(الصورة: جزء من لوحة للفنان السوري “خالد الخاني”)
حين تدرك حقيقة أنّكَ تمارسُ حقّك الإنسانيّ كاملاً في الاختيار، ستعرف أنّك تملكُ قدرتكَ على صناعةِ أسلوبك في الحياة. وستعرفُ لاحقاً أنّ الاختيار أصل الوعيّ وجوهر التفكير وأساس التكامل.
وهل يتكامل الإنسان عبر الاختيار؟
تأكيداً أنّه يفعل هذا من أجل ذاك. أيَّ أنّه يسعى إلى التكامل عن طريق الاختيار، ويفعله سعيداً أيضاً. لأنّ جزءاً من سعادتهِ يحقّقه التكامل له دائماً. فالتكامل في تفكيرهِ يعني استحواذهِ على اختياراته بمحض حريّته وإرادته، وبِفعل حقّه الإنسانيّ في الحياة أولاً وأخيراً. إنّه يعرف أنّ التكامل هو الآخر أسلوبٌ في بناء السعادة. سعادته التي يجدها سعياً واثقاً وشغوفاً نحو تعالقاتهِ المثمرة مع اختياره وتفكيرهِ واستنطاقاتهِ وأفكارهِ، ويجدها في الوقتِ ذاته أسلوبه البديع في رعاية ما يملكه من وعيّ التكامل وإرادة الفهم وحريّة المعنى.
وأن تحيا وفقاً لأسلوبك الذاتيّ في الحياة، قد يعني تأسيساً فهمكَ الواضح لِطريقتكَ المستقلّة في فهم ما تريده أنْ يكونَ تكاملاً في ذاتك. التكامل الذي تستجمع من خلالهِ ما تملكُ من قدرة التفكير ورزانة النقد وجرأة السؤال ومهارة التحديق، لكي تستطيع أنْ تعرفَ أنّك مدركٌ تماماً لِحقّك الكامل في فهم ما تريد وفقاً لِذاتكَ في فهم المعنى من وجودها على قيد الاختيار الحرّ. وهوَ المعنى الذي يمنح حقّكَ هذا مزيداً من حريّة التكامل والفهم والتعالق والتغيير والتّحوّل.
وأنّكَ لا تتكامل في منظومة ذاتكَ إلاّ لأنّكَ مسكونٌ على الدوام بِشغف التّواصل مع كلّ ما تريد أنْ تتواصل معه في المستوى نفسه من الشّغف والحبّ والتعالق الملهم. إنّه تواصلكَ الذي تعرفُ من خلاله أنّك تتكاملُ جميلاً في ذاتك، وتعرفُ أنّك من غير هذا التواصل تفقد متعة المعنى من اختيارك وأسلوبك وطريقتك. وتعرف جيّداً أنّ تواصلكَ هذا مع كلّ ما يجعلكَ توّاقاً إلى تجلّياتك وتفلسفاتك وتخلّقاتك، وحده الذي يبعثكَ ساعياً شغوفاً متطلّعاً إلى استنطاقاتكَ وتساؤلاتكَ وافهاماتكَ وتكاملاتك.
ومَن يتكاملُ في ذاته، يتكامل بِالمستوى ذاته في صناعة الحياة المتنوّعة والطَّليقة والحرَّة، لأنّه يرى أنّ الحياة لا يُمكن لها أنْ تكونَ كذلك إلاّ وهيَ تتكامل جمالاً وألقاً وتطوّراً وتجدَّداً في عبقريّات الفنون اللامعة وفي تجلّيات الأفكار المبدعة والمدهشة، وفي الفسيح من الدهشاتِ والتخلّقات والتلوينات. إنّه أصبح يعرفُ جليّاً أنّ الحياةَ حينما يتمُّ وضعها تحت الفروضات الخانقة وتحت تعاليم المعتقدات البائسة وتحت وصايا الثقافة القامعة للتنوّع والحريّة، لا يُمكن لها أنْ تتكامل، وسرعان ما تختنق بالانسدادات والمعوّقات الهالكة تلك. لذلك يجد دائماً أنّ ذاته التي تتكامل هنا وهناك، تتكامل بِالقدر نفسه في الحياة البديعة والفسيحة والحرَّة وتتكاملُ تنوّعاً في شساعتها الطَّليقة.
وأولئك السَّاعونَ إلى ترسيخ طريقتهم وأسلوبهم المتمايز في حياتهم. الأسلوب الذي يجدونه يتعالق كثيفاً مع تفكيرهم وتجلّياتهم، هو ذاته الذي يسعونَ إليه تكاملاً وحبَّاً. لأنّه الأسلوب الذي يستجلي فيهم أجمل ما يجدونه داخلاً في ذواتهم، وهو الأسلوب ذاته الذي يعتني كثيراً بالجوهر في عقولهم. إنّهم في مسعى التكامل لا يلتفتونَ إلى الضّجيج هنا وهناك ولا يلتفتونَ إلى خرائب الأفكار وصخب الأضواء الباهتة وفوضى الأحداث العابرة وانفعالات الأدلجات الخانقة، ولا إلى ثرثرة الشعارات الفارغة. إنّهم يعتنونَ جيّداً بسلامة عالمهم الداخليَّ، تلك السَّلامة التي تضمن لهم دائماً الاعتناء بِجوهر العقل الإنسانيّ والمضيُّ تخلّقاً إلى ذواتهم وإلى اكتشاف منابع التكامل فيها.
وما أنْ تشعر بِحريّتكَ في تكاملك، حتىّ تجد أنّك قد انعتقتَ كاملاً من لعنة التعقيدات البائسة ومن شرور الانزلاقات الهالكة، لأنّك في هذه الحالة تكونُ قد انسجمتَ تماماً مع انسيابات الإلهام الذاتيّ في أعماقك. تلك الانسيابات الملهمة للتجرّد والخَلق والتّفتّح والتحوّل، والتي من شأنها تأكيداً إنْ تبعثكَ حرَّاً في معانيك وطليقاً في دهشاتك وأفكارك، ومتخفّفاً من أثقالك ومُبصراً في افهاماتك. ففي حريّتك أساس تكاملك وفي تكاملك أصل حريّتك. إنّهما يتخلّقان في مخاض الفهم والشغف والتّبصر، ويتعالقان إبداعاً في تجلّيات الإلهامات الحرَّة والخلاّقة.
وفي معراج التّكامل كم يجهد إنسان العقل الحرّ إلى أنْ يتعافى من كلّ تلكَ التّرسبات التي من شأنها أنْ تعيقه عن المضيّ في تكاملاته الحرّة بين ما يفكّر فيه، وما يريد أنْ يفكّر فيه أيضاً، وبين ما يجدهُ انشغالاً خلاّقاً في وعيهِ وفي تبصُّراته وتساؤلاته. إنّه هنا يتقصَّد وعياً في التكامل ما بين فكره الحرّ، وبين كلّ تلك المساحات التي يجترحها تفكيراً وتساؤلاً واستنطاقاً في انشغالات عقله. أنّه أمسى يعرفُ مدركاً أنّ طريق التّعافي يضعه تالياً في صميم فلسفة التّكامل، لأنّه عندما يتجاوز كلّ ما كان يعيقه فإنّ ذلك يجعله أقربُ كثيراً إلى تعالقاته الحرَّة والملهمة مع كلّ ما يتّسع له عقله من تنوّرٍ وتفكّرٍ وتبصَّرٍ وتجلٍّ وتفهّم.
وإنّكَ تتكامل فهماً، لأنّكَ تتكامل حرَّاً في إرادتكَ التفكيريّة. فالفهم والتفكير يتكاملان في إرادةٍ حرَّة. إنّكَ تكون في فهمك مُبصراً ومتسائلاً ومحدقاً، لأنّكَ في تفكيركَ تكونُ حرَّاً ومتحرّراً. وأنّكَ تملكُ فهمك وتفكيرك لأنّكَ تملك إرادتك الحرَّة. حينها تعرفُ اقتناعاً أنّك في الفهم مُدركٌ بِإرادتك، وفي التفكير متفكّرٌ بإرادتكَ أيضاً.
وتعرفُ أنّكَ في مخاض التكامل تتجلّى تغييراً وتطوّراً ووعياً وفهماً، حين تشعر أنّكَ مدركٌ لحقّكَ الجوهريّ في صياغة طريقتكَ وفقاً لإنسانيّتكَ في شعورك الدائم بّأنّك في أصل وجودكَ عليكَ أنْ تعرف أنّكَ تريد ما كنتَ تريده، وأنّكَ تسعى إلى ما كنتَ تسعى إليه. وهذا ما يجعلكَ تعتقد أساساً أنّكَ في تكاملك تتكامل إنسانياً. ذلكَ لأنّ تكاملكَ إنسانياً يعني أنّكَ في طريقتكَ واختيارك تعرفُ أنّ الحياة دائماً ما تنجو من كارثة الانسداد والتعصَّب والانغلاق والموت حين تتكامل جمالاً إنسانياً في صياغات الحريّة والتنوّع والحبّ والفهم والانفتاح.
ومَن يستطيع أنْ يمنح مِن تكاملهِ تكاملاً في مستويات تأمّلاتهِ التفكيريّة والتساؤليّة والنقديّة، يستطيع في الوقتِ ذاته أنْ يجترح طريقته في دروب الفهم والتبصَّر. إنّه يعرف أنّ هناكَ ثمة تكاملاً ما بين تخلّقاتهِ في مستويات التفكير والتساؤل والنقد وما بين انشغالاتهِ العقليّة في تدرَّجات الفهم والتبصَّر. وأصبح يشعر مستمتعاً أنّ أجمل ما يربط بينهما هو ذلك الحبَّ الشغوف الذي يبقيهما متوهجيْن في أعماقه بالعطاء والتكامل والارتقاء والتعالق والتجاذب.
وفي مسعى التّكامل أنتَ دائماً ما تحاولُ أنْ تحتفظَ أمام نفسكَ وفي نفسكَ بانتصاراتكَ هنا وهناك في ميدان العقل، لأنّك ترى فيها متعتكَ التي تجعلكَ منتبهاً ومتحمّساً إلى طريقتكَ وهي تتماسكُ فهماً وتفكيراً وتنوّراً في معراج التكامل. وذلك ما يجعلها بعيدة عن الوقوع في هاوية الأشياء الجامدة والمتراجعة والخاوية والمائعة. ويجعلها في الوقتِ ذاته مفعمة بِالحماسة المتوهّجة. تلك الحماسة العاقلة والنّاضجة والملهمة، لأنّها قادرةٌ على خلق المتعة في انشغالات التفكير والتساؤل والفهم. إنّها الحماسة الباعثة على المتعة. متعة العقل في قدرتهِ الذاتيّة على اكتشاف منابع الدهشة والسحر والشغف والابتكار في مستويات التّكامل.
وكيفَ تعرفُ أنّكَ في صميم تكاملكَ تملك دائماً حضور عقلك وذاتك وفهمك.؟ إنّكَ ستعرفُ ذلك جيّداً، لأنّكَ في كلّ مرَّةٍ وأنتَ تحضر جلّياً في مستويات عقلك، تعرفُ واثقاً من أنّه عقلك الذي تتركه في كلّ حين يمضي حرَّاً هنا وهناك إلى أقصى ما يريد. إنّكَ في كلّ ذلك تريد أنْ تعرف كيف عليكَ أنْ تحضر شغوفاً في عقلك ومالكاً حضوركَ في حضور ذاتك الحرَّة، لكي لا يصيبكَ مِن جمود الواقع هنا وهناك شيءٌ من الوهن أو التراجع أو الضّجر. وتعرفُ أيضاً أنّ ما يجعلكَ حاضراً مفكّراً وملهماً في عقلك وذاتك وفهمك هو سعيكَ الجديد والمتجدّد إلى اكتشاف معنىً آخر للحياة. المعنى الذي ربما لم تعرفه أو لم يخطر في بالك من قبل ولم تستطع الوصول إليه، وهو المعنى الذي ينجيكَ من هشاشة المعاني الجامدة، ويمنحكَ تكاملاً في حضور ذاتك وعقلك وافهاماتك الحرَّة.
وكلّما أحسستَ بِأنّك لا تستطيع أنْ تجد ذاتك في توهّجات القلق المعرفيّ، ستدركُ سريعاً أنّك لا تزال متوقّفاً عند نقطةٍ ثابتة وتبقى تدور حولها، ودائماً ما تنتهي إليها، وهكذا لا تستطيع أنْ تكون بعيداً ومتحوّلاً في أسئلتك وتفكيرك وفهمك، وتبقى تُعيد على نفسك كلّ ما تجده جاهزاً ومعتاداً وشائعاً. ولذلك وحدها معارج التكامل في فلسفة الخَلق تستطيع أنْ تضعكَ مستفهماً ومفكّراً في مستويات القلق المعرفيّ، والذي بدورهِ يدفعكَ دائماً إلى امتلاك مهارة استخلاص منابع الدهشات والتخلّقات والتّفنّنات من رحابة الأفكار والتساؤلات التي تخوضُ غمارها هنا وهناك في فسحات معرفيّة، تخرجُ حرَّةً وخلاّقة إلى آفاقها المتمرّدة على أوهام البدايات والنهايات.
وتعرفُ مدركاً بِأنّك تملك طريقتك واختياركَ في أفق التّكامل حين تستطيع أنْ تتلمّس مبصراً مستويات ذاتك في مخاضات الخَلق. الخَلق الذي يعني أنّك تجد فيه طريقتك الشغوفة وأسلوبك الحرُّ. عاشقاً لِوجودكَ في شهوة الإبداع. وهو الخَلق الذي يجعلك وافر الحركة وصانع اللحظة وسيّداً على نفسك، وأنتَ في كلّ هذا تملكُ أنْ تلهم الذاكرة بدائع تجربتكَ الحرَّة. وتعرفُ كثيراً أنّ الخَلق في انشغالات التكامل يعني وجودكَ في صميم ذاكرتك المعرفيّة وفي تخلّقات تساؤلاتك واشتهاءات حلمك، وفي ذلك الضوء الذي تجده يأتي باهر الحضور ويرافقكَ إلى أبعد ممّا تريد أو تتوقع ربما، لأنّه ضوء التّكامل في سؤال الخَلق.
وفي انشغالات التّكامل أنتَ تتعافى دائماً من عثراتك وهنّاتك وتراجعاتكَ هنا وهناك. لأنّكَ لا تستطيع إلاّ أنْ تفكّر، ولا تفكّر إلاّ لأنّكَ تملكُ من حريّتك رصيد التجربة ومن ذاكرتكَ سؤال الفهم ومن وجودكَ اجتراح الأسلوب. وتعرفُ جيّداً بأنّكَ تكون أكثر حريّةً حين تستطيع أنْ تكونُ أكثر وجوداً في مخاضات التكامل، وتعرفُ بِأنّكَ تكونُ أكثر وجوداً حين تستطيع أنْ تتخلّق كثيراً في حريّتك. ففي التكامل أنتَ أكثر وجوداً لأنّكَ أكثر حريّةً وأكثر حريةً لأنّكَ أكثر وجوداً. هذا المعنى يفضي بكَ دائماً إلى التعالق الخلاّق مع طريقتكَ في أسلوب التّعافي.
وفي أكثر لحظاتكَ تداخلاً مع تدفقات ذاكرتك وفي أكثرها انسجاماً مع اختياراتكَ، ستدركُ جيّداً المعنى من كونكَ تملكُ حضورك الشاخص في مستويات تكاملك. إنّه حضوركَ الذي يُخبركَ في كلّ مرَّةٍ عن مدى أهمية أنْ تكون متعالقاً مع حقيقتك في تموّجات التكامل. لأنّكَ هنا تتقصَّد كثيفاً في معرفةِ أنْ تجد حقيقتك تتماثل فكراً وتفكيراً وفهماً وتبصُّراً مع اختيارك وطريقتك، وتتماثلُ أيضاً إبداعاً مع تجلّياتك وانفعالاتك. وستدركُ لاحقاً إنّكَ لا تستطيع إلاّ أنْ تجد ذاتكَ في ما وجدتَ فيه تكاملك.
Tloo1996@hotmail.com
كاتب كويتي