شارل جبّور- “الشفّاف” بيروت- –
بدأت الصورة الانتخابية، مع اقتراب موعد إقفال باب الترشيحات، تتضح أكثر فأكثر، وتكتمل خارطة اللوائح في كل الدوائر التي تظهر أن المنازلة الفعلية لا تتجاوز المناطق المسيحية باستثناء احتمال ترشح رئيس الحكومة فؤاد السنيورة عن المقعد السني في صيدا.
ترشح الرئيس السنيورة يعطي المعركة في هذه الدائرة بعدا وزخما مهمين، حيث أن المعركة في ظاهرها سنية-سنية ولكن في عمقها هي معركة سنية-شيعية من خلال الدعم الذي يقدمه حزب الله إلى النائب اسامة سعد، ومن خلال حرص الحزب على إبقاء عاصمة الجنوب وبوابته تحت سيطرة ما يطلق عليه تسمية الشيعية السياسية. وذلك من خلال عدم السماح لرمزية سياسية جسّدها رئيس الحكومة بممارسته وممانعته وصلابته منذ العام 2005 من البروز والتمظهر والتأسيس لواقع سياسي جديد ومختلف في الجنوب.
وباستثناء هذه المعركة المحتملة التي تتوقف على ترشح الرئيس السنيورة اليوم أو عدمه، فالإنتخابات تدور فعليا داخل الساحة المسيحية بعدما تأكد منحى المصالحات والتفاهمات على الساحة الإسلامية في ضوء احتكار الثنائية الحزبية الشيعية للتمثيل الشيعي والتفاهم السني-السني الذي تبلور خصوصا في طرابلس بين الثلاثي سعد الحريري ونجيب ميقاتي ومحمد الصفدي والتوافق الدرزي-الدرزي الذي وضع الطائفة الدرزية خارج المعركة من خلال خيار “اللامعركة” في عاليه عبر ترك جنبلاط مقعدا درزيا شاغرا في لائحته لمصلحة الوزير طلال ارسلان.
لا شك في أن هذا الواقع، أي اعتبار المعركة مسيحية-مسيحية ، وحرص كل من النائب سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط على توفير المناخات السياسية المواتية لمساعدة مسيحيي 14 آذار على الفوز على ميشال عون من أجل احتفاظ 14 آذار بأكثريتها النيابية هو الذي دفعهما إلى التنازل عن مواقع نيابية مسيحية داخل دوائر نفوذهما لمصلحة الثنائية الحزبية الكتائبية-القواتية من أجل إفقاد عون إمكانية استخدام أو توظيف ما يسمى استئثار قوى إسلامية بالمقاعد المسيحية.
ولكن على أهمية التجاوب الحريري-الجنبلاطي مع المطالب الحزبية المسيحية، الذي إن دل على شيء فعلى وحدة صفوف 14 آذار ورؤيتها المشتركة إلى مستقبل لبنان والمخاطر الناجمة عن فوز قوى 8 آذار بالانتخابات، إلا أن الواقع الحزبي المسيحي، على أهميته وفعاليته، لا يختصر التمثيل السياسي المسيحي. وقد أثبتت الأحداث السياسية أن الرأي العام المدني داخل 14 آذار شكل بحضوره الوازن القوة الحاسمة في انتصار انتفاضة الاستقلال، وتاليا كان يؤمل أن تشكل الانتخابات النيابية مدخلا إلى تعميق الوحدة بين مكونات 14 آذار وتحويلها من تحالف جامع لمروحة من القوى السياسية التي يغلب عليها الطابع الحزبي والفئوي، إلى تحالف لا يطمس هذه التعددية والخصوصية ولكنه يغلب الطابع الوطني على الفئوي.
إن الدخول في الاستحقاق النيابي بأعلى درجات التعبئة السياسية والشعبية على أمل أن تشكل هذه الانتخابات مدخلا إلى حسم الازدواجية في السلطة بين شرعية وأخرى غير شرعية كان يفترض إشراك الرأي العام الاستقلالي غير الحزبي في هذه المعركة. فالجميع يقر في الحركة الاستقلالية بضرورة انخراط المستقلين في شكل وازن وعلى نطاق واسع من أجل حسم المعركة الانتخابية.
ولكن يبدو، وفق الطريقة التي اعتمدت في تشكيل اللوائح، أن باب المشاركة الفعلية أمام المستقلين ما زال مقفلا، إن على مستوى الترشح أو على مستوى المشاركة في رسم خيارات 14 آذار، ما يشكل خطرا على الانتخابات التي باتت، بشكل أو بآخر، مهددة نتيجة إقصاء الرأي العام الاستقلالي وحصر المواجهة بين الأحزاب داخل 14 آذار وخارجها، في الوقت الذي كان يفترض:
أولا، إنهاء التنافس القائم داخل حركة 14 آذار بين الأحزاب السياسية، وبين الحزبيين والمستقلين.
ثانيا توسيع إطار التحالفات الانتخابية بالتفاهم مع المرجعيتين الروحية (البطريرك الماروني) والوطنية (رئيس الجمهورية).
إن أحد مرتكزات المعركة الانتخابية في الوسط المسيحي هو توسيع إطار التحالفات الانتخابية. وهذا لا يعني إقامة تحالف انتخابي مع البطريرك صفير والرئيس سليمان باعتبارهما لن يتدخلا من موقعهما في هذه الانتخابات، إنما التواصل والتنسيق معهما انطلاقا من التقاطع الموضوعي القائم على عنوان الدولة في لبنان بينهما وبين 14 آذار، حيث أن رئيس الجمهورية يدرك جيدا أن فوز 8 آذار في الانتخابات يعني انتهاء دوره وضرب موقع رئاسة الجمهورية، والبطريرك الماروني يدعو الناخبين باستمرار إلى مساءلة النواب ومحاسبتهم في صندوقة الاقتراع على سلوكهم وأدائهم. والبيان الأخير لمجلس المطارنة الموارنة الذي حث المواطنين على قراءة “شرعة العمل السياسي” التي أصدرتها الكنائس المسيحية هو أبلغ دليل على ذلك، إلى جانب تذكير البيان مجددا بصفات المرشح، وأبرزها إخلاصه للوطن ومصالح هذا الوطن.
إن استبدال مستقلين بحزبيين أمر مؤسف. الطريقة التي شكلت بها اللوائح الانتخابية الـ14 آذارية انعكست سلبا على صورة 14 آذار لدى الرأي العام الاستقلالي، إذ عادت الصورة القديمة، صورة الوراثة السياسية والهيمنة الحزبية والزبائنية السياسية، تطغى على مشهد 14 آذار الانتخابي.
إن الأهداف الكبرى والنبيلة التي تسعى الحركة الاستقلالية إلى تحقيقها تبقى ناقصة وغير كافية ما لم تقترن بالوسائل التنفيذية، بمعنى أن تكون الوسائل أيضا على مستوى الأهداف والمرحلة والتحديات المطروحة، وهي ليست كذلك، ويا للأسف. ولكن، على رغم من ذلك، المهم اليوم هو فوز 14 آذار على 8 آذار، أي أن تكون الانتخابات المقبلة خطوة على طريق تعزيز حضور الدولة واستعادة لبنان عافيته ودوره العربي وتفعيل رسالته في العيش المشترك وتفاعل الثقافات. وفي 8 حزيران يوم آخر، وسيكون لكل حادث حديث.
charlesjabbour@hotmail.com