لا يفيد الاجتماع الذي انعقد قبل ايّام في القصر الجمهوري في بعبدا مع ممثلي مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان في شيء. لا يقدّم الاجتماع ولا يؤخر بمقدار ما يظهر ان لا وجود لقيادة سياسية لبنانية على تماس مع الواقع.
يبدو تأكيد الانفصال عن الواقع النقطة الايجابية الوحيدة للاجتماع. لم تجد هذه القيادة التي تريد تحميل مسؤولية الانهيار الحاصل لسياسات مورست في الثلاثين عاما الأخيرة، أي منذ العام 1990، ما تستند اليه سوى مؤتمر “سيدر”. انعقد هذا المؤتمر في باريس في نيسان – ابريل 2018 قبل شهر من موعد الانتخابات النيابية وخصّص مساعدات للبنان بقيمة احد عشر مليار دولار.
ربط المؤتمر الذي ما كان لينعقد لولا سعد الحريري، رئيس الحكومة وقتذاك، بين المساعدات وإصلاحات اقتصادية على كلّ المستويات. الاهمّ من ذلك انّه شدّد على الشراكة بين القطاعين العام والخاص. من لا يعرف ذلك يستطيع العودة الى معنى كلمة cedre ولماذا اختيرت هذه التسمية للمؤتمر. تعني التسمية “المؤتمر الاقتصادي من اجل التنمية عن طريق الإصلاحات والشراكة مع المؤسسات” الخاصة. إذاً، هناك ركيزتان لـ”سيدر”. الاولى الإصلاحات والآخرى الشراكة بين القطاعين العام والخاص. معروف وضع القطاع العام في لبنان الذي وجد نفسه في حال يرثى لها. امّا بالنسبة الى القطاع الخاص، هل من وجود يذكر لهذا القطاع بعد انهيار النظام المصرفي؟ أي شركة او مؤسسة خاصة ستقوم لها قيامة بعد توقف النشاط المصرفي والتحويلات الى الخارج؟ أي لبناني او عربي او اجنبي سيستثمر في لبنان في وقت لا يوجد من يقول للمودعين، الصغار والكبار، ما مصير أموالهم في المصارف؟
لا يوجد من يقول للبنانيين لماذا لم يجد رئيس الجمهورية ما يستنجد به غير مؤتمر “سيدر” الذي لم يعد من مجال لتطبيق مقرراته؟ لماذا لا يحدّد من عرقل أي إصلاحات في السنتين اللتين مرّتا على انعقاد مؤتمر “سيدر”؟ لماذا كان كلّ ذلك التأخير في تشكيل حكومة بعد انتخابات ايّار – مايو 2018 ولماذا كان ذلك الإصرار لدى “التيّار الوطني الحر” على تجاهل انّه فشل فشلا ذريعا في ملفّ الكهرباء وملفّات غير الكهرباء، وانّه مسؤول عن تراكم الدين العام في السنوات العشر الأخيرة بسبب الكهرباء تحديدا.
هناك كلام كثير لا فائدة منه صدر عن رئيس الجمهورية ميشال عون وعن رئيس مجلس الوزراء حسّان دياب عن حاجة لبنان الى مساعدات وعن إصلاحات قامت بها الحكومة اللبنانية. كلام من النوع الشعبوي الذي يكشف عجزا عن تحمّل المسؤولية قبل ايّ شيء. ماذا يفيد اثارة موضوع اللاجئين السوريين في لبنان في هذه الظروف؟ هل من هدف آخر غير اثارة الغرائز، خصوصا لدى قسم من المسيحيين الذين يتمتعون بقدرة عالية على رفض التعلّم من تجارب الماضي؟
يرفض العهد الحالي في لبنان وهو “عهد حزب الله” مواجهة الحقيقة المعلنة والمتمثّلة بان النظام السوري هو من يمنع السوري من العودة الى بلده لاسباب ذات طابع مذهبي من جهة وتغيير التركيبة الديموغرافية لسوريا ولدمشق ومحيطها تحديدا من جهة أخرى.
ذهب رئيس مجلس الوزراء الى الحديث عن تنفيذ حكومته نسبة 57 في المئة من الإصلاحات المطلوبة. ليس معروفا عن ايّ إصلاحات يتحدّث ولماذا 57 في المئة وليس 56 او 58 في المئة. ليس معروفا، على وجه التحديد، ما هي المقاييس التي اعتمدها حسّان دياب لاعتماد نسبة 57 في المئة وما اذا كانت تلك النسبة تفيد في شيء من اجل الحصول على مساعدات تخرج لبنان من حال الانهيار التي وجد نفسه فيها؟ ثمّة من اقترح ان يسوّق حسّان دياب اختراعه المتعلّق بتحديد نسبة الإصلاحات في لبنان ليصبح مادة تدرّس في كبرى الجامعات في العالم!
بعيدا عن الكلام ذي الطابع الفولكلوري من نوع كلام رئيس الجمهورية عن بدء استكشاف النفط وعن انتشار وباء كورونا وتأثيره على العالم، يبدو من الأفضل لو يواجه “عهد حزب الله” في لبنان الواقع عبر التعاطي مع موازين القوى القائمة في المنطقة والعالم. هناك موازين قوى لا يمكن تجاهلها وهي تعني اوّلا ان ازمة لبنان ذات طابع سياسي قبل ان تكون ازمة اقتصادية. باختصار شديد، لا يمكن للبنان تجاوز مرحلة الانهيار وتفادي كارثة اكب في ظلّ هيمنة “حزب الله” على البلد وتحويله الى بلد غير عربي تابع لايران.
هناك مصدران للمساعدات. هناك العالم، أي اميركا، وهناك العرب الذين تتضاءل قدرتهم على المساعدة يوميا في ضوء هبوط أسعار النفط.
عندما يغيب المنطق يصبح كلّ شيء ممكنا، بما في ذلك الاعتقاد ان في الإمكان القيام بإصلاحات عن طريق حكومة مثل حكومة حسّان دياب وان العالم والعرب سيساعدان بلدا يتحكّم به “حزب الله” الذي ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الايراني.
عش دهرا ترى عجبا. ترى من يريد حجب نور الشمس عن طريق غربال!