كان يمكن ان تكون حرب صعدة وتداعياتها الإنسانية والأمنية والوطنية قضية نضالية وسياسية كبيرة وفاعلة في يد المعارضة اليمنية , وليس في يد أي طرف آخر داخلي أو خارجي كما هو حالها اليوم.
لأسباب وعوامل كثيرة، ظهرت المعارضة اليمنية في حرب صعدة مثل كثير من منظمات المجتمع المدني غير معنية كثيراً بالحرب وغير جاهزة لالتقاط اللحظة المناسبة لتقديم نفسها إلى شعبها والعالم من حولها كبديل وطني وديمقراطي لكل أصحاب الحروب والمشاريع الصغيرة، أقصد طرف وطني مسؤول يبدي للرأي العام الداخلي والخارجي حرصه على دماء أبناء شعبه بقدر حرصه على حقهم في العيش الكريم وفي التعبير عن معتقداتهم وآرائهم بحرية في ظل دولة القانون والمواطنة.
أكثر من هذا بدا الجانب الإنساني والأخلاقي وليس فقط السياسي والوطني تجاه مأساة صعدة ضعيفا ولا أقول معدوما حيث لم تتحرك قافلة إغاثة واحدة لتغيث آلاف المشردين وعلى مدار أربعة أشهر من الحرب والدمار.
واضح أن موقف المعارضة من الحرب وتداعياتها قد تحكمت به عوامل كثيرة من ضمنها التباينات الموجودة داخل صفوفها حول طبيعة الحرب والموقف الأيدلوجي والسياسي من طرفيها , ولو تخففت بعض أطراف المعارضة وبعض قياداتها قليلاً من الحسابات الصغيرة ومن المخاوف والأوهام الكثيرة لكانت قد حولت الحرب والموقف المطالب بإيقافها إلى حركة شعبية واحتجاجية واسعة تعم كل أنحاء الوطن وتوحد جميع أبنائه على النضال السلمي والمطالبة ليس فقط بإيقاف الحرب ومحاسبة المتسببين بها بل والضغط من اجل التغيير والاصلاح السياسي والوطني الشامل.
منذ البداية سلمت المعارضة امر الحرب وتداعياتها إلى الرئيس علي عبد الله صالح والقوات المسلحة ومقاتلي الحوثي واي طرف آخر (داخلي او خارجي) قد يأتي لملء الفراغ الوطني الذي قد يحدثه هذا الغياب والتردد من قبل المعارضة ومؤسسات المجتمع المدني والحقوقي اليمني…. والخلاصة لقد بدت حرب صعدة وكأنها تدور في المريخ تماما كما كان الوضع في دارفور وعلى مدار سنوات من نزيف السلام الأهلي هناك .
الحرب اليمنية الآن في منتصف شهرها الرابع وخلال هذه الفترة الطويلة من القتال ونزيف الدم اليمني قتل أكثر من الف من المواطنيين (مدنيين وعسكريين ) وجرح ضعفهم وهدم أكثر من ألفي منزل وأتلفت عشرات المزارع والممتلكات وشرد اكثر من 35مواطنا ومواطنة يمنية وبدا العالم من حولنا يكتشف بعض معالم الكارثة اليمنية والانسانية في صعدة وهناك تقارير صحافية واستخبارية وحقوقية بدأت تطرح وتحث على التدخل الإقليمي والدولي لايقاف نزيف الدم اليمني ….. كل هذا يحصل والمعارضة لا تزال على موقفها السابق تجاه الحرب وتجاه طرفيها وبدون موقف واضح منها.
موقف اطراف المعارضة – إلا من رحم ربي من قياداتها – يتلخص حتى الآن بمجموعة طويلة من عبارات الرفض الفارغة ..نرفض الحرب , … نرفض استخدام السلاح في وجه الدولة .. نرفض التدخل الخارجي .. نرفض تحول الحرب الى حرب دينية نرفض نرفض… طيب والحل … الجواب لا حل ولا رؤية وطنية للحل.
و الحقيقة أن هذا الموقف الجامد بدون حركة منذ بداية الحرب والذي قد يفهم الرغبة في استمرارها وإنهاك طرفيها, لا يذكرنا سوى بذلك الزوج الذي كان يكره زوجته وظل متربصا بها , ومتحينًا فرصة مناسبة لتدميرها وقد توفرت حين علقت الزوجة المسكينة على سلم البيت (الدرج) حينها قال قولته الشهيرة والمتداولة مثلا شعبيا (إن طلعت فأنت طالق , وان نزلت فأنت طالق , وان قفزت فأنت طالق ) أي انه أغلق جميع منافذ الحوار حفاظا على هيبته أو هيبة الدولة لافرق.
وأمام هذا اللاموقف من الحرب على المستوى الوطني لا تستغربوا إذا ما تحولت الحرب وتبعاتها ورقة بيد السلطة وضد المعارضة من ناحية وبيد القوى الإقليمية والدولية وعلى حساب الأطراف الداخلية سلطة ومعارضة من ناحية أخرى, وإذا ما حصل هذا وهناك مؤشرات لحصوله فعلاً فسيكون الرفض للتدخل الخارجي من قبل المعارضة وغيرها بدون معنى وفاقد لسنده الأخلاقي بل والوطني أيضا وستكون المعارضة ومعها امن واسقرار الوطن أكثر الخاسرين وليس كما يتوهم البعض .
(نقلاً عن جريدة “الإشتراكي”)