أن تسجُد المرأة لزوجها، فهي عبارة مجازية قد تهدف إلى تأكيد الحميمية في العلاقات الزوجية والأسرية، هذا إن كنت أنا هنا أحمل نوايا إيجابية بعيدة عن مختلف صور المسؤوليات الملقاة على عاتق الطرفين، الزوج والزوجة، في كيفية تحمّل أعباء الحياة ومسؤولياتها. لكن، الأمر يخرج عن هذا النطاق وتتسيّده كلمات مزعجة تعكس نوايا أخرى، نوايا الوصاية والتبعية والهيمنة.
نشر موقع “مشرق نيوز” الالكتروني الايراني مقالا تحت عنوان “إذا لم يكن السجود لغير الله حراما لأمرت المرأة بالسجود لزوجها”، حيث استند الكاتب في العنوان إلى حديثين لنبي الإسلام والإمام السادس لدى الشيعة (الإمام جعفر الصادق)، اعتبر بأنهما دليلان يؤكدان ضرورة “طاعة” المرأة للرجل، وأنه على هذا الأساس تكون إدارة الأسرة بعهدة الرجل. وادّعى الكاتب – حسب الباحثة والناقدة الإيرانية فريبا مهاجر التي كتبت مقالا حول ذلك في موقع “روز” – انه بسبب اعتماد المرأة الكبير على الرجل، والذي بدوره لا يمكن أن يعتمد عليها بنفس تلك الدرجة، عليها أن “تطيعه وتتبعه”. كذلك ادّعى أن الدين الإسلامي “كلّف” الرجل بإدارة شؤون الأسرة، وأنه على الرجل أن يتبنّى تلك المهمة الدينية ويتحمّل مسؤوليتها، ومن هذا المنطلق على الرجل أن يكون مسؤولا عن المرأة “بما فضّل الله بعضهم على بعض”.
المفارقة في الموضوع هي أن الكاتب اعتبر طاعة المرأة وتبعيّتها للرجل، هي “طاعة معقولة”، أي تعكس “عقلانية الدين“، وأن المرأة إذا لم تطع الرجل فذلك سيهدّد الأسرة بالانهيار. ورأى أن قدرة الرجل على إدارة أمور الأسرة تفوق قدرة المرأة، وأن هذا الأمر “العقلاني” يساهم في تقوية النظام في الأسرة ما يجعل الحياة سليمة. لذلك، أوصى النساء بأن يقدّرن الجهود التي يبذلها الرجل في هذا المجال، وأن يحترمن القرارات التي يتّخذها. كما شرح الأسباب التي تجعل المرأة “خاضعة” للرجل وفي أنها “لا تصلح” لإدارة الأسرة، وسبّب ذلك بأنها “عاطفية” وقد تتخذ قرارات خاطئة في ظروف حياتية صعبة. لكنه حذّر من أن تلك التبعية والخضوع يجب أن لا تنتهي إلى ما يشبه “عبادة” المرأة للرجل.
يطرح كاتب المقال أدلته بشأن “رئاسة” الرجل و”هيمنته” الإدارية على الأسرة، منها قدرته على الإدارة والتي تفوق قدرة المرأة. ويشير في هذا الصدد إلى حديثٍ للإمام علي بن أبي طالب يدعو من خلاله إلى عدم تحميل المرأة مسؤولية إدارة الأعمال “الشاقة” الصعبة. (وتنتقد فريبا مهاجر تجاهل الكاتب لمسؤوليات المرأة في المنزل، وفي عدم اعتبارها من الأعمال “الشاقة”). وفي نهاية مقاله يشير الكاتب إلى أن نجاح الرجل في إدارة الأسرة لن يتحقق إلا من خلال قدرته على كسب قلب المرأة، فإذا كانت علاقة الرجل وطيدة بها وبأفراد الأسرة، وكان هؤلاء يكنون له الاحترام، فسينجح في إدارته تلك وسينعكس ذلك على سعادة الجميع.
فريبا مهاجر في نقدها للكاتب تطرح تساؤلات، منها: ما هي المصالح التي تدفع الرجل للترويج لرؤى الهيمنة تجاه المرأة، ولماذا يستند في ذلك إلى النص الديني (القرآن والأحاديث)؟ ما الذي يدفع الرجل لتأكيد وصايته الذكورية على شؤون الأسرة؟
مما لا شك فيه أن الكاتب يدفع للترويج لتلك الأفكار ولمثل هذه السلوكيات انطلاقا من الموروث الديني التاريخي الاجتماعي، من أجل أن يثبّت أمرا سلطويا يناهض ما يعيشه في الواقع الحديث. لذلك يستعين بالنصوص الدينية التاريخية، متبوعة بمفردات عاطفية لا علاقة لها بعنوان الإدارة ولا بعنوان الأسرة، بل لها علاقة بالفهم الديني انطلاقا من عنوان السيطرة والوصاية الثقافية الاجتماعية التاريخية، أملا في تثبيت مشهد الخضوع الذي يهيمن عليه الإنسان الذكر. من تلك المفردات: الخوف، الرهبة، الآخرة، الجنة، الذنب، الأَجر. ولا يتم تثبيت هذا المشهد إلا بعد أن يتأكد مروّجوه بوجود قاعدة شعبية شعبوية تسيّرها العاطفة الدينية، ثم يتم تمثيل المشهد وكأنه عملية لانتخاب ثقافة مقابل رفض ثقافة أخرى، في حين هو وضع غير قابل لأي انتخاب.
تقول فريبا مهاجر بأن هذا النهج إنما يهدف إلى سيطرة الذكر على شؤون المرأة في إطار ما يدعو له الفقه الديني والدولة الدينية (في إيران) والسعي لتصوير ذلك على أنه نهج عقلاني. وتتساءل: ما هي الظروف التي تساهم في إنجاح هذا النهج وتجعل بعض الناس يتبنونه ويدافعون عنه؟ أي ما الذي يجعل الناس يدافعون عن نهج يناهض حقوقهم ويرميهم في نفق تاريخي يرفض نور الحياة العصرية؟ تقول مهاجر بأن أوّل تلك الظروف هو توافر “السلطة” عند المروّجين مما يسهل عملية انتشار هذا النهج، خاصة وأنه يحمل صفة “المقدّس”، وأن من يخاطبهم لا يحملون مقومات رفضه أو حتى نقده.
إذاً، كاتب المقال يعي بأن ما يدعو له يلقى قبولا في المجتمعات الدينية المحافظة، لكنه بالطبع لن يلقى أي قبول في المجتمعات التي تستند ثقافتها إلى حقوق الإنسان الحديثة. لذا هو يطرح الموضوع بشكل ديني محافظ، أي على أساس أنه تكليف إلهي ومن المسائل المقدسة المستندة إلى النص الديني. فيستجيب المتلقي له بوصفه أمرا شرعيا، وأنه لا يمكن إلا أن يكون النهج “الوحيد” في إدارة الأسرة.
وفي سؤال آخر تطرحه، تقول فريبا مهاجر: لماذا يسعى الكثيرون وراء السلطة المطلقة، ويشمل ذلك سيطرة الذكر على الأنثى؟ تشير مهاجر إلى الفيلسوف الانجليزي توماس هوبز، وتنقل عنه ما معناه بأن “السعي إلى السلطة يسيطر ذاتيا على حياة الإنسان”. وتقارن ذلك بما يطرحه كاتب المقال، فتقول بأن الأخير يسعى لتحقيق السلطة بصورة مغايرة لما يعنيه هوبز، عن طريق إثبات أن إدارة الرجل وقوته البدنية تجعلانه متفوقا باستمرار على المرأة، ما يجعل موضوع سيطرته عليها “أمرا بديهيا” في ظل وصفه لها بأنها ضعيفة وعاطفية وبالتالي لا تصلح للإدارة، متكئا في ذلك على النص الديني. في حين أن تهيئة فرص إدارة الحياة لجميع أفراد المجتمع، الذكور والإناث، هو شرط أساسي لتحقيق العدالة في موضوع السلطة وإدارتها، وهذا الأمر من شأنه أن يحد من فكرة السلطة المطلقة.. ويغيّر من فكرة “سجود” المرأة.
كاتب كويتي
fakher_alsultan@hotmail.com