قرر الإخوان المسلمون خوض انتخابات مجلس الشورى بعشرين مرشحا تحت شعارهم المفضل “الإسلام هو الحل”. هذا الإعلان ليس تحديا، بقدر ما هو اختبار حقيقي وجاد لأطراف كثيرة، الحكومة والمثقفين والقوي السياسية والأقباط. ولكن قبل أن نناقش التحدي، ونتعرف علي أوجه الاستجابة الممكنة نقف قليلا أمام دلالات الإعلان ذاته.
1- أن الإخوان المسلمين يطلقون بالون اختبار. إذ بعد شهور من الشد والجذب إبان التعديلات الدستورية، وتعديل المادتين الأولي والخامسة من الدستور، لا يزال الإخوان المسلمون يرفعون الشعار ذاته، ويمارسون نشاطا سياسيا علي أساس ديني، ويعلنون صراحة مرجعيتهم الدينية التي حظر الدستور في مادته الخامسة أن تكون نقطة انطلاق في العمل السياسي.
2- إن الإخوان المسلمين يرسلون رسائل إلي قواعدهم مفادها أن المواجهة مع الدولة في الشهور الماضية، وما تمخضت عنه من اعتقالات ومحاكمات عسكرية وإغلاق شركات اقتصادية لم تفت في عضد الجماعة التي لا تزال تخوض الانتخابات بالشعار ذاته، لا يعنيها في الأمر شيء سوي الجمهور والشارع.
3- إن الإخوان المسلمين يريدون معركة أخري مع النظام يظهر فيها بثوب من يقف في وجه الإسلام ذاته. يريدون النظام أن يزيل من الشارع الملصقات الإٍسلامية، ويرفع اللافتات التي تقول “الإسلام هو الحل”، ويلاحق المؤتمرات الجماهيرية الإخوانية. باختصار يريدون أن يظهر النظام في ثوب من يحارب الإسلام، يترصد له في الشارع، ويسعي لاقتلاعه. هذا هو الفخ الذي يريد الإخوان النظام أن يهوي إليه.
4- رسالة إلي القوي المدنية والعلمانية التي سعت إلي تعديل المادة الثانية من الدستور، يقول لها الإخوان أن البيانات والأحاديث والمقالات التي دبجها هؤلاء المثقفون لم تنفع بشيء، وإن تعديل المادتين الأولي والخامسة لم يؤد إلي شيء. أمس كان شعار الإسلام هو الحل، واليوم لا يزال الشعار ذاته قائما. هي دعوة إلي إعادة فتح باب الجدل حول المادة الثانية من الدستور، ولاسيما أن الإخوان المسلمين يقولون أنهم يرفعون الشعار ذاته تماشيا مع هذه المادة التي تقول أن الإسلام دين الدولة،ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع.
5– رسالة إلي من عدل الدستور منذ أقل من شهر مفادها أن الدستور المعدل لم يأت بجديد، وإن القضية ليست في النصوص الدستورية ولكن في الممارسة الواقعية. الدساتير تقول أشياء لا تنفذ، والواقع دائما يفرض أجندته من خلال الصفقات والمفاوضات، وهذه- والحق يقال- هي إحدى الخصائص الأساسية للإخوان المسلمين.
6- وأخيرا هي رسالة للأقباط الذين قرروا أن يقفوا إلي جانب التعديلات الدستورية، محتمين بالمادتين الأولي والخامسة. الأولي تعزز مبدأ المواطنة، والخامسة تبعد الدين عن السياسة. استراحوا إلي مبدأ المواطنة، والدولة المدنية، وارتكنوا إلي ما سمعوه من بعض المسئولين في ندوات عامة من أن شعار “الإسلام هو الحل” سوف يختفي من الانتخابات المقبلة، صدقوا هذا، وها هم الإخوان المسلمون يقولون لهم الشعار الانتخابي القادم هو “الإسلام هو الحل”، وليفعل كل شخص ما يشاء. وبعض الإخوان يقولون لهم “معنا تكسبوا أكثر”.
الموضوع ليس بسيطا. دلالاته كثيرة ومعقدة. والقضية ليست في الملاحقة الأمنية للإخوان المسلمين، أو منعهم من خوض الانتخابات. ولكن السؤال الأساسي الذي ينبغي طرحه هو ما الشكل الذي نريده للحياة السياسية في مصر؟ هل نريد دولة مدنية أم نريد دولة نصف مدنية..نصف دينية؟
إعلان الإخوان المسلمين عن خوض انتخابات مجلس الشورى وفق الشعار ذاته قلب الطاولة علي الحكومة والمعارضة والمثقفين والأقباط، وعلي كل من يختلف مع الإخوان المسلمين. ففي الوقت الذي أراد فيه النظام السياسي وأركانه الحيلولة دون تمدد الإخوان، واستشرائهم، وتوظيف الدين في السياسة، أعاد الإخوان المسلمون الكرة إلي ملعبهم، وأخذوا زمام المبادرة. يؤكدون علي موقفهم، وينتظرون رد الفعل كي يقدموا أنفسهم أكثر فأكثر إلي الشارع في ثوب الشهداء. وفي رأيهم يا ليت الحكومة تحظر هذا الشعار، وتمنع العشرين مرشحا من خوض الانتخاب. الكل في النهاية يصب في مصلحتهم. والسبب الرئيسي هو غياب الحسم، وعدم الرغبة في تحديد شكل الدولة والمجتمع، ووضع قواعد للممارسة السياسية يحترمها اللاعبون السياسيون، ويرون أنها تضمن بقاء مدنية الدولة والسياسية علي السواء.
اختبار وضع الجميع نفسه فيه. أجزم أن المكسب قد يكون للإخوان في الحالتين. إذا استطاعوا خوض الانتخابات تحت لافتة “الإسلام هو الحل” فسوف يكون ذلك إشارة إلي الجميع بأن العبرة بالممارسة الفعلية وليست بالنصوص الدستورية. وإذا منعوا من خوض الانتخابات وفق هذا الشعار، فسوف يكون ذلك فرصة لهم، يستغلونها في جني الأصوات، وتعبئة الشارع، وحشد الجماهير خلف الفئة المضطهدة ليس لسبب إلا أنها تريد رفع راية الإسلام!
القضية ليست في التعديل الدستوري، ولكن في السعي الجاد والحقيقي لبناء دولة مدنية عصرية، تقوم علي الحريات الأساسية، وتجسد مبدأ المواطنة في الممارسة، وتشجع المشاركة السياسية في كل المجالات والقطاعات، والفصل الجاد بين الدين والسياسة. في هذه الحالة سوف يصبح المجال العام ذاته أكثر وعيا، وقدرة علي الفهم والتمييز، وحرية في الاختيار السياسي. ولن يكون هناك خوف علي الجماهير من تيار أو شخص يرفع شعارا دينيا يريد به كسبا سياسيا، لأن الوعي الجماهيري سوف يكون قادرا علي الفهم والتمييز. وبالمناسبة سيجد من يرفع هذا الشعار نفسه في وضع لا يسمح له بجني مكاسب من ورائه فيضطر إلي تقديم برنامج يتنافس به مع آخرون.
القضية هي الدولة المدنية، والإسراع في جهود تحقيقها. الدولة المدنية هي الحل لمواجهة أصحاب شعار “الإٍسلام هو الحل”.
نقلا عن روزاليوسف