منذ اواخر القرن الماضي وبدايات الحالي بدأت اعمال العنف تتخذ طابعا اكثر دموية حول العالم وتحصد اكبر عدد من المدنيين والابرياء حتى تحول بعض هذه الاعمال مفصلا تاريخيا يكتب التاريخ بما قبله وبعده، وتحديدا في الحادي عشر من ايلول سبتمبر حين ضربت القنابل البشرية الطائرة برجي التجارة ومقر وزارة الدفاع في الولايات المتحدة.
ولكن، وفي معزل عن الاسباب التي استولدت مثل هذه الاعمال، وعلى اهمية هذه الاسباب، يبدو ان هناك من يريد ان يضع الاسلام في مواجهة مع الغرب والشرق، باختصار مع العالم. فلا نجد اليوم بؤرة ارهاب او مرتعاً او ملاذاً آمناُ كما درجت التسميات إلا وهو لصيق باسلاميين ومنهم من يوصفون بالمتشددين او المتطرفين في تلطيف مقصود لوصف اسلاميين ارهابيين.
ان استعراضاً بسيطاً لابرز بعض اعمال العنف الاخيرة التي حصدت مجانا مئات الارواح ولم تحقق اي هدف سوى القتل المجاني يضع اكثر من علامة استفهام حول مدبري اعمال العنف هذه وغاياتهم.
ففي مدريد، اسفر تفجير القطارات عن سقوط قرابة مئتي قتيل، والجماعة الاسلامية المقاتلة متهمة بالوقوف وراء الاعتداء. وفي لندن عشرات القتلى في تفجيرات مترو الانفاق، والذين نفذوا الهجمات اسلاميون باكستانيون هم محمد صديق خان وشاهزاد تنوير وحسي حسن وتنوير الذي قالت عائلته إنه التحق بمدرسة دينية في الباكستان. وفي بالي، الجماعة الاسلامية في اندونيسيا تفجر فندقا سياحيا وتحصد اكثر من مئتي قتيل. ومؤخرا، نقلت وسائل الإعلام الرسمية في بكين عن مسؤول صيني قوله إن انفصاليين مسلمين دهمت الشرطة مخبأهم مطلع السنة، كانوا يخططون لشن هجوم على الألعاب الأولمبية في أيلول (سبتمبر) المقبل. كما أعلن مسؤول صيني أن السلطات أحبطت «هجوماً ارهابياً» على طائرة ركاب كانت في رحلة من اورومكي الى بكين.
هذا طبعا غيض قليل من فيض كثير يضاف الى هجمات الحادي عشر من ايلول والتي قام بها عناصر من القاعدة من دول عربية عدة ومسلمون ايضا، فضلا عن مآثر هذا التنظيم في استهداف المدنيين في العراق والسعودية والتي لا يتسع مقال لتعدادها وان كان ابرزها تفجير مقر الامم المتحدة في العراق وتفجير قريتين كاملتين في العراق ومآثر الزرقاوي على الشاشات والشبكة العنكوبيتية وهو يجز الرؤوس وسواها وتفجيرات الخبر والرياض في السعودية دون ان ننسى المآثر الجنجويدية والمحاكم الاسلامية في الصومال.
انه لأمر غريب حقا أن اصبح من يطلقون على انفسهم اسلاميين يمثلون مشكلة عالمية يحار المرء في كيفية التعاطي معها ومن اين يبدأ اذا كان الانتحار فيها وقتل الذات والآخرين قمة المبتغى.
ولكن لا بد من التساؤل: اين يكمن الخلل؟ هل هو في الدين الاسلامي ام في الاسلاميين؟ وما العمل من اجل ايقاف هذه الموجة العارمة حول العالم؟
حيث يوجد عنف وارهاب هناك اسلاميون، وفي معزل عن الاسباب والمظالم والتعريفات المختلف عليها والتلاعب على الفاظ المقاومة والارهاب والتفريق بينهما، مع مشروعية هذا التفريق، ولكن هل يمكن تفسير قتل مئتي سائح في بالي بعمل مقاوم وضد من؟ وهل يمكن تبرير قتل ركاب القطارات ومترو الانفاق في مدريد ولندن؟ هل هو فعل مقاومة قتل المدنيين في الخب؟ هل العاملون في مقر الامم المتحدة في العراق سلطة احتلال يستوجب قتلهم؟ وهل استهداف برجي التجارة يعني استهدف البنية التحتية للجيش الاميركي؟
وفي اول الامر هل قتل النفس حلال؟ ومن سول للانتحاري وسوغ له وسهل له الطريق ليقوم بما قام به؟ هل هو صراع حضارات؟ واذا كان كذلك عن اي حضارات نتحدث؟ هل هي الحضارة الغربية وفي مواجهة اي حضارة؟ ام انها حضارة الحياة في مواجهة حضارة الانتحار والموت؟ اذا كانت هذه عناوين المواجهة فالخيار محسوم برفض القتل الجماعي تحت اي مسمى. واين تقف المرجعيات الاسلامية من هذا العنف؟ وهل يصح ان يتعرّض مليار مسلم حول العالم للاضطهاد كي يتم تبرير القيام مثل هذه الاعمال؟
انها اسئلة قد لا تكون الاجابة عليها موحدة او متوفرة اصلا. ولكن لا بد من ايجاد منهج لتعريتها ونزع صفة الاسلام عنها وايجاد صورة نمطية جديدة للاسلام لا يلتصق فيها العنف المبرر وغير المبرر، اذا كان هناك من عنف مبرر اصلا.
richacamal@hotmail.com