خاص بـ”الشفّاف”
يبدو ان النتائج النهائية لاسماء المقبولين للانتخابات الرئاسية الايرانية لن تعلن اليوم كما هو متعارف عليه قانونيا. ومن المتوقع ان يلجأ مجلس صيانة الدستور الى ارسال الاسماء للهيئة العامة للانتخابات التابعة لوزارة الداخلية مساء اليوم او غدا صباحا. وعليه فان اللائحة النهائية سيتم الاعلان عنها من وزارة الداخلية بين عصر يوم غد او بعد غد بالنظر الى القانون الذي يعطي وزارة الداخلية حق تأخير اعلان النتائج مدة ثمانية واربعين ساعة بعد استلامها من مجلس صيانة الدستور.
*
في قراءة لما قد يحدث بعد إعلان “مجلس صيانة الدستور” في ايران لاسماء المرشحين الذين يحق لهم المشاركة والاستمرار في سباق الانتخابات الرئاسية، لم تستبعد داوئر معنية بالانتخابات في “حرس الثورة” الايرانية امكانية ان يلجأ تيار احمدي نجاد الى اعمال شغب في حال قرر مجلس الصيانة رفض اهلية مرشح هذا التيار، أي “اسفنديار رحيم مشائي” من السباق.
وتعتقد هذه الدوائر ان التجارب مع احمدي نجاد واسلوبه في التعامل مع الازمات السياسية تحمل على هذا الاعتقاد، وتعزز امكانية لجوء الجماعات المؤيدة له للعمل على ضرب الاستقرار من اجل التأثير على مراكز القرار.
هذه الدوائر تعتمد في تحليلها وقراءتها على طريقة تعاطي احمدي نجاد مع قرار مرشد النظام الذي استفاد من صلاحياته فوق الدستورية عندما ابطل قرارَ الرئيس باقالة وزير الامن “حيدر مصلحي” وأعاده الى منصبه في ابريل عام 2010، ما دفع احمدي نجاد الى الاعتصام في منزله لمدة أحد عشر يوما. وبالتالي أسس هذا الاعتصام لمرحلة جديدة من الخلاف بين احمدي نجاد والتيار المحافظ بات اكثر وضوحا وعلانية وانتهى الى اعلان القطيعة بين الطرفين.
وقد اسهمت بعض التصرفات والمواقف التي صدرت عن تيار الرئيس او الحلقة المقربة منه في تعميق هذا الخلاف الذي تبلور من خلال طرح مسائل فكرية وعقائدية واجتماعية تتعارض بشكل واضح مع توجهات ومبادئ القوى المحافظة. خاصةً ما صدر عن مشائي من كلام حول “المذهب الايراني” في الاسلام! وبالتالي لم يجد التيار المحافظ مخرجاً لهذه الازمة سوى اللجوء الى الحل الأسهل المعتمد على البُعد الاديولوجي من خلال اتهام هذا التيار بالانحراف عن الدين والخروج من دائرة العقيدة .
موجة الاعتراضات التي اثارها التيار المحافظ على سلوكيات ومواقف فريق احمدي نجاد خلال العهد الاول من رئاسته، خاصة الموقف الذي اعلنه رحيم مشائي من ان “الشعب الاسرائيلي صديق للشعب الايراني” والذي يتعارض مع المبادئ الايديولوجية والسياسية للنظام الايراني الذي لا يعترف بوجود الدولة او شعبها، دفعت احمدي نجاد وفريقه الى حسم امورهم واتخاذ قرار بالسير في المواجهة مع التيار المحافظ الى النهاية. وهذا ما شكّل السمة الغالبة للدورة الثانية من رئاسته والتي اتخذت منحى خلاصته “العبور على الاصولية” والعمل على تشكيل تيار ثالث مستقل عن التيارات الناشطة داخل الحياة السياسية الايرانية، الاصلاحية والمحافظة، والدخول في سباق التنافس السياسي مع الاخرين.
استراتيجية البدائل
يشكل الانتصار في الانتخابات الرئاسية لعام 2013 بُعدا مصيريا في استمرارية وحياة هذا التيّار، انطلاقا من معرفته وادراكه لصعوبة الاستمرار من دون ذلك بسبب افتقاره للعمق والقاعدة الاجتماعيين. اضافة الى تجربته الفاشلة في الانتخابات البرلمانية الماضية، وفشله الذريع في الامساك بمفاصل السلطة التشريعية، اضافة الى انه بعد انتهاء رئاسة احمدي نجاد لن يكون هذا التيار قادرا على التأثير داخل دوائر السلطة التنفيذية، وهذا ما سيسهم في اخراجه او ابعاده عن الحياة السياسية من دون وجود افق لامكانية عودته في المستقبل.
كل هذه المعطيات دفعت تيار الجديد الذي يتقاسم زعامته كل من احمدي نجاد وامينه ومستودع اسراره وافكاره، اسفنديار رحيم مشائي، للتفكير في وضع خطط مدروسة واهداف محددة ومتعددة تتعلق بالعملية الانتخابية والعمل على تحقيقها، ويمكن توزيعها على ثلاثة مستويات.
.الاول: الحد الاعلى، ويتلخص بالفوز في الانتخابات الرئاسية والسيطرة على السلطة التنفيذية
الثاني: الحد المتوسط، ويتخلص بالتركيز على الانتخابات البلدية في المدن والقرى والعمل على السيطرة عليها.
الثالث: الحد الادنى، ويتركز على الدفع لابقاء الخطاب الثقافي والاجتماعي والسياسي لهذا التيار ناشطا في الحياة السياسية الايرانية وتوسيع نفوذه خلال السنوات القادمة كمقدمة للعودة الى مواقع القرار.
فقد لجأ تيار احمدي نجاد الى اعتماد اساليب متنوعة ومختلفة من اجل الوصول الى اهدافه الكبرى، بعضها عملي والبعض الاخر اعلامي، تركزت على تحميل الاخرين مسؤولية فشل السلطة التنفيذية في تطبيق سياساتها الاجتماعية والاقتصادية وحتى الدبلوماسية الخارجية.
ولم تتوقف اتهامات فريق احمدي نجاد عند النيل من التيار المحافظ بكل مراكز القرار فيه، بل اصطدم بمؤسسة “حرس الثورة الاسلامية”. وقد شكلت الاتهامات التي ساقها احمدي نجاد لمؤسسة الحرس وتدخلها وهيمنتها على الاقتصاد، والتدخل في عمل المؤسسات المدنية والتنفيذية، سابقةً في تاريخ الثورة الايرانية والنظام. خاصة وانها جاءت من شخص استخدم انتماءه لهذه المؤسسة اثناء الحرب العراقية الايرانية والعضوية في صفوفه لاضفاء الشرعية الثورية على نفسه خلال السباق الرئاسي عام 2005. وبالتالي فانه نال من احد اهم وابرز مقدسات الثورة.
ازمة الاستمرارية
ان احدى ابرز المعضلات التي تواجه تيار السلطة او تيار احمدي نجاد تكمن في عدم وجود شخصية في صفوفه تتمتع بتاريخ واضح وشرعية ثورية لتكون مرشحا للانتخابات الرئاسية، كما هو الحال بالحد الادنى مع احمدي نجاد الذي استطاع ايضا ان يوجد لنفسه قاعدة شعبية. بناء على ذلك فان هذا التيار يراهن على الدعم الكامل والشامل الذي سيقدمه احمدي نجاد لمرشحه على امل تجيير القاعدة الشعبية التي يمتلكها احمدي نجاد لصالحه.
الجهود التي بذلها هذا التيار خلال الفترتين الرئاسيتين لاحمدي نجاد انتهت باختيار “رحيم مشائي” مرشحا اولا والدفع بمرشحين ثانويين مثل “علي اكبر جوانفكر” مستشار الرئيس الاعلامي ورئيس وكالة الانباء الرسمية، و”محمد رضا رحيمي” النائب الاول للرئيس واشخاص اخرين.
ثم عمد الى الضغط على هؤلاء المرشحين لاعلان انسحابهم من السباق لتنصب وتتمركز كل الجهود على دعم مشائي كمحور وحيد لهذا التيار في الانتخابات وعدم جدوى الالتزام بلعبة تعددية المرشحين او المراهنة على المرشح البديل في حال رفض مجلس صيانة الدستور اهلية مشائي، ولم يعد لديه خيار سوى تركيز الجهد على محاولة العبور بمرشحه الوحيد الى ساحل موافقة صيانة الدستور وتعقيد عملية رفضه بناء على الاثمان التي قد تنتج عن هذه القرار ، ثم توظيف كل الامكانيات التي بحوزته والتي عمل على تجميعها خلال السنوات الثمانية الماضي من اجل ايصاله الى رئاسة الجمهورية
وجود احمدي نجاد في اروقة وزارة الداخلية في اليوم الاخير لتسجيل اسماء المرشحين لرئاسة الجمهورية الى جانب مشائي ومشاركته في اللقاء الصحفي والدعم العلني والمباشر الذي قدمه لمشائي، كل هذه التصرفات تكشف ان هذا التيار لا خيار لديه للفوز سوى الزج باحمدي نجاد في خد المواجهة الاول والعمل بكل ما يملك لتثبيت مواقعه في ساحة المنافسة وصولا الى الفوز. ما وضع هذا التيار امام حالة من انسداد الافق السياسي امام خطر عدم امتلاكه لمرشح رئاسي في حال تم رفض مشائي.
لمواجهة هذا التحدي او هذه الازمة، فمن المحتمل ان يقدم هذا التيار على القيام بعدد من الخطوات لضمان استمراريته مثل:
1 – السعي لتمرير تأييد صلاحية مشائي حتى ولو كان عن طريق الضغط لدفع خامنئي باصدار قرار يلغي قرار مجلس صيانة الدستور” في حال رفضه، أي ما يسمى في ادبيات صلاحيات ولي الفقيه بـ”حكم حكومتي” في” تكرار لتجربة عام 2005 مع مرشح الاصلاحيين “مصطفى معين”.وهذا ما لمح له مشائي نفسه من انه سيلجأ إلى المرشد الاعلى للدفاع عن حقه في الترشح والاستمرار في السباق الانتخابي.
2 – العزوف عن الانتخابات الرئاسية في حال تم رفض ترشيح مشائي وتركيز الجهود على الانتخابات البلدية.
3 – الاعتكاف السياسي وعدم الاهتمام، ومقاطعة الانتخابات
4 – اللجوء إلى عرقلة العملية الانتخابية وصولا إلى الغائها.
5 – خلق فتنة وفوضى قبل الانتخابات.
وفي حال لم يلجأ هذا التيار إلى اعتماد الخيارين الاخرين، خاصة في ظل الاستعدادات الامنية والواسعة التي اعلن عنها حرس الثورة والاجهزة الامنية للضرب بيد من حديد لكل محاولات ضرب الاستقرار والتأثير على العملية الانتخابية، فان الخيار الانسب امام فريق احمدي نجاد هو الانتقال إلى خيار التركيز على الاننخابات البلدية، مستفيدا من آلية عمل طويلة على المناطق النائية وبعض المدن وفرتها الزيارات المكوكية التي قام بها احمدي نجاد وفريقه إلى المحافظات على مدى ثماني سنوات.
اللجوء إلى اعتماد خيار التركيز على الانتخابات البلدية المدفوع بالخوف من الفشل في الانتخابات الرئاسية، جاء بعد تضيق دائرة المناورة والمنافسة على هذا التيار. وانطلاقا من هذا المعطى، فان تحقيق نصر في الانتخابات البلدية سيقطع الطريق على اخراج هذا التيار كاملا من الحياة السياسية، وهذا ما يكشفه مشاركة عدد كبير من المنتمين لهذا التيار في انتخابات بلدية العاصمة طهران والمدن الاخرى.
ومن المتوقع ان يعمل هذا التيار على تحقيق نصر في بلدية طهران التي ستشكل المعركة الاساسية له في مواجهة القوى الاخرى خاصة التيار المحافظ، انطلاقا من انها ستشكل جسرا لعودته إلى دائرة القرار وتساعد على بلورة مشروع انتخابي لرئاسة الجمهورية مستفيدين من تجربة احمدي نجاد في رئاسة هذه البلدية، التي شكلت منصة لوصوله إلى رئاسة الجمهورية. إن ايصال الشخص الذي يختاره هذا التيار إلى رئاسة البلدية سيسمح له بالتالي بكسب شعبية واسعة من خلال الخدمات التي سيقدمها وتمهيد الطريق امامه للدخول في السباق الرئاسي بعد اربع سنوات وتفتح الطريق امام عودة هذا التيار للسيطرة على السلطة التنفيذية
fahs.hassan@gmail.com
محلّل لبناني- دبي