الأنظار كلها متجهة الى العراق هذه الأيام . تشكيل الحكومة العراقية سيحدد مستقبل المنطقة وموازين القوى الاقليمية والدولية فيها . علاوي – المالكي – الكتلة الأكبر – الكتلة الأصغر – اندماج كتل – اعادة فرز الأصوات في بغداد – كل هذا لم يؤدي الى الآن لبريق أمل باتجاه تكريس ديمقراطية العراق والعمل على تطبيق الدستور الذي يدور حوله الكثير من علامات الاستفهام. ماذا يجري في العراق؟ وماذا يجري في المنطقة؟ في البداية لا بد من الوقوف عند بعض الأحداث التي لفتت أنظار المراقبين وشكلت مجموعة من المؤشرات ذات الدلالات والمغازي الكبيرة، نبدأ من غزة حيث حملت حماس وفدا أميركيا رسائل لادارة أوباما ودعتها لفتح حوار معها لتأسيس علاقات مباشرة معها، وبالمقابل أعلن رئيس الأركان الاسرائيلي السابق الجنرال دان حالوتس ” أن مبادرة السلام العربية تصلح أساسا للسلام بين بلاده والدول العربية و الاسلامية”. مفاوضات بالواسطة تجري على جبهتي فلسطين السلطة وحماس تقودها أميركا التي على غير عادتها نشرت ما دار فيما بين الرئيس أوباما والرئيس أبومازن في مكالمة هاتفية حيث هنأ أوباما رئيس السلطة على بدء المحادثات بالواسطة بين الفلسطينيين والاسرائيليين وكرر الرئيس أوباما التأكيد على دعمه اقامة دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة تعيش بسلام وأمن مع اسرائيل.
على خط آخر قال الرئيس الأسد في حديث مطول لصحيفة ” لاريبوبليكا ” الايطالية ان الولايات المتحدة فقدت نفوذها في عملية السلام في الشرق الأوسط وخيبت الآمال التي أثارها باراك أوباما في هذا الخصوص. بشأن الدعاية الأميركية لعملية السلام قال الرئيس الأسد ” أميركا لا تملك تأثيرا الآن، لأنها لا تفعل شيئا بالحقيقة، مع انها تبقى القوة العظمى الوحيدة في العالم. ” بمقابل هذا يكثر الكلام عن حرب الخريف بين سوريا واسرائيل لتعديل سلوك دمشق ازاء طهران والعمل على ضرب عصفورين بحجر حيث يتم فصل سوريا عن ايران واغلاق الملفات العالقة ” السلام في الشرق الأوسط” و” الملف الايراني” حيث من المسلم به أن سوريا تمسك بقوة بملفي حزب الله وحماس وهذا يستدعي تغيير سلوك سوريا تمهيدا لتغيير الجو العام في المنطقة . على الجبهة الايرانية كانت ملفتة الهجمة التركية البرازيلية نحو ايران وبلورة اتفاق لتبادل اليورانيوم في تركيا ، من جهة أخرى تعمل تركيا على جبهة التهدئة فيما بين سوريا واسرائيل من خلال استضافة القمة الثلاثية السورية التركية القطرية التي هدفت الى توجيه رسائل تهدئة نحو اسرائيل والدفع باتجاه المفاوضات الغير مباشرة .
على الجبهة العراقية يبدو أن الأكراد مرشحون للعب دور الوسيط فيما بين كافة الأطياف العراقية لبلورة حل دستوري يؤدي الى حل الأزمة الحكومية . حدثان أسسا لهذا الدور الحدث الأول كان الوليمة السياسية التي أقامها الرئيس العراقي جلال الطالباني وبنفس السياق اعلانه مجموعة من المواقف عبر جريدة الشرق الأوسط في عدد الأحد 23/05/2010 اذ أعلن مجموعة من الاشارات أبرزها الحدث الثاني وهو الفكرة التي مهد لها رئيس اقليم كردستان مسعود البرزاني باعلانه تأييد الكتلة الكردستانية تكليف رئيس الوزراء الأسبق أياد علاوي بتشكيل الحكومة حسب الدستور. بالمقابل قال الرئيس الطالباني في حديثه للشرق الأوسط عندما سأل كيف يرى الخروج من مأزق تشكيل الحكومة ” أنا أعتقد انه في النهاية سيتفقون على اسم معين اما أن يرشحوا شخصا واحدا ويتم تقييمه، أو أن يقدموا عدة أسماء ويكلفوا بصورة غير رسمية بتشكيل الحكومة ثم يتم الاستفسار من قبل الكتل البرلمانية فيما اذا كان أحد المرشحين بامكانه جمع الأصوات الكافية لتشكيل الحكومة. وباعتقادي هذا هو سيناريو المخرج الأخير لهذه المشكلة”. وحول امكانية أن يكون مرشح التسوية لا سنيا و لا شيعيا انما كرديا، كأن يكون جلال الطالباني أو برهم صالح مثلا قال الرئيس الطالباني “لا لا أرى مثل هذه الامكانية …… لأن الوضع العراقي يتطلب اليوم من الجميع التمسك بما يسمونه حقهم، البيت الشيعي يقولون انهم أكثرية، وهم بالفعل كذلك، فهنالك 159 نائبا شيعيا من القائمتين (الائتلاف العراقي ودولة القانون) اضافة الى مجموعة من النواب الشيعة الموجودون في القائمة العراقية، كذلك هناك مجموعة منهم عند الكرد، اذن الشيعة الموجودون في البرلمان القادم يشكلون الأكثرية الكافية لتشكيل الحكومة، كذلك مجموع الأصوات التي حصل عليها الشيعة فدولة القانون حصلت على مليونين و 794 الفا و38 صوتا والائتلاف الوطني حصل على مليونين و 92 ألفا و682 صوتا هذا يعني أن الائتلافين حصلا معا على خمسة ملايين صوت فيما حصلت العراقية على مليونيين و443 ألفا و905 أصوات …. و هذا يعكس طبيعة غالبية الناخبين” . وحين سأل اذا ما كان يرى علاوي في الأفق القريب رئيسا للوزراء قال ” نعم اذا حصل على 163 صوتا” .
من الواضح انه رغم كل الكلام الجميل عن التوافق والوحدة الوطنية هناك في العراق رابح هم الشيعة والكرد وخاسر هم السنة والرابح مصر على عدم التنازل وعدم القبول بتغيير قواعد اللعبة . ويبدو أن الكرد سيلعبون لعبة اسقاط علاوي بالتشكيل و بذلك يضربون عصفورين بحجر فيكسبون العرب والفرس الى جانبهم اذ كان قد سرب أن الهدف من دعوة الرئيسين جلال الطالباني و مسعود البرزاني للقاء الملك عبدالله في السعودية كان يهدف الى تسويق علاوي لرئاسة الوزراء، وطلب من رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري لعب دور مع رئيس اقليم كردستان مسعود البرزاني بهذا السياق لارتباطهما بعلاقات جيدة. يبدو أن التسوية ستكون ايران نووية باشراف تركي أميركي مقابل دور اقليمي لايران في العراق وافغانستان، فصل سوريا عن ايران، ضرب حزب الله وحماس اطلاق عملية السلام و الوصول الى دولتين فلسطينية واسرائيلية. على جبهة الدور العربي في العراق يبدو أن العرب قد تأخروا بحجز مقعد لهم على القطار العراقي وبالتالي لن يلعبوا دورا مؤثرا سواء بضبط ايقاع الأحداث أو بتشكيل الحكومة بحد أدنى للخسائر السنية.