القاهرة (رويترز) – أيد الازهر الشريف يوم الاثنين الانتفاضات الشعبية التي أطاحت بعدد من القادة العرب وطالب من بقوا منهم في الحكم باصلاح سياسي واجتماعي ودستوري “طوعا” مشددا على أن أي حاكم ليس بوسعه الان “أن يحجب عن شعبه شمس الحرية.”
وفي بيان تلاه شيخ الازهر أحمد الطيب على الصحفيين قالت أقدم مؤسسة للتعليم الديني السني في العالم العربي والاسلامي ان “الشعوب العربية تخوض نضالا مشروعا من أجل الحرية والعدالة والديمقراطية.”
وأضاف الازهر أن “شرعية السلطة الحاكمة من الوجهة الدينية والدستورية تعتمد على رضا الشعوب واختيارها الحر من خلال اقتراع علني يتم في نزاهة وشفافية ديموقراطية باعتباره البديل العصري المنظم لما سبقت به تقاليد البيعة الاسلامية.”
وخلال الشهور الماضية عقدت عدة اجتماعات في الازهر شارك فيها علماء دين ومثقفون ومفكرون مصريون نوقشت خلالها تطورات الربيع العربي وانتهت مناقشاتهم الى اصدار البيان الذي حمل عنوان “بيان الازهر والمثقفين لدعم ارادة الشعوب العربية”.
نظم الحكم في الدولة الحديثة وما استقر ّّ عليه العرف الدستوري
وطالب البيان الدول العربية بتطبيق ما انتهى اليه “تطور نظم الحكم واجراءاته في الدولة الحديثة والمعاصرة وما استقر عليه العرف الدستوري من توزيع السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية والفصل الحاسم بينها ومن ضبط وسائل الرقابة والمساءلة والمحاسبة بحيث تكون الامة هي مصدر السلطات جميعا.”
وقال البيان ان الارادة الشعبية هي “مانحة الشرعية وسالبتها عند الضرورة.”
وأضاف “الاخلال بشروط أمانة الحكم وعدم اقامة العدل… (يجيز) عزل المستبد الظالم اذا تحققت القدرة على ذلك وانتفى احتمال الضرر والاضرار بسلامة الامة ومجتمعاتها.”
وتابع “تعد مواجهة أي احتجاج وطني سلمي بالقوة والعنف المسلح واراقة دماء المواطنين المسالمين نقضا لميثاق الحكم بين الامة وحكامها ويسقط شرعية السلطة ويهدر حقها في الاستمرار.”
وفيما يبدو أنها اشارة الى سوريا واليمن ناشد البيان الجيوش “أن تلتزم بواجباتها الدستورية في حماية الاوطان من الخارج ولا تتحول الى أدوات للقمع وارهاب المواطنين وسفك دمائهم.”
وقتل ألوف المتظاهرين وأصيب عشرات الالوف في مواجهات مع السلطات في كل من تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا والبحرين منذ بدء احتجاجات الربيع العربي. وشاركت جيوش عربية الى جانب الشرطة في محاولات قمع الانتفاضات.
“سلمية”
وفي نفس الوقت طالب البيان القائمين بالانتفاضات بأن تكون تحركاتهم سلمية.
وقال “يتعين على قوى الثورة والتجديد والاصلاح أن تبتعد كليا عن كل ما يؤدى الى اراقة الدماء وعن الاستقواء بالقوى الخارجية أيا كان مصدرها ومهما كانت الذرائع والتعللات التي تتدخل بها في شؤون دولهم وأوطانهم.
“والا كانوا بغاة خارجين على أمتهم وعلى شرعية دولهم. ووجب على السلطة حينئذ أن تردهم الى وحدة الصف الوطني.”
وقال البيان ان الانتفاضات “انتصرت في تونس ومصر وليبيا ولا تزال محتدمة في سوريا واليمن.”
ولم يشر البيان الى احتجاجات البحرين التي تقوم بها الاغلبية الشيعية في المملكة.
وقال البيان “يناشد علماء الازهر والمثقفون المشاركون لهم النظم العربية والاسلامية الحاكمة الحرص على المبادرة الى تحقيق الاصلاح السياسي والاجتماعي والدستوري طوعا والبدء في خطوات التحول الديموقراطي فصحوة الشعوب المضطهدة قادمة لا محالةَ.”
وأضاف “وليس بوسع حاكم الان أن يحجب عن شعبه شمس الحرية. ومن العار أن تظل المنطقة العربية وبعض الدول الاسلامية قابعة دون سائر بلاد العالم في دائرة التخلف والقهر والطغيان وأن ينسب ذلك ظلما وزورا الى الاسلام وثقافته البريئة من هذا البهتان.”
وقبل شهور أصدر الازهر وثيقة أيد فيها أن تكون مصر بعد الانتفاضة التي أطاحت بالرئيس السابق حسني مبارك في فبراير شباط دولة مدنية لا دولة دينية مثلما كان سائدا في أوروبا في العصور الوسطى بحسب قول الوثيقة.
*
الازهر والمثقفين : الثورات السلمية حق للشعوب وليست خروجا علي الحاكم
محيط – بدرية طه حسين
اصدر الأزهر الشريف و مجموعة المثقفين المشاركين في المؤتمر الذي عقده الازهر اليوم بيانا يدعو فيه الي ضرورة اعتماد ُ شرعية السُّلطة الحاكمة من الوجهة الدينية والدستورية المستندة على رضا الشُّعوب، واختيارها الحرّ.
من خلال اقتراع عَلَنِيٍّ يَتمُّ في نزاهة وشفافية ديموقراطية، باعتباره البديل العصري المنظِّم لما سبقت به تقاليد البَيْعَة الإسلامية الرّشيدة، وطبقًا لتطوُّر نُظُم الحكْم وإجراءاته في الدّولة الحديثة والمعاصرة، وما استقرَّ عليه العُرف الدستوري من توزيع السُّلُطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، والفصل الحاسم بينها.
ومن ضبط وسائل الرّقابة والمساءلة والمحاسبة، بحيث تكون الأمّة هي مصدر السُّلطات جميعًا، ومانحة الشرعية وسالبتها عند الضرورة.
واوضح البيان أنه قد دَرَجَ كثيرٌ من الحكّام على تعزيز سلطتهم المطلقة مُتشبِّثينَ بفهم مبتور للآية القرآنية الكريمة: “و أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ “4/59 متجاهلين سِيَاقَها الواضح الصريح في قوله تعالى قبل ذلك فى الآية التي تسبق هذه الآية مباشرة: ” إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ ” 4/58 .
ممّا يجعل الإخلال بشروط أمانة الحكْم وعَدَم إقامة العدل فيه مُسَوِّغًا شرعيًّا لمطالبة الشعوب حكامهم بإقامة العدل، ومقاومة الظلم والاستبداد .
ومن قال من فقهائنا بوجوب الصبر على المتغلب المستبد من الحكام حرصًا على سلامة الأمة من الفوضى والهرْج والمرْج – فقد أجاز في الوقت نفسه عزل المستبد الظالم إذا تحققت القدرة على ذلك وانتفى احتمال الضرر والإضرار بسلامة الأمة ومجتمعاتها .
واوضح البيان انه عندما يرتفع صوت المعارضة الوطنية الشعبية والاحتجاج السِّلميّ، الذي هو حقٌّ أصيلٌ للشُعوب لتقويم الحكّام وترشيدهم، ثم لا يستجيب الحكّام لنداء شعوبهم، ولا يُبادرونَ بالإصلاحات المطلوبة.
بل يُمْعِنونَ في تجاهل المطالب الوطنية المشروعة التى تنادى بالحرية والعدالة والإنصاف، فإن هؤلاء المعارضين الوطنين لا يُعَدُّون من قَبيل البُغاة أبَدًا، وإنّما البُغاة هم الّذين تحدَّدت أوصافُهم فِقهيًا بامتلاك الشَّوكة والانعزال عن الأمَّة، ورَفع الأسلحة في مواجهة مخالفيهم، والإفساد في الأرض بالقُوّة.
أمّا الحركات الوطنية السِّلميّة المعارضة، فهي من صميم حقوق الإنسان في الإسلام والتي أكّدتها سائر المواثيق الدّوليّة، بل هي واجب المواطنين لإصلاح مجتمعهم وتقويم حُكّامهم، والاستجابة لها واجبٌ على الحكّام وأهل السُّلطة، دونَ مُراوغةٍ أو عنادٍ.
واشار إلي أنه يَتعيَّنُ على قوى الثورة والتّجديد والإصلاح أن تبتعد كليًا عن كل ما يؤدى إلى إراقة الدماء، وعن الاستقواء بالقوى الخارجية أيًا كان مصدرها، ومهما كانت الذرائع والتعلات التي تتدخل بها في شؤون دولهم وأوطانهم وإلا كانوا بغاة خارجين على أمتهم وعلى شرعية دولهم.
ووجب على السلطة حينئذ أن تردهم إلى وحدة الصف الوطني الذي هو أول الفرائض وأوجب الواجبات . وعلى قوى الثورة والتجديد أن تتّحدَ في سبيل تحقيق حُلمِها في العدل والحريّة، وأن تتفادى النزاعات الطائفية أو العرقية أو المذهبية أو الدينية.
حِفاظًا على نسيجها الوطني، واحترامًا لحقوق المواطنة، وحَشدًا لجميع الطّاقات من أجل تحوُّل ديموقراطيٍّ يتمُّ لصالح الجميع، في إطار من التّوافُق والانسجام الوطني، ويهدف لبناء المستقبل على أساسٍ من المساواة والعدل.
وبحيث لا تتحوَّلُ الثّورة إلى مغانم طائفية أو مذهبية، أو إثارة للحساسيات الدّينية، بل يتعيّن على الثوار والمجددِّين والمصلِحِين الحفاظ على مؤسسات دولهم، وعدم إهدار ثرواتها، أو التّفريط لصالح المتربِّصينَ، وتفادي الوقوع في شرك الخلافات والمنافسات، والاستقواء بالقوى الطامعة في أوطانهم أو استنزاف خيراتها.
وبناءً على هذه المبادئ الإسلامية والدستورية، المعبِّرَة عن جوهر الوَعْيِ الحضاريّ؛ فإن علماء الأزهر وقادة الفكر والثقافة يُعلنونَ مناصرتهم التّامة لإرادة الشعوب العربية في التجديد والاصلاح والسعي لاقامة مجتمع الحرية والعدالة الاجتماعية والتي انتصرت في تونس ومصر وليبيا، ولا تزال محتدمة في سوريا واليمن.
ويدينون آلات القمع الوحشية التي تُحاول إطفاء جذوتها، ويَهيبونَ بالمجتمع العربي والإسلامي أن يتّخذ مبادرات حاسمةً وفعّالة لتأمين نجاحها بأقلِّ قَدْرٍ من الخسائر، تأكيدًا لحقِّ الشُعوب المطلق في اختيار الحُكّام، وواجبِها في تقويمهم مَنعًا للطُّغيان والفساد والاستغلال.
فشرعيّةُ أيّة سُلطةٍ مرهونةٌ بإرادة الشّعب، وحقّ المعارضة الوطنيّة السّلمية غير المسلحة مكفولٌ في التّشريع الإسلامي في وجوب رفع الضّرَر، فضلاً عن كونه من صميم حقوق الإنسان في المواثيق الدّولية جميعًا.
وناشد علماء الأزهر والمثقّفون المشاركون لهم النّظم العربيّة والإسلاميّة الحاكمة يناشدونهم الحرص على المبادرة إلى تحقيق الإصلاح السياسي والاجتماعي والدستوري طَوْعًا، والبَدْء في خَطَوات التّحوُّل الدِّيموقراطي.
فصَحْوَةُ الشّعوب المضطهدة قادمة لا محالةَ، وليس بوسع حاكمٍ الآنَ أن يحجبَ عن شعبه شمس الحريّة، ومِن العار أن تظلَّ المنطقة العربية وبعض الدول الإسلامية قابعة دون سائر بلاد العالم في دائرة التّخلُّف والقَهْر والطُّغيان، وأن يُنسَبَ ذلك ظُلمًا وزورًا إلى الإسلام وثقافته البريئة من هذا البُهتان.
كما يتعيَّن على هذه الدُّوَل أن تشرع على الفَوْر في الأخذ بأسباب النّهضة العلمية والتّقدُّم التكنولوجي والإنتاج المعرفي، واستثمار طاقاتها البشريّة وثرواتها الطبيعية خِدمةً لمواطنيها، وتحقيقًا لسعادة البشرية كلِّها.
هذا، ولا يحسبنّ أحدٌ من رعاة الاستبداد والطغيان أنه بمنجاةٍ مِن مصير الظالمين، أو أن بوُسْعِهِ تضليلَ الشعوب، فعصرُ الاتصالات المفتوحة قضي علي هذا الوهم .