أتوجه بهذه السطور إلى أبناء مصر التي في خاطري وفي دمي، إلى أصحاب النوايا الطيبة والنوايا السيئة على حد سواء.
إلى هؤلاء الذين يخشون على صورة مصر من التشوه في الخارج، نتيجة لتظاهرات الأقباط في مختلف العواصم الغربية، احتجاجاً على ما يحدث في مصر، من قتل وحرق وتدمير للأقباط وممتلكاتهم وكنائسهم، من قبل جماعات من الغوغاء، الذين تحركهم شخصيات معروفة، يحتل بعضها مناصب في أجهزة الدولة ومجالسها المنتخبة، ودون أن تنتهي أي من تلك الحوادث بضبط الجناة وتقديمهم لمحاكمة عادلة، وإنما ينتهي الأمر دائماً بمجالس تدليس (صلح)، يفرض فيها الجاني شروطه على المجني عليه، لتكون تلك النهاية بداية جديدة لحلقة جديدة من مسلسل استسهال واستمراء الغوغاء التعدي على الأقباط وتدمير ونهب ممتلكاتهم.
إلى جميع السادة المهتمين “بصورة” مصر في عيون الآخرين، والغير مكترثين “بالأصل” وما يرزح فيه، ولا يفكرون في إصلاحه وتجميله، إن لم يكن من أجل مصر ذاتها وشعبها، فمن أجل أن تأتي “الصورة” جميلة بصورة طبيعية، دون مجهودات خارقة وفاشلة، لتجميل “صورة” وجه هو بالأساس قبيح.
بعض من هؤلاء السادة الغيورين على “الصورة” حسني النوايا، ولم تطرق أسماعهم مسلسل استهداف الأقباط متواصل الحلقات، وربما لا يدري هذا البعض أن عقوبة الاعتداء على الأقباط صارت هي الحكم على الجاني بأن يقبل توسلات المجني عليه طلباً للعفو والسماح!!
ولا يدري هذا البعض أن الأحاديث عن المواطنة والوحدة الوطنية هي ممارسات تدليس، يتم فيها نثر ورود صناعية على جثة متعفنة تزكم رائحتها الأنوف، كما لابد وأن هؤلاء لا يدرون أن دولتنا السنية وأجهزتها الجبارة غير راغبة وغير قادرة على وقف هذا المسلسل، وأن بعض عناصرها وأركانها راغبة في استمراره ومشجعة له.
والبعض الآخر ممن يشجب ويدين المظاهرات القبطية حرصاً على “الصورة”، هو سيئ النية بجدارة، لأنه يعلم –وربما هو مشارك بطريقة مباشرة أو غير مباشرة- لكنه يتحدث عن خوفه على “الصورة” الكريمة، لأنه يتعمد صرف الأنظار عن بشاعة “الأصل”، ذلك أنه يري ما نعده بشاعة من قبيل الجمال، الذي يريد وينتوي الاستزادة منه!!
هؤلاء لا تزعجهم “الصورة” حقاً، لكنهم منزعجون لأن الأقباط بدأوا في الصراخ والشكوى، بعد صمت العقود والقرون الطويلة، وقد أعلنها صراحة أحد زبانية الإخوان المسلمين، حين قال أن “الأقباط قد رفعوا رؤوسهم أكثر مما ينبغي”!!
هؤلاء الذين يريدون أن يعيدوا الأقباط لدفع الجزية، وإلى إلزامهم أضيق الطريق.
هؤلاء الذين يشجعون الضارب والظالم على المزيد من الضرب والظلم، ويستديرون للمضروب والمظلوم ينهرونه وينهونه عن الصراخ والشكوى، حتى لا يعكر صوته مزاج الضارب الظالم ويشوه صورته، ويطالبونه أن يتلقى اللطمات والإذلال صاغراً، شاكراً سماحة الظالم وتسامحه.
هؤلاء يطالبون أقباط المهجر أن يجملوا “صورة” مصر بشعار “بلد الأمن والأمان”، فيها أهاليهم بمصر تزهق أرواحهم وتنهب وتدمر ممتلكاتهم وتزدرى مقدساتهم دون رادع، وأن يرسلوا الورود والقبلات إلى من أحالوا مصر إلى وكر لذئاب التخلف والكراهية.
أقول لهؤلاء وأولئك، لأصحاب النوايا الحسنة وأصحاب النوايا السيئة الدنيئة: عفواً أيها السادة، فقد صرنا في عصر لابد وأن تتفق فيه “الصورة” مع “الأصل”، وأن كل محاولات التزييف والتضليل والتجميل لا أمل لها في النجاح، فعدسات العالم صارت الآن في كل مكان، وهي تنقل كل ما يحدث داخل مصر على الهواء مباشرة، وبالتالي فلابد أن تأتي “الصورة طبق الأصل”، وأن من يشوه مصر حقاً ليس المتظاهرين من أقباط المهجر، وإنما الغوغاء والمتعصبون والمدلسون عليهم.
kghobrial@yahoo.com
* الإسكندرية