يشعر اللبنانيون بالغضب والإشمئزاز بسبب تدني مستوى الممارسة السياسية وما يرونه من وقاحة بعض السياسيين وتفاهتهم وعدم كفاءتهم. وقد باتوا يتوجسون من السياسة وينظرون اليها بارتياب او لامبالاة، ويفضّلون الإبتعاد عنها كما لو انها شيء قذر ومشين. لقد اصبحت السياسة في نظر الكثيرين مرادفاً للابتذال والفساد وانعدام الاخلاق. سباق على المناصب ومغانم السلطة لا يأبه بالاعتبارات الاخلاقية ولا يتردد في الدوس على المبادىء، وطريق مختصرة لجمع الثروات على حساب المال العام.
ويدركون اكثر فأكثر انهم يعيشون في دولة فاشلة لا تتوافر فيها الشروط الأساسية لدولة ذات سيادة ولا تتحمل مسؤولياتها تجاه مواطنيها. دولة غير قادرة على فرض سلطتها، وتعجز عن توفير الخدمات العامة، بينما يعمّ الفساد جميع مؤسساتها.
وينظرون بقلق بالغ الى ما يظهر في الآونة الاخيرة من نيات لإثارة النعرات الطائفية وزرع بذور الفتنة، ما يهدد بانزلاق البلد مجدداً نحو الاقتتال الطائفي والحرب الاهلية.
وقد بدأت تظهر عليهم علامات التعب والاحباط نتيجة استمرار التدهور دون بارقة امل في الافق.
مع ذلك، يجب ألا نستسلم. ان الانحطاط الذي اصاب حياتنا العامة يجب الا يقودنا الى اليأس والانكفاء.
وبغض النظر عن السياسيين وسوء سمعتهم، فإن السياسة مسألة ذات أهمية كبرى. فهي في جوهرها تنافس بين خيارات مختلفة حول ما هو افضل للمجتمع. وهي تقوم على توجيه المواطنين فيما يتعلق بالشؤون العامة ومحاولة اقناعهم بالخيار الافضل واستنهاضهم من اجل تحقيق الخير العام. وهذا عمل نبيل. ويجب ان يُمارَس بترفع وباخلاق عالية.
على اي حال، ان السياسة امر لا مناص منه. وهي تحيط بنا من كل جانب وتحدّد معظم اوجه حياتنا. ومن يقول أنه لا يهتم بالسياسة اشبه بالغريق الذي يدّعي أنه لا يكترث لوجود الماء. ومن يتنازل عن حقه في العمل السياسي انما يترك الآخرين يقررون مصيره بدلاً منه.
وليس صحيحاً أن الافراد عاجزون عن التأثير في الحياة السياسية. فهم إذا أرادوا قادرون، من خلال العمل السياسي المنظم، ان يكون لهم تأثير حاسم على حياة مجتمعاتهم.
ماذا يريد اللبنانيون؟
يريدون ان يعيشوا بسلام.
لقد عانوا من الحروب والاحتلالات وعدم الاستقرار على مدى عقود. يريدون دولة قادرة على إرساء أسس سلام دائم.
وهذا يعني في المقام الاول دولةً ذات سيادة. والسيادة من ابسط مقومات الدولة. السيادة هي ان تفرض الدولة سلطتها على كامل التراب الوطني، ولا تخضع لوصاية او إملاءات خارجية. وان يكون للدولة الحق الحصري في امتلاك القوة المسلحة، كما هي حال جميع الدول.
ويعني ايضاً دولة حديثة تتوافق مع روح العصر. دون ذلك لن يكون سلام لبنان قابلاً للحياة. دولة يكون الفرد فيها قيمة بذاته، بصرف النظر عن أي انتماء. فلا يجري اختزاله في دين او طائفة. دولة تلغي الطائفية من الحياة العامة وتضع قانوناً مدنياً للأحوال الشخصية.
وببساطة، يريدون بلداً طبيعياً يشبه البلدان الاخرى. بلد لا يخجلون به. بلد يوفر لهم سبل العيش الكريم ويؤمن لحياتهم اليومية اطاراً جذاباً ومريحاً.
مشروع سلام لبنان
في مطلع الشهر القادم، يطلق سمير فرنجيه ورفاقه المؤتمر الدائم لسلام لبنان. اطار سياسي قيد الإنشاء، عابر للطوائف، يهدف الى تحقيق وتثبيت سلام لبنان.
وفي اعتقادي انها فرصة سانحة لذوي الارادة الطيبة للإلتقاء واطلاق دينامية سياسية جديدة، من اجل استرداد العافية، واعادة الاعتبار الى السياسة والعمل السياسي، وتأكيد الدور الأساسي الذي يجب ان تلعبه الاخلاق في السياسة.
– أستاذ الفلسفة والعلوم السياسية والعلاقات الدولية.
بيروت