أمير مير- لاهور، الشفّاف
حصيلة القرار التاريخي بإعادة قضاة المحكمة العليا الذين فصلهم الجنرال مشرّف في العام 2007، ظاهرياً في أعقاب الإحتجاجات الجماهيرية الكبيرة التي نظّمها نوّاز شريف، هي، حرفياً، إضعاف سلطة الرئيس آصف زرداري إلى أبعد الحدود وترسيخ صورة شريف بصفته الزعيم السياسي الشعبي الوحيد الذي يحرز تأييد شعب باكستان حالياً.
وفي اللحظة التي بدا فيها أن كل الجهود التي بذلها اللاعبون الدوليون لنزع فتيل الأزمة السياسية المتصاعدة قد فشلت، فقد استسلمت حكومة زرداري لمطالب المحتجين في أولى ساعات يوم الإثنين، وذلك في محاولة للحؤول دون انفجار الغضب الشعبي. إن إعادة القضاة المفصولين إلى مناصبهم تضع حدّاً، مؤقتا على الأقل، لكفاح استمر سنتين من أجل تصحيح الجناية التي ارتكبت في 3 نوفمبر 2007، حينما أعلن مشرّف حكم الطوارئ واستفاد منه للقيام بعدد من الإجراءات غير الشرعية. وعلى خلفية احتشاد ألوف الناس في الشوارع واستعدادهم للزحف على “إسلام آباد”، فقد أعلن رئيس الحكومة، يوسف غيلاني، من التلفزيون الحكومي، وفي الساعة 5:45 صباح الإثنين، أنه سيتم إعادة رئيس المحكمة العليا، إفتخار محمد شودري، والقضاة الآخرين إلى مناصبهم.
جاء إعلان يوسف رضا غيلاني المفاجئ تعبيراً عن هزيمة الرئاسة في أعقاب مفاوضات كثيفة جرت خلال الأيام السابقة ورفضت أثناءها أحزاب المعارضة وجمعيات المحامين بقيادة نواز شريف أية مساومة مع الحكومة. وجاء الإعلان بعد أن بدأ ألوف المحتجين وعلى رأسهم رئيس حكومة أسبق هو نواز شريف بالتحرك نحو إسلام آباد إستعداداً للإعتصام فيها. وأدى إعلان رئيس الحكومة إلى إلغاء خطط الزحف على العاصمة الفيدرالية والإعتصام خارج مقرّ الرئاسة.
ويقول المحللون السياسيون في إسلام آباد أن إعادة القضاة المفصولين أدى، كذلك، إلى تغيير الدينامية السياسية في باكستان حيث أن قيادة حزب الشعب الباكستاني، وهو حزب ليبرالي وتقدمي، التي أوصلتها الإنتخابات العامة في 2008 إلى السلطة قد فقدت معظم مصداقيتها، في حين تحوّلت حزب “الرابطة الإسلامية الباكستانية”، بقيادة نوّاز شريف إلى قوة سياسية شعبية يُحسب لها حساب. ويعتقد المحللون أنه رغم نزع فتيل الأزمة السياسية في باكستان في الأمد القريب، فإن الأزمة ما تزال متقدة، وما تزال حكومة “حزب الشعب الباكستاني” معرّّضة للخطر، وخصوصاً مع تصاعد شعبية نوّاز شريف ومع أزمة فقدان المصداقية التي يعيشها الرئيس آصف علي زرداري.
ويقول الجنرال المتقاعد “طلعت مسعود”، وهو واحد من أبرز المحللين السياسيين والأمنيين في باكستان، أن “الرئيس زرداري خرج ضعيفاً جداً من التطوّرات الأخيرة. فقد ثبت أن أعماله الأخيرة غير قابلة للإستمرار، ورفضها الشعب وحتى قسم من حزبه نفسه”. ويقول المدير السابق لجهاز الإستخبارات المشترك، الجنرال “حميد غول” أنه “إذا لم يعدّل زرداري طريقته لمعالجة المشاكل، فسيجد نفسه مضطراً للتخلي عن رئاسة الجمهورية. إنه سياسي ضعيف جداً وغير قادر على فهم مزاج الناس. لقد حاول أن يسيّر أمور الدولة بالألاعيب بدلاً من المبادئ، وهنا كان خطأه”.
ويعتقد بعض المحللين أن زرداري تعرّض للتضليل من جانب مساعديه الذين كانوا يعتقدون أن نواز شريف لن يكون قادراً على تنظيم حركة إحتجاج كبرى. وقال المحلّل “رشيد رحمن” أن “تطوّرات مسيرة يوم 16 مارس ينبغي أن تكون إمتحان حقيقة للرئيس الذي عزل نفسه في مقرّ الرئاسة. وإذا كان الناس العاديون قد نجحوا في إسقاط ديكتاتور عسكري قوي، فإن باستطاعتهم أن يسقطوا رئيساً مدنياً يتعرض لأزمة مصداقية كبيرة”. وأضاف: “أثبتت الأزمة، كذلك، أن زرداري مجرّد وريث لقيادة حزب الشعب وليس زعيماً سياسياً بحد ذاته”.
فحتى أثناء مواجهته للحملة التي شنّها ضده حليفه السابق نوّاز شريف، كان على زرداري أن يواجه الإنشقاقات المتزايدة داخل صفوف حزب الشعب. فقد عارض رئيس الحكومة، غيلاني، قرار الرئيس بفرض الحكم الإداري على “البنجاب”، التي كانت تديرها حكومة محلية تابعة لحزب “الرابطة الإسلامية”، في حين استقال وزيران مهمّان- هما “رضا ربّاني” و”شيري رحمن”- من الحكومة الفيدرالية تعبيراً عن استيائهما من طريقة عمل زرداري. ويقول المحللون أن “غيلاني”، الذي اختاره زرداري بنفسه رئيساً للحكومة، خرج أقوى من الأزمة لأنه أقنع الرئيس بإعادة القضاة المفصولين. ويقول الجنرال “طلعت مسعود” أن “مكانة غيلاني تعزّزت لأن الناس باتوا يعتبرونه نزيهاً وصاحب كلمة”. ومع أن قدراته الإدارية تظل موضع تساؤل، فإنه بات يتمتع بقدر أكبر من المصداقية. وأضاف: “سيصبح رئيس الحكومة، بعد الآن، أكثر قدرة على إبداء رأيه سواء داخل الحزب أو في الحكومة، وستكون النتيجة أن البرلمان أيضاً ستكون له كلمة أقوى بعد الآن”.
amir.mir1969@gmail.com