تاريخ لن ينساه التاريخ ولم يفاجئ الذين يعرفون دقائق وتفاصيل نشأة حركة الاخوان المسلمين وتطور أجهزتها وطبيعة عملها الأول.. لم يفاجأوا وهم يشاهدون على الفضائيات مجموعة الملثمين من شباب الاخوان عندما اقتحموا حرم جامعة الأزهر مطلع هذا العام في استعراض قوة وعنف. ذلك أن صفحات تاريخ تنظيمهم تكشف وبأقلام “اخوان” مخلصين لا يُشك في ولائهم ولا في شهاداتهم أن حركة الاخوان المسلمين اعتمدت “المليشيا” المسلحة منذ وقت مبكر في مسيرتها. ولذلك حكاية تستحق أن تروى اليوم حتى يستطيع شبابنا الربط بين الماضي والحاضر في معرفة هذه الحركة على وجه كامل.
فبالإضافة الى “الجوالة” وهي تنظيمات مليشياوية علنية بلغ عدد أفرادها عام 1948 ما مجموعه ٥٧ ألف فرد مدربين تدريبات شبه عسكرية وانضباطية وميدانية أخرى وعلى أتم جهوزية للنزول الى الشارع عند أول اشارة من القيادات. بالإضافة الى ذلك كان هناك ما أطلق عليه “التنظيم السري” وهو تنظيم داخل التنظيم أو ما سمي وعرف “بالجهاز الخاص للاخوان” وهو جهاز محكوم بالسرية الشديدة والمطلقة في عمله وفي أهدافه ويتم اختيار أفراده من الجماعة حسب مقاييس ومعايير محددة وبعد اجراء الفحص الطبي الشامل عليهم للتثبت من سلامتهم صحياً ولياقاتهم بدنياً يبدأ التخطيط لضمهم للجهاز السري الخاص الذي لا يعلم بوجوده الا مجموعة قيادية موثوقة ومكلفة سرياً وبأقصى درجات السرية بأمر ذلك الجهاز الخطير وبوضع استراتيجيته القائمة أساساً على تنفيذ المهام السرية كالاغتيالات والتصفيات وأعمال التفجير والتدمير كما سنبينه لاحقاً بحسب مصادر اخوانية خالصة.
يقول أحمد كمال أحد اعضاء الجهاز الخاص عن تجربته في ذلك الجهاز وكيف تم إدخاله وضمه إليه وبعد شيء من التفاصيل عن اختبارات الثقة والتأكد من صلاحيته للجهاز الخاص “ذهبت الى دار مركز الاخوان في ساعة معينة لم يكن فيها أحد هناك حيث أجري الكشف الطبي الدقيق على الأعصاب والقلب والضغط والصدر والنظر والمعدة وأخذت عينات من البول ، وسجل الدكتور كل النتائج في استمارة مطبوعة خاصة بذلك مع مقاس الصدر والطول ثم شهد باللياقة الطبية”.
ويضيف أحمد كمال، ثم جاء أوان البيعة الواجبة على اخوان النظام الخاص وجرت مراسيمها كما يلي: حدد لنا موعد في مكان معين، فذهبنا لنطرق باباً ضخماً من الخشب لمنزل كبير قديم ، فدخلنا وصعدنا سلما مظلما الى غرفة كانت مضاءة اضاءة قوية وتركنا الدليل الى غرفة مجاورة ثم عاد ومعه عبدالرحمن السندي “أحد أبرز قادة الاخوان وقادة التنظيم أو الجهاز الخاص”. ثم يضيف: فعرّفنا الدليل بالرجل على أنه رقم “١” في هذا التنظيم وبعد أن حدثنا عن النظام وأهدافه في الجهاز الخاص واستوثق من استعدادنا استدعاني السندي فقمت معه واذا به يخطو الى الغرفة المجاورة وقد أمسك بيدي.. فوجئت بظلام دامس ثم أجلسني على الأرض وجاء صوت رجل في الظلام لا أتبين منه شيئاً يذكرني بمباديء الدعوة التي جندنا أنفسنا لنصرتها والى الجهاد في سبيلها.. وبايعت على ذلك وقد مددت يدي فوضعتها على مصحف ومسدس.
ولعل أداء قسم البيعة وقسم الانضمام الى الجهاز السري الخاص داخل حركة الاخوان على المسدس تحديداً ما يكفي من دلالة رمزية واضحة على الهدف وعلى الدور المطلوب من عضو الجهاز الخاص أو الجهاز السري وهو دور يستخدم فيه المسدس كما استخدم في اغتيال النقراشي باشا وحادثة الخازندار ثم في محاولة اغتيال جمال عبد الناصر في الاسكندرية ثم في اغتيال أنور السادات. فهذا العنف امتداد لذاك كونه جزءاً من طبيعة التفكير وطبيعة التنظيم الاخواني الذي يفتح باباً سرياً على تفريعات ما هو علني أو معلن أمام الناس.. كما فتح دهاليزه السرية للتنظيم الخاص الذي حرص على اختراق الجيش المصري يومها وبسرية مطلقة وحذرة ضم الى جهازه السري الخاص عدداً من »الضباط الاحرار« قبل تشكيل تنظيم الضباط الأحرار.. فأقسم في الغرفة المغلقة وأمام الرجل المخفي والغامض كل من اليوزباشي عبد المنعم عبدالرؤوف واليوزباشي جمال عبد الناصر و الملازم أول خالد محي الدين والملازم أول كمال الدين حسين والملازم أول محمد أحمد حمودة. وفي رواية حموده وهي رواية موثقة أيضاً يذكر أن الرجل المتخفي وبعد أن بايعوه على المصحف والمسدس حذرهم وهددهم قائلاً »إن من يفشي سرنا فليس له منا سوى جزاء واحد هو جزاء الخيانة.. وأظنكم تعرفون ذلك الجزاء« وقد اتفقوا بحسب حموده الملازم أول في الجيش مع القائد الاخواني والرقم »١« في الجهاز السري عبدالرحمن السندي على أن يقوموا بتدريب شباب الاخوان المسلمين من اعضاء التنظيم السري على استعمال الاسلحة. وفي خلاصة دراسة له عن تنظيم الاخوان المسلمين ، يذكر المؤرخ صلاح عيسى أن الجهاز الخاص الاسم الرسمي لمليشيا الاخوان السرية« وقد ذهلت الحكومة المصرية يومها من »تنظيمه المحكم و القوي« بحسب تلك الدراسة. والذين لا يعرفون تاريخ المليشيات الاخوانية وتاريخ تنظيمهم السري الخاص »عتبوا« على الحكومة المصرية الحالية ردة فعلها تجاه الملثمين الاخوانيين الذين اقتحموا حرم جامعة الأزهر في استعراض القوة مطلع السنة الحالية. لكن الحكومة المصرية التي تعرف تماماً اعتماد الاخوان في تاريخهم على المليشيات وعلى التنظيم السري الخاص في انجاز اجندتهم وبرنامجهم لاستعراض قوة المليشيا وقد أطلقها الاخوان هناك كبالون اختبار لردة فعل حكومتهم التي جاءت كافية لتراجعهم المؤقت والتكتيكي.. فمتى يفهم الآخرون.. ؟ومتى يتعلمون من تجارب التاريخ القريب..!!؟؟
sadaalesbua@alayam.com
اعلامي بحريني