من الطبيعي ان يفاجأ بعض الجمعيات السياسية »العلمانية« في البحرين وتدهش وهي تسمع ظهيرة تلك الجمعة هتافات بتسقيطها ترددها بقوة – خلف الشيخ عيسى قاسم المرجع الديني لجمعية الوفاق كبرى جمعيات المعارضة السياسية الشيعية – حناجر جماهير ظنت تلك الجمعيات واعتقدت انها الاقرب اليها وانها الحليف والصديق الذي سعت بلا هوادة لأكثر من عقد ونصف العقد للانسجام معها والتوافق مع طروحاتها بما تجاوز التنسيق الى الدخول في تحالفات تمسكت بها »الجمعيات العلمانية« المعنية أكثر من تمسك الاطراف الاسلامية الحليفة التي يبدو انها لم تستفد ولم تستثمر من وجود »العلمانيين« بجانبها خلال الانتخابات فقط بل طوال عقد التسعينيات المحتقن لتنفي تلك الجمعيات الاسلامية عن نفسها آنذاك أشياء كثيرة في مقدمتها الطابع الطائفي والمذهبي لحراكها ولمطالبها.
في كل المحطات السابقة واللاحقة »منذ التسعينيات حتى انتخابات ٦٠٠٢« ظلت الجمعيات السياسية »العلمانية« تساير وتلاين تلك الجمعيات الاسلامية السياسية بل ان بعضها تنازل كثيرا عن مبادئه ومواقفه »العلمانية « لحساب المواقف الاسلاموية السياسية لنيل الرضا. ولمزيد من الاقتراب او ربما لأن تلك الجمعيات »العلمانية« غرقت واستغرقت في وهم الخيال البعيد عن الواقع السياسي والثقافي التكويني للجمعيات الاسلامية التي اقتربت منها.. راحت هذه الجمعيات »العلمانية« تسوق وتروج خطابا مفاده باختصار شديد ان »حليفاتها من الجمعيات الاسلامية« قد تخلت تماما عن نظرتها القديمة للقوى الوطنية الديمقراطية وانها انتقلت الى مرحلة جديدة من الوعي لم تعد معه تصنف هذه القوى بالتصنيفات السابقة.
وكذلك انساقت صفوف من جمعيات »علمانية« اخرى لم تدخل التحالف لكنها راحت تساير وتلاين وتداهن وتراهن على اختلاف ذهنية وتفكير الجميعات الاسلامية السياسية المعنية. وفي المحصلة النهائية اسقطت معظم الجمعيات السياسية »العلمانية« جميع التحفظات والملاحظات التاريخية السابقة والمهمة على تفكير ومنهجية تلك الجمعيات الاسلامية المعنية.. وقد فعلت ذلك دون ان تقف على براهين حقيقية وممارسات فعلية على التغير الموهوم الذي تخيلته وصدقته وحدها.
وللأسف كان التذكير العلمي وتقديم الملاحظات وطرح التحفظات من خلال شواهد الواقع السياسي والمسلكي للجمعيات الاسلامية المعنية كان يقابل بكثير من التشكيك من الجمعيات »العلمانية« السياسية المستغرقة في شطحات الخيال وكانت تعتبره مشبوها ومدفوعا من الحكومة او من بعض اجهزتها دون ان تمنح نفسها ولو فرصة بسيطة لاختباره على أرض الواقع التي كانت بعيدة عنها لا سيما في تلك الفترة التي تسابقت فيها الجمعيات »العلمانية« كل منها باسلوبه وطريقته عن الاقتراب والتفاهم مع الجمعيات الاسلامية السياسية المعنية فقط لأنها الاكثر حضورا في ساحة المعارضة. وهو حضور لا يمكن نكرانه لكنه لا يعني بأي شكل من الاشكال ان تلك الجمعيات الاسلامية ذات الحضور قد غيرت نظرتها وتبدلت ذهنيتها من »العلمانية« ومن القوى السياسية العلمانية التي كانت تتسابق على الاقتراب منها.
وهي مسألة محورية ومفصلية في جميع العلاقات السياسية والفكرية للأسف لم تعتنِ ولم تهتم بها الجمعيات العلمانية المعنية بل ولم تسمح ولم تعطها فرصتها من النقاش والحوار العلني والمفتوح بين الجميع بما ألقى بظلال غامضة على هذه المسألة. بل كان موقفها من الحوار اذا ما حدث خارج ارادتها هو الدفاع المجاني المستميت الذي ينفي بشكل عاطفي جياش جملة وتفصيلا موقف تلك الجمعيات الاسلامية المعنية من العلمانية والعلمانيين.
ولأن هذه المسألة المهمة ظلت »على طمام المرحوم« كما يقول تعبيرنا الشعبي السائد ولم يرفع أحد غطاءها للوقوف على الحقيقة فإن بعض الجمعيات العلمانية فاجأها وهالها ان تصحو ذات ظهيرة جمعة على هتافات بتسقيطها علنا من الجماعات ومن الجمهور الذي حسبته قريبا منها.. فهل يعني ذلك نهاية شهر العسل؟!
sadaalesbua@alayam.com
اعلامي بحريني