قام المرجع الاسلامي الشيعي الاعلى، السيد محمد حسن الشيرازي في عام 1891 بإصدار الفتوى التالية في ايران: «ان استعمال التبغ والتنباك اليوم بأي نحو كان يعد في حكم محاربة امام الزمان عجل الله فرجه».
مرت تحت الجسر منذ صدور تلك الفتوى قبل 117 عاما مياه كثيرة، وتغير الموقف من التبغ ليصبح سلعة اقتصادية وطنية في تلك البلاد، بعد اباحة وشيوع استخدامه، علما بأن الفتوى صدرت في حينه من مرجع ديني ضد حاكم دنيوي، هو الشاه ناصر الدين، لإجباره على الغاء اتفاقية التنباك، او التبغ، الشهيرة التي سبق ان وقعها مع شركة بريطانية احتكارية.
بعد صدور الفتوى بمائة وعشرة اعوام تقريبا اصدر السيد محمد حسين فضل الله المفتي والفقيه اللبناني المعروف فتوى قال فيها ان تدخين التنباك اثناء سريان الصيام لا يفطر. وقد سبق ان انتقدنا تلك الفتوى في حينها لا لشيء الا لمعارضتها الصحة العامة، ومن اجل المنطق. وقد قام المرجع اللبناني الكبير نفسه، الذي يحظى باحترام جم من قبل الشيعة والكثير من السنة في عدد من الدول الاسلامية، قام قبل ايام بالإدلاء بحديث مميز لموقع «العربية نت» التابع لقناة «العربية» التي تمتلكها جهات سعودية، مثّل، من وجهة نظري، قمة التسامح والقبول بالطرف الاخر دون تحزب او تعصب، حيث قال ان عبارة «عليا ولي الله» التي ترد في اذان المسلمين الشيعة، ليست جزءا من الاذان. كما ذكر أن الصفوية التي بدأت في ايران في عام 1501 ليس لها وجود الآن. وان المسلمين العرب الشيعة بمجملهم غير تابعين لغير دولهم، سواء دينيا او سياسيا، وانه ليس للشيعة في اي دولة عربية مشروع خاص بهم.
وأشار فضل الله الى مسألة السجود، عند الصلاة، على التربة، وقال إنه ليس لها اية قدسية. كما حرم ادماء الرأس في عاشوراء، او ضرب الظهور بالسلاسل، رافضا كل تقليد يحاول ان يعطي المأساة ابعادا تؤذي الجسد او تشوه الصورة الاسلامية. وحرم فضل الله تحريما مطلقا الاساءة الى الصحابة وسبهم، ومنهم السيدة عائشة. وأكد أن غالبية الشيعة لا يقولون بولاية الفقيه. كما ان زواج المتعة لديهم يعتبر من المسائل التي لا تزال موضع خلاف في الشريعة، وانطلاقا مما يمتلكون من ادلة يعتقدون بشرعية الزواج، بينما يعتقد السنة انه لا شرعية له لان الآية نسخت، وقال إن هذا بحث علمي اجتهادي لا يجوز لنا ان نتراشق فيه بالاتهامات الباطلة.وقال إنه ليس بين الشيعة ولا واحد في المليون من يعتقد ان هناك قرآنا آخر يسمى بمصحف فاطمة.
وقال المرجع فضل الله إن ما ينسب للشيعة من حديث عن خيانة جبريل هو حديث عن خط من خطوط الكفر، ويمثل اساءة لله، لأن الله لا يمكن ان يأتمن على وحيه من يخون الامانة، ويصبح بالتالي عدم صحة هذه المقولة في احاديث الشيعة ولا في اعتقاداتهم من قريب او بعيد.
الحديث طويل وتضمن امورا عدة ويمكن الرجوع لـ«العربيةـ نت» لقراءته كاملا.
ونحن اذ نشكر المرجع الكبير على كلامه، نتمنى ان نرى جهة تقوم بتبنيها ووضعها في اطارها الصحيح والعمل على ترويجها، علما بأن معارضة الغلاة، من الطرفين، في نشر هذه الآراء لن تكون سهلة، فمصالح الطرفين في خطر في حال تهاوي جدران الاختلاف والمعارضة بينهما، فمن مصلحة غلاة الطرفين بقاء هذه الاختلافات لأطول فترة ممكنة وضمن اكبر عدد من اتباعهم لتستمر هيمنتهم على عقول الملايين من المؤمنين السذج وقلوبهم وجيوبهم.
نقول كل ذلك بمناسبة البادرة الجميلة التي قام بها بعض كبار رجال الدين السنة في السعودية عندما صلوا في مسجد شيعي في القطيف خلف امام شيعي، وكيف ان الاتفاق تم على الرد ايجابيا على هذه المحاولة عن طريق قيام وفد شيعي بزيارة مسجد سني للصلاة خلف امام سني وما تبع ذلك من وأد لهذه المحاولة لان نفرا من غلاة السنة وجدوا في المحاولة تقاربا يضر بمصالحهم، الامر الذي دعا الفرقاء المعنيين للاتفاق على اقامة الصلاة المشتركة في مكان «سري»، لكي لا يتم تنفيذ التهديد بتخريبها!
وبعد كل هذا يعتقد الكثيرون بأن خلاصنا لا يكون الا على يد رجال الدين منا!
habibi enta1@gmail.com
* كاتب كويتي