عكست مواقف القوى الكبرى من استفتاء إقليم كردستان العراق وجود وتيرة معارضة للنتائج التي صدرت عنه، بعد أن سجّلت تلك النتائج تأييدا شعبيا كبيرا لانفصال الإقليم.
وفيما تصدّرت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا المواقف المعارضة، وعكس الموقفان التصعيديان لتركيا وإيران تباينا في مستوى الوتيرة مقارنة بمواقف القوى الكبرى، بات جلياً أن العراق متردد في اتخاذ موقف عملي لمواجهة معطيات النتائج، وكأنه يخشى تداعيات أي خطوة مستقبلية، أو كأنّ رئيس الحكومة حيدر العبادي في موقف حرِج وفي مواجهة التساؤل التالي: كيف يمكن لبغداد أن تتبنى موقفا عمليا مناهضا لنتائج الاستفتاء يمكن أن يتوازن مع المواقف الأخرى في ظل تباين المصالح الشديد بين الأطراف المتفاعلة مع القضية، لاسيما مواقف كل من واشنطن من جهة وطهران وأنقرة من جهة أخرى؟
وفيما أعلنت إيران منع جميع الشركات الإيرانية من نقل المنتجات النفطية من وإلى كردستان بشكل مؤقت، توقّع مراقبون أن تُقدم تركيا على خطوة مماثلة، في وقت سجلت أسعار النفط انخفاضا بسبب هذه الأزمة. وفي حين اتفقت أنقرة وطهران وبغداد على “التنسيق” للسيطرة على حدود كردستان، قال التلفزيون العراقي إن حظرا فرضته الحكومة المركزية على الرحلات الدولية إلى الإقليم، بينما ذكر مكتب العبادي في بيان أن حكومته تحافظ على حقوق ومكتسبات جميع أبناء شعبها ومن بينهم الأكراد، مشيرا إلى أن “أي إجراء يتخذ يراعى فيه عدم المساس بهم”، وأن “سيطرة الحكومة المركزية على المنافذ البرية والجوية في إقليم كردستان ليس للتجويع ومنع المؤن والحصار على المواطنين في الإقليم، كما يدعي بعض مسؤولي إقليم كردستان ويحاولون ترويجه”.
تلك التطورات تشير بشكل جلي إلى وجود تباين في مواقف الدول الثلاث بشأن كيفية التعاطي مع القضية. ففي حين تريد طهران وأنقرة من بغداد أن تتبنى المزيد من المواقف التصعيدية، نجد أن الحكومة العراقية مترددة أن تسير في هذا الطريق.
إن وتيرة التصعيد التركي/الإيراني تنبني على قاعدة التخوّف من امتداد عدوى الاستفتاء، أولاً إلى الأكراد في الدولتين، وثانياً إلى المكوّن السنّي في العراق. وفي ظل الموقف الأمريكي المعارض للاستفتاء، أكد مسرور بارزاني، ابن الزعيم الكردي مسعود بارزاني ورئيس مجلس الأمن القومي الكردي، حسب الواشنطن بوست، حاجة الإقليم راهنا، بعد التأييد الشعبي الكبير للانفصال، إلى مساعدة من الولايات المتحدة لمواجهة التهديدات العسكرية ضد الإقليم. هذا التصريح يشير بوضوح إلى أن الأكراد يعون تماما بأن الموقف الأمريكي لا يصل في حدته بمعارضته الاستفتاء إلى الموقفين التركي والإيراني، وأنه يحرص في كل خطوة يتخذها على ضرورة عدم التأثير التطورات بالمعادلة الأمن/سياسية في المنطقة، خاصة بعد التراجع العسكري لتنظيم داعش في كل من العراق وسوريا. لذا تبدو الرسالة الأمريكية تجاه الاستفتاء تعكس استحقاقه باعتبار أنه جاء من طرف أحد أصدقاء الولايات المتحدة، إلا أنها تعارض التوقيت لأنه لم يناسب ظروف المنطقة.
أما العبادي فيبدو أنه بعيد عن إعطاء أي ضوء أخضر لبدء هجوم عسكري تركي أو إيراني أو مشترك ضد كردستان، ولو أن هذا الهجوم قد يتحقّق دون موافقة منه. كما أن العبادي قلِق من الموقف الأمريكي المعارض للاستفتاء بحذر، وهو حذر مشوب بكثير من توقعات التراجع، أو قد ينتهي إلى معارضة ليّنة إرضاء لحلفائها. لذا من المتوقع في ظل هذه المعطيات أن يستمر تردّد أو حَرَج العبادي من اتخاذ موقف حاسم تجاه الأزمة، الأمر الذي من شأنه أن يزيد الضغوط السياسية، الداخلية والخارجية، عليه من أجل اتخاذ مثل هذا الموقف. لكن، في السياسة، فإن بعض المواقف المتردّدة قد تساهم في منع حدوث كوارث كبيرة.