الطريقة التي اعتمدها صاحب قرار اعتقال الشاب شادي المولوي في طرابلس هو إما غبي أو يبتغي تفجير المدينة وجعلها ساحة توتر امني دائم.
ليس المواطن اللبناني من جعل الاجهزة الامنية جبنة تتقاسمها الطوائف والقوى السياسية والاقليمية، وليس من لبناني يستطيع ان يجد مرادفا لجهاز الامن العام اللبناني، غير انه جهاز يتبع، وبفخر، لـ”الولاية الشيعية في لبنان”.
فموقع المدير العام للأمن العام تعيّنه فعليا “القيادة الشيعية الموحدة في لبنان”، أي التوافق بين “حزب الله” وحركة “أمل”. وليس الحال افضل في حالة “فرع المعلومات” او شعبته، التابع لقوى الأمن الداخلي، والذي تعيّن مديره العام القيادة السنية. ورئيس الحكومة هو من يحمي هذا الموقع. لذا تبدو قيادته محل اجماع سني يعبر عنه موقفا الرئيسين نجيب ميقاتي وسعد الحريري. وباعتزاز ايضا…
هذا هو الامن في لبنان: تابع ومتعدد المرجعيات. وللمراقب ان يسأل في ظل هذه الوضعية التي تدير الاجهزة الامنية ، وفي ظلّ الخلل السياسي والبنيوي: لماذا يقوم الامن العام (الشيعي والتابع للنظام السوري سياسيا)، باعتقال في طرابلس بأسلوب مريب؟ هل هو غير استدراج مسيء، وعبر مؤسسات الصفدي وبطريقة غير قانونية وبخبث سياسي او غباء؟
منطق “الاهالي” الذي ابتدعه “حزب الله” لم يعد وكالة حصرية
والسؤال الآنف يبرره سؤال آخر: لو كانت قوى الامن الداخلي هي من قام بعملية الاعتقال هل كنا سنشهد ردود الفعل المؤسفة التي تمر على طرابلس منذ يومين. اقول باطمئنان إن هذه التداعيات، من قتل واطلاق نار واستنفار امني ومذهبي، لم تكن لتحصل. لذا، وتنزيها لقيادة الامن العام من تهمة الغباء او السفه، فإنّ ما جرى يثير الريبة لجهة وجود قرار واضح، ليس باعتقال المتهم مولوي ايا كانت تهمته او خطورته، بل بتفجير الوضع الامني في المدينة.
أسئلة أخرى: هل يعتقد عباقرة الامن في لبنان ان اللبنانيين لا يرون يوميا كيف تمارس هذه المهمة بصيف وشتاء تحت سقف واحد؟ فقبل ايام اختطف احد الرهبان في منطقة البقاع، وحكمة عباقرة الامن عندنا وجدت ان اطلاقه بوساطة من “حزب الله” انجاز، وان عدم اعتقال من قاموا بهذه العملية هدفه “لجم التداعيات الطائفية”. ذلك رغم ان هناك من ارتكب جريمة خطف وهو معروف، لا بل أصدرت جهات واضحة تهديدات علنية بحرب اهلية، من على شاشات التلفزيونات اللبنانية.
وإذا وافق هذا السلوك الامني منطق الحكمة، فللبناني آخر ان يشك بهذه الحكمة ووجودها عندما يشهد اللبنانيون ما قام به الامن العام في طرابلس من تجاوز لكل الاعتبارات والشروط الموضوعية والامنية.
على سيرة تناتش وتقاسم الاجهزة الامنية ومحاصصتها… و”أمن وعدالة سيرى اللبنانيون”، على وزن “وقَمِح”. فعندما يتم تقاسم الاجهزة وتناتشها بهذه الطريقة، يصعب ان نتوقع استتبابا فعليا للامن.
إذ أنّ منطق “الاهالي” الذي ابتدعه “حزب الله” جنوبا، حين كان يريد ان يرد على قرارات امنية او سياسية في السنوات الماضية: لماذا لا يبتدعه غيره في مناطق اخرى؟ وهل للاهالي وكالة حصرية؟ واذا كان اللبنانيون يعرفون ان دخول اي قوة امنية الى مناطق نفوذ الحزب يحتاج الى تنسيق مسبق معه، فكيف نتوقع ألا يطمح خصومه إلى هذه الفضيلة وهذه السلطة؟
أيضا: إذا كان اللبناني يرى كيف ان القدرة الالهية التي عطلت القانون والقوى الامنية والسلطة القضائية اتاحت بناء نحو خمسة الاف وحدة سكنية وتجارية خلافا للقانون وعلى الاملاك العامة في فترة وجيزة لا تتجاوز الاسابيع بالجنوب والضاحية: ألا يصير بديهيا توقّع طموح فئات اخرى لاستلهام القدرة الالهية، إقتداء بما قام به اخوانهم في الوطن، او ربما للنكاية بهم في أسوأ تقدير، أو بفعل الحاجة في أفضله؟
حادثة طرابلس انفجار يعبر عن احتقان ليس الوضع السوري سببه الجوهري وان كان واحدا من الأسباب. حادثة طرابلس التي افتتحها جهاز الامن العام اللبناني باسلوب مريب، هي دعوة صريحة لاستنهاض او استعجال منطق الدويلات والميليشيات والأمن الذاتي. وما دامت ثابتة عقلية محاصصة الامن وغياب المعيار الواحد في التعامل الامني، وما دام ثمة من يعتبر نفسه فوق الدولة وفوق سلطتها، وإن تحت لافتة المقاومة ويقاتل بسيفها، فإنّ الامن سيبقى هشّاً.
وكما نمت صناعة المخدرات وتجارتها، والمخالفات القانونية والتشبيح على انواعه تحت عنوان الخصوصية الامنية، فإنّ منطق الاشياء يدفع الى ان الخصوصية الامنية وتناتش الاجهزة الامنية هي الغاية التي بات الجميع يصبو اليها.
alyalamine@gmail.com
كاتب لبناني
البلد
“الأمن العام”: إستعجال الأمن الذاتي
bravo ali nehna bi haret kel min idou elou