“الشفاف” – بيروت
حين بدأت تظهر في الاعلام اللبناني أزمة صلاح عز الدين المالية وانهيار واحدة من أكبر الشبكات الاقتصادية التابعة لحزب الله بعد تسليم عز الدين نفسه للمباحث الجنائية اللبنانية، لم يكن أحد يعرف حجم هذه المأساة ولا حجم ارتداداتها الداخلية. وكذلك، يوم معرفة الشعب اللبناني بهذه الأزمة كان يظن نفسه بعيداً عن الأزمة الاقتصادية في العالم، الأزمة التي أكلت يابس مالية الكرة الأرضية قبل أن تأكل أخضره.
فبعد وقت غير قليل من تفجر أزمة صندوق مالية الضاحية الجنوبية والجنوب اللبناني وبعض قرى البقاع، إضافة إلى مالية مغتربين لبنانيين في إفريقيا واوروبا وجزء من أميركا، لفت بعض المراقبين الاقتصاديين إلى ان لبنان خرج من دائرة الحماية المالية التي فرضتها لوقت طويل تدخلات المصرف المركزي، وهي تدخلات كلاسيكية لم تسمح بدخول ثروات طائلة وقت الفورة النفطية ولكنها في النهاية بنت حاجزاً ضخماً أمام الانهيار الذي شهده العالم، من نمور آسيا إلى «الوول ستريت» وما بينهما من خليج النفط وإيران النووي واوروبا القارة العجوز.
الحماية التي بناها المصرف المركزي خلال سنوات طويلة، بدأت منذ أزمة بنك «انترا» في ستينات القرن المنصرم، وما تلاها من أزمات نصب واحتيال بنكية خلال الحرب الأهلية اللبنانية، وتحديداً بنك «مبكو» الشيعي الملكية والسياسة في ثمانينات القرن الماضي، وما تلاها من بعض القصص الصغيرة عن افلاس ابن الداعوق وكذلك ابن الغزاوي، وما بينهما قضية خليل حسون الذي حاز ثقة رجال الدين الشيعة وجزءاً من مالية حزب الله في التسعينات. هذه الحماية الرقابية كانت أعفت اللبنانيين من أزمة العالم، فجاءت ضربة عز الدين لتعيد خلط الأوراق وتضع الاقتصاد اللبناني على حافة الوادي، لتصبح أزمة مالية لبنان تشبه أزمة العالم ولكنها ملببنة وخاصة باللبنانيين.
فعز الدين كشف لبنان على أعين مؤسسات الرقابة المالية الدولية، حيث ظهر من خلال هذه الأزمة حجم تحريك «تهريب» الأموال في لبنان والخارج من دون المرور في المؤسسات المالية الرسمية أو حتى المقاصات وأسواق البورصة. فواحدة من تهم لبنان بتبييض الأموال ظهرت فجأة من دون ساتر يخفيها وهي التهمة التي حاول مصرف لبنان جاهداً ان ينفيها عن هذا الوطن من خلال قوانين حازمة وقاسية.
أموال ضخمة وكبيرة تتنقل بين دول العالم من دون حسيب ورقيب. أموال ظهر رأسها بعد حرب تموز، ومن دون معرفة مصرف لبنان، حين أخرج حزب الله من صناديق معلبة مئات ملايين الدولارات ووزعها على المنكوبين من الاعتداءات الإسرائيلية، كان لا يمكن سؤال حزب الله عن مصدر هذه الأموال لا شعبياً ولا رسمياً، فذلك السؤال كان يعتبر يومها تآمراً مع العدو الإسرائيلي وخصوصاً ان المال «طاهر ونظيف».
اقتصادي لبناني يرى في هذه الأزمة سيف ذا حدين. فمن ناحية كشف اقتصاد لبنان وفتح عليه باب التساؤلات، وصارت التحويلات اللبنانية تحت الرقابة الدولية مما يؤثر في حركة المؤسسات اللبنانية. ومن ناحية ثانية كشفت أزمة عز الدين، عائلات لبنانية في الوطن، وغيرها منتشر في الاغتراب. فقد فتح باب الفقر عليها بعدما كانت خرجت من هذا النفق منذ سنوات طويلة. ولهذا فالدعوة هي حالياً لتضامن اللبنانيين بشقهم الاجتماعي مع الفئة المنكوبة، كمثل التضامن الذي أظهروه في حرب إسرائيل على لبنان في العام 1996، وكذلك في العام 2006، وذلك بعيداً من الأزمة السياسية الداخلية.
الاغتراب اللبناني ليس موجوداً في الدول الصناعية فقط، بل كذلك هو منتشر في إفريقيا وآسيا «من الصين وماليزيا وغيرها من دول النمور»، مما ساهم في تحريك الاقتصاد اللبناني في مراحل عديدة. ولكن الآن وفي ظل الأزمة الاقتصادية العالمية، حوّل العديد من هؤلاء المستثمرين أشغالهم إلى حدودها الدنيا، فهبطت معدلات التحويلات من الخارج إلى لبنان بنسب كبيرة.
فالمدخول المالي من المغتربين وصل إلى 6 مليار دولار في العام الواحد، وهو من الأرقام التي تمر عبر مؤسسات الرقابة المالية. وبوجود الأزمة المالية في العالم انخفض هذا الرقم إلى النصف تقريباً، وهو أمر قاسٍ بالنسبة لبلد صغير مثل لبنان، ولكنه في جميع الأحوال لم يوصل إلى الانهيار، إنما حافظ على معدل الحد الأدنى الذي يسمح لبلد مثل لبنان بالوقوف على رجليه ويساهم في منع التداعي.
عموماً، كانت أموال المغتربين المحرك الأول الثابت للاقتصاد اللبناني. ففي السنوات العجاف مثل الحرب الأهلية في 1975 – 1991، والأزمات الداخلية 2005 – 2008، كانت هذه الأموال هي المنقذ من سواد الانهيار. هذه الأموال التي كانت ترد لبنان من الخارج في السنوات الأخيرة كان يقوم عز الدين بتحويلها من جديد إلى الخارج، فأصاب لبنان في قلب حصنه الاقتصادي أي أموال المغتربين. فحركة الاقتصاد اللبناني بعد الأزمة العالمية لم تتأثر، ولكن مع اخراج الأرقام الهائلة التي يتم الحديث عنها، فقد اصيب الاقتصاد اللبناني بأزمة ضخمة وسيئة لن يقوم منها بشكل سليم.
الأزمة بيننا حالياً، أي انها تجلس في ديارنا، وهي موجودة في بيوت وشركات وشوارع وقرى، هي موجودة لدى امرأة عجوز أعطت تحويشة العمر لرجل ينتمي لحزب موثوق وغيرها كثر. وما أخّر تفجر هذه الأزمة هو الحركة السياحية الضخمة هذا الصيف والتي أنعشت لبنان وأوقفت لبعض الوقت انهياراً يجلس متربصاً بالناس أجمعين. فأزمة عز الدين خفضت مداخيل لبنان من مغتربيه إلى 20٪ من حجمها الحقيقي. فأصحاب الأموال أنواع، بعضهم انتكس في الخارج، وبعضهم انتكس مع عز الدين وآخرين رأوا في لبنان هدفاً للرقابة وكذلك نموذجاً سيئاً يدعوهم للبحث عن أسواق لديها أمن اقتصادي أكثر من لبنان.
المتضررون كثر، ولكن أبرزهم أبناء الطائفة الشيعية الذين، اضافة إلى خساراتهم مع عز الدين التي لا يستطيعون الحديث عنها بسبب أعمالهم في دول بدأت تفرض قيود على من يتعامل مع حزب الله بقرار من الخزانة الأميركية أو غيرها من مؤسسات رقابة عالمية تحمل سيفاً لتجفيف المنابع المالية لحزب الله وغيره من القوى السياسية التي تتواجه معها.
يقول الاقتصادي نفسه، إذا كان لبنان يجمع من الضرائب على القيمة المضافة ما حجمه 400 مليون دولار سنوياً، فإن لبنان في «حروب» حزب الله المالية أو أزمة عز الدين أو تجارة السلاح المنهوب، خسر على الأقل ما يعادل مداخيل خمس سنوات من الضريبة، لأن أرقام عز الدين تفوق المليارين، والأمر كما يقول لا يحتاج إلى آلة حساب لتعداد الأمر.
oharkous@gmail.com
إفلاس عز الدين: خفض مداخيل لبنان من مغتربيه إلى 20٪ من حجمها الحقيقي وكشف حركة تبييض الأموال أمام العالم التضامن الإجتماعي مع الفئة المنكوبة!!! هل سيُفرض ضريبة جديدة على اللبنانيين تغطي ما فعله حزب الله عبر صلاح عز الدين ب «جمهوره» العفيف الشريف؟؟؟؟ ألا يكفينا ما ندفعه من ضرائب و من زيادة المديونية العامة بسبب أن هذا «الجمهور» لا يدفع فواتير الكهرباء و الماء و الهاتف و يتهرب من رسوم دخول البضائع في المرفأ و المطار ( عندهم أسد في المطار) و ضرائب ما يسمى «التحرير» على المعاملات الرسمية وما إلى ذلك؟ اسمحولنا هذه المرة، لن ندفع … و لو… قراءة المزيد ..