رافق ردود الفعل على اعدام الشيخ نمر النمر مشهدان، الاول ان الاستنكار اتخذ بعداً مذهبيا في معزل عن مظلومية هذا الشيخ. ذلك ان كل المواقف، التي اباحت لنفسها الاعتراض على حكم القضاء السعودي، حصرت اعتراضها على اعدام الشيخ النمر… فيما هناك 46 اعدموا لم يأت المعترضون على ذكرهم. فهل يعني ذلك ان الشيخ النمر بريء فقط لأنه شيعي، والبقية هم مذنبون يستحقون الاعدام كونهم غير شيعة؟
الامر الثاني، وفي معزل عن مسألة التدخل في شؤون القضاء داخل دولة اخرى، أنه لم يصدر اي موقف يدين القضاء السعودي في احكامه التي اصدرها، من جهات اسلامية سنية او عربية معتبرة، لا ضد اعدام النمر ولا تضامنا مع بقية الذين اعدموا، وهم غالبيتهم من السنّة.
لكن لماذا منذ الاعلان عن الاعدام صباح السبت، من ضمن 47 اعدموا في الوقت نفسه، بدأت الانظار تتجه الى الموقف الايراني؟ هو المواطن السعودي أثارت قضية اعتقاله ومحاكمته ردود فعل واعتراضات من قبل قيادات ايرانية وأخرى شيعية.
الردّ الايراني كان من أعلى موقع في الجمهورية الاسلامية، اي من قبل مرشد الجمهورية السيد علي خامنئي الذي اعتبر ان العقاب الالهي سيطال النظام السعودي بسبب هذا الاعدام. وجاء هذا الموقف في اعقاب اقتحام مواطنين ايرانيين مبنى السفارة السعودية في طهران ومبنى القنصلية في جدة، واحرقوا اقساما تابعة للسفارة… ما دفع الرئيس الإيراني حسن روحاني الى رفض التعدي على السفارة السعودية، بعدما أخرجت الشرطة الايرانية المتظاهرين من السفارة والقنصلية.
مصر والاردن والامارات والمغرب وغيرها من الدول العربية ادانت اقتحام السفارة السعودية في طهران، فيما اقتصرت ادانات اعدام النمر على مواقف من مواقع شيعية لم تتجاوزها الى الشخصيات والحركات العربية او الاسلامية السنية.
في المقابل لم يبادر حزب الله إلى تحركات ميدانية تعكس تصعيدا او ردا على ما وصفه الامين العام لحزب الله بأنه “تصعيد سعودي بالدم”. إقتصر الامر في بيروت على تجمع عشرات المستنكرين قبل ظهر امس امام مبنى الاسكوا، وتجمع بضع عشرات من المحتجين على بعد 900 متر من السفارة السعودية. فيما السيد نصرالله في خطابه الناري ضد آل سعود اعتبر ان الرد على اعدام النمر يكون باعلان التبرؤ من آل سعود.
في خطاب نصرالله امس اعتبر ان “المشروع الأخطر كان أميركيا صهيونيا وصار تكفيريا”. وهذا يعكس التحول الإستراتيجي لحزب الله نحو الساحات الداخلية بديلا من اسرائيل. وهو انتقل الى الهجوم العنيف جدا على السعودية. وقد وعد منذ البداية بالحديث بوضوح ومن دون مواربة. وهكذا فتح النار بأعنف صورة ممكنة ضد السعودية.
لكن الاشارة الاخطر كانت حديثه عن النفط في المنطقة الشرقية عند الشيعة والزعم أن الأميركيين عرضوا على بعض علماء الشيعة في السعودية التقسيم. وهذا تلميح الى إمكان لجوء الشيعة الى دعوات الإنفصال، علما ان جريدة “كيهان” الايرانية دعت الشيعة بوضوح الى الانتقال من الاحتجاجات السلمية الى المواجهة المسلحة مع النظام.
السيد نصرالله مهد الطريق في خطابه ايضا لردود فعل إنتقاميّة ضد السنّة، مُعتبرا أنه غير مسؤول عنها لأن ثمة اختراقات في صفوفنا وسيعملون على خدمة آل سعود.
في خطاب السيد نصرالله ما يشير الى ان حالة العداء نحو مزيد من التصعيد، وشكل اعدام النمر المدخل الذي اراد منه نصر الله فتح المواجهة الى اقصاها، وفي داخل السعودية. في خطاب الامس تحييد للبنان كساحة تصفية حساب. والكلام الرسمي الايراني حيّد ايران بعد طي صفحة الاعتداء على السفارة السعودية. المساحات المشتعلة بين ايران والسعودية في المنطقة، وفي الداخل السعودي، هما الهدف الذي ستتحرك ضمنهما الاذرع الايرانية بعدما صارت المملكة السعودية بالنسبة لايران وحزب الله هي “الشيطان الرجيم”.
على ان خلاصة تداعيات هذا الحدث وتأثيره على العلاقة السعودية الايرانية جاء بإعلان المملكة قطع العلاقات الديبلوماسية مع إيران وطرد يبلوماسييها من أراضيها. رغم أنه في فيينا أعلن متحدث باسم وزير خارجية النمسا سيباستيان كيرتز أمس أن “وزيري خارجية السعودية وايران أبلغاه أنهما لا يرغبان في مزيد من التصعيد”.
الأمور تعقدت اكثر في المنطقة. بعد مبادرة الحريري في بيروت والتحضير لمفاوضات سورية في جنيف وهدنة اليمن، استمرت إيران في التعنت بلبنان رافضة المبادرة لانتخاب حليفها سليمان فرنجية، وكان اغتيال زهران علوش في سوريا وقصف أراضي سعودية من اليمن… إعدام النمر ليس مستغربا وسط هذه المعطيات. المستغرب تصرف إيران كما لو أنها وصية على كل شيعي في العالم.
alyalamine@gmail.com
البلد