بعد تفجيري الضاحية وجّه اعلام حزب الله وقوى 8 آذارالاتهامات نحو أكثر من اتجاه. وتركزت بعد التفجير الثاني، في الرويس، على مجموعات فلسطينية. وما لبث ان وجه هذا الاعلام بوصلة الاتهام باتجاه من أسماهم “جماعات تكفيرية”. عزز من هذا التوجيه كلام علني من الامين العام لحزب الله ان حزبه كشف مرتكبي التفجير. ثم عاد الاعلام التابع لحزب الله فأشار الى “عمر الاطرش”، باعتباره احد المنفذين، بل وانه “مخطط رئيسي”. وبعد اسابيع قليلة تمّ اغتياله بعيد خروجه من منزل اهله.
كل ذلك تمّ من دون ان يبرز اي قرار من المحكمة العسكرية يدلل على مصداقية هذه الاتهامات. لكن قبل يومين طلبت المحكمة العسكرية من الاجهزة الامنية التوسع في التحقيق بقضية تفجير الرويس. وحتى الآن لم يصدر عنها اي مذكرة توقيف بمشتبه به او متهم.
الجديد امس انّ مسؤول منطقة البقاع في حزب الله الحاج محمد ياغي كرّر ما قاله السيد حسن نصرالله قبل اكثر من شهر عن كشف مرتكبي التفجير، إذ قال: “في حزب الله عرفنا من الذي يرسل السيارات وحسابه سيكون عسيرا ولن نسكت عن أرواح أهلنا”، مضيفاً: “أن نقتل بالطرقات وهو يظن أنّ المسألة انتهت، لا والله.. نحن نعرفهم تماما ونعرف من يرسلهم وسنكون لهم بالمرصاد ومستعدون لهم وسنتصدى لمؤامراتهم الخبيثة وسنسقط ذلك”.
لم يوضح ياغي ان كان المسار القضائي سيأخذ مجراه ليتبين الناس حقيقة من خطط ونفذ تفجيري الضاحية. ذلك ان كثيرين تأخذهم الوقائع الى المقارنة بين ما كشفته التحقيقات في تفجيري طرابلس، وبين الغموض الذي يحيط بمسار التحقيقات في تفجيري الضاحية.
في طرابلس اظهرت “شعبة المعلومات” بعد اقل من شهرين، كفاءة عالية في كشف المرتكبين. وتم توقيف احد المنفذين بقرار من المدعي العام العسكري صقر صقر. لم تصدر الاحكام بعد، لكن رواية قوى الامن الداخلي، كما نقلت، تبدو مقنعة. إذ تكشف ان كاميرات المراقبة، وداتا الاتصالات الرسمية، كانتا العين والأذن والأنف في كشف المرتكبين. اما في الضاحية فيبدو التحقيق منتهياً من دون ان يكون مقنعاً. فلم نسمع عن افلام كاميرات المراقبة، او داتا الاتصالات، ولا عن سيناريو يوضح كيف تمت عمليتا التفجير، ومن كان يقود السيارتين.. قيل الكثير، لكن ليس هناك رواية متماسكة كما هي حال الرواية المقدمة من قبل فرع المعلومات لتفجيري طرابلس.
ما يقال ان “جهات تكفيرية” تقف وراء تفجير الضاحية. وقيل ايضاً ان المخابرات السعودية تقف خلفهم. لكن بقي ذلك في اطار الرسائل السياسية والاعلامية، و”الاتهام السياسي” فقط. ولا يزال كثيرون ينتظرون الحقيقة التي لا نعرف ان كان كشف مضمونها، فعلا، ام لا؟
النائب السابق محمد ياغي يعدنا بالاقتصاص من القاتل،الذي يعرفه حزب الله على الاقل: “وحسابه –مرسلا لتفجيرات–سيكون عسيراً”. لكن هذه القناعة لدى ياغي لا تكفي. اذ لا بد ان يرسل معلوماته الى القضاء، علّه يخفّف عنه بعض الجهد للوصول الى الحقيقة. وربما من واجب قاضي التحقيق عماد الزين ان يطلب شهادة ياغي في هذه القضية، بعد ما قاله امس حول ما يملكه من معلومات.
وعيد حزب الله قابله صمته اتجاه كشف منفذي تفجيري طرابلس: فهل الدماء التي سفكت في الضاحية غير الدماء في طرابلس؟ واذا سلمنا بأن حزب الله معني بتفجيري الضاحية دون سواها، فهل سعيه للاقتصاص ممن نفذ الجريمة، الذي يعرفه هو فقط، ولا يعرفه الجمهور بعد، يتيح للآخرين ان يقتصّوا من منفذي تفجيري طرابلس. فإذا كان الحزب يعتبر من حقّه أن يأخذ حقّ الناس الذين قتلوا بالضاحية بيده وليس بيد القانون، حينئذ يمكن لآخرين ان يبرروا قتالهم في طرابلس من اجل الاقتصاص من منفذي جريمة المسجدين. لا بل تصبح مشروعة مطالبة مسؤول إحدى المجموعات المقاتلة في باب التبانة، سعد المصري، امس “مواصلة الجولة القتالية في طرابلس”. هو الذي قال إنّ “الحل الجذري للأزمة يكون عبر تسليم كل منفذي التفجيرين في طرابلس”.
alyalamine@gmail.com
البلد