يبدو أن منطقة وزيرستان الباكستانية ستدخل التاريخ – إن لم تكن قد دخلتها فعلا – كواحدة من أهم معاقل تصدير الإرهابيين و الانتحاريين إلى أوروبا وغيرها في العقد الحالي، و ربما العقود التالية إن تركت دون سيطرة.
إذ لم تعد الأدلة اليوم مقتصرة على ما تم جمعه من معلومات حول الأشخاص الذين تورطوا في هجمات السابع من يوليو 2005 على وسائل النقل العامة في لندن، أو في حوادث مشابهة أخرى في بريطانيا خلال السنتين الماضيتين، ومعظمهم ثبت انه عرج على وزيرستان و تلقن علوم الكراهية و التطرف في مدارسها و تلقى فنون التفجير و القتل و العنف في معسكراتها.
فالمخطط الذي أحبطته السلطات الألمانية أوائل الشهر الجاري لضرب منشآت و محال و مراكز يرتاده الأمريكيون في ألمانيا، بات هو الآخر يشير بأصابع الاتهام إلى وزيرستان بحسب ما تسرب عن صلات و روابط و تاريخ المتورطين الرئيسيين فيه، وهم اثنان من الألمان اللذان تحولا إلى الإسلام و مواطن تركي مسلم. هذا ناهيك عن تطابق الوسائل التي كان هؤلاء يعتزمون استخدامها للقيام بعملياتهم مع تلك التي استخدمت في لندن و أودت بحياة 56 شخصا، و هي المحاليل الكيماوية المتوفرة في الأسواق من نوع “هيدروجين بيروكسايد” الذي يمكن عن طريق تركيزه وخلطه بمواد أخرى صنع قنابل شديدة الانفجار.
وطبقا لما ذكرته المدعية الفيدرالية العامة في ألمانيا “مونيكا هارمس” فان اثنين من هؤلاء الثلاثة تبين أنهما تدربا على أعمال التفجير و القتل في وزيرستان. و هذا لا يختلف عما قالته مصادر الشرطة الألمانية من أن تحقيقاتها قادتها إلى أن الرجال الثلاثة أعضاء في خلية مرتبطة بالحركة الإسلامية الاوزبكية التي تسعى إلى الإطاحة بحكم الرئيس إسلام كريموف العلماني في طشقند، و التي سبق أن أعلنت مسئوليتها عن تفجير انتحاري في يوليو 2004 بالقرب من سفارتي الولايات المتحدة و إسرائيل في العاصمة الاوزبكية. فهذه الحركة كما هو معلوم كانت تتخذ من أفغانستان معقلا لها، ثم اضطرت بعد سقوط نظام طالبان في أكتوبر 2001 إلى الانتقال تحت قيادة زعيمها “طاهر يولداشيف” إلى وزيرستان التي تحولت إلى بؤرة لتجمع مقاتلين وجماعات أصولية متطرفة من دول عدة، لا سيما و أن سكان هذه المنطقة بجزئيها الشمالي والجنوبي عرف عنهم تشددهم الديني و تعاطفهم مع طالبان و تنظيم القاعدة بدليل صور بن لادن المعروضة في أسواقهم، ومدارسهم الدينية التي تدرس فكره المتطرف.
وكتب الباحث المتخصص في شئون الحركات الأصولية “سيد سليم شاهزاد”، و هو مطلع و ملم تماما بأوضاع وزيرستان بحكم انتمائه إلى باكستان، مؤخرا بحثا ذكر فيه أن المقاتلين الأجانب في هذه المنطقة موزعون على معسكرات مختلفة بحسب جنسياتهم، و أن الذين يقومون على تدريبهم هم ثلاثة من قادة القاعدة: ابوناصر المسؤول عن تدريب المقاتلين الباكستانيين و الصينيين الاوغور القادمين من إقليم تركستان الشرقية، و ابوعكاش المسؤول عن تدريب المقاتلين الاوزبك والطاجيك، وابوحنيفة المسؤول عن تدريب المقاتلين العرب و الأكراد و الأتراك و البوسنيين والأوروبيين. و يضيف الباحث الباكستاني أن القادة الثلاثة اضطروا في الفترة الأخيرة إلى الانتقال مع مقاتليهم إلى مواقع معزولة على حدود باكستان المتاخمة لأفغانستان مثل “شاوال”، من بعد أن كانوا يتركزون في “ميرعلي”، و ذلك نتيجة لمصادمات دموية ما بين القبائل المحلية المؤيدة لهم و تلك التي تحملهم مسئولية الضربات الجوية الباكستانية ضد المنطقة. هذه المصادمات التي يقال أنها تسببت أيضا في مقتل المئات من المسلحين الاوزبك.
و عليه يمكن القول أن الرجال الثلاثة المتورطين في المخطط الألماني، إن لم يكونوا قد تدربوا فعلا في المعسكر التابع لأبي حنيفة في وزيرستان مثلما قالت المدعية العامة الألمانية، فإنهم على الأقل كانوا على اتصال بأبي حنيفة أو بتلامذته الأجانب من أولئك الذين إذا ما استعصى عليهم دخول أوروبا لتنفيذ عمليات إرهابية ما، لجأوا إلى الاستعانة بمعارفهم و نشر ما تعلموه في أوساطهم وتحريضهم على تنفيذ الأعمال الإرهابية نيابة عنهم.
ويبدو أن في جعبة السلطات الألمانية الكثير من التفاصيل التي لم تكشف عنها بعد حول دور وزيرستان في ذلك المخطط الإجرامي، خاصة و أنها أعلنت أنها كانت تراقب الرجال الثلاثة و تتبع اتصالاتهم منذ ديسمبر 2006 ، هذا فضلا عن التفاصيل التي حصلت عليها من حملات التوقيف والاعتقالات التالية و التي شملت حتى الآن عشرة أشخاص معظمهم من الجنسيتين الألمانية والتركية، و بينهم على الأقل واحد من باكستان و آخر من لبنان. و المثير في هذه التوقيفات هو أنها شملت لأول مرة في تاريخ ألمانيا أشخاصا يحملون الجنسية التركية، و هذا في حد ذاته تطور خطير و باعث على القلق كون ألمانيا تحتضن الملايين من الأتراك.
أما الولايات المتحدة، التي استهدف المخطط تحديدا قاعدتها العسكرية بالقرب من فرانكفورت (قاعدة رامشتاين) و أماكن الترفيه الألمانية التي يرتادها جنودها، فقد تدفعها الأدلة المتجمعة حول دور وزيرستان في المخطط إلى التخلي عن ترددها و حذرها في القيام بعمليات عسكرية واسعة داخل الأراضي الباكستانية في وزيرستان وسواها من معاقل الإرهابيين الخارجة عن نطاق سيطرة الدولة الباكستانية. و المعروف أن واشنطون لئن هددت بطريقة غير مباشرة بالقيام بمثل هذه الخطوة أكثر من مرة، فإنها التزمت حتى الآن الصبر خوفا من جرح كبرياء المؤسسة العسكرية الباكستانية الحليفة أو التسبب في انقسامها وبالتالي زيادة متاعب الرئيس الباكستاني الجنرال برويز مشرف الذي يعاني نظامه أصلا من أوضاع داخلية حرجة و متفاقمة.
بقي أن نقول: إذا كانت ألمانيا قد نجحت في إحباط المخطط المذكور قبل تنفيذه و اعتقال المتورطين و المشتبهين فيه، فيما عدا تركي يقال انه تمكن من السفر إلى الخارج، بفضل جاهزيتها و خبرتها الطويلة منذ أن كانت مسرحا لأكثر من عملية إرهابية قامت بها منظمات شرق أوسطية ثورية أو منظمات ألمانية راديكالية مثل “بادرملينهوف” في سبعينات القرن الماضي، فهل تستطيع دول أخرى تدارك هذا الوباء الفتاك القادم من وزيرستان قبل تفشيه في أجسادها؟
*محاضر أكاديمي في الشئون الآسيوية
elmadani@batelco.com.bh