“ان لم تستح فافعل ما شئت”، هذا أقلّ ما يمكن ان يوصف به مدبرو الازمة الكهربائية المفتعلة عبر توقيف محطة الزهراني عن العمل خلال الايام الاربعة الماضية. ولعل هذا النمط الميليشيوي، الذي عبر عن نفسه بسلوك ازدراء حقوق المواطنين، لا بل الاستغلال الخبيث لهذه الازمة مذهبيا، لعلّ هو ما تفضل به اولئك القابضون على زمام الحكومة والبرلمان. كأنهم لم يصدقوا بعد انهم في الدولة – بل أنّهم القابضون على الوزارات والمؤسسات العامة – ولم يعودوا في حاجة لأن يكونوا ميليشيا.
ببساطة يقطع التيار الكهربائي بقرار سياسي، ويعود بمثله بعد اتصالات جرت بين الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي. انه سلوك اشبه بالانتحار، عندما يتداعى كل حسّ بالمسؤولية لتتقدم البلطجة ويتسيد الشبيحة ويمسكوا بزمام الدولة ومؤسساتها ردا على عدم فوزهم بمناقصة ترتبط بالمعمل وكأنه ملكية خاصة. ينقطع التيار الكهربائي بقرار من قصر المصيلح، ويشيع الشبيحة ان محولا كهربائيا من المعمل إستبدل بمحول آخر من صيدا لاستهداف منطقة الزهراني. علما ان المعمل يغذي حوالي 40 في المئة من إنتاج واستهلاك الطاقة في لبنان.
والمضحك المبكي أنّ مؤسسة كهرباء لبنان، بتاريخ 2/12/2011، وجّهت إنذارا إلى شركة YTL الماليزية المشغلة للمعمل، حمّلها مسؤولية ما يحصل، كون العمال الذين أوقفوا عمل المعمل يعملون لديها. وطلبت المؤسسة الرسمية من تلك الأجنبية اتخاذ ما يلزم من إجراءات لإعادة تشغيل المعمل.
ازمة الزهراني:الافلاس السياسي والاخلاقي يتحول الى انتقام من الناس
ورغم البيان المفصل والتقني الذي اصدرته مؤسسة كهرباء لبنان قبل يومين، مبررة هذه الخطوة، أكمل الشبيحة تشبيحهم عبر الغرائز، محاولين اضفاء طابع سياسي ومذهبي على الازمة بين صيدا ومحيطها. وكأنّ وزير الطاقة جبران باسيل اقرب الى الرئيس فؤاد السنيورة منه الى الرئيس نبيه بري. فمن المريب ان يتصل رئيس مجلس النواب بمفتي مدينة صيدا الشيخ سليم سوسان يوم الجمعة – اي بعد التوقيف السياسي لمعمل الزهراني – طالبا منه لجم بعض المتسلّقين على خطاب الفتنة المذهبية في مدينة صيدا وعلى منابر الجمعة وتحديدا الشيخ احمد الاسير، فيما هو يبقى صامتا حيال الاستخدام الرخيص لأزمة معمل الزهراني مذهبيا.
ومن المريب ايضا في سياق فتنوي متصل ان يُسمح بتلويث سيرة عاشوراء بتحويلها في أبواق بعض السيارات استفزازا للمارة، شيعة قبل السنة، في شوارع صيدا، وقد رأيتها بعينيّ وسمعت صخبها بأذنيّ مساء السبت على مقربة من مستشفى حمود: فهل هذا هو سلوك عاقل؟ ولا نتحدث عن التدين، الذي صار لدى البعض في هذا البلد بطرا وتجارة يسيرة ومربحة في سوق المتعصبين والباحثين عن منبر وطموح سياسي رخيصين، ولو على إيقاع الفتنة.
انه الانتحار، او هو اقرب الى مشهد الافلاس السياسي والاخلاقي، عندما يتحول العجز والفشل عن المحافظة على الدولة ومؤسساتها، بعد نحو ثلاثة عقود من السلطة، الى انتقام مباشر من الناس ومن القوانين والاصول الادارية كلّها بمزيد من العتمة في نور الكهرباء وفي مستقبل المواطنين. اذ لم يعد من وسيلة لاستعباد الناس الا باستثارة عصبياتها والعمل الحثيث على تحوير الفشل السياسي والاداري الى فتنة. مريب لا بل هي الوقاحة بكلّ ما تعني الكلمة من معاني الميليشيوية والبلطجة.
من المسؤول ومن يحاسب: هل هي مؤسسة الكهرباء التي جرت محاصصتها في النهب وفي الفيول بين شركات السياسيين الممانعين والمعتدلين؟ هل هو وزير الطاقة؟ هل هناك خرق صهيوني او اميركي يريد تدمير الشركة وافتعال صراع بين رموز الممانعة؟ من واجب اللبنانيين ان يعرفوا من هو المسؤول عن فصل معمل الزهراني وايقاف العمل فيه: هل هي الشركة الماليزية فعلا؟ واذا كانت فعلا هي المسؤولة فهل ستحاسب؟
باختصار: بعدما تخلصت قوى 8 اذار من قوى 14 اذار وشكلت حكومة لون واحد، برزت مقولة جديدة يبدو انها ستكون مبرّرا لكل خيبات هذه الحكومة، بعدما تخلصت من المتآمرين والمفسدين في الوطن. فبعد تغاضيه عما جرى في معمل الزهراني من فضيحة، يبدو ان النائب محمد رعد وجد الذريعة للحكومة عندما قال امس الاول: “…كل سرقة وكل ضعف وانقسام وكل اهتراء في الادارة حصل في البلد هم المسؤولون عنه (اي 14 اذار)، وكل الفساد في القضاء هم مسؤولون عنه:
هل من صكّ إدانة له ولحلفائه اهم من هذا القول؟
إن لم تستح فاقطع الكهرباء وحذّر من الفتنة. إن لم تستح فقل إن المعارضة مسؤولة عن خيبات الحكومة. إن لم تستح فلُم أهل صيدا على ما فعله زعران الزهراني. إن لم تستح فاهجم على وزير الطاقة جبران باسيل من خلال تعتيم بيوت 4 ملايين لبناني. إن لم تستح فردّ على التلزيمات الكهربائية، بالهجوم على ميشال عون، عبر ملايين العائلات اللبنانية… إن لم تستحِ.
alyalamine@gmail.com
كاتب لبناني
البلد