خلال اليومين الماضيين إستقبل شيخ الازهر الدكتور احمد الطيب في القاهرة وعلى التوالي وفد تجمع العلماء المسلمين في لبنان، ومندوبا عن رئيس مجلس الشورى الايراني علي لاريجاني، حاملا اليه دعوة إلى مؤتمر فكري يعقد في ايران، ووفدا من حزب الله برئاسة الشيخ حسن عز الدين. الوفود الثلاثة تتقاطع، الى جانب السمة الشيعية، في كونها تعبر عن وجهة ايرانية تسعى الى بناء علاقات طيبة مع المؤسسة الاسلامية الدينية الاكبر والاعرق، لم تكن قائمة قبل الثورة المصرية وفي عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك.
ولا يخفى على أحد ان هذه اللقاءات تأتي اثر مواقف صدرت من شيخ الازهر الشهر المنصرم تتسم بطابع وحدوي بين المسلمين، وبتجديد موقف الازهر من الاعتراف بالمذهب الشيعي كمذهب من المذاهب الاسلامية المتنوعة. واذا كان تجمع العلماء المسلمين يضم بين اعضائه رجال دين سنة وشيعة لبنانيين، فقد “نبه فضيلته الوفد بأن الأزهر الشريف هو الحصن الحصين لأهل السنة والجماعة فى العالم كله، ولن يسمح باختراق المجتمعات السنية من طرف أيّ مذهب كان، ولا يمكن للوحدة الإسلامية أن تقوم إلا بالاحترام المتبادل والتعددية المذهبية”. كما دعا كبار مراجع الشيعة “إلى إبداء الفتاوى الصريحة والواضحة والملزمة لكافة الشيعة بضرورة احترام وتوقير أم المؤمنين السيدة عائشة، وجميع الصحابة الكرام، وتجريم كل الأقوال التى تنتقص من قدرهم”.
إيران تطلب من مصر بعض “الرضى”، وتعطيها مشروعية مستجدّة
وليس خافيا أيضا ان موقف الازهر هذا يأتي في ظل توتر سياسي يتّخذ طابعا مذهبيا يمتدّ على طول مناطق التواجد السني – الشيعي، من العراق الى دول الخليج وسورية ولبنان، ولم تنج منها ايران وغيرها من بعض الدول المسلمة. ويواكب هذا التوتر ازدياد وتيرة الخطاب المذهبي، خصوصا على بعض الفضائيات الشيعية والسنية وغيرها من المواقع الالكترونية ومن وسائل التجييش والاستقطاب المذهبي. وساهمت بعض المواقف السياسية (من قبل إيران وحزب الله والعراق) من الثورة السورية، بدعمها نظام الرئيس بشار الاسد، في تجييش هذه العصبية، التي عبرت عن نفسها بمواقف لا تخلو من بعد مذهبي. كما هو الحال بالنسبة لانتفاضة البحرين التي ساهم التدخل الخليجي العسكري في تعميق حدة التوتر المذهبي فيها، من دون ان يطوي مطالب الغالبية في هذا البلد.
وتأتي الخطوة في اتجاه الازهر بالتزامن مع تلمس هذه القوى، لأوّل مرة منذ انتصار الثورة الاسلامية في ايران، تراجعا غير مسبوق في موقع ايران وحزب الله لدى الشارع العربي عموما. واذا كان البعد المذهبي يشكل احد الاسلحة المؤذية على هذا الصعيد، فثمة اقرار يؤكده اكثر من مؤيد لحزب الله في العالم العربي، وهو ان الموقف من النظام السوري، وادراجه ما يجري في سورية ضمن خانة المؤامرة الاميركية، كان لهما التأثير الحاسم في انقلاب المزاج المصري والعربي عموما ضد ايران وحزب الله. وهو ما يجري استثماره من قبل تيارات اسلامية سلفية، في سياق التصويب على الشيعة عموما.
من هنا فإنّ جهات قريبة من حزب الله، قالت عن موقف شيخ الازهر بأنه “لا مكان للتبشير والتشييع فى المجتمعات السنية”، مشدداً على أن “الأزهر سيقف بالمرصاد لكل هذه الدعوات”، إنّ هدفه إظهار حجم الهجمة التي يتعرض لها الازهر من تيارات سلفية مستاءة من مواقفه التقريبية بين المذاهب الاسلامية.
إذا فإنّ إيران، فيما تشهد تراجعا في حضورها بساحات كغزة وسورية، مع تقدم تركي ومصري واضح لملء الفراغ الايراني، تبدو في حاجة، كما حزب الله، إلى الحد من ازدياد اعداد الخصوم والاعداء. ففي نظرة سريعة الى المشهد يمكن القول ان ايران، كما حزب الله أيضا وأيضا، امام تحدي الحدّ من سياسة كسب الاعداء. الأمر الذي يتطلب اولا إحداث صدمة ايجابية في العالم العربي اليوم، وذلك لحماية مشروع المقاومة ضد اسرائيل وللحفاظ على خيار الوحدة الاسلامية، المنسيّ، وللعمل على منع تطويب شروط الفتنة المذهبية… والأهمّ: التسليم، وبحقّ، بأنّ حرية الشعوب شرطٌ متلازم لضمان نجاح واستمرار أيّ مقاومة ضدّ إسرائيل…
إيران هذه بدت، في المشهد الآنف رسمه، كما لو أنّها تقف على أبواب الأزهر، تطلب منه مشروعية عربية مفقودة، وتطلب من مصر، التي بدأت تستعيد دورها و”هيبتها”، بعض “الرضى”، وتعطي، فيما تطلب، مشروعية مستجدّة للأزهر، ولمصر، المارد العربيّ المخضرم.
alyalamine@gmail.com
* كاتب لبناني -بيروت