هناك مَن يحلل السياسة في إسرائيل، حسب توازن القوى السياسية والحزبية في الدولة العبرية، وحسب التغيرات في الاصطفاف السياسي- الحزبي.
وهناك مًن يحلل السياسة في إسرائيل طبقاً للمصلحة الاستراتيجية الأمريكية! أو لنقل مجازاً المصلحة الأمريكية الإسرائيلية !
هذا الأسبوع دلفت من لجنة فينوغراد التي تحقق في مجرى ونتائج حرب لبنان الثانية تصريحات قاطعة، تقول إن “التقرير النهائي”، الذي سيصدر في موعد أقصاه كانون الأول المقبل، “لن يصدر تقريرات قاطعة ضد اشخاص وسيترك للرأي العام أن يحكم سياسياً وانتخابياً على الحكومة”.
إذا أخذنا بعين الاعتبار أن عمير بيرتس وزير الدفاع خلال الحرب، قد “طار” من موقعه، وأن قائد الجيش الجنرال دان حالوتس قد “طار” هو أيضاً، فإن معنى هذا القول، هو واحد. لجنة فينوغراد لن توصي باستقالة /إقالة إهود أولمرت. وعندها ليس هناك”سبب” عند إهود براك لإخراج حزب العمل من الحكومة، وعندها فإن حكومة أولمرت باقية، وثابتة، في موقعها.
يُسْأل السؤال: إذا جرى هذا السيناريو هل هو نتاج التفاعلات السياسية الداخلية في إسرائيل، فقط؟! أم أن الحسابات الأمريكية الحاسمة، هي هي التي تُمْلي هذا التطور في إسرائيل هل الولايات المتحدة معنية باستقرار وتعزز الحكومة الحالية بقيادة أولمرت؟
هناك منطق بأن الولايات المتحدة تريد من أولمرت مواصلة “طحن الماء” مع رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس للايهام بأن أميركا “تدفع” إسرائيل نحو “حل” القضية الفلسطينية. وأميركا، التي سُمْعتها في الحضيض في كل العالم العربي تستغل “المحادثات” الإسرائيلية-الفلسطينية استغلالاً كاملاً للتأكيد على السعي الأميركي للسلام.
من ناحية ثانية، فإن الولايات المتحدة تبدو عازمة على القيام “بعمل حاسم” ضد النظام الأصولي الايراني برئاسة أحمدي نجاد. وبدون أن نكون خبراء عسكريين، نقول إن أمريكا عندما تقرر ضرب ايران، فسوف يكون لإسرائيل دور حاسم، “تنفيذي”، في تنفيذ المخطط الأمريكي ضد ايران.
قلنا، ونقول الآن، إن “النظام الإسرائيلي” ليس عميلاً منفذاً للأوامر، فقط، عند النظام الأمريكي، بل هو “شريك”، ليس شريكاً “متساوياً” ولكنه شريك. هناك فرق نوعي بين النظام الإسرائيلي والأنظمة العربية “التابعة” (التي ليست شريكة) في العالم العربي، للسياسة الأمريكية.
لجنة فينوغراد قالت طبقاً للإعلام الإسرائيلي، إنها لن تقدم هي توصيات قاطعة ولن “تقطع رؤوساً” ، وسوف تترك للرأي العام، وليوم الانتخابات المقبلة، أن يصدر موقفاً من حكومة أولمرت، أن يعطيها “علامات” على تسييرها لحرب لبنان الثانية، فإما أن تنجح الحكومة في الامتحان وإما أن “تسقط” وتذهب إلى النسيان.
يجب القول إن حكومة أولمرت لديها ما تفاخر به أمام الرأي العام الإسرائيلي، أولاً: الوضع الاقتصادي تحسن، هناك تراجع في معدل البطالة، وهناك ارتفاع في مستوى المعيشة، وكل الاستطلاعات تدل أن أكثرية ساحقة من الرأي العام الإسرائيلي “راضية عن الوضع الاقتصادي”.
وثانياً حكومة أولمرت عزلت عمير بيرتس وجاءت بإهود براك، الجنرال المحنك، عسكرياً وسياسياً، وهذا زاد ثقة الرأي العام الإسرائيلي بالمؤسسة العسكرية. وثالثاً: باستقالة الجنرال دان حالوتس تم تعيين الجنرال غابي أشكنازي. الذي جاء بنظرة عسكرية مختلفة عن نظرية دان حالوتس. حالوتس الذي نما في سلاح الطيران صار يضع سلاح الطيران قوة حاسمة في الحرب وأهمل –هكذا يقال. السلاح البري، وقام ويقوم الجنرال إشكنازي بحملة تدريبات عسكرية لم يسبق لها مثيل، وهذا يعود بالرصيد لحكومة أولمرت.
لذلك، هناك مًن يقول إن حكومة أولمرت، في السنة الأولى، أخطأت أخطاء فاحشة، ولكنها الآن تصلح أخطاءها وتعزز مكانتها وتقيم علاقات مع الفلسطينيين ومع عدد من الدول العربية. كما أن إسرائيل تعزز علاقتها الشاملة وتنسيقها المطلق مع الولايات المتحدة.
من هنا، تقدير الكثير من الخبراء السياسيين والحزبيين، بأن حكومة أولمرت “باقية” مدة أطول بكثير مما توقع البعض. وربما ينتظر موعد الانتخابات البرلمانية إلى عام 2010.
إن النظام الإسرائيلي، منذ نهاية حرب لبنان الثانية إلى الآن يفحص، طول الوقت، يفحص كل شيء، سياسياً وعسكرياً، يعدِّل الخطط، يعيد بناء الاستراتيجية، يعمق العلاقة الاستراتيجية مع السيِّد الأميركي، ومع دول كبرى أخرى.
السؤال المحزن والمحبط هو: ماذا فعل العرب، ماذا يفعل العرب، لمجابهة التحديات التي تهدد الوجود القومي العربي كله؟
قال لي صديق سخريته من فصيلة سخرية ناجي العلي هذا الأسبوع:”بعد أن ينتهي صوم رمضان وبعد أن ينتهي مسلسل “باب الحارة” سوف يبدأ العرب بالتفكير في المستقبل”!!
salim_jubran@yahoo.com
* الناصرة
إسرائيل تخطط وتستعد والعرب.. يشاهدون “باب الحارة”!
قبل ان تلعنوا الاستعمار العنوا قابلية الاستعمار من الديكتاتوريات والفقر والجهل وطبقوا الديمقراطية واحترام الانسان والا الامة تسير نحو الموت المحتوم