كتبت الصحف البحرينية عن “كارثة ثقافية” في البحرين لأن مجلس النواب البحريني قرر تشكيل لجنة تحقيق بشأن العروض التي قدمت خلال مهرجان “ربيع الثقافة”. وقد رفض المثقفون والتجار والكتّاب والفنانون وحتى بعض أعضاء مجلس الشورى البحريني توجهات مجلس النواب، واعتبروها محاولة لتكميم الأفواه. وكتب الروائي أحمد صالح: إن العقل يقف مشدوهاً ومذهولاً بمنطق عاجز عن فك وحلحلة أبسط القضايا البرلمانية التي من الأجدى لهم أن يسعفوها بشيء من المعرفة والاجتهاد في درس التقدم بهذا الوطن نحو الأمام وليس الخلف.
محاربة الثقافة والفن والأدب والإبداع في الخليج خطوات اتخذها مجلس الأمة الكويتي، قبل البحريني، حيث استطاع نواب مجلس الأمة اختطاف الدولة، ووضع قيود صارمة على معرض الكتاب في الكويت، وكذلك وضع شروط شرعية على الحفلات الفنية التي تقام في الكويت. كما نجح النواب، بسبب غياب بعض مؤسسات الدولة وضعفها، في منع حفلات الكريسماس ورأس السنة الميلادية، في الفنادق والمطاعم وكل الأماكن العامة.
السؤال هنا: لماذا تحرص جماعات الإسلام السياسي في الخليج، سواء في الكويت أم البحرين، على محاربة الثقافة ومنع التواصل مع الآخر؟ ما هو هدفها من منع انتشار ثقافة التسامح والمحبة؟
هم يحاربون الثقافة لأنها وعاء للحرية الشاملة، وليس الانغلاق وترويج الأفكار التقليدية التي عفا عليها الزمن.. الثقافة مهمة لكل أمة لأنها تمثل التجربة التاريخية للشعب وتترسخ في مؤسساته، وتشكل توجهاته وتطلعاته نحو العالم.
لماذا يتخوف الأصوليون من الاحتكاك الثقافي والتواصل مع الآخر؟ يتخوفون لأنهم يعون تماماً أن الثقافة قد تتغير مع الزمن. فإخراج الثقافة من الإطار التراثي بكل مخرجاته السمحة إلى فضاء أرحب يناقش الآخر البعيد ولا يهمل الواقع القريب أمر لا يعجب أعضاء هذه الجماعات الأصولية المتطرفة، لأنهم يروِّجون لثقافة الانعزال والانغلاق عن الآخر تمهيداً للتطرف والإرهاب، وهذا أسلوب خاطئ على جميع المستويات.
الأصولية الإسلامية في الخليج تحاول إجهاض مجهود الدول الخليجية في بناء الإنسان المنفتح على الآخر، والذي يؤمن بالوسطية والاعتدال.. إننا لا نغالي عندما نؤكد أن الحكومات في دول الخليج العربية أكثر ليبرالية وتحرراً وانفتاحاً وتسامحاً من شعوبها. فالنواب سواء في الكويت أم البحرين تم انتخابهم من قبل الشعب.. لماذا اختار الشعب نواباً من “الإخوان المسلمين” والحركة السلفية، والمتطرفين من الشيعة؟ معنى ذلك أن شعوبنا لا تزال غارقة في وحول التقليدية، وتحارب الحضارة والاعتدال والحداثة. لذلك جاءت محاولات دول الخليج لتعزيز الثقافة وفتح بلدانها على الآخرين من أجل أن يرتفع المستوى الثقافي لدى أبناء شعوبها، حتى يتوصلوا إلى الاختيار الأفضل في الانتخابات العامة.
لا ينكر أحد أن جماعات الإسلام السياسي من “إخوان” وسلف وشيعة وغيرهم قد وصلت إلى البرلمان عن طريق الديمقراطية، على رغم ازدراء هذه الجماعات للديمقراطية، وكرهها للحكم الديمقراطي.. لكنها تستغل الحكم الديمقراطي للوصول إلى السلطة، وبعدها يتم فرض نظام الحكم الديني.
مرة أخرى نتساءل: لماذا تسعى الجماعات الأصولية الحزبية المتطرفة لمنع المهرجانات الثقافية أو وضع قيود على أنشطتها؟ هذه الجماعات تعي تماماً تزايد دور وسائل الإعلام في ترويج ثقافة الانفتاح والتسامح، وتلمس قضايا الإنسان بشكل عام. فالمشاريع الثقافية والسياحية ومهرجانات التسويق التي اتجهت لها دول الخليج مؤخراً.. واستثمرت فيها الأموال الكثيرة، لا تعجب هذه الجماعات لأن الانفتاح الثقافي معناه القضاء على الانعزال والتطرف، مما يؤدي تدريجياً إلى تغير العقليات المتزمتة، ويفتح المجال للتفاهم والمحبة والسلام مع الآخر. فالأصولية في الخليج ضد الحياة ومع الموت، وهذا يتناقض مع الفهم الحقيقي للإسلام. إن الإسلام، مثله مثل أي دين، ليس ما تتحدث الكتب عنه، وإنما ما يصنع الناس منه. إذ لا تؤيد الحياة اليومية لغالبية المسلمين فكرة أن العقيدة في جوهرها معادية للغرب ولتحارب الحداثة.