نحن مع الجيش، ومحمد سلام كذلك. وإذا كان هنالك من ينطبق عليه أنه “إبن دولة” فهو سنّة لبنان. وكذلك، سنّة وشيعة البقاع والهرمل وبعلبك الذين تخلّت عنهم الدولة وتركتهم لحزب الله!
ونحن مع ضرب “الزعران” (وقلنا عنهم في مقال سابق أنهم “أولاد” من المتسيبين عن الدراسة مثل أولاد كثيرين في طرابلس). ولكن تصوير طرابلس كـ”إمارة تكفيرية” لا يخدم سوى من حوّل “الضاحية” و”الجنوب” و”البقاع” و”الحدود الشرقية” إلى “إمارة إيرانية”!
المواطنون اللبنانيون الذين ينتمون إلى لبنان والطائفة السنّية (وهي الطائفة الأكبر في لبنان، رغم المحلّلين الأميركيين) رفعوا رأس اللبنانيين! أثبتوا مرة أخرى أن أحد مؤسسي هذا الكيان هو “السنّي” رياض الصلح‘
ومناسبة الكلام أن الحديث عن “حلول أمنية” لمنطقة التبّانة التي تعرَضت لـ”أوشفيتز” نازية في ٢٨ شباط ١٩٨٧، على ايدي علي عيد ووزير داخلية سوريا الحالي محمد الشعار (جماعة النظام السوري كانوا يسمونه “كلب طرابس”!) هو حديث بعيد عن “الإحساس”، وعن الذوق، وعن منطق “الدولة”! الدولة التي لم تجرؤ يوماً على توجيه “استدعاء” لعلي عيد في مجزرة ١٩٨٧ تتحدث عن “حل أمني للتبانة”!! عيب!
(وكلمة خاصة: ألا يستطيع “مليونيرية” طرابلس، سواءً كانوا يعدّون على أصابع اليد الواحدة أو أكثر، أن “يشتروا” التبانة وشبابها بمشاريع تعليمية وتـأهيلية وتنموية؟ أم أن التنافس على لقب “دولة الرئيس” أهم؟)
ألم ينتبه المتآمرون على “البلد” أن اللبنانيين صاروا “لبنانيين”، ولم يعودوا سنّة وموارنة وشيعة ودروز وأرثوذكس وأرمن ويهود؟ رغم كل استفزازاتهم، وصواريخهم و… “استكبارهم”؟
هنالك رائحة” ١٤ آذار جديدة” ستهزم صاحب “٨ آذار”.. كما هزمته في ٢٠٠٥!
الشفاف
*
صدق الخليفة عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه إذ قيل له: “يا أمير المؤمنين، إن الناس قد تمرّدت وساءت أخلاقها، ولا يقومها إلا السوط (الكرباج)! فقال: كذبتم فإنه يقوّمها العدل والحق.”
اللبنانيون المسلمون السنّة، حتى الآن، لا يريدون ثورة سنية للإطاحة بالنظام. هذا أحد وجهي الحقيقة والواقع. الوجه الآخر هو أن السنّة بحاجة إلى إنتفاضة سنيّة ضمن النظام للمحافظة على وجودهم ضمن الدولة اللبنانية، طائفة محترمة، مصانة، حقوقها التي يوفّرها لها النظام مضمونة، أهلها يعيشون بكرامتهم التي ينص عليها النظام، دولتهم تحميهم كما ينص عليه النظام، وتمنع تحويلهم إلى ممسحة لحذاء حسن نصر الله وأحذية أتباعه وأدواته.
أطلال التبانة السنّية لا توحي بأن أي من حاجات اللبنانيين السنّة قد تأمنت. والمعادلة التي وردت على ألسن نواب طرابلس ورئيس بلديتها: “بداية إستكمال تنفيذ الخطة الأمنية” التي بدأت في آذار الماضي لا توحي بالإستجابة لحاجات التبانة، التي لم تقبض بعد تعويضات بداية الخطة الأمنية في آذار الماضي، فيما صارت بحاجة إلى تعويضات بداية إستكمال تنفيذ الخطة الأمنية في تشرين الأول الحالي.
الخطة الأمنية التي بدأت سلمياً في جبل محسن العلوي بتسوية “عدم ظهور” العيدين –الأكبر علي والأصغر رفعت- بدأ إستكمالها دموياً في طرابلس بعدم ظهور المولوي ومنصور في أطلال التبانة.
هل يمكن إيجاد أي وصف لهذه المقارنة الواقعية يقل عن كلمة “مسخرة”؟
نعم. هي ليست مسخرة. هي إضطهاد لمنطقة لبنانية مسلمة سنيّة، بل لمدينة لبنانية مسلمة سنيّة، بل لطائفة لبنانية مسلمة سنيّة.
والمسؤول عن هذا الإضطهاد ليس الجيش. المسؤول عن هذا الإضطهاد هو هذه الحكومة التي يرئسها لبناني مسلم سنّي، وكل الحكومات التي سبقتها برئاسة لبنانيين مسلمين سنة. الحكومة، التي هي سلطة، هي التي تأخذ القرار، والجيش، الذي هو إدارة-مؤسسة، ينفذ القرار، وإذا إمتنع الجيش عن تنفيذ القرار يصير إما متمرداً أو منفذاً لإنقلاب عسكري على السلطة المدنية.
لذلك سأل خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز الرئيس ميشال سليمان عندما زاره: “لماذا لم تأمروا الجيش بمنع مشاركة حزب الله في الحرب السورية؟” وكان يسأل عن قرار السلطة.
الرئيس سليمان، وهذا ليس سراً، أجاب بمداخلة طويلة عريضة ليخلص إلى أن إصدار أمر للجيش لتنفيذ مثل هذه المهمة “ينعكس على الجيش.”
هي نفس المعادلة التي إعتمدها سليمان عندما كان قائداً للجيش في أيار العام 2008. في سابقة هي الأولى في تاريخ قيادة الجيش اللبناني وجه العماد قائد الجيش ميشال سليمان “رسالة خطية إلى الضباط” أمرهم فيها بالحياد حفاظاً على وحدة الجيش، معتبراً أن ما كان يجرى في ذلك الوقت هو حرب أهلية، يمكن أن تتهدد وحدة الجيش إذا تدخل فيها.
حافظت الحكومات اللبنانية المتعاقبة على وحدة الجيش بعدم أمره بوقف إعتداءات حزب حسن نصر الله على الطائفة السنيّة، سواء في أيار بيروت، أو حزيران عبرا، أو جولات إعتداءات ثكنة الأسد العشرين من بعل محسن على طرابلس، ومثيلاتها في بلدات البقاع السنّية من عرسال إلى كامد اللوز وما بينهما.
ولم تجرؤ الحكومات اللبنانية المتعاقبة على إتخاذ قرار بتكليف الجيش منع إعتداءات حزب نصر الله على الشعب السوري … على الأرض السورية.
لذلك فإن أطروحة “بدء إستكمال تنفيذ الخطة الأمنية في طرابلس” بعد سبعة أشهر على بدء تنفيذها الأول هو ليس أكثر من عود على بدء. وما بدأ ناقصاً لا ينتهي كاملاً.
ولذلك فإن الدعوات للإنشقاق عن الجيش ما هي إلا “صبيانيات” لا علاقة لها بأي واقع. وكل فهيم يفهم أن حالات الإنشقاق عن الجيوش عامة لا تتم إلا في إحدى حالتين: (1) حالة جيوش التطوع الإلزامي. (2) توفّر إقتدار مالي يضمن لمن يريد الإنشقاق إستمرار وعدم إنقطاع عائداته التي يجنيها من “وظيفته” في الجيش الذي ينتمي إليه (الراتب، البدل الصحي له ولعائلته، بدل التعليم لأولاده) … ألخ، إضافة إلى الغطاء السياسي من سلطة توازي السلطة التي يتبع لها الجيش الذي يريد الإنشقاق عنه.
في (1): حالات الإنشقاق عن جيوش الخدمة الإلزامية تتم عندما يهتز النظام السياسي الذي يديرها. والمنشق، أو بالأدق، المتمرد، لا يخسر بدلاً مادياً مجدياً بإعتبار أن عائداتها قليلة، ويكسب عدم المقامرة برقبته إذا سقط النظام.
في (2): تجربة “جيش لبنان العربي” بقيادة الملازم أول أحمد الخطيب، وتجربة “جيش لبنان الجنوبي” بقيادة الرائد سعد حداد بداية ثم أنطوان لحد، أبرز مثالين من حواضرنا عن الحالة الثانية. الموازنة التي رصدتها منظمة التحرير الفلسطينية لجيش أحمد الخطيب كانت أكبر من موازنة وزارة الدفاع كلها، ولم تتأخر التقدمات المالية والصحية والدراسية للجنود المنشقين لحظة واحدة، بل أن بعض من هربوا من المدرسة الحربية قبل تخرّجهم قبضوا راتبهم الأول لرتبة “ملازم” من ميزانية منظمة التحرير بعدما علقوا نجمتهم تحت درج مقر المرابطون في منطقة أبو شاكر …
والميزانية التي خصصتها إسرائيل “لجيش لبنان الجنوبي” كانت هائلة، سواء لجهة الرواتب أو لجهة العائدات النفعية التي زادت علها “إمتياز” توظيف ثلاثة من أقرباء كل عنصر في إسرائيل.
أمام ما سلف من واقع ووقائع تتبيّن بواقعية “صبيانية” دعوات الإنشقاق عن الجيش.
المسألة كلها لها علاقة بأداء الحكومات، هي التي تُحاسَب، لا الجيش الذي لا يستطيع سوى تنفيذ قرارات الحكومات، والحكومات لم تتخذ قرارات، ولم تقل مرة إن الجيش لا ينفذ قراراتها.
أما همروجة “الترويج” الإعلامي للجيش فهذه لا تخدم الجيش، بل تسيء إليه، لأنها تضعه في موقع يحمّله مسؤولية ما يجب أن تتحمله الحكومات، ولا تتحمله، علماً بأن المسؤولية كلها تقع على عاتق الحكومات.
أما توظيف الإعلام في الترويج للجيش فهذه، إضافة إلى أنها تسيء للجيش، فإنها وصمة عار في تاريخ مهنة الصحافة اللبنانية تستوجب إنعقاد جمعية عمومية مشتركة لنقابتي المحررين والصحافة لإعادة تأكيد دور المهنة بإعتبارها مهنة نقل حقائق وليست مهنة شركات إعلانية أو شعراء مدح وهجاء.
ولا بد، في هذا الصدد، من التذكير بأن الإعلام الأميركي تحديداً هو الذي كشف الجرائم التي إرتكبتها المخابرات الأميركية في سجن أبو غريب العراقي، وكلنا، من دون أي إستثناء، نقلنا فضائح تلك الجرائم عن الإعلام الأميركي. ولم يكم هناك فضل للإعلام العربي في إكتشاف وفضح تلك الجرائم.
فهل كان الإعلام الأميركي ضد الجيش الأميركي عندما كشف جرائم المخابرات الأميركية في معتقل أبو غريب العراقي؟؟؟؟
كلا. الإعلام الأميركي كان يمارس مهنته، مهمته، وهي نقل الحقيقة للناس لا الترويج بقصد تكوين رأي عام مضلل.
فلماذا لا يمارس الإعلام اللبناني مهمته؟
بئس الترويج وبئس المروجين.
خلاصة القول إن اللبنانيين المسلمين السنة، حتى الآن وعلى الرغم من كل الإضطهاد والأذى الذي ألحقته بهم الحكومات، لا يريدون ثورة سنيّة ضد النظام اللبناني
هذه الحقيقة لن تصمد إلا إذا أعطيتم السنّة إنتفاضة ضمن النظام كي يبقوا … لبنانيين.
من أرشيف “الشفاف:
التقرير المحظور: “علي عيد” في “مجزرة التبّانة ١٩٨٧”، الإعدامات والمقابر الجماعية (خاص بـ”الشفاف”)