم يصطفون وراءه (وكمثال فقط نذكر بالوقاحة التي اتبعها أعوان حافظ الأسد التي وصلت حد قطع المياه عن قرية بسنادا المصنفة جغرافياً علوية وبكل صفاقة تفوه، وائل إسماعيل، محافظ اللاذقية حينها، لمجموعة من الأهالي تذمرت واحتجت لديه على قطع المياه، أن عودة المياه مشروطة ببرقيات الولاء والتأييد لحافظ الأسد…) وبشكل عام فقد نظر معظم العلويون لحافظ الأسد في الفترة التي تلت انقلابه عام 1970 بعين الشك والريبة، فقد بدأ حكمه باغتيالات العلويين التي طالت منهم حتى من هو خارج سوريا (محمد عمران) وبسجنهم (صلاح جديد،…و…و..) وملاحقتهم وتشريدهم، وهذه الصورة من واقع علاقة حافظ الأسد بالعلويين تقودنا إلى الاحتمال الثاني حول سبب صمت الأسد على عنف الإخوان المستمر لسنوات من طرف واحد دون رادع، وهو أن حافظ الأسد، الذي لم يتمتع بمناصرة رفاقه على المستوى الحزبي ولا بقاعدة شعبية، أراد بخبث جر الطائفة العلوية مرغمة للوقوف وراءه اعتماداً على خطأ الإخوان المسلمين بحقها، بعبارة أخرى وجد حافظ الأسد في خطأ الإخوان باللجوء للعنف المسلح واستهداف العلويين تحديداً وسيلة مناسبة له حين تركهم يتمادون أكثر فأكثر كي يأمنوا ويصلوا إلى نقطة اللاعودة في عنفهم وهذا سيضع العلويين تالياً أمام الأمر الواقع بالخيار إما أن يكونوا هدفاً سهلا لمن ليس لايأتمن لوجودهم فحسب بل أيضاً يفرغ صبره فيما إذا رأى منهم عالماً أو طبيباً أو كادراً أو عسكرياً أو حتى مصلح أحذية أو سائق تاكسي أو بائع خضار أو حمّال في المرفأ (إذ طالت الاغتيالات، بين من طالتهم حينها، هذه الفئات..) وإما أن يصطفوا وراء الأسد كحام لهم. ربما يرغب الكثير (من السلطة ومن الإخوان المسلمين على حد سواء) أن تُُطمس تفاصيل ما جرى في تلك الفترة، لكن وبشعور بالمسؤولية يجب إنصاف الضحايا السوريين الأبرياء، ضحايا عنف الإخوان والسلطة على حد سواء، كما ويجب التناول المكثف لنتائج المأساة في واقع اليوم والتي أدت إلى تعزيز وتقوية سلطة حافظ الأسد وزيادة عدد سجونه لتحتوي كل صوت معارض، من حمل السلاح (ومن تسلح فقط بالكلمة) ولتشمل من حلى لحافظ الأسد تسميته بهزء حينها بـ”الأخضر” و”الأحمر” ومن بينهما ومن خارجهما، المتدين والعلماني ومن كل الخلفيات الاجتماعية والسياسية. أما العنف والعنف المضاد فقد ولد حساسيات وأحقاد كثيرة ليس فقط على المستوى الشعبي بل على مستوى أحزاب وتنظيمات لها أصول ماركسية، فتصريح واحد من قياديي أحد الأحزاب لصحفي لوموند، على سبيل المثال لا الحصر، حيث لا يكتم للصحفي أنه يصاب “بالاشمئزاز” إن رأى “علويا” حتى ولو كان من رفاقه في حزبه..، مازال يقرع الأذن ويُندي الجبين ولم يسمع الشعب السوري اعتذاراً عنه لا من قائله في حياته و لا من حزبه بعد مماته. وللأسف، ونتيجة للعجز السياسي، فقد استبدل البعض لغتهم الماركسية بلغة شعبوية وبات البعض يرى أن الحل لسوريا يكمن بـ”التحريض الطائفي” بدلاً من “التحريض الطبقي”. ويا للغرابة أن كلمة “علوي” أصبحت مرادفة لكلمة سلطة وسلطوي للكثير من السوريين بل أصبحت دمغة دائمة في وعي و لاوعي الكثير من الناشطين السياسيين (تجسدها تهنئة أحد الإسلاميين الشفهية لشيوعي [ينحدر من إحدى قرى اللاذقية] بمشهد تراجيكوميدي ـ على مرأى ومسمع العشرات من الحضور في ألمانيا ـ لأنه استطاع أن “ينفصل عن النظام” علماً أن المميز بتاريخ الشيوعي المقصود هو أنه لم يكن يوماً مع النظام الحاكم بل وما يميزه أكثر هو أنه كان آخر المفرجين عنهم من حزبه بعد سجن طويل..)، ناهيك عن المهزلة الأخرى بشتم أحد الناشطين السياسيين لمن صاغ بياناً ضد اللغة الطائفية و”الإنذار النهائي” الذي وجهه فريد الغادري للعلويين مطالباً إياهم بـ”ترك المدن والعودة إلى الجبال” قبل تاريخ 8 نوفمبر 2006 لأنه [أي من صاغ البيان ضد الطائفية]”أقرب لنا فلماذا يأكل.. ويصدر بياناً!؟”؛ فالشتيمة بحد ذاتها تنطلق، كما هو معروف، عندما يبلغ الامتعاض والغيظ والحنق بمتفوهها حداً كبيراً يعجز معه عن استخدام الكلام العادي الهادئ كوسيلة تعبير كافية، وأما بقية الكلام في السؤال السابق: “أقرب لنا،.. ” فيدل، فيما يدل عليه، على تمييز وتصنيف أبناء الوطن الواحد بين “الذات” و”الآخر” أو “نحن” و”هم” و أما سؤال “..لماذا…يصدر بياناً!؟” فيحمل الاستهجان و الغيظ ممن يقف ضد اللغة الطائفية… . وعلى نفس المستوى، نسمع في غرف البال توك التي يشرف عليها البعض ممن لهم تاريخ في العنف بوازع ديني أقذع العبارات التحريضية الطائفية والتهديد والوعيد ضد كل من ليس له نفس خلفيتهم الدينية والمذهبية، ونقرأ كتابات من يتفاصح بالقول إن مقاومة العلويين للتغيير ينبع من الخوف من أن تعود بناتهم لتعمل “خادمات” في بيوتنا… لعل تذكُّر فترة العنف المسلح في النصف الثاني من السبعينات وبداية الثمانينات وما لها من نتائج مستمرة حتى الآن يؤلم معظم السوريين، ولكن الكلام عنها ضروري من أجل استخلاص العبر منها إذ لايزال عنف الماضي ماثلاً بأشكال أخرى نأمل أن لا يكون هناك فتيلاً يستطيع إعادته إلى الشكل المسلح كما في الماضي، وعلينا أن نعمل ليس فقط لمنعه بل لخلق الأجواء التي تكفل اضمحلال وتلاشي كل ما من شأنه أن يفرق أو يمايز بين أبناء الشعب الواحد، وهذا يتطلب ممن يتنطحون للعمل بالشأن العام الاضطلاع بمسؤولياتهم والتعامل مع الماضي والحاضر بروح نقدية والإعداد لمستقبل حصين أساسه محاربة أي لغة أو خطاب يفرق بين السوريين واعتماد أن السوريين هم أبناء وطن واحد مهما تعددت خلفياتهم الدينية أو القومية أو الأثنية، فعلى سبيل المثال، إنها لفضيحة أن يجيب أحد قادة الإسلاميين أنه لا يستطيع إصدار “بيان” أو “توجيه” أو “تنبيه داخلي” بمحاربة اللغة الطائفية في غرفة بالتوك معروف تبعيتها لجماعاته لأنه ـ على حد تعبيره ـ “غير مسؤول عما يحصل” ولا يستطيع “ضبط ما يجري في الانترنت” وبعد بضعة أيام فقط يكون ضيفاً على نفس الغرفة، فسلبية موقف القيادي الإسلامي من بتر اللغة الطائفية المتواقتة مع الحلول ضيفاً على نفس الغرفة التي تستخدم منبراً لبث اللغة الطائفية الهدامة الكريهة يعيد إلى الأذهان موقف الإخوان المسلمين بمحاولة التنصل من الماضي عند القول إن من مارس العنف المسلح في السبعينات والثمانينات كان مجرد فصيل قد خرج عن الإخوان…وليس زائداً أن نذكر، وضمن نفس السياق، لمن يكرر متسائلاً أن الطائفية هي: ” لغة الشارع فماذا نستطيع أن نفعل حيالها!؟” أن على من يتنطح للعمل بالشأن العام أن يعي أن عمله يعني المسؤولية وتحملها يقتضي، من بين الواجبات المطلوبة منه، أن يدرك أن الطليعي هو من يحاول تعليم الناس الفرق بين اللغتين “البناءة ” و”الهدامة” (constructive and destructive)، لا أن يفعل العكس بمحاولة تبني لغة الرعاع الهدامة. ومن البديهيات التي يجب أن يعيها الجميع أنه من غير المعقول أن نتوقع دوراً للعسكر في الخلاص من الحكم الحالي دون أن نقول لهم (ونعني ما نقول؛ ونجسد قولنا فعلاً): “أنتم أبناء شعبنا ولستم أعداءنا”، وكذلك من الحمق أن يكون هناك تصنيف ضمن المعارضة وتعامل مع المعارض المتحدر جغرافياً من منطقة تصنف بـ “العلوية” بالشك والريبة والعزل والإقصاء أو أن نطالب العلويين أن يفعلوا شيئاً ضد النظام في نفس الوقت الذي نتوعدهم به بـ”الذبح” و”الضرب بالصرماية” لـ “تنضيف ديارنا المقدسة” من “النصيريين الكفار”.
إعلان دمشق وجبهة الخلاص:
لا يشك أحداً أن العمل على صياغة ما سمي بـ “إعلان دمشق” كان محفَّزاً بالرغبة في الحراك خاصة وأن الساحة السورية خالية من الصوت المنظم الذي يضم ويوحد المعارضة ضمن إطار تحالفي، إلاّ أن الخطوات على أرض الواقع لإخراج “إعلان دمشق” أدت عملياً إلى نتائج معاكسة تماماً لفكرة وحدة كلمة المعارضة وغدا الإعلان يفرق المعارضة بدلا من أن يوحدها. فقد رسّخت الانتقائية (selectivity) في الاستشارات والمناقشات التي سبقت الإعلان عقلية الإقصاء والإلغاء التي تلبس الشريحة من المعارضة التي عملت على الإعلان المذكور؛ وأما نص الإعلان نفسه فلم يكن بصياغته خارج مفاهيم الإلغاء والإقصاء، إذ ينادي بمراعاة وضع أن الإسلام هو دين الأكثرية في سوريا، في حين أن المنطق السليم للتعايش المثمر في مجتمع تعددي وديمقراطي يستدعي أن الأقليات هي التي تحتاج لمراعاة وليس الأكثرية (كما وضح مرة الأستاذ الدكتور برهان غليون)، فحقيقة أن الإسلام هو دين الأكثرية لا يعني أن للمتدينين به الامتياز بأي حال من الأحوال على الأقليات من أتباع نفس الدين أو الأديان الأخرى أو التفضيل على من لا دين لهم، وللسعي نحو وطن حقيقي لكل السوريين لابد من ضمان الالتزام بفصل الدين عن الدولة لأن “الدين لله والوطن للجميع”؛ إلا أن “إعلان دمشق” لم يكن إلا بالمؤكد على الطابع التمايزي حتى في تعابيره اللغوية حيث يوضح ذلك، على سبيل المثال، تكرار كلمة “الأمة”، والتي هي واحدة من أهم مفردات جعبة الإسلاميين (والقوميين أيضاً)، وبهذا يتجاهل إعلان دمشق أننا في سوريا لسنا جميعاً مسلمون ولسنا بمتجانسي التفكير القومي؛ وأما تعبير “الدولة المدنية” فهو مطاط ولا يفي بالغرض إن لم يتم التوضيح والضمان أن ترجمته مستقبلاً لن تكون باستبدال اللباس العسكري الذي يرتديه آل الحكم الأسدي حالياً بالعمامات واستبدال مخابرات الأسد لاحقاً بالعسس والمطوعين والشمامة (التي تحاول اشتمام رائحة الخمور في البيوت) في “سوريا ما بعد الأسد” أو استبدال قانون الطوارئ بشرع يتنافر قلباً وقالباً مع متطلبات العيش في عالم اليوم. في كل الأحوال، جاءت صيغة “إعلان دمشق” مليئة بالثغرات والثقوب وأول المتخوفين من إعلان دمشق كان العلمانيون لأنهم استبعدوا في الاستشارات واستبعدوا بالنص المكتوب خلاصتها والذي يبدو وكأنه يعتبر ضمناً، أو يسلّم، أن سورية المسلمة هي الحل والبديل والمستقبل. وليس قلق العلمانيين، وسط كل هذا، بلا أساس من جهة أخرى حين يتساءلون فيما إذا حالهم سيكون بالأفضل مستقبلاً وهم يواجهون هذا التمييز الآن! بعبارة أخرى، إذا كان العلماني، الذي يعيش نفس الظروف ويتعرض لنفس القمع ورجليه متحازية بالفلقة مع غيره، يلقى التهميش والإقصاء والإلغاء من الإسلاميين وأشباههم والمتحولين إليهم فكيف سيكون الأمر فيما لو شاءت الظروف وأصبحت الفئات الأخيرة تتحكم بالبلد!؟ أما الجدير بالملاحظة فهو، أنه وبالرغم من عمل البعض على تعديل صيغة إعلان دمشق والفقرات المثيرة للجدل به إلا أن النص الأول الذي يحابي الإقصاء والإلغاء، والمترجم لأكثر من لغة، مازال موجوداً على موقع الرأي الإلكتروني الذي يتبع لحزب الشعب (أحد أطراف إعلان دمشق)، وهذا لا يمكن ترجمته أو تفسيره إلا الإصرار على الإقصاء والإلغاء. بل، وفي محاولة فضائحية هشة لتبرير تسطير خطأ التمايز بين أبناء الوطن الواحد حاول بعض شهود ولادة “الإعلان” الترويج بأن كل ما يتعلق بمراعاة الإسلام وخصائصه الواردة في النص هي إضافات “يد مسيحية” في الساعات الأخيرة قبل صدور الإعلان تهدف إلى جمع شمل المعارضة بمراضاة الإخوان المسلمين تحديداً كونهم طرف رئيسي في الإعلان. لنفترض أن صاحب “اليد المسيحية” التي أضافت الملاحظات “الإسلاموية” لإعلان دمشق قد لبس، تقمص، أو تمثُل التمييز (internalized discrimination ) ضد الأقليات ـ التي هو واحد منها ـ أي وقف ضد نفسه وضد مصالحه فقط من أجل إرضاء الإخوان المسلمين (متناسياً تاريخهم العنيف ونتائجه المدمرة للجميع بدلاً من اعتماد أن المنطق يستدعي تطبيق المثل الشعبي هنا عن أن من يفعلها ليلاً أثناء نومه ويبلل الفراش يفتقد خيار النوم في المنتصف) إلا أن ما يجب التفكير به وبالصوت العالي هو فيما إذا كان الإخوان المسلمون قد تفطنوا للكرم الزائد لمن يحاول إعادة تأهيلهم أو قد راعوا هذه “المراعاة” لهم وراضوا من المعارضة (أو من الشعب) من “راضاهم” حينما هرعوا للتحالف مع السيد عبد الحليم خدام في ما يسمى بـ “جبهة الخلاص الوطني” بينما لم يكن حبر أقلام المعارضة قد جف بعد من الكتابة عن القمع الأيديولوجي الذي مارسه نائب بشار (وقبله حافظ) الأسد على المعارضة، وفساده في الحكم! وهنا امتداد وتشابك للحكاية.
لا يحتاج واحدنا ـ إن كانت الذاكرة لاتسعفه ـ لأكثر من جولة قصيرة، لا في أرشيف النظام السوري بل في أخبار السنوات القليلة الماضية المدونة على الانترنت، ليتذكر، بل ليستعرض، الكثير عن السيد عبد الحليم خدام وأدواره لعقود في داخل النظام السوري، إلا أن الإخوان المسلمين، ولأسبابهم الخاصة، آثروا ألا يروا ذلك. بل من مفارقات وتناقضات الإخوان المسلمين السوريين والمقربين منهم، بتبرير التعاون مع خدام، ما به إساءة لعقل ولذكاء المصغي لكلامهم، فعندما تم انتقاد هؤلاء لفتحهم أقنية حوار مع السيد عبد الحليم خدام كان الرد بأن السيد خدام بريء مما جرى ودوره لم يكن، بأحسن الأحوال، أكثر من “ساعي بريد” لدى حافظ وبشار، وبعد فترة قصيرة من كلامهم هذا برر نفس الأشخاص التحالف مع خدام في ما سمي “جبهة الخلاص الوطني” بالقول إن السيد خدام هو من صلب النظام وهو يعرف كيف يفككه لأنه هو من بناه ولهذا يجب الاعتماد على ما لديه…!!!! لقد نطق هؤلاء ببعض الصدق في المرة الثانية (بأن السيد خدام من صلب النظام) وبعكس الصدق في المرة الأولى وبالطبع لن يسألهم أحد عن أي من الرأيين المتناقضين في السيد خدام يتبنون؛ ولن يحرجهم أحد بطلب توضيح دقيق لموقفهم من خلال الجواب على سؤال هل كان السيد خدام “ساعي بريد” الأسد كما زعموا أولاً أم أنه “باني نظام الأسد” كما زعموا ثانياً؟ ليس فقط لأن من حق بقية أطراف المعارضة التي سمعت رأيين متناقضين في السيد خدام أن تعرف أياً منهما ستصدق بل أيضاً لأن أي من الجوابين يضع استحقاقات وشروط للتعامل، وللمتعاملين، معه! فإن كان السيد خدام “من صلب النظام السوري وبانيه” ـ وهذا ما يعرفه كل السوريين ـ فإن ذلك يحشر الإخوان المسلمين في زاوية ضعيفة جداً إذ يغدو لزاماً عليهم تبرير التهافت على التحالف مع نائب الأسد وباني نظامه الفاسد؛ ومن جهة أخرى يزعزع ويعري مزاعمهم المستمرة عن خلل “التمثيل الطائفي في الحكم” والتي لا يفوتون فرصة إلا ويتكلموا من خلالها عن هذا اللاتناسب لدى أعلى هرم نظام الأسد؛ أما إذا كان السيد خدام “ساعي بريد الأسد” فساعي البريد يعرف ماذا نقل وبالتالي فإن على السيد خدام أن يتكلم الكثير مما يعرفه أثناء مهماته في النقل، كأن يتكلم عما حصل في لبنان خاصة وأنه “ساعي بريد” الملف اللبناني” لفترة طويلة فلماذا لا يتكلم، بالحد الأدنى مثلا،ً عن اغتيال الشهيد كمال جنبلاط والشيخ حسن خالد و..و…إلى آخر القائمة؟ عليه أن يوضح قضايا كثيرة حصلت أثناء نقله للبريد هنا وهناك وإن كان يزعم أنه كان بعيداً عن السياسة الداخلية و لا علاقة له بدفن ربيع دمشق حياً باتهام المعارضة بمحاولة “جزأرة” سوريا أو السعي نحو “انقلاب”، كما بين المعارض الأستاذ رياض سيف، فليتكلم مثلاً عن قضايا أخرى في السياسة السورية الخارجية وليخبر الشعب السوري والمعارضة عن الصفقة في تسليم كارلوس، وماذا حصل مثلاُ بقضية عبد الله أوجلان وماذا يعرف عن ذلك؛ فليخبر السيد خدام الشعب السوري عن حقيقة تسخير شركة الطيران السورية (والمفترض أنها حكومية) لنقل البضائع بالأطنان، من الخليج ومن أوربا، أثناء سنوات الحصار (إثر قضية نزار الهنداوي… ) بإشراف شقيق السيد خدام هل كانت هذه البضائع تذهب لعائلة خدام للبيع في السوق السوداء؟ أم لشركاء آخرين في الحكم؟ أم كان هناك اقتسام لها!؟ هناك أسئلة لا بد من الأجوبة الواضحة عليها وذلك لما لها من اتصال وثيق بحياة الناس في سوريا، فعلى السيد خدام أن لا يكتفي بالتلميح إلى أن حافظ الأسد برأه من قضية النفايات ويمغمغ بأن هناك ضابط برتبة عقيد وقتذاك هو المسؤول عن قضية النفايات..فإن كان يريد أن يصبح معارضاً فإن يتطلب منه بالذات إخراج ما يعرف، فهل يظن السيد خدام، ومن معه، أن القول لفضائية أن النفايات المقصودة تتحلل في التربة بعد عشرين سنة من دفنها (وقد مضى على دفنها خمسة عشر عاماً…أي يبشرنا أنها بعد خمس سنوات أخرى ستتحلل) ينهي القضية الفضيحة وبكل المعايير أو يلغيها!؟ فكم من سوري وسورية ماتوا ويموتوا الآن وفي المستقبل بالأمراض الخبيثة ريثما، وبعدما، تتحلل هذه النفايات، زبالة العالم الكيماوية التي لوثوا بها تراب سوريا. نعم، هذا ما يتوجب، بالحد الأدنى، على ساعي بريد الأسد شرحه قبل أن يكون في صفوف المعارضة، فكيف إذا أراد تنصيب نفسه، نتيجة لصك غفران الإخوان المسلمين له زعيماً للمعارضة؟ إن على السيد خدام أن يوضح الكثير للمعارضة قبل أن تعترف به وأن يعتذر للشعب السوري علّه يقبل توبته! بالطبع، ليس لأحد الحق بمنع أحد آخر من أن يعارض، ولكن الأهم هو أن لا تفقد المعارضة الحقيقية قضيتها العادلة ضد نظام عفن بالتحالف مع من لا قضية له ودخوله على المعارضة ليس إلا بدافع حب الانتقام لأنه لم يحصل على المزيد من الكعكة، يلخص الرغبة الأخيرة قول ابنه في اتصال هاتفي مع أحد المعارضين السوريين في محاولة لا قناع الأخير بالتنسيق معهم: “ليش رامي [مخلوف] يستفيد 2 مليار وأنا لا !؟” فالمعارض الحقيقي يسأل عادة ماذا سنفعل لمحاسبة مخلوف وغيره على سرقاتهم وجرائمهم بحق الشعب السوري!؟
وأما إعلان دمشق، وهنا بيت القصيد، فلا مصداقية لمن لا يزال يتكلم باسمه ما لم يكن هناك موقفاً واضحاً وصريحاً من السيد خدام ومن “جبهة خلاصه” وقد بات الجميع يدرك أن هناك اصطفافات ومحاباة معلنة كانت أم غير معلنة بسبب تذبذب بعض أطراف المعارضة وعدم وضوح حقيقة مواقفهم، فازدواجية وجود الإخوان المسلمين في إعلان دمشق وفي جبهة الخلاص بآن واحد هو استمرار لوصمات العار التي بدأت في الثمانينات ومازالت مفتوحة النهاية، وهي مدمرة للمعارضة، ولن يستفيد منها إلا آل الحكم ومافياتهم.
وللفت النظر إلى الحجم الحقيقي لجبهة الخلاص وشعبيتها وقدرتها على تحشيد الناس لا أستطيع إلا أن أروي التالي من مشاهداتي العينية. بعقلية ليست غريبة على “جبهة الخلاص” أرادت الأخيرة قرصنة جهود الآخرين وأصدرت دعوة للجماهير للاعتصام أمام باب السفارة السورية في برلين احتجاجاً على الاستفتاء على بشار الأسد… وفي الوقت المحدد، وقفت وصديق آخر من المعارضة نراقب من بعيد لنرى الجماهير وقد خرجت تلبية لنداء جبهة الخلاص ولكن ما رأيناه (و لا غرابة في ذلك) كان الخلو أمام السفارة حتى من المارة والصمت يخيم وأعلام الزينة على سور السفارة السورية ترفرف.
المشاركة الكردية
لا يمكن إعطاء هذه القضية حقها من النقاش بما تسمح به حدود مقال يحاول تحديداً إلقاء الضوء على بعض معوقات العمل العام ضد نظام جائر أغرق البلد وسكانه، وبغض النظر عن هوياتهم القومية والدينية، بمظالمه وفساده وقمعه؛ وهذه القضية، بحد ذاتها، لها حساسية خاصة اتضحت أكثر من قبل في السنوات القليلة الماضية، ودفعت كافة السوريين لمراجعة الحسابات.
يعلمنا التاريخ أنه يمكن للنسيج الذي يشكل قوام سكان سوريا أن يزهر ويثمر عند توفر الظروف الملائمة، فوئام والتحام أبناء سوريا ووقوفهم في وجه الاحتلال الفرنسي طلباً للحرية هو المثال الذي يفتخر به، إلا أن ما فعله البعث باضطهاده وبظلمه خلق هوة وعمقها بين أبناء البلد الواحد، فالمظالم التي وقعت على الأكراد والتي ليس أولها الحزام العربي ولا آخرها قضية غير المجنسين ومفقودي الهوية الورقية خلقت مشكلة تكبر وتستفحل أكثر مع الأيام. وبسبب المظالم المتراكمة أخذ الأكراد يفسرون كل ما يحصل أنه جار على قاعدة طمس الهوية أو ما شابه، حيث قرأنا مؤخراً، على سبيل المثال، أن إسكان أسر “عربية” في الجزيرة لم يفهم إلا على أساس استتمام لمشاريع عنصرية قديمة. من جانبهم، فإن المثقفين السوريين من غير الأكراد لم يروا المسألة بنفس المنظار بل أكدوا أننا في سوريا لا نستطيع أن نفصل جغرافياً ونقول هذه منطقة عربية وتلك سريانية والثالثة كردية والأخرى آشورية فلا يوجد منطقة صافية التركيب الإثني بنسبة مائة في المائة، وحتى في القرى التي يسكنها غالبية عربية أو كردية لا يخلو سكانها من أثنيات أخرى، ومن حق الكردي (كما غيره) أن يسكن أينما يشاء وفي أي مكان يرغب في سوريا. وذكّر آخرون أن قبح أعمال النظام الحاكم يطال ليس الأكراد فقط بل غيرهم وما يجري في الساحل السوري الآن من مصادرات لأراض ومساكن ـ لأهل الساحل (وهم ليسوا أكراد وإنما عرب بل وعلويون) يعيشون منها وعليها ـ لإقامة مشاريع سياحية بتقاسم ما بين أهل النظام وشركائهم من الخليجيين أكبر دليل على ذلك. وبالمختصر فإن آخر ما يفكر به من يحكم في سوريا هو الأرض أو حمايتها أو تعريبها أو تكريدها أو سرينتها فهي ليست وطن بالنسبة لهم ولا تعني لهم شيئا: فهم من باعها وتاجر بها، وهم من أحضر نفايات العالم إليها، وهم من يبيع الآثار التي خلفها سكان هذه الأرض الأوائل.
بقيت مطالب معظم الأكراد في سوريا، حتى الماضي القريب، محصورة بالحقوق الثقافية وحقوق المواطنة ولكن تلك لم تعد كافية في السنوات الأخيرة للبعض إذ ذهبوا أقصى الحدود بالمطالبة بحكم ذاتي لما يسمى “غرب كردستان” أو بفيدرالية، وبدأت خريطة “كردستان الغربية” لدى بعض الأكراد تكبر حتى وصلت سواحل البحر المتوسط، الأمر الذي حذا بمن يعيش في سوريا من غير الأكراد إعادة التفكير بالمطالب الحقيقية للأكراد وعما إذا كانوا يريدون نيل حقوقهم المشروعة والتي يتبناها كل من يطمح لسوريا ديمقراطية (مهما كانت خلفيته الأثنية) أم أن لهم مطالب انفصالية من شأنها المساس بأرض سوريا!؟ وحتى اليساري والماركسي السوري (من غير الأكراد) بات يعيد النظر بهذه القضية ويتساءل عن جدوى دعم فكرة “مشروع قومي كردي” في الوقت الذي ينفض يديه من دعم أي مشروع قومي آخر، عربي كان أو غيره! وأصبح يميز بين آفاق “حق تقرير المصير” المقول به ماركسياً وبين تباين المطالب في المنطقة ذات الخصوصية التاريخية والمعاصرة. وبشكل عام، يبدو أن دعم “التفكير القومي” في عصرنا ليس إلا نوع من شحن الذات بأوهام لا أساس لها، فحركة الجماعات البشرية عبر التاريخ: ابتعادها عن، وتمازجها مع، بعضها، عداواتها وصداقاتها، حروبها وسلامها، تناحرها ووئامها واصطفافاتها تجعل الأسس التي يستند عليها التفكير “القومي” متطايرة وغير ثابتة المعالم (volatile) وتدعو لمساءلة كثير من الأفكار التي استُند إليها سابقاً في التنظير لما يشكل القوميات
(انظر كتاب: Benedict Anderson, Imagined Communities وكذلك كتاب Homi Bhabha, Nation and Narration)،
وأما بالنسبة للقومي العربي فالمسألة بدت له أكبر من ذلك حين يتساءل عن أسباب ضرب وتمويت فكرة القومية العربية وبنفس الوقت إحياء قوميات أخرى!؟ ومنهم من يرى أن للغرب مصلحة في تشقيف المنطقة وتجزأتها على أساس قوميات وأقليات وإثنيات. ويتعالى الكلام عن آخر الأجندات العالمية في ترسيم وإعادة ترسيم العالم سياسياً وجغرافياً، والتي ـ كسابقاتها ـ وُضعت لا باستشارة مثقفي وأهل “منطقتنا” بل على حسابهم. والسؤال الأعم الذي بات يطرحه العدد الأكبر من السوريين من غير الأكراد (ومعهم الكثير من أهل المنطقة) هو: ما معنى أن يستطيع الأوربيون أن يتقاربوا بخطوات صلبة وسريعة على طريق تكوين أوربا الموحدة وهم الذي يتكلمون عدة لغات وبينهم صراعات تاريخية (دينية وسياسية وجغرافية…) بينما يحاول بعضهم التنكر لأهل المنطقة هذا الحق، أو حتى في حق الإبقاء على “الدويلات صنيعة سايكس ـ بيكو كما هي؟” بل ويتساءل البعض إن لم يكن هناك مصلحة للاعبي القوة العالميين وليس لهم مشاريع تجزيئية في المنطقة فهل نظرتهم “لنا” لا تخلو من العنصرية في اعتبارنا لا نتمتع بنفس المقدرات والطاقات على التعايش مع بعضنا وفيما بيننا!؟ هذه بعض من أسئلة كثيرة تطرح اليوم.
بشكل عام، غدا العربي يعتقد أن مجرد الكلام عن “الحكم الذاتي” يعني بداية السير بطريق تقسيم جغرافي للبلد ويعتقد أن المنطق الأدق هو الكلام عن المواطنة وحقوق المواطن المضمونة وفقاً لدستور يساوي بين جميع أبناء الوطن الواحد بغض النظر عن خلفياتهم الدينية أو القومية أو السياسية أو الاجتماعية إلخ وعلى مسافة واحدة من الجميع، كما ويضمن لجميع القوميات الموجود في سوريا حقها بمدارس تُعلم، وتتعلم، بها لغتها ويضمن لها ممارسة حقوقها الثقافية، وبالتالي لا مبرر للكردي للمطالبة بفيدرالية أو بحكم ذاتي في ظل دستور يحمي المواطنين وحقوقهم بهذا الشكل….
بالطبع هناك بعض الأصوات وخاصة في الخارج تتكلم باسم القضية الكردية وترفع العلم الكردي بصورة دراماتيكية أمام أبواب السفارات السورية، وفي بعض الأحيان كان أكثر هذه الأصوات ارتفاعاً ما صدر عن شخصيات كان أول ما فعلته لاحقا،ً بعد حصولها على الجنسية الأوربية، أن سارعت إلى السفر لسوريا وزيارة “الضريح” أي قبر حافظ الأسد. ولكن ما بين رفعها للعلم الكردي مع مطالبتها بالفيدرالية أو بحكم ذاتي لغربي كردستان ـ كما يقولون ـ وما بين حصولها على الجواز الأوربي لزيارة قبر حافظ الأسد هناك قصص وحكايا، منها ما يوتر الأجواء بين الأكراد من جهة وبقية السوريين من جهة أخرى …، ومنها ما يثير لعاب نصابي العمل السياسي وبزنسزه على تقديم الوعود. وهنا على الأكراد أن يعوا أن من يقدم لهم أية وعوداً تخرج عن أطر المساواة في حقوق المواطنة وممارسة الحقوق الثقافية كاملة فإنه يكذب عليهم لاستخدامهم كمطية سياسية.
على أية حال، وإن يكن كل شيء يشير إلى أن القضية ستبقى مثاراً للجدل على المدى المنظور، لا بد من أن يدرك الكردي وغير الكردي في سوريا أن النظام السوري يعتاش على التفرقة في البلد ومن مصلحته خلق التوترات التي تؤدي لتدمير سوريا في حال تهددت سلطته، وكما لم يكن هناك مشكلة كردية في سوريا قبل البعث فإن ما يحلم به واحدنا بالحد الأدنى هو ألا يكون هناك تناحر في المستقبل على أساس قومي، بل ونطمح أن يرى كل السوريين بمن فيهم الأكراد مشكلتهم ضمن الإطار السوري العام وأن مسألة المواطنة والمساواة هي الأساس لعملهم ضد النظام الطاغي. كما على السوريين الأكراد والعرب وغيرهم ترميم جسور الوئام بين بعضهم لا بتر أسس العمل المشترك ضد النظام الذي خلق التوترات فيما بينهم. وخلاف ذلك يعني في هذه المرحلة ضياع جهد الأكراد وخسارة الشعب السوري ككل لجهدهم في النضال ضد النظام الحاكم.
مقوضات، وإشارات مخطئة:
هجرة الشباب: أدى قمع السلطة وثقافة الخوف مزاداً إليها عجز المعارضة عن اكتساب ثقة الشارع إلى قولبة الأجيال الشابة في سوريا بشكل تبدو فيه غير معنية في عملية التغيير (سنبحث في ذلك بمقال منفصل لاحق)، كما وأصبح كل منهم يبحث عن الحلول الفردية. وإن كانت السلطة القمعية أدركت مبكراً أهمية دور الطلاب ومنعت العمل السياسي في صفوفهم منذ السبعينات فإنها الآن تشجع بشكل أو بآخر هجرة الشباب وتفريغ البلد منهم لأن عجزها عن تأمين أعمال لهم يعني اكتظاظ البلد بمن هم نواة لمعارضة فتية. وللأسف، يراقب الجميع طوابير طلاب الهجرة الشباب أمام السفارات بصمت العاجزين (أو المتآمرين) دون أن يقف من يتكلم عن خطورة هذا الأمر ويوضح لهم أن الحل لا في الهجرة ولا خارج البلد بل في البقاء في الداخل والعمل المنظم لتحقيق طموحاتهم، فالكنز الحقيقي يكمن في الداخل (في ظل وجود نظام ديمقراطي يساوي بين الجميع ويوزع الثروة بعدل بينهم،علينا أن نعمل جميعاً، شباباً وشيباً، من أجل هذا البديل المنشود) وأما الهجرة والغربة القسرية المستمرة فتعني اقتلاع من الجذور وضياع في اللامكان.
ثنائية الداخل والخارج: يدرك حكام دمشق أن الصوت المعارض في الخارج بمنأى عن قمعهم ويصعب عليهم إخماده بنفس الطرق التي يتبعونها مع المقيمين في الداخل (كالسجن أو القتل) ولهذا أرادوا بعد قتل ما سمي “ربيع دمشق” إغناء قاموسهم القمعي بمفردات جديدة لتخوين المعارضة الواقعة خارج سيطرتهم القمعية. من الغريب حقاً أن تتبنى معارضة الداخل نفس اللغة وتصر على أن لا دور في العمل ضد النظام إلا للداخل (وكأن عملهم يهز كرسي الأسد!)، ومن الغرابة أكثر أن بعضاً منهم يصر على تكرار مثل هذا الكلام في الوقت الذي تجعل فيه السلطة من لقاء بضعة أشخاص في الداخل أمراً في غاية الصعوبة وتحت طائلة الاعتقال! والحال هكذا، يتوجب طرح السؤال عما إذا كانت المعارضة قد لبست ـ وهنا أيضاً ـ دور النظام وقمعه وتقمصت لغته؟ أم أنها “الهرمية السياسية”؟ ويا للسخرية أن ينجح النظام بتحديد أقنية تفكير المعارضة عبر التخويف والترويض والتدجين! بالطبع، لا أحد يستطيع إلغاء الآخر ولا أحد (من المعارضة الحقيقية) يتطلع إلى “مكاسب” أو “غنائم” تأتي من معارضة النظام، بل على العكس، لو كانوا في الداخل قادرين على العمل الناجع والفعال لوقفنا نصفق طرباً وفرحاً وفخراً بهم ولكن المسألة ليست كذلك. والوضع النموذجي في ثنائية الداخل والخارج هو التنسيق والتعاون لإكمال البعض.
ومن الأخطاء الجسيمة الأخرى للمعارضة هي أنها أحياناً لا تدرك أبعاد إشاراتها أو متى تكون تلك الإشارات مقوضة للعمل وتفيد، بشكل أو بآخر، السلطة، حتى وإن كان ذلك لا يتعلق بشكل مباشر بسوريا. فالموقف المهلل للعنف الذي يجري في العراق يوضح الرسالة الغلط الناضحة عن ذهنية العنف التي ترى في من يقتل العشرات (بمن بينهم المبتهجين لفوز منتخب بلادهم) مقاومة للاحتلال يقوي، بدوره، من موقف نظام الأسد في دمشق ويوضح للعالم، إضافة، التعاطف مع “الإرهاب”؛ بل والكلام عن “تكسير المؤامرات الامبريالية على صخرة الصمود العربي” لا يفيد إلا النظام ويزيد في ترسيخ الصورة التي يريد النظام ترسيخها للعالم والتي تجعل منه الأفضل مقارنة بهؤلاء، وبالطبع سيصدق العالم نظام الأسد لأنه مجرب ومعروف جيداً فهو لايريد أكثر من رضا العالم عنه، ولا يتجرأ على ما هو أكثر من الكلام الموجه للاستهلاك المحلي من قبل الشارع السوري والعربي ويلعب دور تنفيسي في نهاية المطاف. بمعنى آخر، أن من يقول إنه سيحارب الأمريكان فهو يضحك من نفسه فقط ويعطي صورة للعالم أنه نواة إرهابي.
وماذا بعد؟
في استعراضنا السريع للمشهد السوري لم نجامل أحدا وإنما كنا منتقدين ونعلم أن كلامنا سيزعج الكثير (وبنفس الوقت سيفرح الكثير ممن يرون ما نرى وينتظرون ما ننتظر). من ناحيتي، أعتقد أنني أفعل ما هو مناسب وما هو من واجبي التركيز عليه وذلك من أجل سوريا، وانتقادي ليس بقصد التشهير بهذا أو الانتقاص من ذاك وإنما حرصا على العمل في سوريا وعلى الشعب السوري، وأتمنى ممن لا يروقه كلامي أن يأخذه بروح قريبة من تلك التي تكلم عنها الدبلوماسي (ورجل الدولة، المخترع والصحافي) الأميريكي بنيامين فرانكلين (1706– 1790) عن أن “نقادنا هم أصدقاؤنا لأنهم يظهرون لنا أخطاءنا” ولا شيء آخر. من ناحية ثانية أهدف إلى طرح سؤال وماذا بعد؟ أو أين نذهب من هنا؟ فالمعارضة، قبل وبعد موت حافظ الأسد، تخطئ في التقدير وفي العمل. السلطة الحاكمة تفعل كل ما تستطيع من أجل البقاء على الوضع الراهن، ولكن، بمقابل ذلك، ماذا نفعل نحن من نعاني الأمرين من هذه السلطة ولنا مصلحة في التغيير؟ نحن شعب مظلوم، مضطهد، مسروق، مقموع، مهمش، مستلب ونحن أصحاب حق مشروع وعادل وليس لدينا ما نخاف منه، أو عليه، وليس لدينا ما نخسره ـ إلا قيودنا، بل علينا الإصرار على الوصول إلى حقوقنا بالعيش أسوة ببقية شعوب الأرض في عالم اليوم. لكن، أن نكون أصحاب حق فهذا شيء وأن نعرف أين نسير وماذا نفعل لنيل حقنا فهو شيء آخر، إذ علينا أن نعرف كيف نحدد حقنا ونبينه ـ ونبرزه للعالم ـ وماذا نريد وماذا نحتاج للوصول إليه و إلا فطريق جهنم مليء بذوي النوايا الحسنة. فالصراعات الجانبية تعيق العمل، والتشرذم يقتل أصحابه، والإلغاء والإقصاء وزيادة الدكاكين السياسية يفيد آل الحكم وهم يشجعونه سراً وعلانية. أن نقول “سنقتل النصيريين الكفار الذي يحكمون البلد” فهذا يؤخر ويعيق من العمل ويطيل من عمر النظام الحاكم ويكفي أن نلقي نظرة على تفاصيل التشكيلات الاقتصادية التي تعيث في الأرض فساداً وتخريباً (مثل شركة شام القابضة وغيرها…) لنعرف أين “العلويين” أو”النصيريين” ـ إن شئتم ـ من حكم سوريا. النظام السوري شحن الناس وأعد سوريا لتكون إما وجوده مسيطراً بها، وعليها، وإما الخراب والتجزئة والاقتتال يعمها فماذا تقولون أنتم ولماذا تعدون أنتم؟ إن بقينا على ما نحن عليه من تفكير وطرائق عمل فالحكم الطاغي مستمر والزمن يسبقنا وقضيتنا قد تسقط بالتقادم وأهل الفساد يتنعمون بما سرقوه منا ويستثمرون به في كل مكان من العالم ـ إلا في سوريا نفسها ـ فإمبراطورياتهم المالية و”الاستثماراتية” ممتدة في كل مكان من أوربا الغربية والشرقية إلى أمريكا وحتى إلى دول الخليج العربي. أقول، وبكل أسف، أن قضيتنا قد تسقط بالتقادم لأنني أرى بوادر تمييعها بدءاً من محاولة تنصيب رموز الفساد على رأس قيادة المعارضة (بدلاً من محاسبتهم) ومروراً بمحاولة تبرئة ذرية آل الحكم من جرائم آبائهم وليس انتهاء بالتمنطق بأن الهدف حصراً هو “محاربة الفساد” (بتناس متعمدً أن لا فساد بدون فاسدين..)، وأقول أيضاً أن قضيتنا ستسقط بالتقادم ـ إن بقينا هكذا ـ فقد يأتي اليوم الذي لا يوجد من يرى أن هناك قضية في الأساس، فالأجيال الجديدة لا تعي أكثر مما يلقنها به النظام.. ومن في الخارج يكبرون وهم مكتوفي الأيدي وأولادهم أولاد الوسط الذي يعيشون به أكثر مما هم أولاد سوريا، وعندما يموت واحد منا في الخارج نبحث عن الكلمات لنرثيه بها ونندب أن تراب الوطن لم يحتضنه، أو ننتظر موافقات السفراء وفي بعض الأحيان موافقة القيادة في دمشق على السماح لجثة المتوفي (وبكلفة ـ نقل حديثاً أنها ـ بلغت المليون) أن تعود ليحتضنها “تراب الوطن”.
الجلوس في المقهى للدردشة السياسية ليس عملاً معارضاً، وكتابة مقال في الانترنت لن يسقط بشار الأسد من عرشه… والحل أكبر من أن يطرحه شخص أو أن يحمله مقال، والسير على طريق إيجاده يقتضي نسف طرائق العمل التي أدت إلى أخطاء الماضي والحاضر واعتماد ما من شأنه التمهيد لحوار من أجل عمل جماعي لا يستثني أحداً و”يراعي الجميع” ويمهد لجبهة عريضة تضم كل الأصوات من أجل العمل الوطني الذي يجعلنا رقماً في العمل الوطني يراه العالم ويخشاه النظام.
الامتحان السوري الصعب
الا يحق للاكراد بالتفكير بدولة تجمعهم او ان يحلموا بكردستان كما العرب يفكرون بالوطن العربي الاكراد سوريون واثبتوا ذلك على مدى التاريخ ولكنني اعتقد بان 40 مليون كردي يحق له تقرير مصيره
الامتحان السوري الصعب
مقالة موضوعية تسمي الاشياء بمسمياتها
مقالة تستحق الوقوف عندها لما لها من دلالات واضحة المعالم
مقالة تنم عن وعي سياسي ونضوج انساني واخلاقي
اهنئك على هذه الافكار التي اجد فيها مبادرة جديدة للتفاهم بين جميع اقطاب المعارضة
لكن بعد ان يعتذر الجميع (ممن تحوم حولهم الشبهات) عما ارتكبوه وما زالوا
نحن بحاجة الى تنوع الاقلام لكن ان يكون الهدف صائب
واعتقد ان مؤتمر جبهة الخلاص ميت قبل ان يولد
عل الذين سيشاركون فيه (وهم قلة قليلة جدا) يدركون هذا الامر