انعقدت بالمغرب ما بين 5 و 8 نونبر الحالي الدورة 76 للجمعية العامة الدولية للشرطة الجنائية ( أنتربول ) . ولعل الظروف الدولية التي أحاطت بتأسيس هذه المنظمة قننت عملها وحصرته في مكافحة الجريمة المنظمة دون التركيز على الإرهاب . إذ تنص المادة الثانية من الميثاق الأساسي لهذه المنظمة الدولية على تأمين وتنمية التعاون المتبادل بين كافة سلطات الشرطة الجنائية ، ثم إنشاء وتنمية المؤسسات القادرة على المساهمة الفعالة في الوقاية من جرائم القانون العام وفي مكافحتها . وباعتبار الإرهاب معطى جديدا لم يكن شاغل الأنتربول عند التأسيس ، فإن نشاط هذه المنظمة في مكافحة الإرهاب يظل قاصرا لاصطدامه بالعوائق القانونية والسياسية .
1 ـ بخصوص العوائق القانونية : تنص المادة الثالثة من ميثاق المنظمة على التالي ( يحظر على المنظمة حظرا باتا أن تنشط أو تتدخل في مسائل أو شؤون ذات طابع سياسي أو عسكري أو ديني أو عنصري ) . الأمر الذي يؤثر سلبا على نشاط المنظمة في مجال مكافحة الإرهاب ، إذ بالإضافة إلى إشكالية تحديد مفهوم الإرهاب والتمييز بينه وبين أشكال المقاومة التي تلجأ إليها الجماعات والشعوب الخاضعة للاحتلال ، هناك عوائق قانونية تحول دون نجاعة الأنتربول في تعقب الإرهابيين. وفي هذا الإطار يمكن التذكير بالمعطيات التالية :
أ ـ أن القوانين الجاري بها العمل داخل بريطانيا توفر الحماية للإرهابيين أكثر مما تحاربهم . بل إن التشريعات البريطانية تشل يد الحكومة وتمنعها من تسليم الإرهابيين لبلدانهم الأصلية ، فكيف لها ، والحالة هذه ، أن تسمح للأنتربول بملاحقة الإرهابيين . وبسبب هذه التشريعات التي تحمي الإرهابيين :
+ رفضت بريطانيا أن تسلم محمد الكربوزي أحد الإرهابيين المحكوم بعشرين سنة غيابيا على خلفية أحداث 16 مايو الإرهابية . ولا زالت توفر له الأمن والمأوى ، وكذلك الحال بالنسبة لأمراء الدم وفقهاء الكراهية أمثال أبو قتادة وهاني السباعي وعمر بكري وعبد المنعم مصطفى المعروف بالطرطوصي ومصطفى كامل مصطفى المعروف ب :” أبو حمزة” وغيرهم .
+ تدخل مجلس اللوردات البريطاني للضغط على الحكومة البريطانية قصد تعديل قانون مكافحة الإرهاب الذي يعرف باسم «الاحتجاز من دون أدلة» والذي صدر بعد شهرين من هجمات 11 شتنبر .
+ صدور قرار من أعلى محكمة بريطانية يقضي بعدم شرعية قانون مكافحة الإرهاب .
+ عجز رئيس الوزراء البريطاني السابق ، توني بلير ، على تعديل القوانين التي تحمي الإرهابيين ـ شيوخا كانوا أو منفذين محتملين . وفسر بلير عجزه كالتالي ( إن جزءا من المشكلة في الماضي كان أننا نريد ترحيل هؤلاء الأشخاص لكننا لم نكن نستطيع القيام بذلك لان الدول التي نريد إعادتهم إليها قد لا تحترم حقوقهم بشكل كاف ) . وهذا ما جعل وزير الداخلية البريطاني السابق ، جون ريد ، يوجه اللوم للقضاة ودعاة الحقوق المدنية ومجلس اللوردات، بعد أن اتهمهم بتكبيل يدي الشرطة في التعامل مع المشبوهين الخطرين في قضايا إرهابية.
ب ـ إن الإرهابيين والمتطرفين يمارسون أنشطتهم بأمان وهم على يقين من أن القوانين البريطانية تحميهم من الاعتقال أو الترحيل . وهذا ما نلمسه من تصريح الأصولي المصري ياسر السري الذي قال فيه ( إن هذه الاتفاقية لا تنفذ إلا إذا حصلت بريطانيا علي ضمانات بعدم التعذيب، وقد فشلت هذه الاتفاقية مع السويد ) .
ب ـ أن مخاطر الإرهاب التي تهدد بريطانيا والدول الأوربية في تصاعد . وهذا ما أكده جوناثن ايفنز مدير جهاز الاستخبارات البريطاني (ام. اي5) يوم 5 نونبر الجاري ،من أن عدد الأشخاص الذين تم إحصاؤهم في بريطانيا كمتواطئين مع الإرهاب تجاوز الألفين هذه السنة( 2007) مقابل 1600 السنة الماضية . ومصدر الخطورة يكمن في أسلوب الإرهابيين الذين «يحرضون على التطرف والدعاية ويدربون شبانا ضعفاء على تنفيذ أعمالهم الإرهابية». مما جعل البريطانيين يفاجؤون هذه السنة بتورط أشخاص لا تتجاوز أعمارهم 15 أو16 سنة في نشاطات مرتبطة بالإرهاب . ونفس الحقيقة كشف عنها جيل دي كيركوف منسق الاتحاد الأوروبي لمكافحة الإرهاب لما أكد أن منظمة “القاعدة” الإرهابية الدولية لا تزال تشكل الخطر الرئيسي الذي يهدد أوروبا .
2 ـ أما بخصوص العوائق السياسية فتجب الإشارة إلى غياب الجدية المطلوبة في التعامل مع الخطر الذي أصبح يشكله تنظيم القاعدة في منطقة الساحل وجنوب الصحراء حيث اتخذ منها قواعده الخلفية لتنفيذ إستراتيجيته الجديدة الهادفة إلى بسط الهيمنة على شمال إفريقيا وزعزعة الاستقرار بدولها . وجاء الشريط الصوتي لأيمن الظاهري الذي بثه تنظيم القاعدة يوم السبت 3 نونبر الجاري والذي يعلن فيه عن انضمام الجماعة الإسلامية المقاتلة الليبية لتنظيم القاعدة ويحرض فروع التنظيم على قلب أنظمة الحكم المغاربية ، جاء لتكريس هذه الإستراتيجية . ورغم التحذيرات التي ما فتئ المغرب يوجهها إلى كل الدول المعنية بمحاربة الإرهاب قصد حملها على التدخل العاجل لتطويق المد الإرهابي ودك قواعده ، فإن هذه الدول ظلت تتغافل عن تزايد أنشطة تنظيم القاعدة الذي يستغل الظروف الجغرافية وغياب المراقبة الأمنية في تكثيف أنشطته وإرساء قواعده . وقد كان وزير الداخلية المغربي صريحا في التنبيه إلى خطورة الوضع حين أكد أمام الجمعية العمومية لمنظمة الأنتربول ( إن الجهود المغربية لمحاربة الجريمة المنظمة وكل أشكال الإجرام تصطدم بالخطر الذي تمثله هذه المنطقة الشاسعة جغرافيا وغير المراقبة أمنيا ) . وهو الأمر الذي ترتب عنه أن ( كل أشكال الإجرام المنظم أصبح يستغل هذا الفضاء الجغرافي ) . ومن أجل تدارك الخطر قبل اتساع الخرق على الرقع ، بات ضروريا التعجيل بالآتي :
= توفير الدعم المادي واللوجيستيكي لدول شمال إفريقيا والساحل .
= التنسيق الأمني الفعال بين الأجهزة الأمنية الوطنية والدولية .
= جعل التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب خيارا إستراتيجيا ثابتا .
= حل النزاعات السياسية بين دول المنطقة ، وخاصة النزاع الذي تفتعله الجزائر ضد وحدة المغرب الترابية .
= دعم اقتصاديات دول المنطقة بما يحمي مواطنيها من السقوط في شبكات الجريمة المنظمة .
= تأسيس قيادة جهوية للإشراف على التنسيق الأمني وتتبع العمليات الميدانية ضد الشبكات الإجرامية .
= تعديل القوانين بما يجعل الإفتاء بالقتل أو التكفير أو التحريض على الكراهية جريمة .
selakhal@yahoo.fr