في 28 شباط/ فبراير، غرّد الرئيس الإيراني حسن روحاني عبر موقع “تويتر”، بأن الشعب الإيراني “خلق بدهاء مناخاً جديداً” في يوم الانتخابات. وبغض النظر عن المعنى الذي يقصده من كلمة “دهاء”، يمكن للروايات التي تروج لها وسائل الإعلام والتي ساعد على خلقها حول النتائج أن تكون بنفس أهمية الانتخابات عينها. وإذا ما أمعنا النظر في المرشحين الفائزين، تتضح لنا تناقضات صارخة بين روايته والحقائق السياسية في إيران، الأمر الذي يسلط الضوء على حرب الروايات بين مؤيديه ومعارضيه.
العمل كالمعتاد في «مجلس الخبراء»
من أجل دعم ما زعموه من نصر، يؤكد أتباع روحاني أن لائحة “الإصلاحيين” في انتخابات «مجلس الخبراء» («المجلس») قد فازت بأغلبية المقاعد في طهران وغيرها من المدن الكبرى. ولكن إذا اعتبرنا أن “الإصلاحي” هو شخصية سياسية برزت خلال حركة الإصلاح في أواخر التسعينات ومرتبطة بالأحزاب والجماعات التي تم إنشاؤها في ذلك الوقت، عندئذ لا يمكن أن نطلق بمصداقية صفة “الإصلاح” لا على مرشحي لائحة “الإصلاحيين” ولا على الفائزين بستة عشر مقعداً في طهران.
على سبيل المثال، سبعة من الفائزين الستة عشر في طهران ليسوا مُدرجين على اللائحة الإصلاحية فحسب، بل على لائحة مُنافِسة وضعتها الحركة “الأصولية” المحافظة أيضاً، وهم: محمد علي موحدي كرماني، محمد إمامي كاشاني، محسن قمي، إبراهيم الأميني، قربان علي دري نجف آبادي، محمد محمدي ريشهري، والسيد أبو الفضل مير محمدي. أما ما يكشف خفايا أكثر، فهو واقع أن اثنين من أصل سبعة (ريشهري ودري) هما من وزراء الاستخبارات السابقين ومن المنتهكين البارزين لحقوق الإنسان. فـ”ريشهري” معروف جداً بإصدار قرارات إعدام عشرات الشخصيات السياسية خلال الفترة التي قضاها في منصبه في قمة نظام المحاكم العسكرية وفي وزارة الاستخبارات. كما أن الاستجواب المهين الذي قام به في عام 1982 للراحل محمد كاظم شريعتمداري، والذي صفع خلاله آية الله البالغ من العمر ستة وسبعين عاماً لانتقاده النظام الإسلامي ومبدأ “ولاية الفقيه” – الذي يمنح السلطة المطلقة للمرشد الأعلى – ، نُشر على وسائل الإعلام ضمن نطاق واسع. وبالمثل، اعترف النظام بأن وزارة الاستخبارات قتلت بوحشية المفكرين والنشطاء السياسيين خلال فترة تولي دري الوزارة (1997-1998). ومنذ ذلك الحين، أصبح هذا “القتل المتسلسل” محركاً لمعظم الحملات الإصلاحية ضد المحافظين.
بالإضافة إلى ذلك، لم يُعرّف أي من أبرز الفائزين على لائحة الإصلاحيين، أي روحاني والرئيس السابق أكبر هاشمي رفسنجاني، يوماً عن نفسه بشكل واضح على أنه إصلاحي. وبدلاً من ذلك، كلاهما من أصحاب المناصب الذين ترشحوا في إطار محافظ في الانتخابات البرلمانية الماضية. فقد كان رفسنجاني عضواً في الهيئة منذ إنشائها وشغل منصب رئيس مجلس إدارتها، في حين فاز روحاني بولايته الثالثة على التوالي. وقد ترشح الإثنان ضد الإصلاحيين كأعضاء في “جمعية رجال الدين المناضلين” منذ أواخر التسعينيات. وقبل حركة الإصلاح، ترشحا ضد اليساريين. وقد حاز رفسنجاني أعلى نسبة تصويت في طهران هذا العام عندما ترشح بصفة إصلاحية، ولكن النتائج العالية التي حصل عليها بقيت متوقعة إلى حد ما على مدى السنوات بغض النظر عن قائمته، وهي: 2,301,492 هذا العام و1,564,187 في عام 2006 و1,682,188 في عام 1998 و 1,604,834 في عام 1990 و 2,675,008 في عام 1982.
ولم يدّعي أي من الفائزين الآخرين في طهران أنه إصلاحي، بل على العكس من ذلك، أعلن بعضهم صراحة عن معارضتهم التاريخية والإيديولوجية للإصلاحيين قبل أسابيع فقط من الانتخابات. على سبيل المثال، وزير الاستخبارات الحالي محمود علوي، الذي عيّنه المرشد الأعلى علي خامنئي رئيساً لـ “المنظمة الأيديولوجية السياسية” في الجيش ما بين العامين 2000 و2009. يُذكر أن محسن إسماعيلي هو عضو سابق في «مجلس صيانة الدستور» – الهيئة المسؤولة عن إعلان عدم أهلية الكثير من الإصلاحيين ومنع البلاد عموماً من إجراء انتخابات حرة ونزيهة. ويمكن رؤية الواقع نفسه في العديد من المدن الكبرى الأخرى، حيث أن العديد من الفائزين بمقاعد الذين عبروا عن تأييدهم للرئيس أو للائحة الإصلاحية هم في الواقع من المتشددين البارزين المناهضين للإصلاحيين (على سبيل المثال، يوسف تاباتاباينجاد ومرتضى مقتدئي في محافظة أصفهان).
وفي هذا الإطار أشار بعض المراقبين بأنه لم تتم إعادة انتخاب اثنين من المتشددين البارزين في «المجلس» هما، محمد يزدي ومحمد تقي مصباح يزدي. بيد، أن العديد من الأعضاء الجدد هم إما من أتباع مصباح يزدي أو حتى أكثر تشدداً منه. على سبيل المثال، محمد باقر باقري – من أتباعه وسيمثل محافظة ألبرز – هو من المتحفظين الداعين إلى الأيديولوجيا والذي يعتقد أنه لا بد من فصل إيران تماماً عن الغرب قبل عودة المهدي المنتظر. أما بالنسبة إلى المتشدد المخضرم أحمد جنتي، فقد بدا أن رتبته ومنزلته تتراجع عندما حل في المركز الأخير من بين ستة عشر فائزاً في طهران، ولكن زيادة الأصوات التي حصل عليها (1,321,130 هذا العام مقابل929,403 في عام 2006) تشير إلى ارتفاع كبير في شعبيته.
وخلاصة القول، عند النظر إلى المرشحين بشكل منفرد بدلاً من اللوائح التي ينتمون إليها، يمكن أن نرى أن تشكيلة «المجلس» لم تتغير بطريقة ملموسة، إذ لم يفز أي من الإصلاحيين البارزين الجدد بأي مقعد، وبقيت نسبة المتشددين في «المجلس» على حالها. وعلى الرغم من أن الأعضاء الجدد قد يلعبون دوراً هاماً في تعيين خليفة خامنئي في المرحلة المقبلة أم لا (انظر المرصد السياسي 2553، “اختيار المرشد الأعلى المقبل لإيران”)، فسيبقى «المجلس» خاضعاً بشكل تام لسيطرته في الوقت الحاضر، بوصفه مؤسسة ذات طابع رسمي تسعى للحفاظ على شرعية النظام.
أزمة الهوية في «مجلس الشورى»
أدت سياسات خامنئي في السنوات الأخيرة إلى حد كبير إلى نشوء بلبلة وانقسام في صفوف المحافظين، بما في ذلك تغيّره الجذري من الدعم الكامل للرئيس محمود أحمدي نجاد إلى إدانته الحادة له، واستخدامه العنف ضد المتظاهرين السلميين في عامي 2009 و2010، ونهجه الغامض في المفاوضات النووية مع «مجموعة الخمسة زائد واحد». وفي الحالة الأخيرة، كان بعض المحافظين (على سبيل المثال، علي لاريجاني) يدركون أن خامنئي كان يشرف بسرية على فريق التفاوض ووافق على الجهود المبذولة للتوصل إلى اتفاق، لذلك مالوا إلى روحاني وساعدوه على ضمان موافقة البرلمان على الاتفاق النهائي في أقصر وقت ممكن. لكن هذا النهج أغضب متشددين آخرين لأن خامنئي كان قد أدلى أيضاً بالعديد من التصريحات العلنية التي تنتقد الاتفاق. ونتيجة لذلك، ساند بعض المحافظين الرئيس روحاني خلال التصويت في «مجلس الشورى» على الصفقة في حين عارضه آخرون غالباً عبر استخدام انتقادات المرشد الأعلى نفسه.
إلى جانب ذلك، أثّرت هذه الانقسامات على انتخابات «مجلس الشورى»، مع خسارة لاريجاني وغيره من المحافظين الروابط التقليدية التي كانت تجمعهم بمعسكر الأصوليين. وبالتالي، فإن لاريجاني الذي لم يصبح قادراً على الترشح لا بصفة إصلاحي أو محافظ، طرح نفسه كمرشح “مستقل”. من جهته سمح علي مطهري فضلاً عن شخصيات أخرى بوضع أنفسهم على لائحة الإصلاحيين، ولكن في الوقت نفسه شكّلوا حركة محافظة جديدة (“صوت الشعب”) وأصرّوا علناً على أنهم لم يكونوا إصلاحيين. بالإضافة إلى ذلك أُدرج كاظم جلالي، رئيس كتلة “الأصوليين أتباع ولاية الفقيه” المحافظة، على اللائحة الإصلاحية ببساطة بسبب دعمه للاتفاق النووي. باختصار، كانت النتيجة مماثلة لانتخابات «مجلس الخبراء»، فقد تكون اللائحة “الإصلاحية” قد فازت في مناطق برلمانية مثل طهران، ولكن العديد من الفائزين من المرشحين من تلك اللائحة ليسوا إصلاحيين بحق، حتى إن بعضهم ينفون صراحة أي علاقة لهم بالحركة.
وحتى الإصلاحيين الذين فازوا بمقاعد في الانتخابات كان موقفهم من الإصلاح غامضاً. فقد كان محمد رضا عارف، نائب الرئيس في عهد محمد خاتمي والمرشح الإصلاحي للانتخابات الرئاسية في عام 2013، الفائز الأول في طهران. وعندما أظهرت استطلاعات الرأي أنه لا يتمتع بفرصة حقيقية للفوز في الانتخابات قبل ثلاثة أعوام، انسحب قسراً تحت ضغط الإصلاحيين. وفي مقابلة أجراها مع صحيفة “اعتماد” الشهر الماضي، اشتكى بمرارة من معاملة الإصلاحيين له ما بين العامين 2012 و2013، مشيراً إلى أنهم وصفوه بـ”الإصلاحي الوهمي” الذي “روّجت له أجهزة الاستخبارات ليترشح ويفشل حتى تتمكن من الادعاء بأن الإصلاحيين فشلوا في الانتخابات”.
بالإضافة إلى ذلك، إن نجاح اللائحة الإصلاحية في طهران لم يتكرر في مناطق برلمانية أخرى. فقد أشار حسين مرعشي، المتحدث باسم “حزب كارجوزاران” ومستشار رفسنجاني، إلى أنه يمكن قياس التطور السياسي في إيران من خلال النسبة المئوية للسكان في منطقة معينة الذين انضموا إلى لائحة المرشحين الإصلاحيين من خلال تصويتهم: “في طهران 100 في المائة، في مراكز المحافظات 50 في المائة، وفي المدن 30 في المائة”.
نظرية أهون الشرور
تعجز إدعاءات الإصلاحيين المستمرة بالنصر عن الصمود أمام التدقيق ما لم يقبل المرء الحجة الرئيسية التي قدموها أثناء الحملة، والتي تقول بأن هذه الانتخابات كانت حول الاختيار بين “الشر وأهون الشرور” (ستتم مناقشة التداعيات الأوسع نطاقاً من هذا التحول في الهوية الإصلاحية في مرصد سياسي منفصل). وقد ساعدت التنحية الهائلة لمرشحيهم المفضلين من جانب «مجلس صيانة الدستور» في تشكيل هذا النهج. ففي 7 شباط/ فبراير قال روحاني لأتباعه: “علينا المشاركة في الانتخابات مهما كانت الظروف… نحن ندرك أنه إذا شاركنا لن تكون مكاسبنا كبيرة، وإذا لم نشارك سنخسر بالتأكيد. لذلك، علينا أن نختار ما بين فوز محدود وخسارة كبيرة”. من الواضح أن هذا الخطاب يتناقض مع الروايات المتوهجة التي سردها ما بعد الانتخابات حول خلق “مناخ جديد” في إيران، ومن المؤكد أن خصومه المحافظين يدركون هذا التفاوت. فوفقاً لقول حسين شريعتمداري المقرب من خامنئي، يبدو أن مناصري الرئيس يعانون من “وهم الفوز”.
مهدي خلجي هو زميل “ليبيتزكي فاميلي” في معهد واشنطن.